للسيّد فضل الله مؤلّفات عديدة، بينها ديوانان شعريّان مطبوعان، هما "قصائد للإسلام والحياة"، و"رباعيّات يا ظلال الإسلام"، وله مجموعة تصدر قريباً عن دار رياض نجيب الرّيّس في لندن.
تسأله عمَّا إذا كانت دراسته الدّينيَّة تقليداً أو اختياراً، فيجيب بأنّه يمكن وصفها بالتّقليد العائليّ، لأنّ عائلته دينيَّة، وقد بدأ الدّرس في الحوزة العلميّة وعمره 12 سنة...
يتحدَّث عن الجوّ المنفتح في النَّجف، فيقول: "بدأت أنظم الشّعر بشكلٍ عفويّ وعمري عشر سنوات.. جوّ النّجف هو جوّ شاعريّ، النّجف تعتبر من البلدان الّتي يتزاوج فيها الأدب مع الفقه، وقد خرّجت شعراء كباراً، مثل محمد سعيد الحبوبي ومحمد مهدي الجواهري".
سمات رومنطيقيّة
"المراهقة التّشاؤميَّة" الّتي يتحدَّث عنها السيِّد فضل الله، قد تكون تعبيراً آخر عن السّمات الرّومانطيقيّة الّتي برزت في عددٍ من قصائده في فترةٍ مبكرةٍ، شأنه في ذلك شأن كثير من الشّعراء، ورد بعض هذا في ديوان "قصائد للإسلام والحياة" المطبوع سنة 1984، والّذي يتضمَّن أعمالاً يعود بعضها إلى منتصف الخمسينات.
وقد وصف محتوياته في المقدِّمة بقوله إنَّه ربَّما كان فيها بعض ما لم يعد يمثّل اتّجاهاته الفكريّة ومشاعره الحاليّة.
من هذه السّمات الرّومانطيقيَّة المعروفة، الشّعور بالحزن والغربة والوحدة والبعد عن المجتمع، لكنّها في غالبها تحافظ على توجّهها إلى الله ومخاطبته.
ومن ذلك قوله: "
أنا هنا يا ربّ خلقتني.. وحدي في الأرض فلم أتَّق".
وقال السيِّد فضل الله، إنَّه بعد تلك الفترة، "صارت الاهتمامات أقرب إلى التّفاؤل أو أقرب إلى الجديَّة".
أنا لا أحسّ بوجود انفصالٍ من ناحية فنيَّة بين ما أنا وبين الرّسالة...
وحتّى بعد حوالى 20 سنة، كما في قصيدة
"في رحاب الفضاء" الّتي نظمها خلال رحلة في الطّائرة سنة 1978، تبقى هذه السّمات بارزةً، وإن "تلبَّست" أفكاراً صوفيّة عن النّفس:
"يا صفاء السَّماء يا زرقة الصّحو أمام المجاهل البيضاء
ضمّني في بحريّة النّور إنّي سابح في بحيرةٍ من دماء...
إنّني ها هنا يعربد فيَّ اليأس والحزن في الخطى العمياء...
يا صفاء الحياة يا حلم الرّوح.. الّتي غطّيت بألف غطاء...
وأثار العجاج بالرَّمل عينيها.. فتاهت في مهمّة الصّحراء...
أنا حسبي الصّفاء يا ربّ أنّي.. أهرق النّفس في كؤوس الصّفاء"..
وردّاً على ما قلناه من أنّ شعر السيّد فضل الله "ملتزم" إلى حدٍّ بعيد، وأنّ ذلك يجعل نتاجه الفنّيّ "مظلوماً" أحياناً، حيث تتدخّل الغاية الإصلاحيّة لتقطع مدى المعاناة النفسيّة وتضعها في
"الخطّ الإصلاحيّ" المطلوب، قال: "من الممكن ألا يكون هذا الشَّيء متكلّفاً.. عندما تعيش أجواء
"الرِّسالة"، فإنَّك لا تستطيع أن تبتعد عن نفسك، إنَّني لا أحسّ بوجود انفصالٍ من ناحية فنيَّة بين ما أنا وبين الرّسالة".
صورة خاطئة
وعن الصّورة الشَّائعة عن رجال الدِّين يقول: "قد تكون التَّجربة التَّاريخيَّة مع ما يسمَّى برجال الدّين، تركت آثاراً مثقلة، منها أنّ لرجال الدّين لغةً لا يعيشون فيها إحساسهم بالمعنى، وإنَّما يتحدّثون تقليديّاً، كما يلبسون تقليديّاً، وكما يمارسون الطّقوس تقليديّاً".
وتابع: "لقد أصبحت الفكرة الشّائعة، أنَّ رجل الدّين ينبغي أن يكون مجرّد قمّة روحيَّة يتطلّع إليها النّاس، لتعطيهم الخدر والرّاحة والطّمأنينة، لكن ليس من حقّه أن يكون عنده فكر، ليس من حقّه أن يعبّر عن إحساسه، من حقّه أن يعطي النّاس أجواء خياليّة حالمة ضبابيّة غيبيّة، ولكن ليس له الحقّ في أن يتحرّك في الواقع".
وأضاف: "هناك نوع من أنواع الاعتداء الوحشيّ على إنسانيَّة الإنسان في رجل الدّين، وهذا ربَّما هيّأ ذهنيّةً معيّنةً أصبحت تتنكّر لرجل الدّين الذي يعيش إنسانيّته".
لختام: قصيدة عموديّة
ختاماً، يتلو السيّد فضل الله بعض نتاجه الشعريّ الأخير، وهي قصيدة عموديّة غنائيّة، تؤكِّد مرّةً أخرى تشديده على الموسيقى في الشّعر...
أنا يا ليلاي ما زلت أغنّي للضّحى حبّي.. وللإشراق فنّي
وحياتي فكرةٌ.. لم تكتمل في حنايا روحها وحي المغنّي
هبطت للأرض عذراء المنى ترشف الأطياف في أطهر دنّ
شاقها النّور فطارت نحوه بجناحٍ من هواها مطمئنّ
وتخطّتْ حجب الغيب.. فلم تسرح إلا على أروع لحن
وحنتْ تحتضن الحبّ ـ على صبوات الحسن.. في جنّة عدن
وستبقى في صعود.. كلّما عاقها درب.. تخطّته بأمن
أنا يا ليلاي مهما يعتصر من دمائي اللّيل في عسف التجنّي
فدمي فيثارةٌ تعزف لي أغنيات النّور في فجر التمنّي
وأنا ـ عبر المدى ـ ما ضرّني أنّني وحدي أحيا وأغنّي
أزرع النّشوة في دنيا غدي وأثير النّور في أطياف جفني
وأناجيك وحولي جنّةٌ من رؤى فنٍّ.. ومن أطياب حسن
فأنا أخلق وحدي جنّتي فأرى اللّذّة في أعماق حزني
فتعالي نقطع العمر معاً بين لهوٍ.. وعذاب وتغنّي
فهوانا لم يعد أسطورةً في خيالٍ.. يبدع النّجوى وظنّ
إنّه كونٌ رحيبٌ يغدق الخصب نعماه على الرّوض الأغنّ
فتعالي.. نبذل الحبّ فما العمر.. إن لم يهدم الحبّ ويبني
غاية العمر حياةٌ ينتشي في حناياها الضّحى منكِ ومنّي