وتسمّى أيضاً تُروك الإحرام، وهي الأمور التي يجب على المحرم اجتنابها حال إحرامه، نستعرضها على النحو التالي:
الأول: الممارسات الجنسية، وهي ثلاثة: الجماع، وما دونه من الاستمتاعات، والاستمناء.
م ـ 98: يحرم الجماع حال الإحرام، على الرجل والمرأة معاً، أثناء عمرة التَّمتُّع، وكذا أثناء العمرة المفردة وأثناء الحجّ قبل الإتيان بطواف النساء. وإذا جامع المحرم زوجته قبلاً أو دبراً فهناك جملة أحكام تترتب على ذلك:
أوّلها: الكفارة، ويأتي التعرّض لها في المطلب الأول من الخاتمة.
ثانيها: فساد العمل، وذلك في خصوص جماع المحرم بالحجّ قبل الوقوف بمزدلفة، والمحرم بالعمرة المفردة قبل السعي. ويجب على هذين أيضاً:
1 - إتمام العمل الذي وقع فيه الجماع.
2 - إعادة المحرم بالحجّ لحجّه في العام القابل، وإعادة المعتمر المفرد لعمرته في شهر غير الشهر الذي جامع فيه. على أنَّ هذه الإعادة عقوبة لهما، فنسكهما هو الذي جامعا فيه.
3 - ويختصّ المجامع في الحجّ قبل السعي بلزوم التفريق بينه وبين زوجته إلى قضاء المناسك، في كلا حجّيه، الأول الذي وقع فيه الجماع، والثاني المُعاد.
م ـ 99: يحرم - حال الإحرام -، ما دون الجماع من الممارسات، وهي:
- التقبيل ولو من غير شهوة.
- مسّ أحد الزوجين الآخر بشهوة، سواء كان بالحمل أو بالضمّ.
- المداعبة، وهو ملازم للشهوة عادة.
- النظر بشهوة.
هذا، ولا يحرم على المحرم الاستمتاع بمحادثة زوجه ومجالستها ونحو ذلك، وإن كان الأفضل ترك الاستمتاع بها مطلقاً.
م ـ 100: لا يجوز حال الاحرام الاستمناء بدلك العضو التناسلي باليد أو غيرها، ولكن لا يبطل به الحجّ ولا العمرة، وكذلك فإن الاستمناء يمكن أن يتحقّق بما تقدّم من الممارسات كالتقبيل والنظر والمحادثة وغيرها.
الثاني: عقد الزواج:
م ـ 101: لا يجوز للمحرم أن يعقد لنفسه عقد الزواج، كما لا يجوز له أن يعقد لغيره، سواء كان ذلك الغير مُحلّاً أم محرماً، وسواء كان الزواج دائماً أم منقطعاً، والعقد فاسد في جميع هذه الصور.
وكذا لا يجوز للمحرم أن يشهد عقد الزواج ويحضر وقوعه على الأحوط وجوباً، والأحوط الأوْلى أن يتجنّب أداء الشهادة عليه أيضاً وإن تحمّلها في حال كونه محلاً.
وكذلك فإن الأحوط الأولى أن لا يتعرّض المحرم لخطبة النساء، وهي المعبّر عنها في بعض الأعراف بـ«طلب يدها». نعم، يجوز للمحرم الرجوع إلى مطلّقته الرجعية، كما يجوز له طلاق زوجته.
الثالث: استعمال الطيب: والمراد بالطيب كل مادة يطيّب بها البدن أو الثياب أو الطعام أو غيرها، فيشمل أنواع العطورات، والزعفران والهال المعتاد استعمالهما في الطعام والشراب، وسواء كان ذلك عن طريق الشمّ أو الأكل أو الطلاء أو الصبغ أو البخور. وكذا يحرم لبس ما يكون عليه أثر منه.
م ـ 102: يُستثنى من حكم الطيب ما تُطلى به جدران الكعبة المعظّمة والمسمّى بـ«خلوق الكعبة»، فلا يجب على المحرم اجتناب شمّه وإصابته لثيابه وبدنه، وإن أصابهما لم تجب إزالتهما بغسل أو نحوه، ولكن لا بد من الالتفات إلى أن هذا الحكم مختص بما كان على الكعبة فعلاً، فلا يشمل ما يباع من «خلوق الكعبة» في محالّ بيع العطورات، إذ يندرج حينئذٍ تحت الحكم بحرمة الاجتناب.
م ـ 103: يكره للمحرم شمّ الرياحين، وهي نباتات تفوح منها رائحة طيّبة وتُتخذ للشمّ، سواء التي يُصنع منها الطيب - كالياسمين والورد - وغيرها، ويُستثنى منها بعض أقسامها البرية كالشيح والقيصوم والخزامى والأذخر وأشباهها، فإنه لا كراهة في شمّها.
وأمّا الفواكه والخضروات الطيبة الرائحة - كالتفاح والسفرجل والنعناع - فيجوز للمحرم أكلها، ولكنّ الأفضل عدم شمّها حين الأكل، وكذلك الحال في الأدهان الطيبة فيما يؤكل منها ولا يُعدّ من الطيب عرفاً.
م ـ 104: لا يحرم على المحرم أن يسدّ أنفه عن الروائح الكريهة، ولا بأس بالاسراع في المشي للتخلص منها على كل حال.
الرابع: الادّهان: وهو استعمال الأصناف التي يُدهن بها الجسم، وإن لم تكن لها رائحة طيّبة.
م ـ 105: يجوز للمحرم أكل الدهن الخالي من الطيب وإن كان ذا رائحة طيبة كما تقدم، كما يجوز للمحرم استعمال الأدهان غير الطيّبة للتداوي، وكذا الأدهان الطيّبة أو المطيّبة عند الضرورة.
الخامس: لبس المخيط وما بحكمه للرجل: فلا يجوز للرجل المحرم أن يلبس الثياب التي تكون على إحدى الصفات التالية:
ـ ما يكون له أزرار، أو ما يفيد فائدتها.
ـ ما يكون كالدرع، ويكون لبسه بأن يخرج رأسه ويديه من الفتحات المخصّصة لها.
ـ السراويل، وما يشبهها في ستر العورتين كالبنطلون، إلا إذا لم يكن له إزار.
ـ كل مخيط من غير ذلك على الأحوط وجوباً، ومنها الثياب المتعارفة كالقميص والقباء والجبّة والسترة والثوب المتعارف في الدول العربية (الدشداشة) مطلقاً، وإن لم يزرّها أو يتدرّعها.
م ـ 106: يجوز للمحرم في حال الاضطرار أن يَطْرح القميص أو ما يشبهه على عاتقه، ويلبس القباء أو نحوه مقلوباً، ولكن لا يدخل يديه في يدي القباء.
م ـ 107: يجوز للمحرم - ولو مع عدم الضرورة - أن يربط على وسطه محفظة نقوده، وإن كانت من قسم المخيط، كالحزام. كما يجوز له لبس الحذاء أو الخف المخيط، هذا فضلاً عن أنه يجوز له التحزّم بالحزام المخيط الذي يستعمله المبتلى بالفتق لمنع نزول الأمعاء في الأنثيين.
م ـ 108: يجوز للمحرم في حال الاضطجاع أو النوم أو نحوهما أن يغطّي بدنه - ما عدا الرأس - بالمخيط، بالنحو الذي لا يعدّ لبساً.
م ـ 109: يكره للمحرم أن يعقد إزاره في عنقه، ولا يكره له عقد الرداء، ولا بأس بغرز الإزار أو الرداء بالإبرة وأمثالها.
م ـ 110: تقدّم جواز لبس المخيط للمرأة مطلقاً، ولكن يُستثنى من ذلك القفّازان - وهما ما يُدخل فيهما الكفّان - فإنه لا يجوز لها لبسهما في يديها.
السادس: لبس الخف والجورب للرجال، والمقصود به كل ما ُلبس في القدم فيحيط بها كالجورب والخفّ، إلا في حال الاضطرار، فيجوز حينئذٍ لبس ما يحيط بالقدم ولكن بعد شقّ ظهره على الأحوط الأوْلى.
أمّا لبس ما يحيط بالقدم ممّا يستر بعض ظهرها فهو جائز. وكذا يجوز للمحرم ستر تمام ظهر القدم من دون لبس، كأن يلقي طرف ردائه عليه حال الجلوس.
م ـ 111: لا يضرّ في الخف الذي يلبسه المحرم كونه من المخيط، فيجوز لبسه ولا يجب لبس ما اعتاده الحجّاج من بعض الأصناف التي لا تدخلها الخيوط.
السابع: التزيّن أو استعمال الزينة
يحرم استعمال ما يُعدُّ زينة عرفاً، إذا كان بقصد التزيّن. ولا ينفكّ هذا القصد خارجاً عن ممارسة ما هو زينةٌ عرفاً، إلاّ عند ممارسته لأجل عنوان خاص، كاستحباب التختّم، أو ضرورة التحنّي لعلاج، وما شاكل ذلك.
وينضوي تحت هذا العنوان أمور:
أ - الاكتحال بكل نوعٍ من الكحل المعتبر مصداقاً للزينة عرفاً، سواء الأسود منه وغيره، مع قصد التزيّن به، وحيث لا يصدق عرفاً على الاكتحال أنّه زينة أو لم يقصد التزيّن به فإنّه يجوز فعله للمحرم، كما يجوز فعله في حالة الاضطرار للتداوي به.
ب - النظر في المرآة للزينة، وأمّا إذا كان النظر لغرض آخر كتضميد جرح الوجه أو استعلام وجود حاجب عليه، أو كنظر السائق فيها لرؤية ما خلفه من السيّارات ونحو ذلك فجائز، ولا فرق بين المرآة وسائر ما يفيد فائدتها كالأجسام الصقيلة إذا استعملت بقصد الزينة. هذا، ويُستحب لمن نظر في المرآة للزينة أن يجدّد التلبية.
ت - يحرم على المحرم استعمال الحنّاء على الطريقة المتعارفة، فيما إذا عُدَّ زينة عرفاً، وقصد التزيّن به، ولا بأس باستعماله بغير قصد التزيّن، كما إذا كان لعلاجٍ ونحوه، وكذلك لا بأس باستعماله قبل الإحرام وإن بقي أثره إلى حين الإحرام، والأفضل تركه.
ث - يحرم على المرأة المحرمة لبس حلّي الزينة - إذا قصدت التزين بها - والأفضل لها أن تترك لبسها وإن لم تقصدها. ويُستثنى من ذلك ما كانت تعتاد لبسه قبل إحرامها، ولكن عليها أن لا تظهره لزوجها ومحارمها من الرجال فضلاً عن الأجانب.
م ـ 112: يجوز التختّم في حال الإحرام إذا كان لبسه لأجل استحبابه، أو لأجل التحفّظ على الخاتم من الضياع، أو لإحصاء أشواط الطواف به، ونحو ذلك ممّا لا يقصد بلبسه الزينة، وأمّا لبسه بقصد الزينة فهو حرام.
م ـ 113: يجوز لبس النظارة المعدّة لتصحيح البصر أو للاتقاء من الشمس ونحوهما، إلا أن تكون مصنوعة بنحوٍ تعدّ من الزينة عرفاً فالأحوط - عندئذٍ - الاجتناب عنها، واستبدالها بأخرى.
الثامن: إزالة الشعر عن البدن: سواء كان ذلك عن بدنه أو عن بدن غيره، محلاً كان ذلك الغير أو محرماً، وسواء كانت الإزالة تتمّ بواسطة الحلق أو النتف أو غيرهما، بل لا فرق في ذلك بين قليل الشعر وكثيره، حتى بعض الشعرة الواحدة.
نعم، إذا تكاثر القمّل في رأسه أو جسده، فتأذّى من ذلك جاز له حلقه. وكذا تجوز إزالة الشعر عن الرأس أو الجسد إذا كانت هناك ضرورة تدعو إليها، ويقتصر في الإزالة - عندئذٍ - على مقدار الضرورة. وعليه الفدية في كل ذلك، وسيأتي بيانها في الخاتمة.
كما لا بأس بسقوط الشعر عن غير قصد من بدن المحرم حال الوضوء أو الغسل أو التيمم أو الطهارة من الخبث، ونحو ذلك من الأسباب التي لا يتعمّد فيها المحرم إزالة الشعر.
م ـ 114: لا بأس بحكّ المحرم رأسه ما لم يقطع الشعر عن رأسه، وما لم يسبب خروج الدم، وكذلك بالنسبة للبدن، وأمّا إذا أمرّ المحرم يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو أكثر فليتصدّق بكفّ من طعام، دون ما لو لم يكن عبثاً، كالوضوء ونحوه كما مرّ.
التاسع: تقليم الأظافر، ولو بعض الظفر، إلا أن تدعو ضرورة إلى ذلك، كأن يتأذى ببقائه، كما إذا انكسر بعض ظفره وتألّم من بقاء الباقي فيجوز له حينئذٍ قطعه، لكنّه يكفّر عن كل ظفر بقبضة من طعام يعطيها الفقير.
العاشر: إخراج الدم من البدن على الأحوط وجوباً، إلا إذا كان في حالة الضرورة كما في قلع الضرس والحجامة ونحوهما. نعم، الأظهر جواز استعمال السواك وإن لزم منه الإدماء.
الحادي عشر: ستر الرأس للرجال:
م ـ 115: يحرم على الرجل ستر جميع رأسه، والمراد بالرأس - هنا - منبت الشعر، ويلحق به الأذنان، وكما يحرم ستر جميعه، يحرم ستر جزءٍ منه، بالقناع أو الخمار أو الثوب أو النبات أو بغير ذلك، بل بحمل شيء عليه على الأحوط وجوباً. نعم، لا بأس بوضع حبل القربة على الرأس عند حملها، وكذا لا بأس بتعصيبه بالمنديل ونحوه لمرض كالصداع، كما لا بأس بما لو التصق به الطين فغطّاه، وأمّا ستره بشيء من البدن كاليد ونحوها فجائز، والأولى تركه.
م ـ 116: لا يجوز للمُحرم رمس تمام رأسه في الماء، وكذلك في غير الماء من المائعات، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة. والمقصود بالرأس في هذا الحكم ما فوق الرقبة بتمامه.
الثاني عشر: ستر الوجه للنساء: بالبرقع أو النقاب أو ما شابه ذلك مما يستر تمام الوجه أو بعضه. نعم، يجوز لها أن تغطي وجهها حال النوم، ولا بأس بستر بعض وجهها مقدمة لستر الرأس في الصلاة أو عن الناظر الأجنبي مما جرت العادة بستره للمرأة المحجّبة وذلك لكي تحرز يقيناً ستر ما يجب عليها ستره، وحيث لا تكون في الصلاة أو لا يراها الأجنبي فإنه يجب عليها أن ترفع الستر عن ذلك البعض.
الثالث عشر: التظليل للرجال، والأجسام التي يُتظلّل بها على قسمين:
1 - الأجسام المتحرّكة، كالمظلّة وسقف المحمل أو السيّارة أو الطائرة ونحوها، والتظلُّل بها محرّمٌ على الرجل المُحرِم، ولا فرق في الحرمة بين الراكب والماشي.
هذا والحرمة مختصّة بصورة ما إذا كانت هذه الأجسام تظلِّل المحرم فوق رأسه، وأمّا إذا كانت تظلّله على أحد جوانبه، فالظاهر أنه لا بأس بالتظلّل بها للراجل والراكب على حدٍ سواء، ولذا يجوز للمحرم السير في ظل المحمل والسيّارة ونحوها، كما يجوز له الركوب فيما له حاجز في جوانبه، كمثل الباص المنزوع سقفه أو قاطرة الشاحنة أو نحوهما، وإن كان الأولى ترك ذلك.
2 - الأجسام الثابتة كالجدران والأنفاق والأشجار والجبال ونحوها، والتظلُّل بها جائز للمُحرم، راكباً كان أم راجلاً، كما يجوز له أن يستتر عن الشمس بيديه وإن كان الأفضل ترك ذلك.
م ـ 117: المراد من التظليل التستّر من الشمس، وكذلك من المطر على الأحوط وجوباً، وأمّا الريح والبرد والحرّ ونحوها فالأظهر جواز التستّر منها، وإن كان الأفضل تركه؛ وعلى هذا فلا بأس للمُحرم أن يركب السيّارة المسقّفة ونحوها في الليل، إلا أن تكون السماء ممطرة فإنَّ عليه ترك التظلُّل على الأحوط وجوباً.
م ـ 118: حرمة التظليل مختصة بحال قطع المسافات بين المدن والقرى والمناطق المختلفة. أمّا إذا نزل المحرم في مكانٍ معين، سواء اتخذه منزلاً أم لا، كما لو جلس في أثناء الطريق للاستراحة أو لملاقاة الأصدقاء أو لغير ذلك فيجوز له الاستظلال بكل وسيلة، ولو بمثل المظلة من الأجسام السائرة، وإن كان اجتنابها حينئذٍ أفضل.
م ـ 119: لا بأس بأن تتظلل النساء والأطفال، وكذلك الرجال عند الضرورة والخوف من الشمس والحرّ والبرد ونحوهما من الضرورات، لكن تلزم الرجال الكفارة على ما يأتي بيانه.
الرابع عشر: لبس السلاح أو حمله على الأظهر، على وجه يُعدُّ الحاملُ مسلَّحاً، والمراد بالسلاح كل ما يصدق عليه السلاح عرفاً، كالسيف والبندقية والرمح ونحوها.
أمّا وجود السلاح عند المحرم، أو حمله بنحوٍ لا يعدّ معه مسلّحاً عرفاً، فهو جائزٌ، ومع ذلك فالترك أفضل.
هذا، وتختصّ حرمة التسلّح بحال الاختيار، ولا بأس به عند الاضطرار كالخوف من العدو أو السرقة.
الخامس عشر: الفسوق، والمراد به - على الأحوط - كل المعاصي التي نهي المُحرِم عنها، فتشمل البذاء والكلام القبيح وجميع الكبائر، لاقتضاء مفهوم الفسوق ذلك، فتحمل الروايات التي اقتصرت على خصوص الكذب والسباب والمفاخرة الواردة على ذكر المصداق لا الحصر.
هذا، والمقصود بالمفاخرة التباهي أمام الآخرين بالنسب أو المال أو الجاه وما أشبهها، وهي محرّمة على المحرم حتى ولو لم تكن مشتملة على إهانة المؤمن والحطّ من كرامته.
السادس عشر: الجدال، ويختصّ بما كان مشتملاً على الحلف بالله تعالى في الإخبار عن ثبوت أمر أو نفيه، إذا كان ذلك في مقام المخاصمة، كما تقتضيه كلمة «الجدال» بحسب ظهورها. والأظهر تحقّق الجدال بما يكون الحلف بالله تعالى فيه بغير الصيغتين: «بلى والله» و«لا والله»؛ فيكفي مطلق اليمين به تعالى، سواء كانت بلفظ الجلالة أو بغيره، وسواء كانت الصيغة مصدّرة بـ«لا» و«بلى» أم لا، وسواء كانت باللغة العربية أم بغيرها من اللغات.
على أنّه لا أثر للحلف بالله تعالى لغير الإخبار، كما في يمين المناشدة، كقول السائل: «أسألك بالله أن تعطيني»، ويمين العقد - أي ما يقع تأكيداً لما التزم به من إيقاع أمر أو تركه في المستقبل - كقوله: «والله لأعطيَنّك كذا».
ولا يعتبر في تحقق الجدال في اليمين الصادقة تكرارها ثلاث مرات متتابعة، فيتحقّق الجدال بأقل من ذلك، وكذا في اليمين الكاذبة بلا إشكال.
هذا حكم الحلف بالله سبحانه، وأمّا الحلف بغير الله تعالى من المقدّسات فلا أثر له فضلاً عما لا قداسة فيه.
م ـ 120: يُستثنى من حرمة الجدال كل مورد يتضرّر المكلّف من ترك الجدال فيه، كما لو كان تركه مؤدّياً إلى ذهاب حقّه، وكذا يجوز الجدال في حال الضرورة، كإحقاق حقّ أو إبطال باطل.
السابع عشر: صيد الحيوانات البريّة، سواءٌ في ذلك اصطياد الحيوان وقتله وجرحه وكسر عضو منه، بل ومطلق إيذائه على الأحوط، كما لا يجوز ذلك للمحلّ في الحرم أيضاً. والمراد بما يحرم صيده الحيوانات الممتنعة بالطبع وإن تأهّلت لعارض على الأحوط، ولا فرق بين أن يكون الحيوان محلّل الأكل أو محرماً.
وكما يحرم عليه ذلك بنفسه بنحوٍ مباشر، فإنه يحرم على المحرم إعانة غيره على ذلك - محلاً كان ذلك الغير أم محرماً - حتى بمثل الإشارة إليه، بل الأحوط عدم إعانته في مطلق ما يحرم على المحرم استحلاله من الصيد.
م ـ 121: لا يجوز للمحرم ولا للمحلّ إمساك الصيد البرّي والاحتفاظ به في الحرم، كما لا يجوز للمحرم إمساكه في الحلِّ مقدمةً لقتله، والأحوط عدم إمساكه له مطلقاً، إذا كان هو الذي أمسكه أو أعان على إمساكه - ولو قبل إحرامه -، دون ما إذا كان دوره هو الاحتفاظ به فقط بعد صيد الغير له، ولم يؤدِّ ذلك إلى قتله.
م ـ 122: لا يجوز للمحرم أكل شيء من الصيد وإن كان قد اصطاده المحلُّ في الحلِّ، وكذا يحرم على المحلِّ ما اصطاده أو ذبحه المحرم أو المحلُّ في الحرم، والمشهور أنّه يحرم عليه أيضاً ما اصطاده المحرم في الحلِّ فقتله بالاصطياد أو ذبحه بعد اصطياده، ولكنّه مشكلٌ، والاحتياط فيه لا يترك.
م ـ 123: يثبت لفرخ الصيد البرّي نفس الأحكام المتقدمة، والأحوط أن لا يعين غيره على ذلك أيضاً، وأمّا بيضه فلا يبعد حرمة أخذه وكسره وأكله على المُحرِم.
م ـ 124: الأحكام المتقدّمة إنما تختصّ بصيد البرّ، ومنه الجراد، وأمّا صيد البحر فلا بأس به، والمراد بصيد البحر ما يعيش في الماء فقط كالسمك، وأما ما يعيش في الماء وخارجه فملحق بالبرّي، ولا بأس بصيد ما يشكّ في كونه بريّاً على الأظهر.
م ـ 125: كما يحرم على المحرم صيد البرّ، كذلك يحرم عليه قتل شيء من الدوابّ وإن لم يكن من الصيد.
م ـ 126: يُستثنى من حرمة الصيد والقتل الحيوانات الأهلية، إلّا إن توحشّت على الأحوط، وما خشيه المحرم على نفسه من السباع والحيّات ونحوها، كما تُستثنى سباع الطيور إذا آذت حمام الحرم، والأفعى والأسود الغادرة وكل حيّة سوء والعقرب والفأرة. وكذا يجوز للمحرم أن يرمي الغراب والحدأة.
م ـ 127: المشهور حرمة قتل هوام الجسد وإلقائها، ولكن الظاهر خلافه. نعم، الأجدر بالمحرم أن يتنزّه عن قتل أو إلقاء ما يكون على جسده من القمل، وإذا قتله أو ألقاه فيُستحبُّ له أن يتصدّق بكفٍ من طعام. والظاهر جواز قتل أو إلقاء البقّ والبرغوث ونحوهما، وإن لم يتضرّر منه المُحرم.
وتسمّى أيضاً تُروك الإحرام، وهي الأمور التي يجب على المحرم اجتنابها حال إحرامه، نستعرضها على النحو التالي:
الأول: الممارسات الجنسية، وهي ثلاثة: الجماع، وما دونه من الاستمتاعات، والاستمناء.
م ـ 98: يحرم الجماع حال الإحرام، على الرجل والمرأة معاً، أثناء عمرة التَّمتُّع، وكذا أثناء العمرة المفردة وأثناء الحجّ قبل الإتيان بطواف النساء. وإذا جامع المحرم زوجته قبلاً أو دبراً فهناك جملة أحكام تترتب على ذلك:
أوّلها: الكفارة، ويأتي التعرّض لها في المطلب الأول من الخاتمة.
ثانيها: فساد العمل، وذلك في خصوص جماع المحرم بالحجّ قبل الوقوف بمزدلفة، والمحرم بالعمرة المفردة قبل السعي. ويجب على هذين أيضاً:
1 - إتمام العمل الذي وقع فيه الجماع.
2 - إعادة المحرم بالحجّ لحجّه في العام القابل، وإعادة المعتمر المفرد لعمرته في شهر غير الشهر الذي جامع فيه. على أنَّ هذه الإعادة عقوبة لهما، فنسكهما هو الذي جامعا فيه.
3 - ويختصّ المجامع في الحجّ قبل السعي بلزوم التفريق بينه وبين زوجته إلى قضاء المناسك، في كلا حجّيه، الأول الذي وقع فيه الجماع، والثاني المُعاد.
م ـ 99: يحرم - حال الإحرام -، ما دون الجماع من الممارسات، وهي:
- التقبيل ولو من غير شهوة.
- مسّ أحد الزوجين الآخر بشهوة، سواء كان بالحمل أو بالضمّ.
- المداعبة، وهو ملازم للشهوة عادة.
- النظر بشهوة.
هذا، ولا يحرم على المحرم الاستمتاع بمحادثة زوجه ومجالستها ونحو ذلك، وإن كان الأفضل ترك الاستمتاع بها مطلقاً.
م ـ 100: لا يجوز حال الاحرام الاستمناء بدلك العضو التناسلي باليد أو غيرها، ولكن لا يبطل به الحجّ ولا العمرة، وكذلك فإن الاستمناء يمكن أن يتحقّق بما تقدّم من الممارسات كالتقبيل والنظر والمحادثة وغيرها.
الثاني: عقد الزواج:
م ـ 101: لا يجوز للمحرم أن يعقد لنفسه عقد الزواج، كما لا يجوز له أن يعقد لغيره، سواء كان ذلك الغير مُحلّاً أم محرماً، وسواء كان الزواج دائماً أم منقطعاً، والعقد فاسد في جميع هذه الصور.
وكذا لا يجوز للمحرم أن يشهد عقد الزواج ويحضر وقوعه على الأحوط وجوباً، والأحوط الأوْلى أن يتجنّب أداء الشهادة عليه أيضاً وإن تحمّلها في حال كونه محلاً.
وكذلك فإن الأحوط الأولى أن لا يتعرّض المحرم لخطبة النساء، وهي المعبّر عنها في بعض الأعراف بـ«طلب يدها». نعم، يجوز للمحرم الرجوع إلى مطلّقته الرجعية، كما يجوز له طلاق زوجته.
الثالث: استعمال الطيب: والمراد بالطيب كل مادة يطيّب بها البدن أو الثياب أو الطعام أو غيرها، فيشمل أنواع العطورات، والزعفران والهال المعتاد استعمالهما في الطعام والشراب، وسواء كان ذلك عن طريق الشمّ أو الأكل أو الطلاء أو الصبغ أو البخور. وكذا يحرم لبس ما يكون عليه أثر منه.
م ـ 102: يُستثنى من حكم الطيب ما تُطلى به جدران الكعبة المعظّمة والمسمّى بـ«خلوق الكعبة»، فلا يجب على المحرم اجتناب شمّه وإصابته لثيابه وبدنه، وإن أصابهما لم تجب إزالتهما بغسل أو نحوه، ولكن لا بد من الالتفات إلى أن هذا الحكم مختص بما كان على الكعبة فعلاً، فلا يشمل ما يباع من «خلوق الكعبة» في محالّ بيع العطورات، إذ يندرج حينئذٍ تحت الحكم بحرمة الاجتناب.
م ـ 103: يكره للمحرم شمّ الرياحين، وهي نباتات تفوح منها رائحة طيّبة وتُتخذ للشمّ، سواء التي يُصنع منها الطيب - كالياسمين والورد - وغيرها، ويُستثنى منها بعض أقسامها البرية كالشيح والقيصوم والخزامى والأذخر وأشباهها، فإنه لا كراهة في شمّها.
وأمّا الفواكه والخضروات الطيبة الرائحة - كالتفاح والسفرجل والنعناع - فيجوز للمحرم أكلها، ولكنّ الأفضل عدم شمّها حين الأكل، وكذلك الحال في الأدهان الطيبة فيما يؤكل منها ولا يُعدّ من الطيب عرفاً.
م ـ 104: لا يحرم على المحرم أن يسدّ أنفه عن الروائح الكريهة، ولا بأس بالاسراع في المشي للتخلص منها على كل حال.
الرابع: الادّهان: وهو استعمال الأصناف التي يُدهن بها الجسم، وإن لم تكن لها رائحة طيّبة.
م ـ 105: يجوز للمحرم أكل الدهن الخالي من الطيب وإن كان ذا رائحة طيبة كما تقدم، كما يجوز للمحرم استعمال الأدهان غير الطيّبة للتداوي، وكذا الأدهان الطيّبة أو المطيّبة عند الضرورة.
الخامس: لبس المخيط وما بحكمه للرجل: فلا يجوز للرجل المحرم أن يلبس الثياب التي تكون على إحدى الصفات التالية:
ـ ما يكون له أزرار، أو ما يفيد فائدتها.
ـ ما يكون كالدرع، ويكون لبسه بأن يخرج رأسه ويديه من الفتحات المخصّصة لها.
ـ السراويل، وما يشبهها في ستر العورتين كالبنطلون، إلا إذا لم يكن له إزار.
ـ كل مخيط من غير ذلك على الأحوط وجوباً، ومنها الثياب المتعارفة كالقميص والقباء والجبّة والسترة والثوب المتعارف في الدول العربية (الدشداشة) مطلقاً، وإن لم يزرّها أو يتدرّعها.
م ـ 106: يجوز للمحرم في حال الاضطرار أن يَطْرح القميص أو ما يشبهه على عاتقه، ويلبس القباء أو نحوه مقلوباً، ولكن لا يدخل يديه في يدي القباء.
م ـ 107: يجوز للمحرم - ولو مع عدم الضرورة - أن يربط على وسطه محفظة نقوده، وإن كانت من قسم المخيط، كالحزام. كما يجوز له لبس الحذاء أو الخف المخيط، هذا فضلاً عن أنه يجوز له التحزّم بالحزام المخيط الذي يستعمله المبتلى بالفتق لمنع نزول الأمعاء في الأنثيين.
م ـ 108: يجوز للمحرم في حال الاضطجاع أو النوم أو نحوهما أن يغطّي بدنه - ما عدا الرأس - بالمخيط، بالنحو الذي لا يعدّ لبساً.
م ـ 109: يكره للمحرم أن يعقد إزاره في عنقه، ولا يكره له عقد الرداء، ولا بأس بغرز الإزار أو الرداء بالإبرة وأمثالها.
م ـ 110: تقدّم جواز لبس المخيط للمرأة مطلقاً، ولكن يُستثنى من ذلك القفّازان - وهما ما يُدخل فيهما الكفّان - فإنه لا يجوز لها لبسهما في يديها.
السادس: لبس الخف والجورب للرجال، والمقصود به كل ما ُلبس في القدم فيحيط بها كالجورب والخفّ، إلا في حال الاضطرار، فيجوز حينئذٍ لبس ما يحيط بالقدم ولكن بعد شقّ ظهره على الأحوط الأوْلى.
أمّا لبس ما يحيط بالقدم ممّا يستر بعض ظهرها فهو جائز. وكذا يجوز للمحرم ستر تمام ظهر القدم من دون لبس، كأن يلقي طرف ردائه عليه حال الجلوس.
م ـ 111: لا يضرّ في الخف الذي يلبسه المحرم كونه من المخيط، فيجوز لبسه ولا يجب لبس ما اعتاده الحجّاج من بعض الأصناف التي لا تدخلها الخيوط.
السابع: التزيّن أو استعمال الزينة
يحرم استعمال ما يُعدُّ زينة عرفاً، إذا كان بقصد التزيّن. ولا ينفكّ هذا القصد خارجاً عن ممارسة ما هو زينةٌ عرفاً، إلاّ عند ممارسته لأجل عنوان خاص، كاستحباب التختّم، أو ضرورة التحنّي لعلاج، وما شاكل ذلك.
وينضوي تحت هذا العنوان أمور:
أ - الاكتحال بكل نوعٍ من الكحل المعتبر مصداقاً للزينة عرفاً، سواء الأسود منه وغيره، مع قصد التزيّن به، وحيث لا يصدق عرفاً على الاكتحال أنّه زينة أو لم يقصد التزيّن به فإنّه يجوز فعله للمحرم، كما يجوز فعله في حالة الاضطرار للتداوي به.
ب - النظر في المرآة للزينة، وأمّا إذا كان النظر لغرض آخر كتضميد جرح الوجه أو استعلام وجود حاجب عليه، أو كنظر السائق فيها لرؤية ما خلفه من السيّارات ونحو ذلك فجائز، ولا فرق بين المرآة وسائر ما يفيد فائدتها كالأجسام الصقيلة إذا استعملت بقصد الزينة. هذا، ويُستحب لمن نظر في المرآة للزينة أن يجدّد التلبية.
ت - يحرم على المحرم استعمال الحنّاء على الطريقة المتعارفة، فيما إذا عُدَّ زينة عرفاً، وقصد التزيّن به، ولا بأس باستعماله بغير قصد التزيّن، كما إذا كان لعلاجٍ ونحوه، وكذلك لا بأس باستعماله قبل الإحرام وإن بقي أثره إلى حين الإحرام، والأفضل تركه.
ث - يحرم على المرأة المحرمة لبس حلّي الزينة - إذا قصدت التزين بها - والأفضل لها أن تترك لبسها وإن لم تقصدها. ويُستثنى من ذلك ما كانت تعتاد لبسه قبل إحرامها، ولكن عليها أن لا تظهره لزوجها ومحارمها من الرجال فضلاً عن الأجانب.
م ـ 112: يجوز التختّم في حال الإحرام إذا كان لبسه لأجل استحبابه، أو لأجل التحفّظ على الخاتم من الضياع، أو لإحصاء أشواط الطواف به، ونحو ذلك ممّا لا يقصد بلبسه الزينة، وأمّا لبسه بقصد الزينة فهو حرام.
م ـ 113: يجوز لبس النظارة المعدّة لتصحيح البصر أو للاتقاء من الشمس ونحوهما، إلا أن تكون مصنوعة بنحوٍ تعدّ من الزينة عرفاً فالأحوط - عندئذٍ - الاجتناب عنها، واستبدالها بأخرى.
الثامن: إزالة الشعر عن البدن: سواء كان ذلك عن بدنه أو عن بدن غيره، محلاً كان ذلك الغير أو محرماً، وسواء كانت الإزالة تتمّ بواسطة الحلق أو النتف أو غيرهما، بل لا فرق في ذلك بين قليل الشعر وكثيره، حتى بعض الشعرة الواحدة.
نعم، إذا تكاثر القمّل في رأسه أو جسده، فتأذّى من ذلك جاز له حلقه. وكذا تجوز إزالة الشعر عن الرأس أو الجسد إذا كانت هناك ضرورة تدعو إليها، ويقتصر في الإزالة - عندئذٍ - على مقدار الضرورة. وعليه الفدية في كل ذلك، وسيأتي بيانها في الخاتمة.
كما لا بأس بسقوط الشعر عن غير قصد من بدن المحرم حال الوضوء أو الغسل أو التيمم أو الطهارة من الخبث، ونحو ذلك من الأسباب التي لا يتعمّد فيها المحرم إزالة الشعر.
م ـ 114: لا بأس بحكّ المحرم رأسه ما لم يقطع الشعر عن رأسه، وما لم يسبب خروج الدم، وكذلك بالنسبة للبدن، وأمّا إذا أمرّ المحرم يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو أكثر فليتصدّق بكفّ من طعام، دون ما لو لم يكن عبثاً، كالوضوء ونحوه كما مرّ.
التاسع: تقليم الأظافر، ولو بعض الظفر، إلا أن تدعو ضرورة إلى ذلك، كأن يتأذى ببقائه، كما إذا انكسر بعض ظفره وتألّم من بقاء الباقي فيجوز له حينئذٍ قطعه، لكنّه يكفّر عن كل ظفر بقبضة من طعام يعطيها الفقير.
العاشر: إخراج الدم من البدن على الأحوط وجوباً، إلا إذا كان في حالة الضرورة كما في قلع الضرس والحجامة ونحوهما. نعم، الأظهر جواز استعمال السواك وإن لزم منه الإدماء.
الحادي عشر: ستر الرأس للرجال:
م ـ 115: يحرم على الرجل ستر جميع رأسه، والمراد بالرأس - هنا - منبت الشعر، ويلحق به الأذنان، وكما يحرم ستر جميعه، يحرم ستر جزءٍ منه، بالقناع أو الخمار أو الثوب أو النبات أو بغير ذلك، بل بحمل شيء عليه على الأحوط وجوباً. نعم، لا بأس بوضع حبل القربة على الرأس عند حملها، وكذا لا بأس بتعصيبه بالمنديل ونحوه لمرض كالصداع، كما لا بأس بما لو التصق به الطين فغطّاه، وأمّا ستره بشيء من البدن كاليد ونحوها فجائز، والأولى تركه.
م ـ 116: لا يجوز للمُحرم رمس تمام رأسه في الماء، وكذلك في غير الماء من المائعات، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة. والمقصود بالرأس في هذا الحكم ما فوق الرقبة بتمامه.
الثاني عشر: ستر الوجه للنساء: بالبرقع أو النقاب أو ما شابه ذلك مما يستر تمام الوجه أو بعضه. نعم، يجوز لها أن تغطي وجهها حال النوم، ولا بأس بستر بعض وجهها مقدمة لستر الرأس في الصلاة أو عن الناظر الأجنبي مما جرت العادة بستره للمرأة المحجّبة وذلك لكي تحرز يقيناً ستر ما يجب عليها ستره، وحيث لا تكون في الصلاة أو لا يراها الأجنبي فإنه يجب عليها أن ترفع الستر عن ذلك البعض.
الثالث عشر: التظليل للرجال، والأجسام التي يُتظلّل بها على قسمين:
1 - الأجسام المتحرّكة، كالمظلّة وسقف المحمل أو السيّارة أو الطائرة ونحوها، والتظلُّل بها محرّمٌ على الرجل المُحرِم، ولا فرق في الحرمة بين الراكب والماشي.
هذا والحرمة مختصّة بصورة ما إذا كانت هذه الأجسام تظلِّل المحرم فوق رأسه، وأمّا إذا كانت تظلّله على أحد جوانبه، فالظاهر أنه لا بأس بالتظلّل بها للراجل والراكب على حدٍ سواء، ولذا يجوز للمحرم السير في ظل المحمل والسيّارة ونحوها، كما يجوز له الركوب فيما له حاجز في جوانبه، كمثل الباص المنزوع سقفه أو قاطرة الشاحنة أو نحوهما، وإن كان الأولى ترك ذلك.
2 - الأجسام الثابتة كالجدران والأنفاق والأشجار والجبال ونحوها، والتظلُّل بها جائز للمُحرم، راكباً كان أم راجلاً، كما يجوز له أن يستتر عن الشمس بيديه وإن كان الأفضل ترك ذلك.
م ـ 117: المراد من التظليل التستّر من الشمس، وكذلك من المطر على الأحوط وجوباً، وأمّا الريح والبرد والحرّ ونحوها فالأظهر جواز التستّر منها، وإن كان الأفضل تركه؛ وعلى هذا فلا بأس للمُحرم أن يركب السيّارة المسقّفة ونحوها في الليل، إلا أن تكون السماء ممطرة فإنَّ عليه ترك التظلُّل على الأحوط وجوباً.
م ـ 118: حرمة التظليل مختصة بحال قطع المسافات بين المدن والقرى والمناطق المختلفة. أمّا إذا نزل المحرم في مكانٍ معين، سواء اتخذه منزلاً أم لا، كما لو جلس في أثناء الطريق للاستراحة أو لملاقاة الأصدقاء أو لغير ذلك فيجوز له الاستظلال بكل وسيلة، ولو بمثل المظلة من الأجسام السائرة، وإن كان اجتنابها حينئذٍ أفضل.
م ـ 119: لا بأس بأن تتظلل النساء والأطفال، وكذلك الرجال عند الضرورة والخوف من الشمس والحرّ والبرد ونحوهما من الضرورات، لكن تلزم الرجال الكفارة على ما يأتي بيانه.
الرابع عشر: لبس السلاح أو حمله على الأظهر، على وجه يُعدُّ الحاملُ مسلَّحاً، والمراد بالسلاح كل ما يصدق عليه السلاح عرفاً، كالسيف والبندقية والرمح ونحوها.
أمّا وجود السلاح عند المحرم، أو حمله بنحوٍ لا يعدّ معه مسلّحاً عرفاً، فهو جائزٌ، ومع ذلك فالترك أفضل.
هذا، وتختصّ حرمة التسلّح بحال الاختيار، ولا بأس به عند الاضطرار كالخوف من العدو أو السرقة.
الخامس عشر: الفسوق، والمراد به - على الأحوط - كل المعاصي التي نهي المُحرِم عنها، فتشمل البذاء والكلام القبيح وجميع الكبائر، لاقتضاء مفهوم الفسوق ذلك، فتحمل الروايات التي اقتصرت على خصوص الكذب والسباب والمفاخرة الواردة على ذكر المصداق لا الحصر.
هذا، والمقصود بالمفاخرة التباهي أمام الآخرين بالنسب أو المال أو الجاه وما أشبهها، وهي محرّمة على المحرم حتى ولو لم تكن مشتملة على إهانة المؤمن والحطّ من كرامته.
السادس عشر: الجدال، ويختصّ بما كان مشتملاً على الحلف بالله تعالى في الإخبار عن ثبوت أمر أو نفيه، إذا كان ذلك في مقام المخاصمة، كما تقتضيه كلمة «الجدال» بحسب ظهورها. والأظهر تحقّق الجدال بما يكون الحلف بالله تعالى فيه بغير الصيغتين: «بلى والله» و«لا والله»؛ فيكفي مطلق اليمين به تعالى، سواء كانت بلفظ الجلالة أو بغيره، وسواء كانت الصيغة مصدّرة بـ«لا» و«بلى» أم لا، وسواء كانت باللغة العربية أم بغيرها من اللغات.
على أنّه لا أثر للحلف بالله تعالى لغير الإخبار، كما في يمين المناشدة، كقول السائل: «أسألك بالله أن تعطيني»، ويمين العقد - أي ما يقع تأكيداً لما التزم به من إيقاع أمر أو تركه في المستقبل - كقوله: «والله لأعطيَنّك كذا».
ولا يعتبر في تحقق الجدال في اليمين الصادقة تكرارها ثلاث مرات متتابعة، فيتحقّق الجدال بأقل من ذلك، وكذا في اليمين الكاذبة بلا إشكال.
هذا حكم الحلف بالله سبحانه، وأمّا الحلف بغير الله تعالى من المقدّسات فلا أثر له فضلاً عما لا قداسة فيه.
م ـ 120: يُستثنى من حرمة الجدال كل مورد يتضرّر المكلّف من ترك الجدال فيه، كما لو كان تركه مؤدّياً إلى ذهاب حقّه، وكذا يجوز الجدال في حال الضرورة، كإحقاق حقّ أو إبطال باطل.
السابع عشر: صيد الحيوانات البريّة، سواءٌ في ذلك اصطياد الحيوان وقتله وجرحه وكسر عضو منه، بل ومطلق إيذائه على الأحوط، كما لا يجوز ذلك للمحلّ في الحرم أيضاً. والمراد بما يحرم صيده الحيوانات الممتنعة بالطبع وإن تأهّلت لعارض على الأحوط، ولا فرق بين أن يكون الحيوان محلّل الأكل أو محرماً.
وكما يحرم عليه ذلك بنفسه بنحوٍ مباشر، فإنه يحرم على المحرم إعانة غيره على ذلك - محلاً كان ذلك الغير أم محرماً - حتى بمثل الإشارة إليه، بل الأحوط عدم إعانته في مطلق ما يحرم على المحرم استحلاله من الصيد.
م ـ 121: لا يجوز للمحرم ولا للمحلّ إمساك الصيد البرّي والاحتفاظ به في الحرم، كما لا يجوز للمحرم إمساكه في الحلِّ مقدمةً لقتله، والأحوط عدم إمساكه له مطلقاً، إذا كان هو الذي أمسكه أو أعان على إمساكه - ولو قبل إحرامه -، دون ما إذا كان دوره هو الاحتفاظ به فقط بعد صيد الغير له، ولم يؤدِّ ذلك إلى قتله.
م ـ 122: لا يجوز للمحرم أكل شيء من الصيد وإن كان قد اصطاده المحلُّ في الحلِّ، وكذا يحرم على المحلِّ ما اصطاده أو ذبحه المحرم أو المحلُّ في الحرم، والمشهور أنّه يحرم عليه أيضاً ما اصطاده المحرم في الحلِّ فقتله بالاصطياد أو ذبحه بعد اصطياده، ولكنّه مشكلٌ، والاحتياط فيه لا يترك.
م ـ 123: يثبت لفرخ الصيد البرّي نفس الأحكام المتقدمة، والأحوط أن لا يعين غيره على ذلك أيضاً، وأمّا بيضه فلا يبعد حرمة أخذه وكسره وأكله على المُحرِم.
م ـ 124: الأحكام المتقدّمة إنما تختصّ بصيد البرّ، ومنه الجراد، وأمّا صيد البحر فلا بأس به، والمراد بصيد البحر ما يعيش في الماء فقط كالسمك، وأما ما يعيش في الماء وخارجه فملحق بالبرّي، ولا بأس بصيد ما يشكّ في كونه بريّاً على الأظهر.
م ـ 125: كما يحرم على المحرم صيد البرّ، كذلك يحرم عليه قتل شيء من الدوابّ وإن لم يكن من الصيد.
م ـ 126: يُستثنى من حرمة الصيد والقتل الحيوانات الأهلية، إلّا إن توحشّت على الأحوط، وما خشيه المحرم على نفسه من السباع والحيّات ونحوها، كما تُستثنى سباع الطيور إذا آذت حمام الحرم، والأفعى والأسود الغادرة وكل حيّة سوء والعقرب والفأرة. وكذا يجوز للمحرم أن يرمي الغراب والحدأة.
م ـ 127: المشهور حرمة قتل هوام الجسد وإلقائها، ولكن الظاهر خلافه. نعم، الأجدر بالمحرم أن يتنزّه عن قتل أو إلقاء ما يكون على جسده من القمل، وإذا قتله أو ألقاه فيُستحبُّ له أن يتصدّق بكفٍ من طعام. والظاهر جواز قتل أو إلقاء البقّ والبرغوث ونحوهما، وإن لم يتضرّر منه المُحرم.