بسم الله الرحمن الرحيم
خطبتا صلاة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء فيهما:
من وصيّة أمير المؤمنين(ع):
إعالة اليتيم وإكرامه يوجبان الجنّة
الأيتام أمانة الله
ورد في وصيَّة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) لولديه الحسن والحسين(ع) ومن بلغه كتابه، بعدما ضربه عبد الرَّحمن بن ملجم على رأسه: «الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم». هذه الكلمات من الإمام عليّ(ع) تمثّل الصَّرخة أو الاستغاثة التي يدعو الناس من خلالها إلى أن يكونوا بما يشبه حال الطوارئ فيما يتعلّق بالاهتمام بالأيتام: «فلا تغبّوا أفواههمـ ومعنى غبّ الأفواه، أن لا يشبعوا يوماً ويجوعوا يوماً آخر ـ ولا يضيعوا بحضرتكم»، من النّواحي الصحية والتربوية والاجتماعيّة، بل علينا أن نرعاهم من كل النّواحي، من خلال تخصيص مكان إنساني مميّز لهم في المجتمع، ومن الناحية الاقتصادية، بأنّ نهيئّ لهم فرص العمل والعيش الكريم، فالأيتام أمانة الله عند عباده.
وقد استشهد الإمام عليّ(ع) في تركيزه على مسألة رعاية اليتيم، لجهة مدّة إعالته والتكفّل به حتى يستغني عن الناس من خلال عمله وجهده وماله، استشهد بحديثٍ عن رسول الله(ص) فقال(ع): «فقد سمعت رسول الله يقول: من عال يتيماً حتى يستغني عنه، أوجب الله له الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار». فالإمام عليّ(ع) أراد أن يحمّل المجتمع مسؤولية رعاية اليتيم، وأن يشجّعه على ذلك، وهو(ع) يؤكِّد أنّ جائزة هذا العمل كبيرة، فأنت عندما تصرف مالك على اليتيم وتؤهّله ليكون صالحاً في الدنيا، فإنّ الله تعالى يعطيك جزاء ذلك الجنة.
وقد تحدّث الله تعالى في القرآن الكريم عن الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل في الإحسان إلى اليتيم، بكلِّ أنواع الإحسان فقال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ}(البقرة:83)...
مسؤوليّة إكرام اليتيم وإصلاحه
وفي مسألة البرّ، نقرأ قوله تعالى: {وَآَتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ}(البقرة:177)، ويقول تعالى مخاطباً رسوله(ص): {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَىـ ماذا نصنع بهم؟ وما هي مسؤوليتنا عنهم، وقد أصبحوا بلا أب يصونهم أو أم ترعاهم ـ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌـ عليكم أن تجعلوهم أناساً صالحين ـ وإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ـ ولا تنظروا إلى الأيتام كما يُنظر إلى إنسان من الدرجة السفلى، بل خالطوهم مخالطة الأخ لأخيه ـ وَاللهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ ـ فالله يطّلع على الإنسان الذي يفسد كما يطّلع على المصلح ـ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْـ لأوقعكم في المشقة ـ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(البقرة:220). وورد أيضاً قوله تعالى: {فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}(الضُّحى:9)، فعندما يعيش اليتيم معك، في البيت أو في المؤسسة التي ترعاه، فإنّ عليك أن تحفظ له إنسانيته وحقه، وأن لا تقهره وتعنف في أسلوبك معه.
ويقول تعالى: {وَابْتَلُوا اليَتَامَى ـ سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً ـ حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ـ صاروا في سنّ البلوغ ـ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًاـ اختبروهم، فإذا رأيتموهم قد أصبحوا راشدين، وأصبح باستطاعتهم إدارة أموالهم، فلا يخدعهم أو يغشهم أو يغبنهم أحد ـ فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْـ لأنَّ كل واحدٍ منهم أصبح شخصيةً متكاملةً مستقلةً راشدةً ـ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا}(النساء:6)، لأن مال اليتيم أمانة الله عندكم.
الجنّة جزاء كافل اليتيم
ويتحدث الله تعالى في سورة الفجر عن بعض النماذج التي تملك المال، ولكنّها تبخل به عمّن يحتاج إليه: {كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ}(الفجر:17-18). ويقول تعالى: {وَآَتُوا اليَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ـ ادفعوا إليهم أموالهم عندما يصبحون في سنّ الرشد ـ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ـ بأن تبدّلوا أموالهم أو أسهمهم الرابحة بعملة أو أسهم خاسرة ـ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}(النساء:2)، أي ذنباً كبيراً.
ويقول تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ بما يصلح أمره، ويصرف في تأمين حاجاته الطبيعية ـ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}(الأنعام:152). والله تعالى يهدِّد من يأكل أموال الأيتام بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}(النساء:10).
وورد عن رسول الله(ص): «أنا وكافل اليتيم كهاتينـ وجمع السبَّابة والوسطى ـ في الجنة إذا اتقى الله عزّ وجلّ»، فالّذي يتكفّل اليتيم ويبقى في خطِّ التقوى، فإنه سيكون رفيق رسول الله(ص) في الجنة، وهذه مرتبة عظيمة، وجائزة كبرى.
لذلك علينا أن نرعى الأيتام، سواء في الشكل الفردي أو في الشكل الجماعي، وذلك بأن نرعى مؤسسات الأيتام التي ترعى حياتهم وتربيتهم وعلمهم وإنسانيتهم. وعنه(ص) قال: «إن في الجنة داراً يقال لها دار الفرح، لا يدخلها إلا من فرّح يتامى المسلمين».
ونحن في هذه الأيام نستعد لنستقبل عيد الفطر الذي يقف فيه الأيتام الذين فقدوا آباءهم وربما أمهاتهم، وهم يرون زملاءهم ورفاقهم في المدرسة أو في غيرها يفرحون مع أهلهم في هذا العيد. لذلك علينا أن نعمل لكي نُفرح هؤلاء الأيتام في يوم العيد وفي غيره، تماماً كما نُفرِحُ أبناؤنا، وأن نعاملهم كما نعامل أبناءنا، وبذلك نحصل على مرافقة رسول الله(ص) في الجنة، والفرح في طاعة الله تعالى.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، فماذا هناك؟
الإدارة الأمريكية: تسليح وهمي للجيش اللبناني
في المشهد الإسرائيلي، نلتقي بمعارضة إسرائيل المتجددة لتسليح الجيش اللبناني، لأنها تخشى انتقال الأسلحة إلى حزب الله، كما صرّح بذلك أحد المسؤولين الصهاينة، ولذلك فإن المؤيّدين لها في الولايات المتحدة الأمريكية من أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والمحافظين الجدد المسيطرين على الإدارة الأمريكية، سوف يضغطون على المسؤولين الأمريكيين للامتناع عن ذلك، ولن يوافقوا على تزويد الجيش إلاّ بالأسلحة التي لا تمثّل أيّ وسيلة للردع.
ولذلك، فإن المسؤولين الأمريكيين الذين يزورون لبنان، ويتحدَّثون عن حاجات الجيش اللبناني، أو أولئك الذين يتحدثون من واشنطن، لا يملكون الاستجابة لطلبات اللبنانيين في تأمين حاجتهم من السلاح الذي يستطيعون من خلاله الدفاع عن الوطن ضد عدوان إسرائيل، لأن سياسة الإدارة الأمريكية هي تسليح هذه الدولة العدوّة، وربما تشجيعها على القيام بالعدوان على لبنان مجدداً، كما حدث في عدوان تموز 2006، ورفض أيّ مواجهة لهذا العدوان من خلال الجيش والمقاومة.
ولذلك، فإنَّنا نتصوَّر أنَّ أمريكا الإدارة تريد للبنان أن يبقى ساحةً مفتوحةً للاعتداءات الإسرائيلية، من دون أنٍ يكون في مقدور الجيش اللبناني مواجهة هذه الاعتداءات، فالموقف الإسرائيلي من رفض تزويد الجيش اللبناني بالسلاح المعتبَر، هو موقفٌ أمريكي في العمق، لأنَّ إدارة المحافظين الجدد لا توافق على تمكين لبنان من أن يملك أيّ عنصر قوّة في مواجهة إسرائيل، وليس الحديث عن تزويده بالمروحيات أو بالذخيرة إلاّ من قبيل الرسائل الأمريكية المتواصلة، التي تريد للجيش أن يأخذ دوراً قتالياً في الداخل، وأن لا يكون كذلك في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، ونحن نعرف أن الجيش لا يسير في هذا الخط ولا يعمل بوحي هذه الرسائل.
أمّا الحديث عن خشية المسؤولين اليهود من انتقال السلاح إلى المقاومة، فهي محاولة إسرائيلية وأميركية فاشلة للإيقاع بين المقاومة والجيش، واعترافٌ ضمني بأهمية العلاقة التنسيقية بين الجيش والمقاومة، بما يمنع العدوّ من الامتداد في عدوانه وأطماعه.
ونحن لا نزال نتابع المنهج الإسرائيلي في مراقبة كلِّ صفقات السلاح التي تحدث بين أمريكا وبعض الدول العربية المعترفة بإسرائيل سياسياً، أو المؤيدة لها واقعياً، وفرض الشروط على حليفتها الأمريكية بأن لا تكون هذه الأسلحة قادرةً ـ ولو في المستقبل المتغيّر ـ على الإضرار بالدولة العبرية من خلال طبيعة العناصر الداخلة في تكوينها العسكري، وربما اعترضت في بعض الحالات على مثل هذه الصفقات، لأنها تخطِّط لأن تكون الأقوى في المنطقة كلها، وهذا ما جعلها تتصل بروسيا، لمنعها بواسطة الاحتجاج والأساليب الدبلوماسية من بيع السلاح لسوريا، حتى السلاح الدفاعي، لأن ذلك سوف يخلّ بتوازن القوى في المنطقة، انطلاقاً من هدفها المعلن بأن تكون سوريا في موقع الضعف أمامها، لتبقى هي في موقع القوّة الضاغطة من خلال احتلالها الأرض السورية في الجولان.
وهذا ما يجب على الدول العربية أن تتفهّمه، من أجل الإعداد للاستراتيجية التي تطالب بها الشعوب لصنع القوة الرادعة، بحيث تملك الدفاع عن أوطانها ضدّ هذه الدولة الغاصبة، أو ضد أيّ احتلال أمريكي طارئ، كما حدث في الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، أو لأيّ بلد عربي أو إسلامي آخر، وهو ما تخطط له الإدارة الأمريكية التي تعمل على دفع العالم العربي ـ وربما الإسلامي ـ إلى المواجهة ضد إيران في الحرب الاستباقية التي تهدّد بها ـ مع حليفتها إسرائيل ـ هذا البلد الإسلامي.
تهويد القدس يبطله الدم
وعلى الجميع أن يعرفوا أن الدولة اليهودية تتحرك من أجل أن يبقى القلق على المصير في واقع الشعب الفلسطيني، ليفقد الأمل بالمستقبل الذي يملك فيه تقرير مصيره في دولة فلسطينية مستقلة قادرة قابلة للحياة، بالرغم من الوعود الكثيرة التي يطلقها المجتمع الدولي، وخصوصاً الواقع الأمريكي والأوروبي الذي يتعامل مع الواقع الفلسطيني على أساس الوقت الضائع، الأمر الذي جعل من خريطة الطريق مشروعاً لا فاعلية له، لأنَّ رئيس الوزراء البريطاني السابق، بلير، الذي وُظّف للإشراف على هذا المشروع، يصرّح بأنه يعمل لمصلحة إسرائيل بالنيابة عن المجتمع الدولي، ولذلك لم يحقق شيئاً، وكأنه يريد استذكار وعد بلفور البريطاني الذي أسس لاغتصاب اليهود عندما كانت في عهدة الانتداب البريطانيّ.
وقد قام أحد المجاهدين الفلسطينيين من القدس بعملية نوعية، حيث اقتحم بسيارته تجمّعاً لجنود العدوّ الذين أصيب البعض منهم بجراح خطيرة، وقد جاءت هذه العملية انطلاقاً من الحالة النفسية التي يعيشها الفلسطينيون في ظلِّ المحاولات الإسرائيلية الدائمة لتهويد القدس، وتهديد المسجد الأقصى بالانهيار، واضطهاد المواطنين في القدس الشرقية، والتضييّق عليهم في أوضاعهم السكنية والاقتصادية والتربوية والأمنية، بحيث إنه قام بعمليته هذه بروحية استشهادية، وقد سمعنا وسنسمع المزيد من الاستنكارات الدولية والعربية، وربما الفلسطينية، لهذه العملية، ولكنهم لم يدرسون الخلفيات الإنسانية الوطنية الكامنة وراء ما قام به هذا البطل الفلسطيني المجاهد، ولا سيما في ظلّ التصريحات الصهيونية الأمريكية بأن القدس "سوف تبقى عاصمةً أبديةً لإسرائيل ولا مكان للفلسطينيين فيها".
الأمم المتحدة: فشل في الأداء والدور
من جانبٍ آخر، شهدت مدينة نيويورك الأمريكية اجتماعاً دولياً ضمّ 120 مسؤولاً من دول العالم في نطاق الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي تحوّلت إلى مسرح لا سقف له من الناحية العملية في حل المشاكل المعقّدة في العالم، ولا سيّما دول العالم الثالث، وقد تناوب على منبرها خطباء جاؤوا من نواحي الأرض الأربعة، فقدّموا شكواهم لمن لا يسمع، أو عرضوا أنفسهم وبلادهم للبيع لمن لا يشتري، لتكون الكلمة الضاغطة على الجميع هي كلمة الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحدث بصفتها الكونية، باعتبارها القائدة للعالم، والتي جاءت بمثابة أمر عمليات للهيمنة الأمريكية المطلقة على الكون، مع التهديد والإنذار والتلويح بالعقوبات لمن يعصي.
كما تحدث الرئيس الأمريكي عن إيران وسوريا باعتبارهما "داعمين للإرهاب"، بما يفرض على المجتمع الدولي إقرار العقوبات عليهما، إضافةً إلى كوريا الشمالية وحركات المقاومة التحريرية في فلسطين ولبنان، ليخرج الجميع من هذا الاحتفال الدولي من دون أية نتائج واقعية، لأن مهمته لا تخرج عن الدور الإعلامي الذي قد يوحي بدعم بعض القضايا الحيوية في الدول المستضعفة من خلال التأييد الكلامي في أصوات الأكثرية.
أما مجلس الأمن الدولي، فقد تحوّل إلى مشكلةٍ للشعوب التي تبحث قضاياها فيه، لأن القرارات الصادرة عنه تمثل الهيمنة الدولية التي تقودها أمريكا مع بعض حلفائها الأوروبيين، بحيث تعاقب هذه القرارات من يعارض أمريكا، وتمنع الإدانة عمن يلتزم بسياستها، وهذا ما نلاحظه في تبرير مجلس الأمن لجرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، واحتلال أمريكا للعراق الذي لم يستطع هذا المجلس أن يمنعه، ما أدى إلى تدمير العراق بالقوة العسكرية، وتمزيق وحدة شعبه، ليعيده مذاهب وشيعاً وأعراقاً وعناصر متقاتلة، لا سيما أن أكثر دول الاتحاد الأوروبي تخضع، في أكثر سياساتها في العالمين العربي والإسلامي، للسياسة الأمريكية من خلال حاجاتها الأمنية والاقتصادية، الأمر الذي يجعلها شريكةً لأمريكا في مجازر حلف شمال الأطلسي، وفي الفوضى الأمنية في أفغانستان وباكستان، بحيث لم يعد هناك أيّ استقرار في هاتين الدولتين، لأنّ الخطة هي بقاء السيطرة الأمريكية على هذا الموقع الاستراتيجي في المنطقة من أجل تأكيد نفوذها فيها.
إنّ المشكلة هي أن الأمم المتّحدة تحوّلت إلى مجرد مؤسسة فاشلة لا يُسمح لها بإدارة العالم، فأمريكا تخطط لإدارة العالم بمفردها، ولكنّها لا تمانع في استخدام المنظمة الدولية لخدمة المصالح الأمريكية.
لبنان: مرحلة مصالحات وتفاهمات وطنية
أما في لبنان، فقد استمعنا إلى بعض الكلمات التي تثير مسألة الاعتذار من اللبنانيين بطريقة غائمة أو غامضة، ونحن نرحِّب بأي اعتذار صريح يصدر عن أي مسؤول سياسي لبناني، حتى لو كانت له تجاربه المريرة التي تركت بصماتها السلبية على البلد كله، ولكننا نريد لهذا الاعتذار أن يتحوّل إلى حركة عملية تفيد اللبنانيين جميعاً في مستقبل البلد وأجياله، عندما يصل إلى مستوى الاستقالة من العمل السياسي، كما نشهد ذلك في البلدان التي يحترم فيها المسؤولون شعوبهم، لأنّنا نتصوّر أن استقالةً من هذا النوع قد تمهّد السبيل لاستقالات أخرى لأمراء الحرب، الأمر الذي قد يفسح في المجال لقيادات لبنانية شابة، ولدماء جديدة طاهرة، لم ترتكب الإثم السياسي من بواباته الواسعة، أن تقود دفة السفينة اللبنانية إلى شاطئ الأمان.
وأخيراً، إنّنا في هذه الأيام، نطل على مرحلة جديدة تقترب فيها المواقع السياسية من حركة مصالحات وتفاهمات جديدة، ونحن نرحِّب ترحيباً كبيراً بأية مصالحة حقيقية على المستوى الوطني بعامة، وعلى المستوى الإسلامي بخاصة، ونضع كل إمكاناتنا لتحقيق الوفاق على الساحة الإسلامية بما يخدم الوحدة الإسلامية في الداخل والخارج، ويؤسِّس للوفاق الحقيقي الذي يتطلّع إليه الجميع للخروج من دائرة الخطاب التخويني والتقسيمي والمذهبي، إلى فضاء الخطاب الوطني والإسلامي الجامع والشامل والموحَّد. |