الإمام الكاظم (ع) هو من الأئمَّة الذين كانت حياتهم منفتحة على الواقع الإسلامي كلّه، وكان يمثّل التحدّي القويّ الهادئ لحكّام زمانه من بني العباس، في الوقت الَّذي كان يعيش مع الناس ليتابع كلَّ قضاياهم ومشاكلهم وأفكارهم، وكان (ع) يتميّز بالخلق العالي العظيم الذي يجسّد خلق رسول الله (ص)، وقد سُمّي الكاظم تصويراً لهذا الخلق، لأنَّه كان يواجه الكثير من الآلام والإيذاء والإساءة من كثير من النَّاس، وكان يكظم غيظه ويدفع السيِّئة بالحسنة، وكان يُحسن إلى من أساء إليه.
وينقل كتّاب سيرته أنَّ شخصاً في المدينة من الوجهاء كان يحمل الحقد في نفسه للإمام الكاظم (ع)، حتى وصل الأمر بشيعة الإمام (ع) إلى أن يطلبوا منه الإذن في قتله، لأنَّه كان يتحدَّث عنه بطريقة فيها الكثير من الإساءة والإهانة، وكان (ع) يمنعهم من ذلك، وذهب إلى هذا الرَّجل في زيارة له في مزرعة من مزارعه، وقد دخل الإمام (ع) بدابَّته التي كان يركبها إلى المزرعة، ولكنَّ هذا الإنسان بدل أن يستقبل الإمام، صرخ به: "لا توطئ زرعنا"، ولكنَّ الإمام (ع) تقدَّم وجلس إلى جانبه، وتحدَّث معه بطريقة منفتحة، ثم قال له: "كم غرمت في زرعك هذا؟"، فقال له: مائة دينار، قال: "وكم ترجو أن تصيب فيه؟"1- لا كم تحصّل - قال: أرجو أن يجئيني فيه مائتا دينار، فأخرج الإمام (ع) صرّة فيها ثلاثمائة دينار، وأعطاه المبلغ وزرعه على حاله، وبدأ الإمام (ع) يحادثه ويحاسنه، حتى قام هذا الرَّجل وودّع الإمام بأفضل ما يكون، وذهب الإمام إلى المسجد النبويّ الشَّريف، ودخل هذا الرجل إلى المسجد، وما إن شاهد الإمام، حتى رفع صوته وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته، ثم التفت الإمام الكاظم (ع) إلى أصحابه وسألهم: هل هذه الطريقة أفضل أم طريقتكم؟ والله تعالى يقول: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصّلت 34].
وكان (ع) معاصراً لهارون الرشيد الذي كان يخشى على ملكه منه، ليس لأنَّ الإمام (ع) دخل في صراع معه في مسألة الملك، ولكن للثَّقة الواسعة التي كان يملكها الإمام في العالم الإسلامي، ولا سيَّما من جانب العلماء والنخبة في المجتمع، حيث كانوا يأخذون من علمه، ويستفيدون منه، ويرون فيه القمَّة في المعرفة والروحانيَّة والعبادة والإخلاص لله. ولذلك، قام هارون الرَّشيد باعتقال الإمام الكاظم (ع) ونقله من سجن إلى سجن، حيث كان السجّان في بعض هذه السجون لا يملك إلَّا أن يُحسن إليه، وكان يضع العيون ليرى هل يذكر هارون بسوء أو يدعو عليه، فكانت التَّقارير تفيد بنتيجة واحدة، وهي أنه كان يقضي ليله ونهاره بالعبادة، وكان مما قاله: "اللَّهمَّ إني كنت أسأل أن تفرّغني لعبادتك، اللّهم وقد فعلت، فلك الحمد"2. كان يشعر بالسَّعادة في سجنه، لأنه لا يشغله أيّ شيء عن ذكر الله وعبادته.
وهذه المعاملة، أدخلت الإمام إلى قلب السجّان الذي أرسل إلى هارون: إذا لم تفرِّج عنه أو تأخذه مني، فسأفرج عنه أنا، ولذلك رأى الرَّشيد أنَّه لا بدّ من التخلّص منه، فدسَّ إليه السمَّ في سجن "السندي بن شاهك".
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 22رجب 1424هـ/ الموافق: ١٩/٩/٢٠٠٣ م.
[1]الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 230.
[2]الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 240.
الإمام الكاظم (ع) هو من الأئمَّة الذين كانت حياتهم منفتحة على الواقع الإسلامي كلّه، وكان يمثّل التحدّي القويّ الهادئ لحكّام زمانه من بني العباس، في الوقت الَّذي كان يعيش مع الناس ليتابع كلَّ قضاياهم ومشاكلهم وأفكارهم، وكان (ع) يتميّز بالخلق العالي العظيم الذي يجسّد خلق رسول الله (ص)، وقد سُمّي الكاظم تصويراً لهذا الخلق، لأنَّه كان يواجه الكثير من الآلام والإيذاء والإساءة من كثير من النَّاس، وكان يكظم غيظه ويدفع السيِّئة بالحسنة، وكان يُحسن إلى من أساء إليه.
وينقل كتّاب سيرته أنَّ شخصاً في المدينة من الوجهاء كان يحمل الحقد في نفسه للإمام الكاظم (ع)، حتى وصل الأمر بشيعة الإمام (ع) إلى أن يطلبوا منه الإذن في قتله، لأنَّه كان يتحدَّث عنه بطريقة فيها الكثير من الإساءة والإهانة، وكان (ع) يمنعهم من ذلك، وذهب إلى هذا الرَّجل في زيارة له في مزرعة من مزارعه، وقد دخل الإمام (ع) بدابَّته التي كان يركبها إلى المزرعة، ولكنَّ هذا الإنسان بدل أن يستقبل الإمام، صرخ به: "لا توطئ زرعنا"، ولكنَّ الإمام (ع) تقدَّم وجلس إلى جانبه، وتحدَّث معه بطريقة منفتحة، ثم قال له: "كم غرمت في زرعك هذا؟"، فقال له: مائة دينار، قال: "وكم ترجو أن تصيب فيه؟"1- لا كم تحصّل - قال: أرجو أن يجئيني فيه مائتا دينار، فأخرج الإمام (ع) صرّة فيها ثلاثمائة دينار، وأعطاه المبلغ وزرعه على حاله، وبدأ الإمام (ع) يحادثه ويحاسنه، حتى قام هذا الرَّجل وودّع الإمام بأفضل ما يكون، وذهب الإمام إلى المسجد النبويّ الشَّريف، ودخل هذا الرجل إلى المسجد، وما إن شاهد الإمام، حتى رفع صوته وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته، ثم التفت الإمام الكاظم (ع) إلى أصحابه وسألهم: هل هذه الطريقة أفضل أم طريقتكم؟ والله تعالى يقول: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصّلت 34].
وكان (ع) معاصراً لهارون الرشيد الذي كان يخشى على ملكه منه، ليس لأنَّ الإمام (ع) دخل في صراع معه في مسألة الملك، ولكن للثَّقة الواسعة التي كان يملكها الإمام في العالم الإسلامي، ولا سيَّما من جانب العلماء والنخبة في المجتمع، حيث كانوا يأخذون من علمه، ويستفيدون منه، ويرون فيه القمَّة في المعرفة والروحانيَّة والعبادة والإخلاص لله. ولذلك، قام هارون الرَّشيد باعتقال الإمام الكاظم (ع) ونقله من سجن إلى سجن، حيث كان السجّان في بعض هذه السجون لا يملك إلَّا أن يُحسن إليه، وكان يضع العيون ليرى هل يذكر هارون بسوء أو يدعو عليه، فكانت التَّقارير تفيد بنتيجة واحدة، وهي أنه كان يقضي ليله ونهاره بالعبادة، وكان مما قاله: "اللَّهمَّ إني كنت أسأل أن تفرّغني لعبادتك، اللّهم وقد فعلت، فلك الحمد"2. كان يشعر بالسَّعادة في سجنه، لأنه لا يشغله أيّ شيء عن ذكر الله وعبادته.
وهذه المعاملة، أدخلت الإمام إلى قلب السجّان الذي أرسل إلى هارون: إذا لم تفرِّج عنه أو تأخذه مني، فسأفرج عنه أنا، ولذلك رأى الرَّشيد أنَّه لا بدّ من التخلّص منه، فدسَّ إليه السمَّ في سجن "السندي بن شاهك".
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 22رجب 1424هـ/ الموافق: ١٩/٩/٢٠٠٣ م.
[1]الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 230.
[2]الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 240.