خيار تخلف الشرط

خيار تخلف الشرط

خيار تخلف الشرط:


قد جرت عادة الناس في معاملاتهم المختلفة على اشتراط أحد المتعاقدين أو كليهما شروطاً بحيث تبتني عليها المعاملة وتكون جزءاً في عناصر التعاقد؛ وينتج عن ذلك أنه يجب على المشروط عليه الوفاء لصاحبه بما شرطه عليه، فإن لم يفِ له كان الآخر في حل من المعاملة، فيجوز له فسخها إن شاء إجمالاً. وفي البيع ـ بخاصة ـ  يصح أن يشترط المتعاقدان ـ كلاهما أو أحدهما ـ أي شرط مشروع على الآخر، كأن يشترط عليه خياطة ثوبه أو دفع مقدار من المال أو قراءة القرآن عن أمواته، أو أن يقوم برياضة عند الصباح أو نحو ذلك من الشروط، فإذا لم يف الآخر بالشرط كان للآخر فسخ عقد البيع، وهذا ما يسمى بـ )خيار تخلف الشرط(؛ كما أنه يصح أن يشترط أحدهما  أو كلاهما  أن يكون له خيار الفسخ لمدة معينة وبكيفية معينة، بنحو يكون لصاحب الشرط فسخ المعاملة خلال المدة بسبب أو بدون سبب، وهذا ما يسمى (خيار الشرط). ورغم ما بينهما من تقارب، فإن ثمة خصوصيات تستوجب الفصل بينهما، لذا فإننا قد خصصنا هذا العنوان لبيان الشرط وأحكامه، بما فيها ثبوت خيار الفسخ عند تخلفه في العقود اللازمة، ثم أفردنا بعده بحثاً مستقلاً لبيان أحكام (خيار الشرط)، وعلى هذا الأساس نقول:


(الشرط) في الاصطلاح هو: (طلب أحد المتعاقدين أو كليهما عيناً أو منفعة أو عملاً أو حقاً من الآخر، وذلك إما من أجل استمرار الشارط بالالتزام بعقده، كما في البيع وغيره من العقود ما عدا الزواج، أو كمطلوب زائد على مفاد العقد، كما في بعض العقود الأخرى التي لا تقبل الفسخ عند تخلفه، كالزواج)، فإذا قبل المشروط عليه بذلك صار الوفاء بالشرط لازماً عليه إجمالاً؛ وتفصيل أحكامه يقع في مسائل:


م ـ677: كما يجب الوفاء بالعقد اللازم يجب الوفاء بالشرط المجعول فيه، بل يجب الوفاء بالشرط المجعول في العقد الجائز ما دام الشارط مستمراً في العقد؛ فإذا باع سيارته بثمن معين واشترط على المشتري أن يخيط له ثوبه، أو أن يتنازل له عن  حق الحضانة، أو أن ينتفع بداره لشهر، أو أن يقرأ القرآن عن أمواته، وجب على المشروط عليه الوفاء بالشرط، وكذا لو شرط الرجل أو المرأة في عقد الزواج أموراً، فإنه يجب على الآخر الوفاء بها، وهكذا غير البيع وغير الزواج من العقود اللازمة، كالإجارة ونحوها. أما الشرط في العقود الجائزة فمثل ما لو أعاره كتاباً مدة شهر مثلاً واشترط عليه أموراً كالتي مرت، فإنه يجب على المستعير الوفاء بالشرط ما لم يُرجِعْ العارية أو يسترجعها الشارط أو ينتهي أمدها، وهكذا غيرها من العقود الجائزة.

أما الإيقاعات، كالطلاق والإبراء وغيرهما، فلا تقبل بطبيعتها الاشتراط، بمعنى وقوعها معلقة في تأثيرها على التزام الموقع للطلاق مثلاً بالشرط وعدمه، بل إن الإيقاع إذا ألقي معلقاً على شرط يقع لاغياً، كأن يقول: "أنت طالق إن تنازلت عن مهرك"، أو: "أنت مبرأ الذمة من الدين الفلاني إن أهديتني كتاباً"، ونحو ذلك، نعم يصح أن يكون نفس إيقاع الإبراء أو الطلاق شرطاً ، كأن تقول: "إن سامحتني بمهرك أطلقك"، لأنه يكون وعداً بإيقاع الطلاق عند تحقق الشرط، وهكذا غيره.


م ـ678: يجوز اشتراط كل ما يرغب به الشارط من الأعمال والأموال والأقوال والحقوق ولو لم تكن مألوفة، وذلك في جميع مجالات الحياة العامة والخاصة، من المباحات والواجبات والمستحبات والمكروهات، بشرط أن تتوفر فيه الأمور التالية:


الأول: أن يكون غير مخالف لما هو إلزامي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فلا يجوز ولا يصلح اشتراط ما يخالف الشرع مما يتضمن طلب فعل الحرام، كشرب الخمر والزنا وأكل الميتة ولحم الخنزير ونحوها، أو يتضمن طلب ترك الواجب، كأن يفطر في شهر رمضان، أو يكشف عورته، أو لا يخمس، أو نحو ذلك؛ كما أن منه طلب الإخلال بشرط لازم في متعلقات الأحكام الشرعية وموضوعاتها، مثل أن يطلب منه فعل ما اشترط الشرع عدمه في العمل، كأن يطلب منه الصلاة في ثوب من الحرير إذا كان رجلاً، وهذا هو الشرط العدمي، أو يطلب منه عدم فعل ما اشترط الشرع وجوده، كأن يطلب منه الصوم من دون نية، أو الصلاة من دون استقبال، وهذا هو الشرط الوجودي، وهو إنما يكون حراماً ويترتب عليه بطلان العمل إذا كان الشارط قد شرط عليه الاكتفاء به، فهو تفويت للعمل محكوم بالحرمة؛ ومما يدخل في عنوان ما يخالف الشرع أمور قد أبطلها الشرع وألغى أثرها، وذلك مثل اشتراط جعل مهر امرأة نكاحَ امرأةٍ أخرى، وهو المعروف بـ(نكاح الشغار)  الذي كان معمولاً به في الجاهلية، وهكذا أشباه ذلك من الموارد.

هذا، ولا يضر بالشرط ما لو كان مخالفاً للكتاب والسنة في غير ما ذكر من الأمور غير الإلزامية، كأن يشترط صاحب العمل على العامل ترك صلاة النوافل حين قيامه بعمله عنده، أو يشترط عامل المضاربة ترك التبكير إلى العمل، أو يشترط الزوج على زوجته ترك الصيام المستحب خلال حياته الزوجية معها؛ وكذا الأمر فيما لو اشترط المستأجر أو الزوج فعل بعض المكروهات، فإنها وإن كانت مخالفة لآداب الإسلام الواردة في الكتاب والسنة، لكنها لما كانت غير إلزامية فإنه يجوز إلزام الغير بفعلها بسبب مزاج أو مصلحة طارئة أو نحو ذلك، رغم أن فيها ما فيها من عدم اللياقة مع الله تعالى.


الثاني: أن يكون الشرط غير مناف لمقتضى العقد، كما إذا باعه بشرط أن لا يكون له ثمن، أو استأجر منه الدار بشرط أن لا يكون له أجرة، وهكذا.


الثالث: أن يكون مضمون الشرط  حين التعاقد  من الأعمال الممكنة الحصول، فلا يصح فيما لو كانا عالمين حين التعاقد بعدم التمكن منه، إما لكونه ممتنعاً في ذاته، كالبقاء حياً في الماء نصف ساعة، أو لأن المشروط عليه عاجز عنه، كأن يطلب من الجاهل الأمي تعليمه القراءة والكتابة؛ وكما يحكم ببطلان الشرط الذي يعلمان بتعذر حصوله حين ا لتعاقد، كذلك فإنه يحكم  أيضاً  ببطلان الشرط إذا اعتقد التمكن منه ثم بان العجز عنه من أول الأمر، أو كان متمكناً فعلاً ثم طرأ العجز عنه.


الرابع: أن يكون متعلق الشرط أمراً واضحاً ومحدداً بدرجة يعتدّ بها، ويكفي فيه أن يكون متعيناً في الواقع وإن لم يكن معلوماً لدى أحد الطرفين أو كليهما إذا لم يستتبع جهالة أحد العوضين، فيصح منه أن يبيعه سيارته  مثلاً  ويشترط عليه أن يقضي ما فات والده المتوفى من الصلاة مما هو مردد بين السنة والسنتين، وكذا يصح توقيته بمثل رجوع الحجاج أو وضع الحمل، ونحوهما مما له أجل معلوم إجمالاً، أما إذا كان غير معين ولا معلومٍ أبداً، أو كان تعينه في الواقع مستلزماً لجهالة أحد العوضين واختلال شروط البيع، كأن يبيعه قماشاً في الذمة مشترطاً أموراً مسجلة في قائمة موجودة في مكتبه غائبة حين البيع، فإن جهالة الشرط بهذا النحو قد أوجبت جهالة المبيع، فيبطل بها البيع، وهكذا أمثال ذلك من الجهالة بالشرط الموجبة لبطلان الشرط وحده أو مع المبيع.


الخامس: أن يكون الشرط مذكوراً في العقد ومصرّحاً به فيه، أو يكون العقد مبنياً عليه ومقيداً به، إما لذكره قبل العقد أو لأجل التفاهم العرفي الحاضر في ذهن المتعاقدين حين التعاقد، وهو ما يسمى بـ(الشرط الضمني)؛ فلو ذُكر الشرط قبل العقد ولم يكن العقد مبنياً عليه عمداً أو سهواً لم يجب الوفاء به.


م ـ679: لا يعتبر في صحة الشرط أن يكون منجَّزاً وفعلياً، بل يجوز أن يشترط عليه أن يصلي عنه بعد موته إن مات قبله، أو أن يسكن الدار المباعة إذا لم يسافر، وهكذا.


م ـ680: لا بأس بأن يبيع ماله ويشترط على المشتري أن يبيعه له ثانية بعد مدة، نعم لا يصح أن يبيعه نسيئة ويشترط عليه أن يبيعه له نقداً بأقل مما اشتراه، ونحو ذلك من الموارد التي قد يترتب فيها على مثل هذا الشرط منافاة لأحكام الشريعة من جهة أخرى، كما سيأتي في مبحث النقد والنسيئة (أنظر المسألة: 811).


م ـ681: إذا تضمن العقد شرطاً فاسداً، فإن كان فساده غير موجب للإخلال بشروط العقد صح العقد وبطل الشرط، وحينئذ يترتب على العقد جميع آثاره ويكون الشرط الفاسد معدوم  الأثر؛ وأما إذا كان فساده من جهة كونه منافياً لمقتضى العقد وشروطه، بحيث يستلزم الوفاء بالشرط فقدان العقد لبعض عناصره وشروطه، فإنه يحكم  حينئذ  ببطلان الشرط والعقد معاً، وذلك كما لو اشترط وقوع البيع بلا ثمن، أو اشترط أن يكون مهر المرأة في هذا الزواج المؤقت تزويجه امرأة أخرى، أو إيقاع الطلاق بدون شهود، ونحو ذلك مما مر ذكر أمثلة له في بعض المسائل السابقة.


م ـ682: إذا وقع الشرط صحيحاً فامتنع المشروط عليه من  الوفاء به، فإن كان ذلك عن تمرد وعصيان، جاز للشارط إجباره بالطريقة المناسبة والمشروعة، دون فرق بين العقود المختلفة، وزيادة على ذلك، فإنه يجوز للشارط فسخ العقد الذي تخلف فيه شرطه إذا كان العقد من العقود اللازمة غير الزواج، كالبيع والإجارة وغيرهما، وذلك حتى في صورة رضوخه للإجبار ووفائه بالشرط بعد تمنع. أما الزواج فإنه ليس للشارط فسخه حتى لو انتهى الأمر به إلى عدم وفاء المشروط عليه أبداً؛ وأما إذا كان عدم الوفاء بالشرط لعجز عنه، ولو كان طارئاً بعد القدرة عليه، بطل الشرط وحده وصح العقد ولم يكن للشارط خيار الفسخ. وعليه فإن )خيار تخلف الشرط( لا يثبت إلا في العقود اللازمة عدا الزواج، وفي خصوص ما لو كان عدم الوفاء مقترناً بالقدرة.


م ـ683: إن مقتضى خيار تخلف الشرط أن صاحبه يكون فيه مخيراً بين الرضا بالعقد بدون الشرط وبدون أن يطالب بقيمة ما فاته بفقدان الشرط، وبين فسخ العقد وإرجاع العين إلى صاحبها؛ نعم إذا كان قد اشترط عليه مالاً جزاء مخالفته شروط العقد إضافة إلى حقه في الفسخ جاز له مطالبته به وإلزامه به.


م ـ684: إذا تضمن العقد أكثر من شرط، كفى عدم الوفاء ببعضها في ثبوت خيار الفسخ، فإذا فسخ الشارط العقد سقطت سائر الشروط، ولم يكن له شي‏ء على المشروط عليه؛ نعم إذا تضمنت هذه الشروط بنداً جزائياً بسبب الفسخ، فإنه لا يسقط ويجب على المشروط عليه الوفاء به بالنحو المشروط.


م ـ685: يسقط خيار تخلف الشرط إذا أسقطه صاحبه وحده دون أن يُسقط معه الشرط، أو إذا أسقط الشرط وتخلى عنه، فإن معنى إسقاط الشرط إسقاط ما له من أثر، فلا يجب على المشروط عليه الوفاء له به، كما أنه لا يحق للشارط الفسخ إذا لم يفِ له به بعد الإسقاط.


خيار تخلف الشرط:


قد جرت عادة الناس في معاملاتهم المختلفة على اشتراط أحد المتعاقدين أو كليهما شروطاً بحيث تبتني عليها المعاملة وتكون جزءاً في عناصر التعاقد؛ وينتج عن ذلك أنه يجب على المشروط عليه الوفاء لصاحبه بما شرطه عليه، فإن لم يفِ له كان الآخر في حل من المعاملة، فيجوز له فسخها إن شاء إجمالاً. وفي البيع ـ بخاصة ـ  يصح أن يشترط المتعاقدان ـ كلاهما أو أحدهما ـ أي شرط مشروع على الآخر، كأن يشترط عليه خياطة ثوبه أو دفع مقدار من المال أو قراءة القرآن عن أمواته، أو أن يقوم برياضة عند الصباح أو نحو ذلك من الشروط، فإذا لم يف الآخر بالشرط كان للآخر فسخ عقد البيع، وهذا ما يسمى بـ )خيار تخلف الشرط(؛ كما أنه يصح أن يشترط أحدهما  أو كلاهما  أن يكون له خيار الفسخ لمدة معينة وبكيفية معينة، بنحو يكون لصاحب الشرط فسخ المعاملة خلال المدة بسبب أو بدون سبب، وهذا ما يسمى (خيار الشرط). ورغم ما بينهما من تقارب، فإن ثمة خصوصيات تستوجب الفصل بينهما، لذا فإننا قد خصصنا هذا العنوان لبيان الشرط وأحكامه، بما فيها ثبوت خيار الفسخ عند تخلفه في العقود اللازمة، ثم أفردنا بعده بحثاً مستقلاً لبيان أحكام (خيار الشرط)، وعلى هذا الأساس نقول:


(الشرط) في الاصطلاح هو: (طلب أحد المتعاقدين أو كليهما عيناً أو منفعة أو عملاً أو حقاً من الآخر، وذلك إما من أجل استمرار الشارط بالالتزام بعقده، كما في البيع وغيره من العقود ما عدا الزواج، أو كمطلوب زائد على مفاد العقد، كما في بعض العقود الأخرى التي لا تقبل الفسخ عند تخلفه، كالزواج)، فإذا قبل المشروط عليه بذلك صار الوفاء بالشرط لازماً عليه إجمالاً؛ وتفصيل أحكامه يقع في مسائل:


م ـ677: كما يجب الوفاء بالعقد اللازم يجب الوفاء بالشرط المجعول فيه، بل يجب الوفاء بالشرط المجعول في العقد الجائز ما دام الشارط مستمراً في العقد؛ فإذا باع سيارته بثمن معين واشترط على المشتري أن يخيط له ثوبه، أو أن يتنازل له عن  حق الحضانة، أو أن ينتفع بداره لشهر، أو أن يقرأ القرآن عن أمواته، وجب على المشروط عليه الوفاء بالشرط، وكذا لو شرط الرجل أو المرأة في عقد الزواج أموراً، فإنه يجب على الآخر الوفاء بها، وهكذا غير البيع وغير الزواج من العقود اللازمة، كالإجارة ونحوها. أما الشرط في العقود الجائزة فمثل ما لو أعاره كتاباً مدة شهر مثلاً واشترط عليه أموراً كالتي مرت، فإنه يجب على المستعير الوفاء بالشرط ما لم يُرجِعْ العارية أو يسترجعها الشارط أو ينتهي أمدها، وهكذا غيرها من العقود الجائزة.

أما الإيقاعات، كالطلاق والإبراء وغيرهما، فلا تقبل بطبيعتها الاشتراط، بمعنى وقوعها معلقة في تأثيرها على التزام الموقع للطلاق مثلاً بالشرط وعدمه، بل إن الإيقاع إذا ألقي معلقاً على شرط يقع لاغياً، كأن يقول: "أنت طالق إن تنازلت عن مهرك"، أو: "أنت مبرأ الذمة من الدين الفلاني إن أهديتني كتاباً"، ونحو ذلك، نعم يصح أن يكون نفس إيقاع الإبراء أو الطلاق شرطاً ، كأن تقول: "إن سامحتني بمهرك أطلقك"، لأنه يكون وعداً بإيقاع الطلاق عند تحقق الشرط، وهكذا غيره.


م ـ678: يجوز اشتراط كل ما يرغب به الشارط من الأعمال والأموال والأقوال والحقوق ولو لم تكن مألوفة، وذلك في جميع مجالات الحياة العامة والخاصة، من المباحات والواجبات والمستحبات والمكروهات، بشرط أن تتوفر فيه الأمور التالية:


الأول: أن يكون غير مخالف لما هو إلزامي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فلا يجوز ولا يصلح اشتراط ما يخالف الشرع مما يتضمن طلب فعل الحرام، كشرب الخمر والزنا وأكل الميتة ولحم الخنزير ونحوها، أو يتضمن طلب ترك الواجب، كأن يفطر في شهر رمضان، أو يكشف عورته، أو لا يخمس، أو نحو ذلك؛ كما أن منه طلب الإخلال بشرط لازم في متعلقات الأحكام الشرعية وموضوعاتها، مثل أن يطلب منه فعل ما اشترط الشرع عدمه في العمل، كأن يطلب منه الصلاة في ثوب من الحرير إذا كان رجلاً، وهذا هو الشرط العدمي، أو يطلب منه عدم فعل ما اشترط الشرع وجوده، كأن يطلب منه الصوم من دون نية، أو الصلاة من دون استقبال، وهذا هو الشرط الوجودي، وهو إنما يكون حراماً ويترتب عليه بطلان العمل إذا كان الشارط قد شرط عليه الاكتفاء به، فهو تفويت للعمل محكوم بالحرمة؛ ومما يدخل في عنوان ما يخالف الشرع أمور قد أبطلها الشرع وألغى أثرها، وذلك مثل اشتراط جعل مهر امرأة نكاحَ امرأةٍ أخرى، وهو المعروف بـ(نكاح الشغار)  الذي كان معمولاً به في الجاهلية، وهكذا أشباه ذلك من الموارد.

هذا، ولا يضر بالشرط ما لو كان مخالفاً للكتاب والسنة في غير ما ذكر من الأمور غير الإلزامية، كأن يشترط صاحب العمل على العامل ترك صلاة النوافل حين قيامه بعمله عنده، أو يشترط عامل المضاربة ترك التبكير إلى العمل، أو يشترط الزوج على زوجته ترك الصيام المستحب خلال حياته الزوجية معها؛ وكذا الأمر فيما لو اشترط المستأجر أو الزوج فعل بعض المكروهات، فإنها وإن كانت مخالفة لآداب الإسلام الواردة في الكتاب والسنة، لكنها لما كانت غير إلزامية فإنه يجوز إلزام الغير بفعلها بسبب مزاج أو مصلحة طارئة أو نحو ذلك، رغم أن فيها ما فيها من عدم اللياقة مع الله تعالى.


الثاني: أن يكون الشرط غير مناف لمقتضى العقد، كما إذا باعه بشرط أن لا يكون له ثمن، أو استأجر منه الدار بشرط أن لا يكون له أجرة، وهكذا.


الثالث: أن يكون مضمون الشرط  حين التعاقد  من الأعمال الممكنة الحصول، فلا يصح فيما لو كانا عالمين حين التعاقد بعدم التمكن منه، إما لكونه ممتنعاً في ذاته، كالبقاء حياً في الماء نصف ساعة، أو لأن المشروط عليه عاجز عنه، كأن يطلب من الجاهل الأمي تعليمه القراءة والكتابة؛ وكما يحكم ببطلان الشرط الذي يعلمان بتعذر حصوله حين ا لتعاقد، كذلك فإنه يحكم  أيضاً  ببطلان الشرط إذا اعتقد التمكن منه ثم بان العجز عنه من أول الأمر، أو كان متمكناً فعلاً ثم طرأ العجز عنه.


الرابع: أن يكون متعلق الشرط أمراً واضحاً ومحدداً بدرجة يعتدّ بها، ويكفي فيه أن يكون متعيناً في الواقع وإن لم يكن معلوماً لدى أحد الطرفين أو كليهما إذا لم يستتبع جهالة أحد العوضين، فيصح منه أن يبيعه سيارته  مثلاً  ويشترط عليه أن يقضي ما فات والده المتوفى من الصلاة مما هو مردد بين السنة والسنتين، وكذا يصح توقيته بمثل رجوع الحجاج أو وضع الحمل، ونحوهما مما له أجل معلوم إجمالاً، أما إذا كان غير معين ولا معلومٍ أبداً، أو كان تعينه في الواقع مستلزماً لجهالة أحد العوضين واختلال شروط البيع، كأن يبيعه قماشاً في الذمة مشترطاً أموراً مسجلة في قائمة موجودة في مكتبه غائبة حين البيع، فإن جهالة الشرط بهذا النحو قد أوجبت جهالة المبيع، فيبطل بها البيع، وهكذا أمثال ذلك من الجهالة بالشرط الموجبة لبطلان الشرط وحده أو مع المبيع.


الخامس: أن يكون الشرط مذكوراً في العقد ومصرّحاً به فيه، أو يكون العقد مبنياً عليه ومقيداً به، إما لذكره قبل العقد أو لأجل التفاهم العرفي الحاضر في ذهن المتعاقدين حين التعاقد، وهو ما يسمى بـ(الشرط الضمني)؛ فلو ذُكر الشرط قبل العقد ولم يكن العقد مبنياً عليه عمداً أو سهواً لم يجب الوفاء به.


م ـ679: لا يعتبر في صحة الشرط أن يكون منجَّزاً وفعلياً، بل يجوز أن يشترط عليه أن يصلي عنه بعد موته إن مات قبله، أو أن يسكن الدار المباعة إذا لم يسافر، وهكذا.


م ـ680: لا بأس بأن يبيع ماله ويشترط على المشتري أن يبيعه له ثانية بعد مدة، نعم لا يصح أن يبيعه نسيئة ويشترط عليه أن يبيعه له نقداً بأقل مما اشتراه، ونحو ذلك من الموارد التي قد يترتب فيها على مثل هذا الشرط منافاة لأحكام الشريعة من جهة أخرى، كما سيأتي في مبحث النقد والنسيئة (أنظر المسألة: 811).


م ـ681: إذا تضمن العقد شرطاً فاسداً، فإن كان فساده غير موجب للإخلال بشروط العقد صح العقد وبطل الشرط، وحينئذ يترتب على العقد جميع آثاره ويكون الشرط الفاسد معدوم  الأثر؛ وأما إذا كان فساده من جهة كونه منافياً لمقتضى العقد وشروطه، بحيث يستلزم الوفاء بالشرط فقدان العقد لبعض عناصره وشروطه، فإنه يحكم  حينئذ  ببطلان الشرط والعقد معاً، وذلك كما لو اشترط وقوع البيع بلا ثمن، أو اشترط أن يكون مهر المرأة في هذا الزواج المؤقت تزويجه امرأة أخرى، أو إيقاع الطلاق بدون شهود، ونحو ذلك مما مر ذكر أمثلة له في بعض المسائل السابقة.


م ـ682: إذا وقع الشرط صحيحاً فامتنع المشروط عليه من  الوفاء به، فإن كان ذلك عن تمرد وعصيان، جاز للشارط إجباره بالطريقة المناسبة والمشروعة، دون فرق بين العقود المختلفة، وزيادة على ذلك، فإنه يجوز للشارط فسخ العقد الذي تخلف فيه شرطه إذا كان العقد من العقود اللازمة غير الزواج، كالبيع والإجارة وغيرهما، وذلك حتى في صورة رضوخه للإجبار ووفائه بالشرط بعد تمنع. أما الزواج فإنه ليس للشارط فسخه حتى لو انتهى الأمر به إلى عدم وفاء المشروط عليه أبداً؛ وأما إذا كان عدم الوفاء بالشرط لعجز عنه، ولو كان طارئاً بعد القدرة عليه، بطل الشرط وحده وصح العقد ولم يكن للشارط خيار الفسخ. وعليه فإن )خيار تخلف الشرط( لا يثبت إلا في العقود اللازمة عدا الزواج، وفي خصوص ما لو كان عدم الوفاء مقترناً بالقدرة.


م ـ683: إن مقتضى خيار تخلف الشرط أن صاحبه يكون فيه مخيراً بين الرضا بالعقد بدون الشرط وبدون أن يطالب بقيمة ما فاته بفقدان الشرط، وبين فسخ العقد وإرجاع العين إلى صاحبها؛ نعم إذا كان قد اشترط عليه مالاً جزاء مخالفته شروط العقد إضافة إلى حقه في الفسخ جاز له مطالبته به وإلزامه به.


م ـ684: إذا تضمن العقد أكثر من شرط، كفى عدم الوفاء ببعضها في ثبوت خيار الفسخ، فإذا فسخ الشارط العقد سقطت سائر الشروط، ولم يكن له شي‏ء على المشروط عليه؛ نعم إذا تضمنت هذه الشروط بنداً جزائياً بسبب الفسخ، فإنه لا يسقط ويجب على المشروط عليه الوفاء به بالنحو المشروط.


م ـ685: يسقط خيار تخلف الشرط إذا أسقطه صاحبه وحده دون أن يُسقط معه الشرط، أو إذا أسقط الشرط وتخلى عنه، فإن معنى إسقاط الشرط إسقاط ما له من أثر، فلا يجب على المشروط عليه الوفاء له به، كما أنه لا يحق للشارط الفسخ إذا لم يفِ له به بعد الإسقاط.


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية