[ورد في دعاء كميل المرويّ عن أمير المؤمنين عليّ (ع):]
"وبوجهك الباقي بعد فناءِ كلّ شيء":
الوجه من كلّ شيء: مستقبله، وفي التّنزيل العزيز: {فأينما تولّوا فثمَّ وجه الله}. والوجه أيضاً، المحيّا. لكن عندما نقول وجه الله، فليس معنى ذلك أنّ للهِ وجهاً يتضمّن عينين ولساناً... لأنَّ الله ليس بجسد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ولذا المراد من وجه الله هو ذات الله، باعتبار أنَّ الوجه هو مظهر الذّات، فالشّخص يعرف من وجهه، ولذا يعبَّر في اللّغة العربيّة عن ذات الإنسان بوجهه، تماماً كما يعبّر عن القدرة بالـ "يد". مثلاً: فلان يده طويلة، أو كما يقال في السياسة، هذه الدّولة يدها طويلة، وهم يعنون بذلك أنّ قدرتها طويلة.
كما يعبّر، أيضاً، عن اليد بالنّعمة، فعندما نقول: إنّ فلاناً له على فلان يد، أو أياد كثيرة، فإنّ ذلك يعني أنّ له نِعَماً وأفضالاً. وعندما نقرأ في القرآن {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، فليس معنى اليدين أنّ لله يدين مثلما البشر لهم يدان، لأنّ الله ليس بجسم مثل الإنسان، وإنّما يداه كناية عن فضل الله ونِعَمِه تعالى علينا، لأنَّ اليد هي مصدر العطاء، فالشّخص عندما يعطي، فإنَّما يعطي بيده، وإذا فهمنا هذا في اليد، فإنَّ الوجه كذلك، أي المراد منه ذات الله المقدَّسة أو نفسه الشّريفة.
إنّ البعض قد يجامل فلاناً، لأنّ له سطوة أو قدرة، وحين نردّد في الدّعاء: "وبوجهك الباقي بعد فناءِ كلِّ شيء"، فيتصوّر البعض عندها أنّهم إذا أرادوا أن يجاملوا فلاناً على حساب الله، فإنَّ فلاناً لا بدّ أن يموت بعد مدّة، ولن يبقى فلان أو غير فلان ليستفاد منه، فالذي يبقى بعد موت كلّ النّاس هو الله سبحانه وتعالى.
فإذا كان فلان يموت والله هو الباقي، فكيف أجامل فلاناً وأعصي الله؟ ففلان سيذهب من طريقي، ولكنّ الله سيبقى، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}. فهذه الآية وتلك الكلمات يجب أن تعيش في قلوبنا، لا أن نرتّلها وننغِّمها حين نقرأها، أو نسمعها كما يستمع بعض النّاس إلى سورة الرّحمن، عندما يقرأها هذا المرء أو ذاك، وهو يرجعها ويأخذها، وهم فرحون مسرورون بالصّوت. {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}، يعني ليس هناك أحد يستأهل أن أُراعيه وأُجامله، إذا بقي شخص معك في البيت لمدّة طويلة، وسيذهب بعد مدّة، فيما استأجر شخص آخر في الفندق لفترةٍ قصيرة، فمَنْ تُجامِل؟ ومن تُراعي؟ هل تراعي الشخص الذي سيغادر غداً، وهو نازل في فندق قريب منك، أم الشّخص المقيم معك؟ طبعاً ستقول: إنّ هذا ينام اليوم في الفندق وغداً سيذهب، فأيّ شيء يحدث بيننا فلن يأتي عليّ بفائدة، ولكنّ فلاناً معي باللّيل وبالنّهار. فكيف بالله الذي يملك أرواحنا وأنفسنا وحياتنا؟!
صفات الله سبحانه وتعالى هي التي تحدِّد لنا حتى الواقع السياسي الذي نعيشه في حياتنا، لا أن نقرأ ونقول مثل بعض الناس: إنّ دعاء كميل ليس فيه سياسة. صحيح هذا، ولكنّك عندما ترتبط بالله، فإنّ ارتباطك بالله يعزلك عن كلّ قوّة كافرة وظالمة وطاغية غير الله سبحانه وتعالى، وهل السياسة غير هذا؟!
نحن لا نتكلّم عن سياسة الّذين يلعبون ويخادعون، بل نتكلّم عن سياسة القرآن، سياسة الله، سياسة محمّد (ص)، سياسة عليّ (ع)... فالإمام عليّ أمير المؤمنين (ع) يريد أن يقول لك، عندما تقرأ دعاء كميل، يجب أن تُفرِغ قلبك من كلّ شيء غير الله، وتملأ قلبك بالله. وقد جاء من صفات الله في أوّل الدعاء: رحمتك، عزّتك، سلطانك، قوّتك، عظمتك، وجهك، كلّ هذه الصّفات تؤكّد لك أنّه ليس هناك من فراغ إلّا وتملأه صفاته سبحانه وتعالى.
*من كتاب "في رحاب دعاء كميل".
[ورد في دعاء كميل المرويّ عن أمير المؤمنين عليّ (ع):]
"وبوجهك الباقي بعد فناءِ كلّ شيء":
الوجه من كلّ شيء: مستقبله، وفي التّنزيل العزيز: {فأينما تولّوا فثمَّ وجه الله}. والوجه أيضاً، المحيّا. لكن عندما نقول وجه الله، فليس معنى ذلك أنّ للهِ وجهاً يتضمّن عينين ولساناً... لأنَّ الله ليس بجسد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ولذا المراد من وجه الله هو ذات الله، باعتبار أنَّ الوجه هو مظهر الذّات، فالشّخص يعرف من وجهه، ولذا يعبَّر في اللّغة العربيّة عن ذات الإنسان بوجهه، تماماً كما يعبّر عن القدرة بالـ "يد". مثلاً: فلان يده طويلة، أو كما يقال في السياسة، هذه الدّولة يدها طويلة، وهم يعنون بذلك أنّ قدرتها طويلة.
كما يعبّر، أيضاً، عن اليد بالنّعمة، فعندما نقول: إنّ فلاناً له على فلان يد، أو أياد كثيرة، فإنّ ذلك يعني أنّ له نِعَماً وأفضالاً. وعندما نقرأ في القرآن {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، فليس معنى اليدين أنّ لله يدين مثلما البشر لهم يدان، لأنّ الله ليس بجسم مثل الإنسان، وإنّما يداه كناية عن فضل الله ونِعَمِه تعالى علينا، لأنَّ اليد هي مصدر العطاء، فالشّخص عندما يعطي، فإنَّما يعطي بيده، وإذا فهمنا هذا في اليد، فإنَّ الوجه كذلك، أي المراد منه ذات الله المقدَّسة أو نفسه الشّريفة.
إنّ البعض قد يجامل فلاناً، لأنّ له سطوة أو قدرة، وحين نردّد في الدّعاء: "وبوجهك الباقي بعد فناءِ كلِّ شيء"، فيتصوّر البعض عندها أنّهم إذا أرادوا أن يجاملوا فلاناً على حساب الله، فإنَّ فلاناً لا بدّ أن يموت بعد مدّة، ولن يبقى فلان أو غير فلان ليستفاد منه، فالذي يبقى بعد موت كلّ النّاس هو الله سبحانه وتعالى.
فإذا كان فلان يموت والله هو الباقي، فكيف أجامل فلاناً وأعصي الله؟ ففلان سيذهب من طريقي، ولكنّ الله سيبقى، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}. فهذه الآية وتلك الكلمات يجب أن تعيش في قلوبنا، لا أن نرتّلها وننغِّمها حين نقرأها، أو نسمعها كما يستمع بعض النّاس إلى سورة الرّحمن، عندما يقرأها هذا المرء أو ذاك، وهو يرجعها ويأخذها، وهم فرحون مسرورون بالصّوت. {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}، يعني ليس هناك أحد يستأهل أن أُراعيه وأُجامله، إذا بقي شخص معك في البيت لمدّة طويلة، وسيذهب بعد مدّة، فيما استأجر شخص آخر في الفندق لفترةٍ قصيرة، فمَنْ تُجامِل؟ ومن تُراعي؟ هل تراعي الشخص الذي سيغادر غداً، وهو نازل في فندق قريب منك، أم الشّخص المقيم معك؟ طبعاً ستقول: إنّ هذا ينام اليوم في الفندق وغداً سيذهب، فأيّ شيء يحدث بيننا فلن يأتي عليّ بفائدة، ولكنّ فلاناً معي باللّيل وبالنّهار. فكيف بالله الذي يملك أرواحنا وأنفسنا وحياتنا؟!
صفات الله سبحانه وتعالى هي التي تحدِّد لنا حتى الواقع السياسي الذي نعيشه في حياتنا، لا أن نقرأ ونقول مثل بعض الناس: إنّ دعاء كميل ليس فيه سياسة. صحيح هذا، ولكنّك عندما ترتبط بالله، فإنّ ارتباطك بالله يعزلك عن كلّ قوّة كافرة وظالمة وطاغية غير الله سبحانه وتعالى، وهل السياسة غير هذا؟!
نحن لا نتكلّم عن سياسة الّذين يلعبون ويخادعون، بل نتكلّم عن سياسة القرآن، سياسة الله، سياسة محمّد (ص)، سياسة عليّ (ع)... فالإمام عليّ أمير المؤمنين (ع) يريد أن يقول لك، عندما تقرأ دعاء كميل، يجب أن تُفرِغ قلبك من كلّ شيء غير الله، وتملأ قلبك بالله. وقد جاء من صفات الله في أوّل الدعاء: رحمتك، عزّتك، سلطانك، قوّتك، عظمتك، وجهك، كلّ هذه الصّفات تؤكّد لك أنّه ليس هناك من فراغ إلّا وتملأه صفاته سبحانه وتعالى.
*من كتاب "في رحاب دعاء كميل".