محاولات الاغتيال الّتي تعرّضت لها

مجزرة بئر العبد
 
لقد تعرّضت لأكثر من محاولة اغتيال، قبل المحاولة الفاشلة الّتي استهدفتني في منطقة بئر العبد العام 1984م، فقد حاولت بعض الجهات الحزبيّة العربيّة أن تغتالني من خلال كمين مسلّح نصبوه لموكبي في منطقة "روضة الشّهيدين" قرب الغبيري، [حوالى سنة 1979م]، بينما كنت منطلقاً لإلقاء محاضرة في حسينيّة الشّياح، وكانت هذه المحاولة في بداية الثمانينات أو قبل ذلك بقليل، لأنّني لا أذكر التاريخ بالتحديد، حيث أطلقت يومذاك رشقات غزيرة من الرّصاص على سيارتي، فتابعت طريقي آنذاك بشكل طبيعيّ لإلقاء المحاضرة، ولم أبلّغ النّاس بما حدث معي.
وبعد ذلك بفترة معيّنة، جرت محاولة من قبل بعض المسلّحين لاقتحام منزلي، الواقع قرب "الحرش" في منطقة الغبيري، حيث خطّطوا يومذاك للهجوم على منزلي من خلال قتل الحرس، ومن ثم الدّخول إلى منزلي بشكل أمني، ولكنّ الله سبحانه وتعالى أفشل محاولاتهم، بعد أن شعر الحرس بأجواء غير طبيعيّة، عندها حصل صدام بينهم وبين المهاجمين، واستشهد أحد حرّاس منزلي آنذاك، واسمه حسن عزّ الدين.
ثم جرت محاولة ثالثة لاغتيالي، بعد فترة معيّنة من المحاولة الثّانية، ولكن هذه المرة بأسلوب مختلف، من خلال محاولتهم إطلاق صاروخ على غرفة نومي قبيل الفجر، ولكنّ الصاروخ أخطأ الغرفة التي تقع في الطابق الخامس، وسقط قريباً من سقف الطّابق الرّابع، الّذي كان خالياً من السكّان، وقلت آنذاك "متندِّراً"، إنّ الجماعة يريدون إيقاظنا لصلاة الصّبح.
وأذكر أنّني قلت آنذاك (لأبو الهول)، مسؤول المخابرات في حركة فتح الفلسطينيّة، الّذي جاءني زائراً ومعبِّراً عن رفضه لمحاولة اغتيالي: كنت أتصوّر أنّ الذي يجلس إلى جانبكم سوف يكون بمنأى عن محاولات الاغتيال، ولكنّني وجدت أنّ المسألة بالعكس، وهذه الحادثة هي الّتي كانت سبباً في انتقالي من منطقة "الغبيري" المتاخمة لمناطق تواجد المنظّمات الفلسطينيّة الّتي كانت مخترقة من جهات عديدة، إلى منطقة بئر العبد، حسب نصيحة الجهات الأمنيّة الإسلاميّة.

مجزرة بئر العبد
أمّا بالنسبة إلى انفجار بئر العبد العام 1984م، الّذي حاولوا اغتيالي من خلاله، فإنّ العنوان الكبير لهذا الانفجار كان الردّ على عمليّة تفجير مقرّي المارينز والمظليّين الفرنسيّين في بيروت، لأنّ الإعلام استهدفني وعمل آنذاك على إقحام اسمي في هذه المسألة، وذلك من خلال بعض ما أثارته المخابرات المحليّة الموجودة في المنطقة الشرقيّة من بيروت، من أنّني باركت الشابّين الاستشهاديّين اللّذين نفّذا عمليّتي التّفجير، ووعدتهما بالجنّة إذ انطلقا في هذه العمليّة، وبأنّني ذهبت قبل الحادث لتفقُّد المواقع من أجل إكمال الخطّة، وما إلى ذلك من إعلام لا يستطيع الإنسان الّذي يعيش في الوسط الإسلاميّ، أن يحترمه، بل يعتبره سخيفاً، ولكن ذهنيّة العالم الغربي ترى فيه شيئاً غريباً يثير أفكار الغرابة الّتي يحتاجونها في الرّوايات والمسرحيّات وما إلى ذلك.
وبذلك انطلق العالم ليتلقّف هذه المعلومة اللّبنانيّة ويضع اسمي في عناوينه، وإنّني أتصوّر أنّ هذه هي بداية التّخطيط في المسألة، ولكن أضيف إليها حسب المعلومات الّتي توافرت لنا أخيراً، من خلال الوثائق الأمريكيّة، أنّ المسألة كانت أبعد من الاتهام بالإيحاء بتفجير مقرّ المارينز، بل كانت المسألة أنّني أصبحت عنصراً متعباً للسياسة الأمريكيّة في لبنان، واتّضح لنا ذلك من خلال ما نشرته صحيفة "الواشنطن بوست" من معلومات بعد مدّة من محاولة اغتيالي هذه، وكذلك من خلال اطّلاعنا على كتاب "الحجاب" الّذي تضمّن مذكّرات مدير المخابرات المركزيّة الأمريكيّة وليم كايسي، الّذي تحدّث فيه عن عقد اجتماع بينه وبين الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، سفير السعوديّة في واشنطن، وذلك في أحد المقاهي بواشنطن، وقرّرا آنذاك ، حسب ما جاء في تلك المذكّرات، أنّني أصبحت عنصراً غير مريح للسياسة الأمريكيّة، وبالتّالي عليهم التخلّص مني.
وبناءً على ذلك، قام الأمير بندر بن سلطان بتسليم شيك بقيمة ثلاثة ملايين دولار للمخابرات الأمريكيّة، لتمويل عمليّة اغتيالي هذه، لأنّ مثل هذه العمليات قد لا يسمح الكونغرس الأمريكي بصرف تكاليفها من ميزانيّة المخابرات، حسب ما جاء في المذكّرات..
وهكذا بدأت المخابرات الأمريكيّة تنفيذ الخطّة، من خلال توظيفها لرجل مخابرات بريطاني أرسلته إلى لبنان، حيث عمل على توظيف بعض العملاء في مخابرات الجيش اللّبناني، التي كان يشرف عليها آنذاك العقيد سيمون قسيس، كما تم توظيف بعض الأشخاص من الرّجال والنساء، أكثريّتهم من منطقة "مشغرة" في البقاع الغربي، وبدأت نشاطات هذه الشّبكة في الرّصد والتحضير لعملية اغتيالي لمدّة سنة كاملة، حتى استكملوا كلّ عناصر خطّتهم، وأرسلوا سيارة الموت المليئة بالمتفجّرات ليغتالوني بها، حيث أوقفوها قرب منزلي في منطقة بئر العبد يومذاك.
وكان من المفروض أن أصل إلى مكان وقوف السيارة في اللّحظة نفسها التي انفجرت فيها، ولكنّ ألطاف الله سبحانه وتعالى اقتضت إفشال عمليتهم الحاقدة، لأنّه حدث في تلك اللّحظة أن جاءت إليّ امرأة مؤمنة، بعد فراغي من صلاة الجماعة للنّساء في يوم الجمعة، وكنت متعباً، فخطر لهذه المرأة بعد أن استخارت الله سبحانه وتعالى، بالطّريقة المعروفة عندنا في الاستخارة، أن تصعد إلى الجامع بعد أن كانت نزلت منه، كي تشاورني في بعض المسائل الشرعيّة، ولتكلّمني في بعض مشاكلها الخاصّة، فرفضت في البداية أن أستمع إليها، لأنّني كنت مرهقاً بعد نشاط استمرّ أكثر من خمس ساعات، وطلبت منها أن تأتي إلى منزلي، ولكنّها أصرّت إصراراً فوق العادة، فخضعت لذلك وبدأت حديثها.
ولم أكن أعلم أنّ هذه هي مشيئة الله سبحانه وتعالى، وصادف في ذلك الوقت أنّ سيّارة مشابهة لسيارتي جاءت إلى حيث يقع منزلي، وهنا اعتقد الحاقدون الّذين يشرفون على عمليّة التّفجير أنّ عمليّة رصدهم قد أعطت مفعولها بدقّة، وأنّ سيّارتي هي التي وصلت في الوقت المحدّد، وبذلك أطلقوا إشارة التّفجير آنذاك، وكنت لحظتها لا أزال أستمع إلى المرأة في المسجد، ولولا أن جاءت هذه المرأة للكلام معي، لكنت وقت الانفجار في مكانه.
لذلك، فإنّ بعض الإذاعات اللّبنانية المحليّة، أعلنت بعد خمس دقائق من حصول الانفجار أنّني أصبحت تحت الأنقاض، ما يدلّ على أنّ العمليّة كانت من العمليّات التي خُطّط لها إعلاميّاً كما خطّط لها أمنياً.

أمور لافتة
ولاحظت يومذاك أنّ حشداً كبيراً من وسائل الإعلام الغربيّة والمحليّة، جاءت تطلب مني أيّ حديث، حتى إنّ التلفزيون الفرنسي طلب حديثاً ولو لمدّة دقيقة واحدة قبل الحادث، ولاحظت أيضاً أنّ وسائل الإعلام هذه لاحقتني إلى داخل المسجد لتصوِّر الموقف الّذي سأقوله حسب العادة، وكأنّ تلك الوسائل الإعلاميّة أرادت يومذاك تصوير خطبة الجمعة لي، كي تقول للنّاس بعد ذلك، إنّ هذا آخر ما تحدّثت به، وأنّ هذه آخر صورة لي، باعتبار أنّ المسألة كانت مخطّطة بشكل دقيق جداً.
لكنّ خطّتهم فشلت بعد أن حصدت مئات الشّهداء والجرحى، حيث بلغ يومذاك عدد شهداء هذا الانفجار المجرم، أكثر من ثمانين شهيداً بين امرأة وشيخ وطفل وجنين، ممن كانوا على أيدي أمّهاتهم وفي بطونهم، إضافةً إلى حوالى مائتي جريح تحوّل البعض منهم إلى معاقين، ولا سيّما أنّ المنطقة الّتي حصل فيها الانفجار كانت ضيّقة ومزدحمة، في وقت يعود العمال إلى بيوتهم.
وأختم بالكلمة المأثورة عن الإمام عليّ(ع): "كفى بالأجل حارساً"، ونحن عندما اخترنا السّير في هذا الخطّ مع المسلمين المجاهدين، ومع المستضعفين المظلومين، فإنّنا حسبنا كلّ هذه الحسابات في طريق ذات الشّوكة، لأنّنا نعرف أنّ الّذي يقف في مواجهة هذه القوى الّتي تملك كلّ عناصر القوّة الأمنيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، فإنّه من الطبيعيّ أن يكون مستعدّاً لأكثر من عمليّة تفجير أو اغتيال أو خطف، ولذلك فإنّنا لسنا معقّدين من ذلك كلّه، ولم يحدث في أيّ حالة أن خلق ذلك في داخلنا الخوف، بل كنّا نزداد نشاطاً وتحدّياً كلّما ازداد المستكبرون عدواناً ووحشيَّة...

*المصدر: كتاب "العلامة فضل الله وتحدّي الممنوع".
 
 
 
 
لقد تعرّضت لأكثر من محاولة اغتيال، قبل المحاولة الفاشلة الّتي استهدفتني في منطقة بئر العبد العام 1984م، فقد حاولت بعض الجهات الحزبيّة العربيّة أن تغتالني من خلال كمين مسلّح نصبوه لموكبي في منطقة "روضة الشّهيدين" قرب الغبيري، [حوالى سنة 1979م]، بينما كنت منطلقاً لإلقاء محاضرة في حسينيّة الشّياح، وكانت هذه المحاولة في بداية الثمانينات أو قبل ذلك بقليل، لأنّني لا أذكر التاريخ بالتحديد، حيث أطلقت يومذاك رشقات غزيرة من الرّصاص على سيارتي، فتابعت طريقي آنذاك بشكل طبيعيّ لإلقاء المحاضرة، ولم أبلّغ النّاس بما حدث معي.
وبعد ذلك بفترة معيّنة، جرت محاولة من قبل بعض المسلّحين لاقتحام منزلي، الواقع قرب "الحرش" في منطقة الغبيري، حيث خطّطوا يومذاك للهجوم على منزلي من خلال قتل الحرس، ومن ثم الدّخول إلى منزلي بشكل أمني، ولكنّ الله سبحانه وتعالى أفشل محاولاتهم، بعد أن شعر الحرس بأجواء غير طبيعيّة، عندها حصل صدام بينهم وبين المهاجمين، واستشهد أحد حرّاس منزلي آنذاك، واسمه حسن عزّ الدين.
ثم جرت محاولة ثالثة لاغتيالي، بعد فترة معيّنة من المحاولة الثّانية، ولكن هذه المرة بأسلوب مختلف، من خلال محاولتهم إطلاق صاروخ على غرفة نومي قبيل الفجر، ولكنّ الصاروخ أخطأ الغرفة التي تقع في الطابق الخامس، وسقط قريباً من سقف الطّابق الرّابع، الّذي كان خالياً من السكّان، وقلت آنذاك "متندِّراً"، إنّ الجماعة يريدون إيقاظنا لصلاة الصّبح.
وأذكر أنّني قلت آنذاك (لأبو الهول)، مسؤول المخابرات في حركة فتح الفلسطينيّة، الّذي جاءني زائراً ومعبِّراً عن رفضه لمحاولة اغتيالي: كنت أتصوّر أنّ الذي يجلس إلى جانبكم سوف يكون بمنأى عن محاولات الاغتيال، ولكنّني وجدت أنّ المسألة بالعكس، وهذه الحادثة هي الّتي كانت سبباً في انتقالي من منطقة "الغبيري" المتاخمة لمناطق تواجد المنظّمات الفلسطينيّة الّتي كانت مخترقة من جهات عديدة، إلى منطقة بئر العبد، حسب نصيحة الجهات الأمنيّة الإسلاميّة.

مجزرة بئر العبد
أمّا بالنسبة إلى انفجار بئر العبد العام 1984م، الّذي حاولوا اغتيالي من خلاله، فإنّ العنوان الكبير لهذا الانفجار كان الردّ على عمليّة تفجير مقرّي المارينز والمظليّين الفرنسيّين في بيروت، لأنّ الإعلام استهدفني وعمل آنذاك على إقحام اسمي في هذه المسألة، وذلك من خلال بعض ما أثارته المخابرات المحليّة الموجودة في المنطقة الشرقيّة من بيروت، من أنّني باركت الشابّين الاستشهاديّين اللّذين نفّذا عمليّتي التّفجير، ووعدتهما بالجنّة إذ انطلقا في هذه العمليّة، وبأنّني ذهبت قبل الحادث لتفقُّد المواقع من أجل إكمال الخطّة، وما إلى ذلك من إعلام لا يستطيع الإنسان الّذي يعيش في الوسط الإسلاميّ، أن يحترمه، بل يعتبره سخيفاً، ولكن ذهنيّة العالم الغربي ترى فيه شيئاً غريباً يثير أفكار الغرابة الّتي يحتاجونها في الرّوايات والمسرحيّات وما إلى ذلك.
وبذلك انطلق العالم ليتلقّف هذه المعلومة اللّبنانيّة ويضع اسمي في عناوينه، وإنّني أتصوّر أنّ هذه هي بداية التّخطيط في المسألة، ولكن أضيف إليها حسب المعلومات الّتي توافرت لنا أخيراً، من خلال الوثائق الأمريكيّة، أنّ المسألة كانت أبعد من الاتهام بالإيحاء بتفجير مقرّ المارينز، بل كانت المسألة أنّني أصبحت عنصراً متعباً للسياسة الأمريكيّة في لبنان، واتّضح لنا ذلك من خلال ما نشرته صحيفة "الواشنطن بوست" من معلومات بعد مدّة من محاولة اغتيالي هذه، وكذلك من خلال اطّلاعنا على كتاب "الحجاب" الّذي تضمّن مذكّرات مدير المخابرات المركزيّة الأمريكيّة وليم كايسي، الّذي تحدّث فيه عن عقد اجتماع بينه وبين الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، سفير السعوديّة في واشنطن، وذلك في أحد المقاهي بواشنطن، وقرّرا آنذاك ، حسب ما جاء في تلك المذكّرات، أنّني أصبحت عنصراً غير مريح للسياسة الأمريكيّة، وبالتّالي عليهم التخلّص مني.
وبناءً على ذلك، قام الأمير بندر بن سلطان بتسليم شيك بقيمة ثلاثة ملايين دولار للمخابرات الأمريكيّة، لتمويل عمليّة اغتيالي هذه، لأنّ مثل هذه العمليات قد لا يسمح الكونغرس الأمريكي بصرف تكاليفها من ميزانيّة المخابرات، حسب ما جاء في المذكّرات..
وهكذا بدأت المخابرات الأمريكيّة تنفيذ الخطّة، من خلال توظيفها لرجل مخابرات بريطاني أرسلته إلى لبنان، حيث عمل على توظيف بعض العملاء في مخابرات الجيش اللّبناني، التي كان يشرف عليها آنذاك العقيد سيمون قسيس، كما تم توظيف بعض الأشخاص من الرّجال والنساء، أكثريّتهم من منطقة "مشغرة" في البقاع الغربي، وبدأت نشاطات هذه الشّبكة في الرّصد والتحضير لعملية اغتيالي لمدّة سنة كاملة، حتى استكملوا كلّ عناصر خطّتهم، وأرسلوا سيارة الموت المليئة بالمتفجّرات ليغتالوني بها، حيث أوقفوها قرب منزلي في منطقة بئر العبد يومذاك.
وكان من المفروض أن أصل إلى مكان وقوف السيارة في اللّحظة نفسها التي انفجرت فيها، ولكنّ ألطاف الله سبحانه وتعالى اقتضت إفشال عمليتهم الحاقدة، لأنّه حدث في تلك اللّحظة أن جاءت إليّ امرأة مؤمنة، بعد فراغي من صلاة الجماعة للنّساء في يوم الجمعة، وكنت متعباً، فخطر لهذه المرأة بعد أن استخارت الله سبحانه وتعالى، بالطّريقة المعروفة عندنا في الاستخارة، أن تصعد إلى الجامع بعد أن كانت نزلت منه، كي تشاورني في بعض المسائل الشرعيّة، ولتكلّمني في بعض مشاكلها الخاصّة، فرفضت في البداية أن أستمع إليها، لأنّني كنت مرهقاً بعد نشاط استمرّ أكثر من خمس ساعات، وطلبت منها أن تأتي إلى منزلي، ولكنّها أصرّت إصراراً فوق العادة، فخضعت لذلك وبدأت حديثها.
ولم أكن أعلم أنّ هذه هي مشيئة الله سبحانه وتعالى، وصادف في ذلك الوقت أنّ سيّارة مشابهة لسيارتي جاءت إلى حيث يقع منزلي، وهنا اعتقد الحاقدون الّذين يشرفون على عمليّة التّفجير أنّ عمليّة رصدهم قد أعطت مفعولها بدقّة، وأنّ سيّارتي هي التي وصلت في الوقت المحدّد، وبذلك أطلقوا إشارة التّفجير آنذاك، وكنت لحظتها لا أزال أستمع إلى المرأة في المسجد، ولولا أن جاءت هذه المرأة للكلام معي، لكنت وقت الانفجار في مكانه.
لذلك، فإنّ بعض الإذاعات اللّبنانية المحليّة، أعلنت بعد خمس دقائق من حصول الانفجار أنّني أصبحت تحت الأنقاض، ما يدلّ على أنّ العمليّة كانت من العمليّات التي خُطّط لها إعلاميّاً كما خطّط لها أمنياً.

أمور لافتة
ولاحظت يومذاك أنّ حشداً كبيراً من وسائل الإعلام الغربيّة والمحليّة، جاءت تطلب مني أيّ حديث، حتى إنّ التلفزيون الفرنسي طلب حديثاً ولو لمدّة دقيقة واحدة قبل الحادث، ولاحظت أيضاً أنّ وسائل الإعلام هذه لاحقتني إلى داخل المسجد لتصوِّر الموقف الّذي سأقوله حسب العادة، وكأنّ تلك الوسائل الإعلاميّة أرادت يومذاك تصوير خطبة الجمعة لي، كي تقول للنّاس بعد ذلك، إنّ هذا آخر ما تحدّثت به، وأنّ هذه آخر صورة لي، باعتبار أنّ المسألة كانت مخطّطة بشكل دقيق جداً.
لكنّ خطّتهم فشلت بعد أن حصدت مئات الشّهداء والجرحى، حيث بلغ يومذاك عدد شهداء هذا الانفجار المجرم، أكثر من ثمانين شهيداً بين امرأة وشيخ وطفل وجنين، ممن كانوا على أيدي أمّهاتهم وفي بطونهم، إضافةً إلى حوالى مائتي جريح تحوّل البعض منهم إلى معاقين، ولا سيّما أنّ المنطقة الّتي حصل فيها الانفجار كانت ضيّقة ومزدحمة، في وقت يعود العمال إلى بيوتهم.
وأختم بالكلمة المأثورة عن الإمام عليّ(ع): "كفى بالأجل حارساً"، ونحن عندما اخترنا السّير في هذا الخطّ مع المسلمين المجاهدين، ومع المستضعفين المظلومين، فإنّنا حسبنا كلّ هذه الحسابات في طريق ذات الشّوكة، لأنّنا نعرف أنّ الّذي يقف في مواجهة هذه القوى الّتي تملك كلّ عناصر القوّة الأمنيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، فإنّه من الطبيعيّ أن يكون مستعدّاً لأكثر من عمليّة تفجير أو اغتيال أو خطف، ولذلك فإنّنا لسنا معقّدين من ذلك كلّه، ولم يحدث في أيّ حالة أن خلق ذلك في داخلنا الخوف، بل كنّا نزداد نشاطاً وتحدّياً كلّما ازداد المستكبرون عدواناً ووحشيَّة...

*المصدر: كتاب "العلامة فضل الله وتحدّي الممنوع".
 
 
 
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير