عاش الإمام عليّ الهادي (ع)، قياساً إلى العمر الطبيعيّ، عمراً قصيراً، فقد كان
عمره يوم وفاته إحدى وأربعين سنةً، وكان مولده (ع) في النّصف من ذي الحجَّة سنة
212ه في "صريا" من المدينة، وهي قريةٌ أسَّسها الإمام الكاظم (ع) على ثلاثة أميال
من المدينة، وتُوفّي في سامرّاء...
موضعُ تقديرِ المسلمينَ
وعندما نقرأ تاريخ الإمام الهادي (ع)، فإنّنا نستوحي منه أنّه كان محلَّ احترام
الناس وتقديرهم في الحرمين (مكَّة والمدينة)، ومن الطبيعي أن يكون هذا التَّقدير
وهذا الاحترام بمستوى استثنائيّ، إذ لا بدّ أن يكون ناشئاً من خلال القيادة
الفكريّة والروحيّة والحركيّة التي كانت تدخل إلى كلّ عقل، وإلى كلّ قلب، لأنَّه
ليس من الطبيعيّ أن يأخذ إنسان هذا المستوى من الإكبار والتَّعظيم بدون أن يترك
تأثيره الكبير في عقول النَّاس وقلوبهم وحياتهم، مع ملاحظة أنَّ الناس في الحرمين
لم يكونوا على رأي واحد في المذهبيَّة، بل كانوا يختلفون، فلم يعهد أنَّ الناس في
مكَّة والمدينة آنذاك كانوا إماميّين يتشيّعون لأهل البيت (ع)، بل كانوا مختلفين في
آرائهم المذهبيَّة، ومع ذلك، نجدهم يلتقون على احترام شخصيَّة الإمام الهادي(ع)...
التَّصدِّي للانحرافات
تحرّك (ع) في حياة النّاس، بحيث يراقب ويتصدّى لكلِّ الانحرافات التي تعرَّض لها
الواقع الإسلاميّ، لأنَّ مسؤوليّة الأنبياء والأولياء والعلماء في كلِّ زمان ومكان،
هي أن يدرسوا كلَّ الخطوط الَّتي تتحرّك في الثقافة الإسلاميّة أو في الواقع
الإسلاميّ، ليصلحوا الخطأ، وليقوِّموا الانحراف بالأساليب الَّتي وضعها الله تعالى
في كتابه، بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالَّتي هي أحسن...
وقد واجه الإمام الهادي (ع) كثيراً من المشاكل الفكريّة التي كانت قد فرضت نفسها
على الذهنيّة الإسلاميَّة لتنحرف بها عن الصَّواب، فقد حدثت في زمنه مشكلة الَّذين
يقولون بالجبر، وأنَّ الله تعالى أجبر عباده على أعمالهم، فليس للعباد اختيارٌ في
ما يطيعون أو يعصون، فالطاعة من الله والمعصية من الله.
وكان هناك اتّجاه التفويض الذي يقول إنَّ الله تعالى فوَّض الأمر إلى خلقه، فهو
خلقهم وانعزل عنهم، أو فوَّض الأمر إلى بعض خلقه، بمعنى أنَّ الله تعالى خلق
النَّاس وجعل الأمر للأنبياء مثلاً، فلا يتدخَّل في شؤون النّاس، ولكن تبقى قدرة
الله وهيمنته وتدبيره للنَّاس، بما لا يبعدهم عن رعايته وتدبيره وسلطته...
وجاء [في زمنه] مَن يدَّعي بأنَّ الإمام هو الربُّ، وهو النبيّ، وأنَّ الصَّلاة
التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي معرفة الإمام، وقد استغلَّ أصحاب هذا الاتجاه حبَّ
النَّاس لأهل البيت (ع)، وقدَّموا أنفسهم على أنَّهم من المحبِّين لهم، وبدأوا
ينشرون هذه الأفكار...
وقد كان للإمام الهادي (ع) نشاط واسعٌ في تأكيد المفاهيم الإسلاميَّة، وتعليم
النّاس الأحكام الشرعيَّة، وتركيز قاعدة إيمانيَّة ولائيَّة شعبيّة ممتدّة في أكثر
من بلد، فقد كان للإمام جهازٌ متحرّك متنوّع يغطّي الكثير من أخبار النَّاس هنا
وهناك، ويحمل تعاليمه إليهم بطريقة دقيقة جدّاً...
امتدادٌ شعبيٌّ.. ومعاناةٌ
كان الأئمّة (ع) يعيشون مع القاعدة في السَّاحة، لم يعِش أحدٌ منهم في برج عاجيّ،
ولذلك كان الخلفاء يحملون العقدة ضدّهم من خلال هذا الامتداد الشّعبي الَّذي
يملكونه في الأمّة، لأنَّ أمثال هؤلاء الخلفاء لا يريدون لأيِّ رمز إسلاميّ كبير أن
يحصل على هذه الثقة الممتدّة في الواقع الإسلاميّ، ولا سيَّما إذا كان هذا الرمز
ممن يعتقد فريقٌ من الأمَّة بإمامته، لأنَّ المسألة عندهم تحوَّلت إلى خطر على
الكرسي والمُلْك.
وقد عانى الإمام الهادي (ع) من تصرّفات المتوكِّل الكثير، فاستدعاؤه من المدينة إلى
سامرّاء، كان من أجل محاصرته وإبعاده عن الجمهور المسلم الَّذي كان ينتفع به
ويعظّمه، لأنَّ الخلفاء العباسيّين الذين كانوا يعيشون البعد عن روحيَّة الدين في
مستوى الالتزام الشرعيّ، كانوا يضيقون بأيِّ إمام من الأئمّة (ع) المعاصرين لهم...
.
عاش الإمام عليّ الهادي (ع)، قياساً إلى العمر الطبيعيّ، عمراً قصيراً، فقد كان
عمره يوم وفاته إحدى وأربعين سنةً، وكان مولده (ع) في النّصف من ذي الحجَّة سنة
212ه في "صريا" من المدينة، وهي قريةٌ أسَّسها الإمام الكاظم (ع) على ثلاثة أميال
من المدينة، وتُوفّي في سامرّاء...
موضعُ تقديرِ المسلمينَ
وعندما نقرأ تاريخ الإمام الهادي (ع)، فإنّنا نستوحي منه أنّه كان محلَّ احترام
الناس وتقديرهم في الحرمين (مكَّة والمدينة)، ومن الطبيعي أن يكون هذا التَّقدير
وهذا الاحترام بمستوى استثنائيّ، إذ لا بدّ أن يكون ناشئاً من خلال القيادة
الفكريّة والروحيّة والحركيّة التي كانت تدخل إلى كلّ عقل، وإلى كلّ قلب، لأنَّه
ليس من الطبيعيّ أن يأخذ إنسان هذا المستوى من الإكبار والتَّعظيم بدون أن يترك
تأثيره الكبير في عقول النَّاس وقلوبهم وحياتهم، مع ملاحظة أنَّ الناس في الحرمين
لم يكونوا على رأي واحد في المذهبيَّة، بل كانوا يختلفون، فلم يعهد أنَّ الناس في
مكَّة والمدينة آنذاك كانوا إماميّين يتشيّعون لأهل البيت (ع)، بل كانوا مختلفين في
آرائهم المذهبيَّة، ومع ذلك، نجدهم يلتقون على احترام شخصيَّة الإمام الهادي(ع)...
التَّصدِّي للانحرافات
تحرّك (ع) في حياة النّاس، بحيث يراقب ويتصدّى لكلِّ الانحرافات التي تعرَّض لها
الواقع الإسلاميّ، لأنَّ مسؤوليّة الأنبياء والأولياء والعلماء في كلِّ زمان ومكان،
هي أن يدرسوا كلَّ الخطوط الَّتي تتحرّك في الثقافة الإسلاميّة أو في الواقع
الإسلاميّ، ليصلحوا الخطأ، وليقوِّموا الانحراف بالأساليب الَّتي وضعها الله تعالى
في كتابه، بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالَّتي هي أحسن...
وقد واجه الإمام الهادي (ع) كثيراً من المشاكل الفكريّة التي كانت قد فرضت نفسها
على الذهنيّة الإسلاميَّة لتنحرف بها عن الصَّواب، فقد حدثت في زمنه مشكلة الَّذين
يقولون بالجبر، وأنَّ الله تعالى أجبر عباده على أعمالهم، فليس للعباد اختيارٌ في
ما يطيعون أو يعصون، فالطاعة من الله والمعصية من الله.
وكان هناك اتّجاه التفويض الذي يقول إنَّ الله تعالى فوَّض الأمر إلى خلقه، فهو
خلقهم وانعزل عنهم، أو فوَّض الأمر إلى بعض خلقه، بمعنى أنَّ الله تعالى خلق
النَّاس وجعل الأمر للأنبياء مثلاً، فلا يتدخَّل في شؤون النّاس، ولكن تبقى قدرة
الله وهيمنته وتدبيره للنَّاس، بما لا يبعدهم عن رعايته وتدبيره وسلطته...
وجاء [في زمنه] مَن يدَّعي بأنَّ الإمام هو الربُّ، وهو النبيّ، وأنَّ الصَّلاة
التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي معرفة الإمام، وقد استغلَّ أصحاب هذا الاتجاه حبَّ
النَّاس لأهل البيت (ع)، وقدَّموا أنفسهم على أنَّهم من المحبِّين لهم، وبدأوا
ينشرون هذه الأفكار...
وقد كان للإمام الهادي (ع) نشاط واسعٌ في تأكيد المفاهيم الإسلاميَّة، وتعليم
النّاس الأحكام الشرعيَّة، وتركيز قاعدة إيمانيَّة ولائيَّة شعبيّة ممتدّة في أكثر
من بلد، فقد كان للإمام جهازٌ متحرّك متنوّع يغطّي الكثير من أخبار النَّاس هنا
وهناك، ويحمل تعاليمه إليهم بطريقة دقيقة جدّاً...
امتدادٌ شعبيٌّ.. ومعاناةٌ
كان الأئمّة (ع) يعيشون مع القاعدة في السَّاحة، لم يعِش أحدٌ منهم في برج عاجيّ،
ولذلك كان الخلفاء يحملون العقدة ضدّهم من خلال هذا الامتداد الشّعبي الَّذي
يملكونه في الأمّة، لأنَّ أمثال هؤلاء الخلفاء لا يريدون لأيِّ رمز إسلاميّ كبير أن
يحصل على هذه الثقة الممتدّة في الواقع الإسلاميّ، ولا سيَّما إذا كان هذا الرمز
ممن يعتقد فريقٌ من الأمَّة بإمامته، لأنَّ المسألة عندهم تحوَّلت إلى خطر على
الكرسي والمُلْك.
وقد عانى الإمام الهادي (ع) من تصرّفات المتوكِّل الكثير، فاستدعاؤه من المدينة إلى
سامرّاء، كان من أجل محاصرته وإبعاده عن الجمهور المسلم الَّذي كان ينتفع به
ويعظّمه، لأنَّ الخلفاء العباسيّين الذين كانوا يعيشون البعد عن روحيَّة الدين في
مستوى الالتزام الشرعيّ، كانوا يضيقون بأيِّ إمام من الأئمّة (ع) المعاصرين لهم...
.