متعلق اليمين والنذر والعهد

متعلق اليمين والنذر والعهد

ويراد به بحث ما يعتبر في الفعل أو الترك الذي التزمه الناذر والحالف والمعاهد، وهو الذي يقال له اختصاراً: «المتعلَّق»، أي: ما تعلق به النذر والحلف والعهد، وهو ما نفصله كما يلي:


ـ لا ينعقد اليمين وشبهه من النذر والعهد بدون التصريح بذكر المتعلق، فلو قال: «نذر لله عليّ» دون أن يذكر الفعل أو الترك الذي يريد الالتزام به كان نذره لغواً لا معنى له، كما وأنه لا تنعقد هذه الثلاثة بكل متعلق، بل لا بد فيه من توفر أمور:


الأول: أن يكون متعلقها من الأعمال والتروك الراجحة التي يحسن تمنيها لما في فعلها أو تركها من مصالح، سواءً كان رجحانها شرعياً، كفعل الواجب والمستحب وترك الحرام والمكروه، أو كان رجحانها عرفياً أو شخصياً، كما في الكثير من المباحات التي يستحسن العقلاء فعلها أو تركها لما تشتمل عليه من مصالح أو مفاسد دنيوية خبروها في تجاربهم، أو التي يترجح فعلها أو تركها لأسباب وظروف خاصة بشخص معين، ولو لم تكن كذلك عند العقلاء؛ فإن لم يكن راجحاً شرعاً ولا عرفاً، بل كان إما مرجوحاً لا ينبغي فعله أو تركه، وإما من المباحات المحضة التي يتساوى فيها الفعل والترك، كشرب الماء مع عدم الحاجة، لم ينعقد به يمين ولا نذر ولا عهد.
ولو فرض أن المتعلق صار مرجوحاً بعدما كان راجحاً بطل اليمين وشبهه حتى لو كانت مرجوحية ما كان راجحاً شرعاً ترجع إلى أمر دنيوي، فضلاً عما لو كان العكس، إذ إن انعقادها على ما هو راجح دنيوياً ينتقض ـ حتماً ـ بما لو طرأ عليه ما جعله مرجوحاً شرعاً.


الثاني: أن يكون متعلقها مقدوراً عليه حين وجوب الوفاء عليه لا حين إنشائها وعقدها، فلو نذر ما ليس مقدوراً له من الأول، كما لو نذر المُقْعَدُ أن يصلي من قيام، لم ينعقد نذره البتة، وكذا لو نذر ما يعتقد قدرته عليه فظهر عجزه عنه من الأول؛ وأما إذا كان قادراً ثم طرأ العجز، فإن كان وقت الوفاء موسعاً، أو لم يكن له وقت، وكانت قد ظهرت أمارات العجز خلال تلك المدة وجبت عليه المبادرة إلى الأداء ما دام قادراً، فإن فَرَّط عامداً حتى عجز عنه كان حانثاً ووجبت عليه الكفارة، وإلا فإن لم يكن مفرطاً في التأخير، أو كان قد فاجأه العجز على غير توقع، لم يأثم، ولزمه التريث، فإن تجددت القدرة بعد العجز خلال مدة الوفاء وجب الإتيان بما التزمه في نذره وشبهه، وإن استمر العجز بطل نذره أو شبهه ولم يكن عليه شيء إلا إذا كان المنذور صوماً، فالأحوط وجوباً أن يكفر عن كل يوم بمد من الطعام يدفعه لمسكين، أو يعطيه مدين ليصوم المسكين نيابة عنه إن رضي به.
وإذا كان المتعلق مقيداً فعجز المكلف عن القيد دون المقيد، فإن كان للقيد دخالة في أصل الالتزام ومقوماً لمتعلقه عرفاً، كما لو حلف أن يعتمر في رجب أو أن يزور الإمام الحسين عليه السلام في عرفة أو نحو ذلك، فعجز عن العمرة في رجب مع قدرته عليها في غيره من الأزمنة، إنحل يمينه بالعجز وسقط عنه، وإن لم يكن مقوماً للمتعلق عرفاً، كما لو حلف أن يزور المعصوم عليه السلام أو أن يحج بيت الله تعالى ماشياً، فالأحوط وجوباً عدم انحلال اليمين بالعجز عن المشي مع قدرته على القيام بالمحلوف عليه راكباً، ولو عجز عن المشي في بعض الطريق دون بعضها الآخر فالأحوط وجوباً أن يمشي حيث يقدر ويركب حيث يعجز؛ إلا أن يكون المشي بخصوصيته مقصوداً له لسبب أو لآخر، فلا يجب عليه الإتيان بالمنذور ـ حينئذ ـ مع العجز عنه.


الثالث: أن لا يكون المتعلق مبهماً، فلا ينعقد بمثل قوله: «نذر لله علي أن أقوم بعملٍ»، ويكفي في رفع الإبهام الاقتصار على ذكر الجنس أو النوع دون ذكر المقدار والوقت ونحوهما، كأن يقول: «والله لأتصدقن» أو: «... لأصلينّ صلاة مستحبة» أو نحو ذلك، فإن اقتصر عليه كفاه ـ عند الوفاء ـ فعلُ ما يحقق العنوان، فمن نذر ـ مثلاً ـ طاعة كفاه القيام بأي عمل يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى من صوم أو صلاة أو صدقة أو أمر بمعروف أو جهاد ومرابطة، ونحو ذلك، وإن نذر التصدق كفى دفع أي شيء مما يَصْدُقُ عليه إسم الصدقة، وإن نذر الصيام أو الصلاة المستحبة كفاه الاقتصار على صوم يومٍ واحدٍ وعلى صلاة مُفْردةِ الوَتْرِ من صلاة الليل، وهكذا. هذا إذا لم يكن قد قصد في ذهنه حين إنشاء الالتزام كيفية معينة أو مقداراً خاصاً، فإن تلفظ بالعنوان ـ كالصوم مثلاً ـ لكنه قصد في ذهنه أن يكون صوم ثلاثة أيام، لزمه الوفاء بما قصده رغم عدم تصريحه به.


ـ إذا تـردد المتعلــق ـ بسبـب الإجمـال أو النسيـان ـ بين الأقل والأكثر كفاه الأقل. وإذا تردد بين المتباينين، كأن لم يدر أنه نذر إطعام الفقراء أو كسوتهم، أو أنه نذر التصدق على الفقير أو قراءة مجلس عزاء، أو نحو ذلك، وجب فعلهما جميعاً، إلا أن يكون فيه ضرر مهم، أو عسر أو حرج، فيرجع إلى القرعة ويلزمه ما خرج فيها.
ـ إذا كان متعلق الالتزام معلقاً على شيء، ثم انكشف حدوث ذلك الشيء المعلق به قبل الالتزام لم ينعقد، فإذا حلف أن يصلي ركعتين إن قدم ولده من السفر، وبعد الحلف تبين قدومه قبله، انكشف بذلك عدم انعقاد اليمين من الأول، إلا أن تكون يمينه مطلقة من هذه الناحية فليزمه الإتيان بها حينئذ.

ويراد به بحث ما يعتبر في الفعل أو الترك الذي التزمه الناذر والحالف والمعاهد، وهو الذي يقال له اختصاراً: «المتعلَّق»، أي: ما تعلق به النذر والحلف والعهد، وهو ما نفصله كما يلي:


ـ لا ينعقد اليمين وشبهه من النذر والعهد بدون التصريح بذكر المتعلق، فلو قال: «نذر لله عليّ» دون أن يذكر الفعل أو الترك الذي يريد الالتزام به كان نذره لغواً لا معنى له، كما وأنه لا تنعقد هذه الثلاثة بكل متعلق، بل لا بد فيه من توفر أمور:


الأول: أن يكون متعلقها من الأعمال والتروك الراجحة التي يحسن تمنيها لما في فعلها أو تركها من مصالح، سواءً كان رجحانها شرعياً، كفعل الواجب والمستحب وترك الحرام والمكروه، أو كان رجحانها عرفياً أو شخصياً، كما في الكثير من المباحات التي يستحسن العقلاء فعلها أو تركها لما تشتمل عليه من مصالح أو مفاسد دنيوية خبروها في تجاربهم، أو التي يترجح فعلها أو تركها لأسباب وظروف خاصة بشخص معين، ولو لم تكن كذلك عند العقلاء؛ فإن لم يكن راجحاً شرعاً ولا عرفاً، بل كان إما مرجوحاً لا ينبغي فعله أو تركه، وإما من المباحات المحضة التي يتساوى فيها الفعل والترك، كشرب الماء مع عدم الحاجة، لم ينعقد به يمين ولا نذر ولا عهد.
ولو فرض أن المتعلق صار مرجوحاً بعدما كان راجحاً بطل اليمين وشبهه حتى لو كانت مرجوحية ما كان راجحاً شرعاً ترجع إلى أمر دنيوي، فضلاً عما لو كان العكس، إذ إن انعقادها على ما هو راجح دنيوياً ينتقض ـ حتماً ـ بما لو طرأ عليه ما جعله مرجوحاً شرعاً.


الثاني: أن يكون متعلقها مقدوراً عليه حين وجوب الوفاء عليه لا حين إنشائها وعقدها، فلو نذر ما ليس مقدوراً له من الأول، كما لو نذر المُقْعَدُ أن يصلي من قيام، لم ينعقد نذره البتة، وكذا لو نذر ما يعتقد قدرته عليه فظهر عجزه عنه من الأول؛ وأما إذا كان قادراً ثم طرأ العجز، فإن كان وقت الوفاء موسعاً، أو لم يكن له وقت، وكانت قد ظهرت أمارات العجز خلال تلك المدة وجبت عليه المبادرة إلى الأداء ما دام قادراً، فإن فَرَّط عامداً حتى عجز عنه كان حانثاً ووجبت عليه الكفارة، وإلا فإن لم يكن مفرطاً في التأخير، أو كان قد فاجأه العجز على غير توقع، لم يأثم، ولزمه التريث، فإن تجددت القدرة بعد العجز خلال مدة الوفاء وجب الإتيان بما التزمه في نذره وشبهه، وإن استمر العجز بطل نذره أو شبهه ولم يكن عليه شيء إلا إذا كان المنذور صوماً، فالأحوط وجوباً أن يكفر عن كل يوم بمد من الطعام يدفعه لمسكين، أو يعطيه مدين ليصوم المسكين نيابة عنه إن رضي به.
وإذا كان المتعلق مقيداً فعجز المكلف عن القيد دون المقيد، فإن كان للقيد دخالة في أصل الالتزام ومقوماً لمتعلقه عرفاً، كما لو حلف أن يعتمر في رجب أو أن يزور الإمام الحسين عليه السلام في عرفة أو نحو ذلك، فعجز عن العمرة في رجب مع قدرته عليها في غيره من الأزمنة، إنحل يمينه بالعجز وسقط عنه، وإن لم يكن مقوماً للمتعلق عرفاً، كما لو حلف أن يزور المعصوم عليه السلام أو أن يحج بيت الله تعالى ماشياً، فالأحوط وجوباً عدم انحلال اليمين بالعجز عن المشي مع قدرته على القيام بالمحلوف عليه راكباً، ولو عجز عن المشي في بعض الطريق دون بعضها الآخر فالأحوط وجوباً أن يمشي حيث يقدر ويركب حيث يعجز؛ إلا أن يكون المشي بخصوصيته مقصوداً له لسبب أو لآخر، فلا يجب عليه الإتيان بالمنذور ـ حينئذ ـ مع العجز عنه.


الثالث: أن لا يكون المتعلق مبهماً، فلا ينعقد بمثل قوله: «نذر لله علي أن أقوم بعملٍ»، ويكفي في رفع الإبهام الاقتصار على ذكر الجنس أو النوع دون ذكر المقدار والوقت ونحوهما، كأن يقول: «والله لأتصدقن» أو: «... لأصلينّ صلاة مستحبة» أو نحو ذلك، فإن اقتصر عليه كفاه ـ عند الوفاء ـ فعلُ ما يحقق العنوان، فمن نذر ـ مثلاً ـ طاعة كفاه القيام بأي عمل يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى من صوم أو صلاة أو صدقة أو أمر بمعروف أو جهاد ومرابطة، ونحو ذلك، وإن نذر التصدق كفى دفع أي شيء مما يَصْدُقُ عليه إسم الصدقة، وإن نذر الصيام أو الصلاة المستحبة كفاه الاقتصار على صوم يومٍ واحدٍ وعلى صلاة مُفْردةِ الوَتْرِ من صلاة الليل، وهكذا. هذا إذا لم يكن قد قصد في ذهنه حين إنشاء الالتزام كيفية معينة أو مقداراً خاصاً، فإن تلفظ بالعنوان ـ كالصوم مثلاً ـ لكنه قصد في ذهنه أن يكون صوم ثلاثة أيام، لزمه الوفاء بما قصده رغم عدم تصريحه به.


ـ إذا تـردد المتعلــق ـ بسبـب الإجمـال أو النسيـان ـ بين الأقل والأكثر كفاه الأقل. وإذا تردد بين المتباينين، كأن لم يدر أنه نذر إطعام الفقراء أو كسوتهم، أو أنه نذر التصدق على الفقير أو قراءة مجلس عزاء، أو نحو ذلك، وجب فعلهما جميعاً، إلا أن يكون فيه ضرر مهم، أو عسر أو حرج، فيرجع إلى القرعة ويلزمه ما خرج فيها.
ـ إذا كان متعلق الالتزام معلقاً على شيء، ثم انكشف حدوث ذلك الشيء المعلق به قبل الالتزام لم ينعقد، فإذا حلف أن يصلي ركعتين إن قدم ولده من السفر، وبعد الحلف تبين قدومه قبله، انكشف بذلك عدم انعقاد اليمين من الأول، إلا أن تكون يمينه مطلقة من هذه الناحية فليزمه الإتيان بها حينئذ.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية