كيف يثبت أول الشهر

كيف يثبت أول الشهر
اتضح أنَّ بداية الشهر القمري الشرعي تتوقف على أمرين: خروج القمر من المحاق، وكون الهلال ممكن الرؤية وإن لم ير فعلاً، فإذا اقترن هذان الأمران بالرؤية الفعلية كان ذلك خيراً على خير.

وإثبات ذلك يتم بأحد الأمور التالية:

الأول: الرؤية المباشرة بالعين الاعتيادية المجرّدة فعلاً، لأنَّ رؤية الهلال فعلاً تثبت للرائي أنَّ القمر قد خرج من المحاق وأنَّ بالإمكان رؤيته، وإلاَّ لما رآه فعلاً.
الثاني: شهادة الآخرين برؤيتهم، فإذا لم يكن الشخص قد رأى الهلال مباشرة ولكن شهد الاخرون برؤيتهم له، كفاه ذلك إذا توفر في هذه الشهادة أحد الأمرين التاليين:

أولاً: كثرة العدد وتنوّع الشهود: بنحو يحصل التواتر أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان، فإذا كثر العدد ولم يحصل العلم أو الاطمئنان من أجل منشأ معقول لم يثبت الهلال، فالكثرة العددية عامل مساعد على حصول اليقين ولكنَّها ليست كلّ شيء في الحساب، بل ينبغي للفَطن أن يدخل في الحساب كلّ ما يلقي ضوءاً على مدى صدق الشهود أو كذبهم أو خطأهم، ونذكر الأمثلة التالية على سبيل التوضيح:

1 ـ إذا أحصي أربعون شاهداً بالهلال من بلدة واحدة فقد يكون تواجدهم جميعاً في بلدة واحدة يعزز شهادتهم، بينما إذا أحصي أربعون شاهداً من أربعين بلدة استهل ابناؤها فشهد واحد من كلّ بلدة لم يكن لهم نفس تلك الدرجة من الإثبات، والسبب في ذلك أنَّ تواجد أربعين شخصاً على خطأ في مجموعة المستهلين من بلدة واحدة أمر بعيد نسبياً بينما تواجد شخص واحد على خطأ في مجموعة المستهلين من كلّ بلد أقرب احتمالاً.

2 ـ وفي نفس الحالة السابقة قد يصبح الأمر على العكس، وذلك فيما إذا كانت تلك البلدة التي شهد من أهاليها أربعون شخصاً واقعة تحت تأثير ظروف عاطفية غير موجودة في المدن الأخرى.

3 ـ وكما ينبغي أن يُلحظ الشهود في جانب الإثبات فإنه ينبغي أن يُلحظ نوع وعدد المستهلين الذين استهلوا وعجزوا عن رؤية الهلال كنقطة في جانب عدم الإثبات.  فكلّما كان عدد هؤلاء الذين عجزوا عن الرؤية كبيراً جداً ومتواجداً في آفاق نقية صالحة للرؤية وقريبة من مواضع شهادات الشهود شكل ذلك عاملاً سلبياً يُدخَل في الحساب.

4 ـ ونوعية الشهود لها أثر كبير إيجاباً وسلباً على تقرير النتيجة، ففرق بين أربعين شاهداً يُعرف مسبقاً أنهم لا يتورعون عن الكذب أو مجهولو الحال، وبين أربعين شاهداً يُعلم بوثاقتهم.

5 ـ قد تتحد مجموعة من الشهادات في المكان، بأن يقف عدد من المستهلين في مكان مشرف على الأفق، فيرى أحدهم الهلال ثُمَّ يهدي الآخر إلى موضعه فيراه ثُمَّ يهتدي الثالث إليه وهكذا، وفي مثل ذلك تتعزز هذه الشهادات لأنَّ وقوعها كلّها فريسة خطأ واحد في نقطة معينة من الأفق بعيد جداً، إذ إنَّ قدرة المشاهد الأول على إراءة ما رآه تعزز الثقة بشهادته.

6 ـ التطابق العفوي في النقاط التفصيلية بين الشهود، بأن يشهد عدد من الأشخاص المتفرقين من بلدة واحدة، ويعطي كلّ واحد منهم نقاطاً تطابق النقاط التي يعطيها الآخر، من قبيل أن يتفقوا على زمان رؤية الهلال وزمان غروبه عن أعينهم، فإنَّ ذلك عامل مساعد على حصول اليقين.

7 ـ ويدخل في الحساب أيضاً التنبؤ العلمي المسبق بوقت خروج القمر من المحاق، فإنه إذا حدّد وقتاً وادعى الشهود الرؤية قبل ذلك الوقت كان التحديد العلمي المسبق عاملاً سلبياً يضعف من تلك الشهادات، فإنَّ احتمال الخطأ في حسابات النبوءة العلمية، وإن كان موجوداً، ولكنَّه بعيد جداً في مقابل احتمال الخطأ في مجموع تلك الشهادات، أو على الأقل لا يسمح بسرعة حصول اليقين بصواب الشهود في شهادتهم.

ثانياً: تواجد البينة في الشهود:  والبينة على الهلال تكتمل إذا توفر ما يلي:
1 ـ أن يشهد رجلان عدلان برؤية الهلال، فلا تكفي شهادة الرّجل الواحد، ولا شهادة النساء وإن كنَّ عادلات، إلاَّ أن توجب الاطمئنان فنأخذ بها من جهة حجية الاطمئنان من أي سبب حصل ما دام الاطمئنان حجة عقلائية معتبرة.

2 ـ أن لا يقع اختلاف بين الشاهدين في شهادتيهما على نحو يعني أنَّ ما يفترض أحد الشاهدين أنه رآه هو غير ما رآه الآخر.

3 ـ أن لا تتجمع قرائن قوية تدل على كذب البينة أو وقوعها في خطأ، ومن هذه القرائن أن ينفرد اثنان بالشهادة من بين جمع كبير من المستهلين لم يستطيعوا أن يروه مع اتجاههم جميعاً إلى نفس النقطة التي اتجه إليها الشاهدان في الأفق وتقاربهم في القدرة البصرية ونقاء الأفق وصلاحيته العامة للرؤية، وهذا معنى قولهم عليهم السَّلام "إذا رآه واحد رآه مائة".

هذا ولا يشترط في اعتبار البينة قيامها عند الحاكم الشرعي، بل يجوز التعويل عليها لكلّ من علم بها.

الثالث: مضي ثلاثين يوماً من هلال الشهر السابق، لأنَّ الشهر القمري الشرعي لا يكون أكثر من ثلاثين يوماً، فإذا مضى ثلاثون يوماً ولم يُر الهلال الجديد اعتبر الهلال موجوداً، ويبدأ بذلك شهر قمري جديد.

الرابع: حكم الحاكم الشرعي، فإنه نافذ وواجب الاتباع حتى على من لم يطلع بصورة مباشرة على وجاهة الأدلة التي استند إليها في حكمه، وذلك ضمن التفصيل التالي:

أ ـ أن لا تكون لدى المكلّف أي فكرة عن صواب الحكم الذي أصدره الحاكم الشرعي وخطأه، وفي هذه الحالة يجب عليه الاتباع.

ب ـ أن تكون لدى المكلّف فكرة تبعث في نفسه الظنّ بأنَّ الحاكم على خطأ في موقفه على الرغم من اجتهاده وعدالته، وفي هذه الحالة يجب عليه الاتباع أيضاً.

ج ـ أن تكون لدى المكلّف فكرة تأكد على أساسها من عدم كفاية الأدلة التي استند إليها الحاكم الشرعي، كما إذا كان قد استند إلى شهود وثق بعدالتهم ولكنَّ المكلّف يعرف أنهم ليسوا عدولاً، فهو يرى أنَّ شهاداتهم غير كافية ما داموا غير عدول ولكنَّه لا يعلم بأنهم قد كذبوا في شهاداتهم هذه بالذات، وفي هذه الحالة لا اعتبار لحكم الحاكم ولا يجب عليه اتباع حكمه.

د ـ أن يعلم المكلّف بأنَّ الشهر لم يبدأ فعلاً وأنَّ الحاكم الشرعي وقع فريسة خطأ فأثبت الشهر قبل وقته المحدود، وفي هذه الحالة ـ أيضاً ـ لا يجب الاتباع بل يعمل المكلّف على أساس علمه.

ونريد بحكم الحاكم الشرعي اتخاذه قراراً بثبوت الشهر أو أمره للمسلمين بالعمل على هذا الأساس، وأمّا إذا حصلت لديه قناعة بثبوت الشهر ولكن لم يتخذ قراراً بذلك ولم يُصدر أمراً للمسلمين بتحديد موقفهم العملي على هذا الأساس فلا تكون هذه القناعة ملزمة إلاَّ لمن اقتنع على أساسها وحصل لديه الاطمئنان الشخصي بسببها.

وفي حالة إصدار الحاكم الشرعي للحكم يجب اتباعه حتى على غير مقلديه ممن يؤمن بتوفر شروط الحاكم الشرعي فيه.

الخامس: كلّ جهد علمي يؤدي إلى اليقين أو الاطمئنان بأنَّ القمر قد خرج من المحاق وأنَّ الهلال موجود في الأفق بصورة تمكن من رؤيته، فلا يكفي لإثبات الشهر القمري الشرعي أن يؤكد العلم بوسائله الحديثة خروج القمر من المحاق ما لم يؤكد إلى جانب ذلك إمكان رؤية الهلال وتحصلُ للإنسان القناعة بذلك على مستوى اليقين أو الاطمئنان.

م ـ 936: هناك حالات تلاحظ في الهلال عندما يرى لأول مرة كثيراً ما يتخذها النّاس قرينة لإثبات أنه في ليلته الثانية وأنَّ الشهر القمري كان قد بدأ في الليلة السابقة على الرغم من عدم رؤيته، من قبيل أن يكون الهلال على شكل دائرة وهو ما يسمى بتَطوُّق الهلال، أو سماكة الجزء المنير منه وسعته، أو استمرار ظهوره قرابة ساعة من الزمان وعدم غيابه إلاَّ بعد الشفق مثلاً، إذ يُقال حينئذ: إنَّ الهلال لو كان جديد الولادة ولم يكن ابن ليلة سابقة لما كان بهذه الكيفية أو بهذه المدّة.

ولكن الصحيح أنَّ هذه الحالات لا يمكن اتخاذها دليلاً لاثبات بداية الشهر في الليلة السابقة، لأنَّ أقصى ما يمكن أن تثبته هو أنَّ القمر كان قد خرج من المحاق قبل فترة طويلة ولذلك أصبح بهذه الكيفية أو استمر بهذه المدّة، ولكنَّه لا يدلل على أنه كان بالإمكان رؤيته في غروب الليلة السابقة، فلو كان القمر مثلاً قد خرج من المحاق قبل اثنتي عشرة ساعة من الغروب الذي رؤي فيه لأول مرة فسوف يبدو أوضح وأشمل نوراً وأطول مدّة مما لو كان قد خرج من المحاق قبل دقائق من الغروب، على الرغم من أنه ليس ابن الليلة السابقة في كلتا الحالتين.

وعلى العموم لا يجوز الاعتماد على مثل هذه الظنون في إثبات هلال شهر رمضان أو هلال شوال، ومنها حسابات المنجمين الذين لا يعول على أقوالهم في هذا المجال عادة، نعم إذا حصل الاطمئنان للمكلّف بالهلال من خلال بعض تلك العلامات جاز الأخذ بها من أجل ذلك.
اتضح أنَّ بداية الشهر القمري الشرعي تتوقف على أمرين: خروج القمر من المحاق، وكون الهلال ممكن الرؤية وإن لم ير فعلاً، فإذا اقترن هذان الأمران بالرؤية الفعلية كان ذلك خيراً على خير.

وإثبات ذلك يتم بأحد الأمور التالية:

الأول: الرؤية المباشرة بالعين الاعتيادية المجرّدة فعلاً، لأنَّ رؤية الهلال فعلاً تثبت للرائي أنَّ القمر قد خرج من المحاق وأنَّ بالإمكان رؤيته، وإلاَّ لما رآه فعلاً.
الثاني: شهادة الآخرين برؤيتهم، فإذا لم يكن الشخص قد رأى الهلال مباشرة ولكن شهد الاخرون برؤيتهم له، كفاه ذلك إذا توفر في هذه الشهادة أحد الأمرين التاليين:

أولاً: كثرة العدد وتنوّع الشهود: بنحو يحصل التواتر أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان، فإذا كثر العدد ولم يحصل العلم أو الاطمئنان من أجل منشأ معقول لم يثبت الهلال، فالكثرة العددية عامل مساعد على حصول اليقين ولكنَّها ليست كلّ شيء في الحساب، بل ينبغي للفَطن أن يدخل في الحساب كلّ ما يلقي ضوءاً على مدى صدق الشهود أو كذبهم أو خطأهم، ونذكر الأمثلة التالية على سبيل التوضيح:

1 ـ إذا أحصي أربعون شاهداً بالهلال من بلدة واحدة فقد يكون تواجدهم جميعاً في بلدة واحدة يعزز شهادتهم، بينما إذا أحصي أربعون شاهداً من أربعين بلدة استهل ابناؤها فشهد واحد من كلّ بلدة لم يكن لهم نفس تلك الدرجة من الإثبات، والسبب في ذلك أنَّ تواجد أربعين شخصاً على خطأ في مجموعة المستهلين من بلدة واحدة أمر بعيد نسبياً بينما تواجد شخص واحد على خطأ في مجموعة المستهلين من كلّ بلد أقرب احتمالاً.

2 ـ وفي نفس الحالة السابقة قد يصبح الأمر على العكس، وذلك فيما إذا كانت تلك البلدة التي شهد من أهاليها أربعون شخصاً واقعة تحت تأثير ظروف عاطفية غير موجودة في المدن الأخرى.

3 ـ وكما ينبغي أن يُلحظ الشهود في جانب الإثبات فإنه ينبغي أن يُلحظ نوع وعدد المستهلين الذين استهلوا وعجزوا عن رؤية الهلال كنقطة في جانب عدم الإثبات.  فكلّما كان عدد هؤلاء الذين عجزوا عن الرؤية كبيراً جداً ومتواجداً في آفاق نقية صالحة للرؤية وقريبة من مواضع شهادات الشهود شكل ذلك عاملاً سلبياً يُدخَل في الحساب.

4 ـ ونوعية الشهود لها أثر كبير إيجاباً وسلباً على تقرير النتيجة، ففرق بين أربعين شاهداً يُعرف مسبقاً أنهم لا يتورعون عن الكذب أو مجهولو الحال، وبين أربعين شاهداً يُعلم بوثاقتهم.

5 ـ قد تتحد مجموعة من الشهادات في المكان، بأن يقف عدد من المستهلين في مكان مشرف على الأفق، فيرى أحدهم الهلال ثُمَّ يهدي الآخر إلى موضعه فيراه ثُمَّ يهتدي الثالث إليه وهكذا، وفي مثل ذلك تتعزز هذه الشهادات لأنَّ وقوعها كلّها فريسة خطأ واحد في نقطة معينة من الأفق بعيد جداً، إذ إنَّ قدرة المشاهد الأول على إراءة ما رآه تعزز الثقة بشهادته.

6 ـ التطابق العفوي في النقاط التفصيلية بين الشهود، بأن يشهد عدد من الأشخاص المتفرقين من بلدة واحدة، ويعطي كلّ واحد منهم نقاطاً تطابق النقاط التي يعطيها الآخر، من قبيل أن يتفقوا على زمان رؤية الهلال وزمان غروبه عن أعينهم، فإنَّ ذلك عامل مساعد على حصول اليقين.

7 ـ ويدخل في الحساب أيضاً التنبؤ العلمي المسبق بوقت خروج القمر من المحاق، فإنه إذا حدّد وقتاً وادعى الشهود الرؤية قبل ذلك الوقت كان التحديد العلمي المسبق عاملاً سلبياً يضعف من تلك الشهادات، فإنَّ احتمال الخطأ في حسابات النبوءة العلمية، وإن كان موجوداً، ولكنَّه بعيد جداً في مقابل احتمال الخطأ في مجموع تلك الشهادات، أو على الأقل لا يسمح بسرعة حصول اليقين بصواب الشهود في شهادتهم.

ثانياً: تواجد البينة في الشهود:  والبينة على الهلال تكتمل إذا توفر ما يلي:
1 ـ أن يشهد رجلان عدلان برؤية الهلال، فلا تكفي شهادة الرّجل الواحد، ولا شهادة النساء وإن كنَّ عادلات، إلاَّ أن توجب الاطمئنان فنأخذ بها من جهة حجية الاطمئنان من أي سبب حصل ما دام الاطمئنان حجة عقلائية معتبرة.

2 ـ أن لا يقع اختلاف بين الشاهدين في شهادتيهما على نحو يعني أنَّ ما يفترض أحد الشاهدين أنه رآه هو غير ما رآه الآخر.

3 ـ أن لا تتجمع قرائن قوية تدل على كذب البينة أو وقوعها في خطأ، ومن هذه القرائن أن ينفرد اثنان بالشهادة من بين جمع كبير من المستهلين لم يستطيعوا أن يروه مع اتجاههم جميعاً إلى نفس النقطة التي اتجه إليها الشاهدان في الأفق وتقاربهم في القدرة البصرية ونقاء الأفق وصلاحيته العامة للرؤية، وهذا معنى قولهم عليهم السَّلام "إذا رآه واحد رآه مائة".

هذا ولا يشترط في اعتبار البينة قيامها عند الحاكم الشرعي، بل يجوز التعويل عليها لكلّ من علم بها.

الثالث: مضي ثلاثين يوماً من هلال الشهر السابق، لأنَّ الشهر القمري الشرعي لا يكون أكثر من ثلاثين يوماً، فإذا مضى ثلاثون يوماً ولم يُر الهلال الجديد اعتبر الهلال موجوداً، ويبدأ بذلك شهر قمري جديد.

الرابع: حكم الحاكم الشرعي، فإنه نافذ وواجب الاتباع حتى على من لم يطلع بصورة مباشرة على وجاهة الأدلة التي استند إليها في حكمه، وذلك ضمن التفصيل التالي:

أ ـ أن لا تكون لدى المكلّف أي فكرة عن صواب الحكم الذي أصدره الحاكم الشرعي وخطأه، وفي هذه الحالة يجب عليه الاتباع.

ب ـ أن تكون لدى المكلّف فكرة تبعث في نفسه الظنّ بأنَّ الحاكم على خطأ في موقفه على الرغم من اجتهاده وعدالته، وفي هذه الحالة يجب عليه الاتباع أيضاً.

ج ـ أن تكون لدى المكلّف فكرة تأكد على أساسها من عدم كفاية الأدلة التي استند إليها الحاكم الشرعي، كما إذا كان قد استند إلى شهود وثق بعدالتهم ولكنَّ المكلّف يعرف أنهم ليسوا عدولاً، فهو يرى أنَّ شهاداتهم غير كافية ما داموا غير عدول ولكنَّه لا يعلم بأنهم قد كذبوا في شهاداتهم هذه بالذات، وفي هذه الحالة لا اعتبار لحكم الحاكم ولا يجب عليه اتباع حكمه.

د ـ أن يعلم المكلّف بأنَّ الشهر لم يبدأ فعلاً وأنَّ الحاكم الشرعي وقع فريسة خطأ فأثبت الشهر قبل وقته المحدود، وفي هذه الحالة ـ أيضاً ـ لا يجب الاتباع بل يعمل المكلّف على أساس علمه.

ونريد بحكم الحاكم الشرعي اتخاذه قراراً بثبوت الشهر أو أمره للمسلمين بالعمل على هذا الأساس، وأمّا إذا حصلت لديه قناعة بثبوت الشهر ولكن لم يتخذ قراراً بذلك ولم يُصدر أمراً للمسلمين بتحديد موقفهم العملي على هذا الأساس فلا تكون هذه القناعة ملزمة إلاَّ لمن اقتنع على أساسها وحصل لديه الاطمئنان الشخصي بسببها.

وفي حالة إصدار الحاكم الشرعي للحكم يجب اتباعه حتى على غير مقلديه ممن يؤمن بتوفر شروط الحاكم الشرعي فيه.

الخامس: كلّ جهد علمي يؤدي إلى اليقين أو الاطمئنان بأنَّ القمر قد خرج من المحاق وأنَّ الهلال موجود في الأفق بصورة تمكن من رؤيته، فلا يكفي لإثبات الشهر القمري الشرعي أن يؤكد العلم بوسائله الحديثة خروج القمر من المحاق ما لم يؤكد إلى جانب ذلك إمكان رؤية الهلال وتحصلُ للإنسان القناعة بذلك على مستوى اليقين أو الاطمئنان.

م ـ 936: هناك حالات تلاحظ في الهلال عندما يرى لأول مرة كثيراً ما يتخذها النّاس قرينة لإثبات أنه في ليلته الثانية وأنَّ الشهر القمري كان قد بدأ في الليلة السابقة على الرغم من عدم رؤيته، من قبيل أن يكون الهلال على شكل دائرة وهو ما يسمى بتَطوُّق الهلال، أو سماكة الجزء المنير منه وسعته، أو استمرار ظهوره قرابة ساعة من الزمان وعدم غيابه إلاَّ بعد الشفق مثلاً، إذ يُقال حينئذ: إنَّ الهلال لو كان جديد الولادة ولم يكن ابن ليلة سابقة لما كان بهذه الكيفية أو بهذه المدّة.

ولكن الصحيح أنَّ هذه الحالات لا يمكن اتخاذها دليلاً لاثبات بداية الشهر في الليلة السابقة، لأنَّ أقصى ما يمكن أن تثبته هو أنَّ القمر كان قد خرج من المحاق قبل فترة طويلة ولذلك أصبح بهذه الكيفية أو استمر بهذه المدّة، ولكنَّه لا يدلل على أنه كان بالإمكان رؤيته في غروب الليلة السابقة، فلو كان القمر مثلاً قد خرج من المحاق قبل اثنتي عشرة ساعة من الغروب الذي رؤي فيه لأول مرة فسوف يبدو أوضح وأشمل نوراً وأطول مدّة مما لو كان قد خرج من المحاق قبل دقائق من الغروب، على الرغم من أنه ليس ابن الليلة السابقة في كلتا الحالتين.

وعلى العموم لا يجوز الاعتماد على مثل هذه الظنون في إثبات هلال شهر رمضان أو هلال شوال، ومنها حسابات المنجمين الذين لا يعول على أقوالهم في هذا المجال عادة، نعم إذا حصل الاطمئنان للمكلّف بالهلال من خلال بعض تلك العلامات جاز الأخذ بها من أجل ذلك.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية