عانى الإمام الكاظم (ع) الكثير في سجون [العباسيين]... ولكن بالرغم من كلّ ذلك، لم تمنعه آلامه ومعاناته من متابعة شؤون الأمَّة وقضاياها، ليراقب كلَّ التطورات الفكريَّة في المجتمع، وكلَّ الانحرافات التي كانت تصيب الواقع الإسلامي من خلال ما يأتي إليه من هذا البلد أو ذاك، أو من هذا الفكر أو ذاك. ولو درسنا تراث الإمام الكاظم (ع)، لرأيناه تراثاً متنوّعاً ينفتح على العقيدة والشَّريعة والفلسفة والتَّاريخ والتفسير وعلى قضايا الإنسان، وحتى إنه كان يشجّع الثورات التي قامت في عهده ضدَّ ظلم بني العباس.
ونحن أمام هذه الذكرى، لا بدَّ لنا أن نتابع حركة أئمَّتنا في كل ما قالوه وفعلوه، لنشعر بالتواصل معهم في كلّ زمان ومكان، لأنَّ هذا هو معنى الولاية لهم (ع)، بأن نتبعهم ونقتدي بهم في كلّ ما قالوه وفعلوه. هناك أحاديث عالج فيها الإمام الكاظم (ع) أكثر من جانب في التربية والموعظة، في حديثه الَّذي رواه أحد أصحابه، وهو "سماعة"، قال: سمعت أبا الحسن موسى (ع) يقول: "لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلّوا قليل الذَّنب، فإنَّ قليل الذنوب يجتمع حتى يصير كثيراً".
والإمام (ع) يعالج حالة الذين قد يعملون الخير، فيُخيّل إليهم أنهم قد قاموا بواجبهم، ليوجّهنا ويقول لنا إنَّ مسألة الخير ليست مسألة محدودة بكمّ معيّن، بل إنَّ الخير يمثّل في إنسانيَّة الإنسان وإيمانه كلَّ حركة حياته، فما دام يملك طاقةً للخير، فإنَّ مسؤوليَّته هي أن يفجِّر هذه الطاقة في عمل الخير في كلِّ موقع يستطيع فيه أن يعمله، ليبدأ الخير من بداية طاقاته ولا ينتهي إلا مع نهاية عمره، لأنّ الخير مسؤوليَّته تجاه نفسه بما يبني به نفسه، وتجاه الناس فيما يمكن أن يقدّمه إلى الناس. كما أن البعض قد يفكّر في أنه ليس عليّ ذنوب وتبعات؛ لم أزنِ ولم أسرق، فقط قمت بأشياء صغيرة، ولكنَّ الإمام الكاظم (ع) يقول بأنَّ هذه الأشياء الصّغيرة المتناثرة، عندما تجمعها، فإنها تصبح كثيرة وكبيرة، والمشكلة أن استصغار الذنب يشجّع على المعصية.
ثم يتابع الإمام الكاظم (ع) كلامه فيقول: "وخافوا الله في السرّ - لأنَّ الله يعلم السرّ وأخفى - حتى تعطوا من أنفسكم النَّصف - حتى تكونوا منصفين مع النَّاس في ما للنَّاس عليكم من حقّ، فلا تحتاجوا إلى حاكم وقضاء يثبت الحقَّ للناس، بل أن تراقبوا الله - وسارعوا إلى طاعة الله - قبل أن تفوتكم فرص الطاعة - واصدقوا الحديث، وأدّوا الأمانة، فإنَّما ذلك لكم، ولا تظلموا ولا تدخلوا فيما لا يحلّ، فإنَّما ذلك عليكم" .
وفي بعض كلماته (ع)، سأله رجل عن الجواد الكريم، قال: "إنَّ لكلامك وجهين؛ فإن كنت تسأل عن المخلوقين - الكريم من الناس - فإنَّ الجواد الذي يؤدِّي ما افترض الله عليه - الذي يؤدّي حقّ الله في ماله من الخمس والزكاة، لأنَّ هذا يدلّ على أنّه قد انتصر على حالة البخل في نفسه - والبخيل من بخل بما افترض الله عليه - كثير من الناس مستعدّ أن يتبرَّع للزعماء والحملات الانتخابيَّة والمهرجانات الاستعراضيَّة، أمَّا عندما تحدّثه عن الحقوق الشرعية، فإن السماء تسقط على الأرض - وإن كنت تعني الخالق، فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن منع، لأنَّه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك، وإن منعك منعك ما ليس لك" .
وقال (ع) لبعض شيعته: "أي فلان، اتَّقِ الله وقل الحقَّ وإن كان فيه هلاكك - كن من الذين لا يخشون في الله لومة لائم حتى لو تضرَّرت بذلك، لأنَّ الحقَّ مرّ وكريه مطعمه، فلو أن الناس حسبوا حسابات النتائج السلبيَّة من قول الحقّ، لما قاله أحد، ولذلك لا بدّ أن نتحمّل المسؤوليَّات الكبرى في قول الحق - فإنَّ فيه نجاتك - عند الله تعالى – أي فلان، اتّق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك، فإنَّ فيه هلاكك" ، لأنك عندما تأخذ بالباطل، فإن الله سيحاسبك على ذلك.
* 22 رجب 1424هـ الموافق: ١٩/٩/٢٠٠٣ م.
عانى الإمام الكاظم (ع) الكثير في سجون [العباسيين]... ولكن بالرغم من كلّ ذلك، لم تمنعه آلامه ومعاناته من متابعة شؤون الأمَّة وقضاياها، ليراقب كلَّ التطورات الفكريَّة في المجتمع، وكلَّ الانحرافات التي كانت تصيب الواقع الإسلامي من خلال ما يأتي إليه من هذا البلد أو ذاك، أو من هذا الفكر أو ذاك. ولو درسنا تراث الإمام الكاظم (ع)، لرأيناه تراثاً متنوّعاً ينفتح على العقيدة والشَّريعة والفلسفة والتَّاريخ والتفسير وعلى قضايا الإنسان، وحتى إنه كان يشجّع الثورات التي قامت في عهده ضدَّ ظلم بني العباس.
ونحن أمام هذه الذكرى، لا بدَّ لنا أن نتابع حركة أئمَّتنا في كل ما قالوه وفعلوه، لنشعر بالتواصل معهم في كلّ زمان ومكان، لأنَّ هذا هو معنى الولاية لهم (ع)، بأن نتبعهم ونقتدي بهم في كلّ ما قالوه وفعلوه. هناك أحاديث عالج فيها الإمام الكاظم (ع) أكثر من جانب في التربية والموعظة، في حديثه الَّذي رواه أحد أصحابه، وهو "سماعة"، قال: سمعت أبا الحسن موسى (ع) يقول: "لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلّوا قليل الذَّنب، فإنَّ قليل الذنوب يجتمع حتى يصير كثيراً".
والإمام (ع) يعالج حالة الذين قد يعملون الخير، فيُخيّل إليهم أنهم قد قاموا بواجبهم، ليوجّهنا ويقول لنا إنَّ مسألة الخير ليست مسألة محدودة بكمّ معيّن، بل إنَّ الخير يمثّل في إنسانيَّة الإنسان وإيمانه كلَّ حركة حياته، فما دام يملك طاقةً للخير، فإنَّ مسؤوليَّته هي أن يفجِّر هذه الطاقة في عمل الخير في كلِّ موقع يستطيع فيه أن يعمله، ليبدأ الخير من بداية طاقاته ولا ينتهي إلا مع نهاية عمره، لأنّ الخير مسؤوليَّته تجاه نفسه بما يبني به نفسه، وتجاه الناس فيما يمكن أن يقدّمه إلى الناس. كما أن البعض قد يفكّر في أنه ليس عليّ ذنوب وتبعات؛ لم أزنِ ولم أسرق، فقط قمت بأشياء صغيرة، ولكنَّ الإمام الكاظم (ع) يقول بأنَّ هذه الأشياء الصّغيرة المتناثرة، عندما تجمعها، فإنها تصبح كثيرة وكبيرة، والمشكلة أن استصغار الذنب يشجّع على المعصية.
ثم يتابع الإمام الكاظم (ع) كلامه فيقول: "وخافوا الله في السرّ - لأنَّ الله يعلم السرّ وأخفى - حتى تعطوا من أنفسكم النَّصف - حتى تكونوا منصفين مع النَّاس في ما للنَّاس عليكم من حقّ، فلا تحتاجوا إلى حاكم وقضاء يثبت الحقَّ للناس، بل أن تراقبوا الله - وسارعوا إلى طاعة الله - قبل أن تفوتكم فرص الطاعة - واصدقوا الحديث، وأدّوا الأمانة، فإنَّما ذلك لكم، ولا تظلموا ولا تدخلوا فيما لا يحلّ، فإنَّما ذلك عليكم" .
وفي بعض كلماته (ع)، سأله رجل عن الجواد الكريم، قال: "إنَّ لكلامك وجهين؛ فإن كنت تسأل عن المخلوقين - الكريم من الناس - فإنَّ الجواد الذي يؤدِّي ما افترض الله عليه - الذي يؤدّي حقّ الله في ماله من الخمس والزكاة، لأنَّ هذا يدلّ على أنّه قد انتصر على حالة البخل في نفسه - والبخيل من بخل بما افترض الله عليه - كثير من الناس مستعدّ أن يتبرَّع للزعماء والحملات الانتخابيَّة والمهرجانات الاستعراضيَّة، أمَّا عندما تحدّثه عن الحقوق الشرعية، فإن السماء تسقط على الأرض - وإن كنت تعني الخالق، فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن منع، لأنَّه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك، وإن منعك منعك ما ليس لك" .
وقال (ع) لبعض شيعته: "أي فلان، اتَّقِ الله وقل الحقَّ وإن كان فيه هلاكك - كن من الذين لا يخشون في الله لومة لائم حتى لو تضرَّرت بذلك، لأنَّ الحقَّ مرّ وكريه مطعمه، فلو أن الناس حسبوا حسابات النتائج السلبيَّة من قول الحقّ، لما قاله أحد، ولذلك لا بدّ أن نتحمّل المسؤوليَّات الكبرى في قول الحق - فإنَّ فيه نجاتك - عند الله تعالى – أي فلان، اتّق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك، فإنَّ فيه هلاكك" ، لأنك عندما تأخذ بالباطل، فإن الله سيحاسبك على ذلك.
* 22 رجب 1424هـ الموافق: ١٩/٩/٢٠٠٣ م.