ونحن في ذكرى وفاة النبيّ (ص)، في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر، نريد أن نعيش هذا الجوّ، استلهاماً لِما عاشه رسول الله، ولِما استعدّ له من موت محتّم، واحتضاناً للأفكار التي أراد أن يُثيرها في أُمّته قبلَ أن يفارق الحياة الدنيا، لنستوعب حقيقة مهمّة، وهي: هل الأُمّة تتنكَّر للرّسالة عندما يغيب وجه الرّسول عن دنياها؟ وهل تنقلب على أعقابها لحظة غياب إمامها، أو رحيل قادتها المنفتحين على خطّ الرسالة عن الساحة؟
هذه تساؤلاتٌ لا بدَّ أن نطرحها من منطلقٍ واضحٍ يحتّمُ علينا أنْ نتفهَّم ما قاله رسول الله، وما اختطَّه في حياتِهِ، تأسّياً واقتداءً به، حتّى نتحرَّك حيث تحرَّك، ونقف حيث وقف تنفيذاً لأمر الله.
ومع رسول الله (ص) نقفُ في (مِنى) في آخر حجَّة حجَّها إلى بيت الله الحرام في السنة العاشرة من الهجرة، وأمامَ جموع الوافدين معه للحجّ، يقف فيهم خطيباً قائلاً: "أيُّها النّاس، اسمعوا قولي واعقلوه عنّي، فإنّي لا أدري، لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا"، قد تكون هذه السنة آخِرَ سنة لي معكم. ثمّ سألهم:
"هل تعلمون أيّ يوم أعظم حرمةً؟"، قال النّاس: هذا اليوم، قال: "فأيّ شهر؟"، قال الناس: هذا. قال (ص): "وأيّ بلدٍ أعظم حرمةً؟"، قال النّاس: "بلدنا هذا"، قال (ص) "فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم. ألا هل بلَّغت أيّها النّاس؟"، قالوا: نعم، قال: "اللّهمّ اشهد"1.
هكذا أراد (ص) في آخر كلماته الشريفة أن يُجنِّب المسلمين اتجاه الانحراف، ولكن ما حدث بعد وفاته، أنَّ كثيراً من أوضاع المسلمين تغيَّرت، فساهمت الانحرافات التي سلكوا خطوطها، والأوضاع الشاذّة التي عملوا على تكوينها، في انحرافهم عن الخطّ، وبُعْدِهم عن أجواء طهر الرّسالة. وبذلك، تحوَّلت حياتهم إلى قتال مشحون بالأحقاد، في شرق الأرض وغربها، فسقط في حروبهم بعضهم مع بعض من الضحايا، أكثرَ ما سقط من ضحايا بينهم وبين أعدائهم.
لذلك، فالله يريد من المسلمين أنْ يتحمّلوا مسؤوليّاتهم، في أن يركِّزوا قواعد الأمن والسّلام في حياتهم، وإن اختلفوا في شيء، فإنَّ عليهم أن يردّوه إلى الله ورسوله، وإذا تنازعوا في شيء، فإنَّ عليهم أن يدفعوا بالّتي هي أحسن، وإذا تجادلوا في شيء، فإنَّ عليهم أنْ يجادلوا كما يجادلون أهلَ الكتاب بالّتي هي أحسن، وأنْ يعملوا على أنْ يحوِّلوا أعداءَهم إلى أصدقاء.
وهذه كانت وصيّة رسول الله الأخيرة. ولهذا، يجب علينا أنْ نتفهَّم دوافع هذه الوصيّة الشّريفة في كلّ الواقع الذي نعيشه، سواء ما نواجهه من فتن ومشاكل على مستوى دائرتنا الخاصّة، أو ما نواجهه على مستوى الواقع الذي يتحرَّك في كلّ العالم الإسلامي.
ولأنَّ هذه الوصيّة لم تعش في ضمائر المسلمين وواقعهم، نلاحظ أنَّ الأجانب والمستكبرين استطاعوا أن ينفذوا إلى داخل الواقع الإسلاميّ، وأن يعملوا على إرباكه، مستفيدين من خلاف المسلمين بعضهم مع بعض، حيث ابتعدوا عن أن يحلّوا مشاكلهم بنهج إسلاميّ ووسائل إسلاميّة.
*من كتاب "للإنسان والحياة".
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج37، ص 113.
ونحن في ذكرى وفاة النبيّ (ص)، في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر، نريد أن نعيش هذا الجوّ، استلهاماً لِما عاشه رسول الله، ولِما استعدّ له من موت محتّم، واحتضاناً للأفكار التي أراد أن يُثيرها في أُمّته قبلَ أن يفارق الحياة الدنيا، لنستوعب حقيقة مهمّة، وهي: هل الأُمّة تتنكَّر للرّسالة عندما يغيب وجه الرّسول عن دنياها؟ وهل تنقلب على أعقابها لحظة غياب إمامها، أو رحيل قادتها المنفتحين على خطّ الرسالة عن الساحة؟
هذه تساؤلاتٌ لا بدَّ أن نطرحها من منطلقٍ واضحٍ يحتّمُ علينا أنْ نتفهَّم ما قاله رسول الله، وما اختطَّه في حياتِهِ، تأسّياً واقتداءً به، حتّى نتحرَّك حيث تحرَّك، ونقف حيث وقف تنفيذاً لأمر الله.
ومع رسول الله (ص) نقفُ في (مِنى) في آخر حجَّة حجَّها إلى بيت الله الحرام في السنة العاشرة من الهجرة، وأمامَ جموع الوافدين معه للحجّ، يقف فيهم خطيباً قائلاً: "أيُّها النّاس، اسمعوا قولي واعقلوه عنّي، فإنّي لا أدري، لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا"، قد تكون هذه السنة آخِرَ سنة لي معكم. ثمّ سألهم:
"هل تعلمون أيّ يوم أعظم حرمةً؟"، قال النّاس: هذا اليوم، قال: "فأيّ شهر؟"، قال الناس: هذا. قال (ص): "وأيّ بلدٍ أعظم حرمةً؟"، قال النّاس: "بلدنا هذا"، قال (ص) "فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم. ألا هل بلَّغت أيّها النّاس؟"، قالوا: نعم، قال: "اللّهمّ اشهد"1.
هكذا أراد (ص) في آخر كلماته الشريفة أن يُجنِّب المسلمين اتجاه الانحراف، ولكن ما حدث بعد وفاته، أنَّ كثيراً من أوضاع المسلمين تغيَّرت، فساهمت الانحرافات التي سلكوا خطوطها، والأوضاع الشاذّة التي عملوا على تكوينها، في انحرافهم عن الخطّ، وبُعْدِهم عن أجواء طهر الرّسالة. وبذلك، تحوَّلت حياتهم إلى قتال مشحون بالأحقاد، في شرق الأرض وغربها، فسقط في حروبهم بعضهم مع بعض من الضحايا، أكثرَ ما سقط من ضحايا بينهم وبين أعدائهم.
لذلك، فالله يريد من المسلمين أنْ يتحمّلوا مسؤوليّاتهم، في أن يركِّزوا قواعد الأمن والسّلام في حياتهم، وإن اختلفوا في شيء، فإنَّ عليهم أن يردّوه إلى الله ورسوله، وإذا تنازعوا في شيء، فإنَّ عليهم أن يدفعوا بالّتي هي أحسن، وإذا تجادلوا في شيء، فإنَّ عليهم أنْ يجادلوا كما يجادلون أهلَ الكتاب بالّتي هي أحسن، وأنْ يعملوا على أنْ يحوِّلوا أعداءَهم إلى أصدقاء.
وهذه كانت وصيّة رسول الله الأخيرة. ولهذا، يجب علينا أنْ نتفهَّم دوافع هذه الوصيّة الشّريفة في كلّ الواقع الذي نعيشه، سواء ما نواجهه من فتن ومشاكل على مستوى دائرتنا الخاصّة، أو ما نواجهه على مستوى الواقع الذي يتحرَّك في كلّ العالم الإسلامي.
ولأنَّ هذه الوصيّة لم تعش في ضمائر المسلمين وواقعهم، نلاحظ أنَّ الأجانب والمستكبرين استطاعوا أن ينفذوا إلى داخل الواقع الإسلاميّ، وأن يعملوا على إرباكه، مستفيدين من خلاف المسلمين بعضهم مع بعض، حيث ابتعدوا عن أن يحلّوا مشاكلهم بنهج إسلاميّ ووسائل إسلاميّة.
*من كتاب "للإنسان والحياة".
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج37، ص 113.