ـ الطلاق الرجعي هو: (قيام الزوج ـ اختياراً ـ أو وكيله أو وليه بطلاق الزوجة غير الصغيرة ولا اليائسة إذا كانت مدخولاً بها فعلاً، أو من في حكمها، وهي: الزوجة الحامل بإراقة المني على فرجها)، فلا يعتبر من الطلاق الرجعي ما لو طلق الحاكم الزوجة المدخول بها قهراً عن زوجها الذي لا ينفق عليها عند امتناعه عن طلاقها، بل يقع بائناً كما سيأتي؛ وإنما سمي (رجعياً) لجواز رجوع الزوج عنه بكيفية خاصة خلال فترة العدة دون حاجة إلى عقد جديد؛ وهو مشتق من فعل (رجع) بمعنى: عاد.
ـ المطلقة الرجعية بحكم الزوجة من معظم النواحي ما دامت في العدة، ما عدا استمتاعه بها كما سيأتي، فلا يجوز لزوجها إخراجها من بيته وتركها دون مسكن يُعِدُّه لها، إلا أن تأتي بفاحشة مُبَيِّنَة في دار سكناها، كمثل الزنى؛ كما وأنه لا يجوز لها الخروج المنافي لحقه في الاستمتاع إلا باذنه؛ ويجب عليها أن تمكنه من الاستمتاع بها بما يشاء، وإن تحقّق به الرجوع الذي قد لا ترغب فيه، إذا كان من قصده الرجوع به، فإن علمت أنه لا يريد به الرجوع لم يجز لها تمكينه لحرمته عليه حينئذ؛ ولها عليه النفقة؛ ويرث كل واحد منهما الآخر إذا مات في العدة، وغير ذلك من لوازم الزوجية وأحكامها، نعم ليس عليه إمتاعها حيث تطلبه إذا لم يُرد الرجوع إليها لحرمة ذلك عليه بدون قصد الرجوع كما ذكرنا؛ فإذا انقضت عدتها استحكم الفراق بينهما ولم يكن له الرجوع إليها إلا بعقد جديد.
ـ يحـق للـزوج مراجعـة زوجتـه المطلقة رجعيـاً ـ ما دامت في العدة ـ ولو من دون رضاها، إلا إذا كانت قـد اشترطت عليـه ـ في عقـد لازم ـ عدمَ مراجعتها، فيلزمه الوفاء لها، فإذا رجع إليها أثم بمخالفة الشرط، ولزمهما مراعاة الاحتياط ـ وجوباً ـ في آثار هذا الرجوع المخالف للشرط، فيرتب كل منهما على نفسه وعلى علاقته بالآخر آثار الزوجية وعدمها، حتى يتراضيا على حل. هذا، ويتحقّق الرجوع بأمرين:
الأول: بكل لفظ دال على الرجوع، مثل: (أرجعتُكِ إلى نكاحي) و(أَعدْتُكِ إلى عِصْمتي) و(راجعتُك) و(استرجعتُك) ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على إرجاعها إليه والعدول عن طلاقها. ومنه ما لو نفى طلاقها وأكد بقاءها زوجة له، فيُعَدُّ ذلك رجوعاً منه رغم العلم بكذبه بنفي الطلاق. ويصح الرجوع باللغة العربية وغيرها، وبالفصحى من العربية أو العامية، وبالصحيح من الفصحى أو الملحون.
الثاني: أن يأتي بفعل يقصد به الرجوع، كأن تكون خارج بيته فيحضرها إلى منزله بقصد العدول عن الطلاق وإرجاعها إليه، أو بأن يستمتع بها بالجماع أو بما دونه استمتاعاً مقترناً بقصد إرجاعها إليه والتعامل معها من موقع كونها زوجة له، فإن لم يقصد بالاستمتاع بها ـ ولو بالجماع ـ إرجاعها إليه لم يتحقّق به الرجوع، وكان ذلك الجماع منه حراماً وزناً إذا كان ملتفتاً، وشبهةً مع عدم الالتفات، وكذا حكم ما دون الجماع من الاستمتاعات؛ غير أن الأحوط استحباباً لمن جامع زوجته بدون قصد الرجوع أن يجدد طلاقه لها، فتستأنف عدة جديدة منه بعد الطلاق.
ـ لا يعتبر في الرجعة مباشرة الزوج للإنشاء، فيتحقّق الرجوع من الوكيل إذا أنشأه بالنحو المذكور في المسألة السابقة، كما يتحقّـق ـ أيضاً ـ من الولي في بعض موارده، وذلك كما لو عرض الجنون على الزوج بعد طلاق زوجته، وكان ثمة مصلحة في إرجاعها فأرجعها الولي؛ أو كان وليُّ المجنون قد طلق زوجته ثم بدا للولي إرجاعها إليه، أو نحو ذلك.
ـ لا يعتبر في صحة الرجوع بالإنشاء إيقاعه أمام الشهود، وإن كان الإشهاد أفضل، حذراً من الوقوع في التنازع؛ وكذا لا يعتبر حضور الزوجة ولا علمها به، ولا كون المطلقة طاهرة من الحيض أو النفاس، ولا غير ذلك من الأمور.
ـ يثبت الرجوع بمجرد ادّعاء الزوج له أثناء العدة، وكذا لو ادّعاه بعد انقضاء العدة وصدقته الزوجة، فإن لم تصدقه لم تقبل دعواه إلا بالبينة، فإن لم يكن له بينة، وكان عدم تصديقها له من حيث علمها بعدم رجوعه، كان له أن يستحلفها على نفي الرجوع، وإن كان عدم تصديقها من حيث عدم علمها بالرجوع، كان له ـ أيضـاً ـ أن يستحلفها على عدم العلم. وكما تثبت دعوى الرجوع بعد انقضاء العدة بشهادة الرجلين العادلين، فإنها تثبت ـ أيضاً ـ بشهادة رجل عادل وامرأتين عادلتين، فيما لا تثبت بشهادة رجل عادل مع يمين الزوج.
ـ إذا رجع الزوج فادعت الزوجة كونه بعد انقضاء العدة، فأنكر الزوج ذلك، فالقول قول الزوجة مع يمينها ما لم تكن متهمة في صدقها، وذلك كما لو ادعت حدوث الحيض عندها ثلاث مرات خلال شهر ونيف، فإن كانت متهمة لم يقبل منها غير البينة.
ولو اتفقا على حدوث الرجوع وانقضاء العدة، لكنهما اختلفا على تاريخ حدوث كل منهما، فادعى الزوج تقدم الرجوع على انقضاء العدة، وادعت الزوجة العكس، كان القول قول الزوج مع يمينه، سواء علم تاريخ أحدهما دون الآخر أو جهل تاريخهما معاً.
وإذا طلقها وراجعها فادعت أن لا سبيل له عليها لعدم دخوله بها ليكون لها عدة، فأنكر الزوج ذلك مدعياً دخوله بها، كان القول قول الزوجة بيمينها.
ـ لا يسقط حق الزوج بمراجعة زوجته المطلقة رجعياً بإسقاطه عن نفسه بعوض أو بدون عوض، فلو أسقطه لم يكن لإسقاطه أثر، وجاز له مراجعتها، نعم يسوغ له أن يلتزم بعدم الرجوع إذا اشترط عليه ذلك، كما أسلفنا القول.