{إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران: 33].
الاصطفاء يعني الاختيار الذي يوحي بالتفضيل، انطلاقاً من الملكات والصفات الذاتيّة التي أودعها الله فيهم، فقد اختار الله آدم لدور الخلافة الأولى في الأرض، من أجل أن يبدأ الرّحلة الإنسانيّة التي تبني الأرض وتعمّرها على أساس التّخطيط الإلهيّ.
واختار نوحاً ليكون أوّل أنبياء أولي العزم الّذي يعطي المثل في الصّبر أمام التحدّيات، والدأب في مواجهة الكفر والضّلال، حتى لا يبقى هناك مجالٌ للتّجربة، لأنه استنفد كلّ التجارب، ما يعطي الدّلالة على مدى الروحيّة الواسعة العميقة الممتدّة في رحاب الله، واختاره الله بعد الطّوفان من جديد، ليبدأ التّاريخ الجديد للبشريّة من خلال النماذج التي سارت معه.
واختار إبراهيم الذي أسلم وجهه لله، وعاش التّجربة الصّعبة بالقلب المطمئنّ الراضي الذي احتضن في داخله كلّ التطلّعات الإنسانيّة الروحيّة نحو الله، وانطلق الإسلام ـ من خلاله ـ كخطٍّ عريض للحياة، في الفكر والأعمال والمشاريع والأهداف، فقد أوصى بنيه به، وعاشه بنوه الطيّبون، الرّسل الكرام الذين اختصّهم الله بنعمته، فاصطفاهم لرسالاته، من لدن إسحاق وإسماعيل، إلى نبيّنا الأعظم محمّد (ص).. ولم تكن القضيّة قضيّة نسب يعطي الامتياز، بل هي قضيّة رسالة واتّباع يشير إلى الخطّ، كما قال الله سبحانه: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِي وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ}[آل عمران: 68]. ولهذا، فلا مجال لتعميم الحكم على جميع من انتسب إلى إبراهيم (ع).
أمّا آل عمران، فقد نلتقي بالنّسب الذي ينتمي إليه موسى، وقد نلتقي بالنسب الذي تنتمي إليه مريم، وبذلك يلتقي به نسب عيسى (ع)، لأنّ النسب ليس واحداً فيهما، لوجود فترة زمنيّة كبيرة بين موسى ومريم. ويرى بعض المفسّرين أنّ المراد منهم هنا مريم وعيسى (ع)، لأنّ موسى لم يذكر في القرآن بنسبه، بل ذكره باسمه مجرّداً عن ذلك، ما يوحي بأنَّ القرآن يتحدّث عنه بصفته الشخصيّة، ولأنّ هذه السورة قد تعرّضت لقصّة مريم وعيسى بشكل تفصيليّ، بينما لم تتعرّض لقصّة موسى إلا بطريقة مجملة، ولا يخلو هذا الرأي من قرب؛ والله العالم بحقائق الأمور.
وكان الاصطفاء لحمل هذه الرّسالة من أجل أن يكونوا رسلاً ودعاةً وهداةً للعالمين، ولا بدّ في سبيل ذلك من أن يكونوا في تفكيرهم وشعورهم وسلوكهم نماذج متفوّقة في هذا المجال، ليكونوا القدوة المثلى في القول والعمل، وليستطيعوا أن يعطوا النّاس من روحيّتهم الفيّاضة بالإيمان، المنطلقة في خطّ المسؤوليّة، روحاً جديدةً عالية ترفع من مستواهم الفكريّ والروحيّ والعمليّ.
فإنّ قضيّة الرسالة ليست مجرّد فكر يقدَّم للناس من أجل هدايتهم، وليست مشاعر تنبض في القلب لتعطي الناس رصيداً كبيراً من العواطف، ولكنّها القوّة التي تتحرك من أعماق الروح لتغيّر الواقع وفق التّخطيط الإلهي للحياة، في كلّ ما يعنيه من تغيير للإنسان في الداخل والخارج. ومن هنا، نستطيع أن نقرر أن الرّسول لا بدَّ من أن يكون شخصاً غير عاديّ في ملكاته الروحيّة، ليستطيع القيام بهذه المهمّة الكبيرة، ولن يعرف ذلك إلا خالق الإنسان، في ما أودعه في داخله من قدرات روحيّة وفكرية؛ إنّه البشر النموذج، والرسول الإنسان، بكلّ ما يوحي به مدلول الرّسالة في عمق مدلول الإنسان.
{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ}، تتتابع في حمل الرّسالة، كما تتلاحق في ارتباط النّسب...
* من كتاب تفسير "من وحي القرآن".
{إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران: 33].
الاصطفاء يعني الاختيار الذي يوحي بالتفضيل، انطلاقاً من الملكات والصفات الذاتيّة التي أودعها الله فيهم، فقد اختار الله آدم لدور الخلافة الأولى في الأرض، من أجل أن يبدأ الرّحلة الإنسانيّة التي تبني الأرض وتعمّرها على أساس التّخطيط الإلهيّ.
واختار نوحاً ليكون أوّل أنبياء أولي العزم الّذي يعطي المثل في الصّبر أمام التحدّيات، والدأب في مواجهة الكفر والضّلال، حتى لا يبقى هناك مجالٌ للتّجربة، لأنه استنفد كلّ التجارب، ما يعطي الدّلالة على مدى الروحيّة الواسعة العميقة الممتدّة في رحاب الله، واختاره الله بعد الطّوفان من جديد، ليبدأ التّاريخ الجديد للبشريّة من خلال النماذج التي سارت معه.
واختار إبراهيم الذي أسلم وجهه لله، وعاش التّجربة الصّعبة بالقلب المطمئنّ الراضي الذي احتضن في داخله كلّ التطلّعات الإنسانيّة الروحيّة نحو الله، وانطلق الإسلام ـ من خلاله ـ كخطٍّ عريض للحياة، في الفكر والأعمال والمشاريع والأهداف، فقد أوصى بنيه به، وعاشه بنوه الطيّبون، الرّسل الكرام الذين اختصّهم الله بنعمته، فاصطفاهم لرسالاته، من لدن إسحاق وإسماعيل، إلى نبيّنا الأعظم محمّد (ص).. ولم تكن القضيّة قضيّة نسب يعطي الامتياز، بل هي قضيّة رسالة واتّباع يشير إلى الخطّ، كما قال الله سبحانه: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِي وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ}[آل عمران: 68]. ولهذا، فلا مجال لتعميم الحكم على جميع من انتسب إلى إبراهيم (ع).
أمّا آل عمران، فقد نلتقي بالنّسب الذي ينتمي إليه موسى، وقد نلتقي بالنسب الذي تنتمي إليه مريم، وبذلك يلتقي به نسب عيسى (ع)، لأنّ النسب ليس واحداً فيهما، لوجود فترة زمنيّة كبيرة بين موسى ومريم. ويرى بعض المفسّرين أنّ المراد منهم هنا مريم وعيسى (ع)، لأنّ موسى لم يذكر في القرآن بنسبه، بل ذكره باسمه مجرّداً عن ذلك، ما يوحي بأنَّ القرآن يتحدّث عنه بصفته الشخصيّة، ولأنّ هذه السورة قد تعرّضت لقصّة مريم وعيسى بشكل تفصيليّ، بينما لم تتعرّض لقصّة موسى إلا بطريقة مجملة، ولا يخلو هذا الرأي من قرب؛ والله العالم بحقائق الأمور.
وكان الاصطفاء لحمل هذه الرّسالة من أجل أن يكونوا رسلاً ودعاةً وهداةً للعالمين، ولا بدّ في سبيل ذلك من أن يكونوا في تفكيرهم وشعورهم وسلوكهم نماذج متفوّقة في هذا المجال، ليكونوا القدوة المثلى في القول والعمل، وليستطيعوا أن يعطوا النّاس من روحيّتهم الفيّاضة بالإيمان، المنطلقة في خطّ المسؤوليّة، روحاً جديدةً عالية ترفع من مستواهم الفكريّ والروحيّ والعمليّ.
فإنّ قضيّة الرسالة ليست مجرّد فكر يقدَّم للناس من أجل هدايتهم، وليست مشاعر تنبض في القلب لتعطي الناس رصيداً كبيراً من العواطف، ولكنّها القوّة التي تتحرك من أعماق الروح لتغيّر الواقع وفق التّخطيط الإلهي للحياة، في كلّ ما يعنيه من تغيير للإنسان في الداخل والخارج. ومن هنا، نستطيع أن نقرر أن الرّسول لا بدَّ من أن يكون شخصاً غير عاديّ في ملكاته الروحيّة، ليستطيع القيام بهذه المهمّة الكبيرة، ولن يعرف ذلك إلا خالق الإنسان، في ما أودعه في داخله من قدرات روحيّة وفكرية؛ إنّه البشر النموذج، والرسول الإنسان، بكلّ ما يوحي به مدلول الرّسالة في عمق مدلول الإنسان.
{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ}، تتتابع في حمل الرّسالة، كما تتلاحق في ارتباط النّسب...
* من كتاب تفسير "من وحي القرآن".