[يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء الصَّباح والمساء:]
"اللَّهُمَّ إنّي أُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيداً، وَأُشْهِدُ سَمَاءَكَ وَأرْضَكَ، وَمَنْ أسْكَنْتَهُمَا مِنْ مَلاَئِكَتِكَ وَسَائِرِ خَلْقِكَ، في يَوْمِي هذا وَسَاعَتي هَذِهِ وَلَيْلَتِي هَذِهِ ومُستَقَرِّي هذا، أنّي أشْهَدُ أنَّكَ أنْتَ اللهُ لاَ إلهَ إلَّا أنْتَ قَائِمٌ بالقِسْطِ، عَدْلٌ في الحُكْمِ، رَؤُوفٌ بالعِبَادِ، مَالِكُ المُلْكِ، رَحِيمٌ بِالخَلْقِ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَخيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ، حَمّلْتَهُ رِسَالَتَكَ فَأدّاها، وَأمَرْتَهُ بِالنُّصْحِ لأمَّتِهِ فَنَصَحَ لَهَا".
يا ربّ، إنّني أجدّد لك في كلّ صباحٍ ومساءٍ، وفي كلّ ساعةٍ من ساعاتي، وكلّ موقع من مواقع حياتي، شهادتي لك بالإيمان المنفتح على توحيدك الخالص الذي يلتزمه وجداني في العقيدة فلا ربّ سواك، ووجودي الجسدي في العبادة فلا معبود غيرك، وحركتي في الطاعة فلا مُطاع بالحقّ إلَّا أنت، وبالوعي الفكري والروحي لكلّ الأسماء الحسنى والصفات العليا الَّتي هي أسماء العظمة في عظمتك، وصفات الألوهيَّة في صفاتك، فأنت القائم بالقسط في عبادك، فقد أعطيت لكلّ واحدٍ منهم نصيبه في حياته بما يستحقّه من خلال علمك وتدبيرك، وأنت العدل في الحكم، في كلِّ ما تحكم به على عبادك في كلِّ أمورهم المادية والمعنوية في الدنيا والآخرة، وأنت الرؤوف بهم في كلّ فيوضات رحمتك وعطفك التي تسير بهم إلى سعادة الدارين، وأنت المالك للملك كلّه، فلا يملك أحد شيئاً إلَّا ما ملكته، فالخلق كلّهم مملوكون لك، من خلال خلقك لهم ولما يملكون، والوجود كلّه ملكك، لأنَّك أبدعته من العدم بقدرتك الَّتي لا يحدّها شيء، وأنت الرَّحمن الرَّحيم بالخلق كلّه، فهم يتقلبون في ساحات رحمتك، وينطلقون في أجوائها في كلّ ما يفيضون به من شؤون حياتهم.
وأشهد يا ربّ لرسولك محمّد (ص) بالرسالة التي أرسلته بها رحمةً للعالمين، من خلال إخلاصه في عبوديَّته لك، فكان بذلك الجدير بأن تختاره من بين خلقك، مبلّغاً ورسولاً ومبشّراً ونذيراً وحجَّةً على خلقك، فأدَّى ما حمّلته من رسالتك، فبلَّغها أفضل إبلاغ، وأجهد نفسه في إيصالها إلى أكبر قدر ممكن من النَّاس، ونصح لأمَّته في كلّ ما يحقّق لها السَّعادة في الدنيا والآخرة، فوجَّهها إلى الأخذ بالحقّ كلّه، والترك للباطل كلّه، والسَّير في خطّ طاعتك نحو مواقع رضاك، من خلال الالتزام بأمرك ونهيك، وانفتح على كلّ قضاياهم بالرأي السَّديد والتوجيه الحكيم، حتى لا يخطئوا في موقفٍ، ولا ينحرفوا في طريق، لتكون حياتهم سائرةً في خطّ الصواب والاستقامة في الخطّ الّذي يوصل إليك.
وتلك هي مهمَّة الأنبياء في دورهم الرسالي في توعية النَّاس بما يصلح أمورهم ويبعدهم عما يفسدها، فليس الدّين حاجةً ذهنيّةً وروحيّةً من خلال فكره وإيحاءاته في الوجود الذاتي التجريدي للإنسان في الحياة، بل هو، إلى جانب ذلك، حاجةٌ عمليّةٌ وجوديّة تتّصل بالقضايا الحيويَّة في كلّ كيانه، لأنَّ الله جعل الرّسالة حلاً لمشاكل الإنسان، لتكون عقلاً من الخارج، إضافةً إلى العقل الذي هو رسول من الداخل.
وإنَّ الله يختار أنبياءه من خيرة عباده، من خلال الروح المنفتحة على الله وعلى الإنسان بالنصيحة والإخلاص والذوبان في الرسالة في مضمونها الإلهي وفي معناها الإنساني.
وقد كان محمَّد رسول الله، الإنسان الرسول الذي أعطى إنسانيَّته لرسالته، وحرّك رسالته في أمّته، وأطلق كلّ وجوده من أجل الوصول بالناس إلى كلّ ما يرفع مستواهم الفكري والروحي والمادي، ويحقّق لهم السَّعادة في الدنيا والآخرة.
* من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.