الولاية لعلي(ع):
«من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار». تلك هي ـ فيما يروي الرواة ـ كلمات رسول الله(ص) في يوم الغدير، عندما أنزل الله تعالى عليه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}(المائدة/67)، وكانت هذه الدعوة الإلهية للنبي(ص) لينصِّب عليّاً(ع) للولاية من بعده. وجمع رسول الله(ص) الناس الذين كانوا يرافقونه في حجَّة الوداع وسألهم: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟»، والله يقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}(الأحزاب/6)، بمعنى أنه يملك منهم بما لا يملكونه من أنفسهم، وهذه هي آية الولاية للنبي(ص) في الحاكمية الرسولية على الناس، قالوا: "اللهم بلى"، فقال(ص): "اللهم اشهد"، ثم أخذ بيد عليّ(ع) ورفعها حتى بان بياض إبطيهما للناس، وقال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار». وهكذا بدأت مسألة الولاية ليكون عليّ(ع) الشخص الأول بعد الرسول(ص) الذي يتحمّل مسؤولية الإسلام وأهله في الحكم وفي التوجيه والرعاية والعناية.
والسؤال: لماذا كان عليّ(ع) هو الوليّ من بين الصحابة، وفي الصحابة من هم أكبر سناً من عليّ(ع)؟ لماذا كان عليّ(ع) هو المتعيّن؟ عندما ندرس عليّاً(ع) في طفولته الأولى، نجد أنه عاشها في حضن رسول الله(ص)، حيث كان أبوه أبو طالب كثير العيال، فأراد(ص) أن يخفِّف عنه، فأخذ عليّاً واحتضنه وربّاه، فكان أمه وأباه، وعاش مع النبي يتعلّم منه وينفتح عليه في كل خطوط عقله، وفي كل نبضات قلبه، ويسير معه في كل أخلاقياته، وهذا ما تحدث عنه(ع) حيث كان يقول إنّ الرّسول(ص): «يرفع لي في كلِّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به»، ويقول(ع) أيضاً: «وكنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه».
الاستقامة في الأخلاق والسلوك:
كان عليّ(ع) الشَّخصية التي جعلها رسول الله(ص) نسخةً منه، ولم يجد(ص) عنده كذبة في قول أو انحرافاً في فكر، فكان الصادق في قوله، والمنفتح على الحق في فكره، وكان المستقيم في سلوكه، لأنه كان يمثل أعلى القيم الروحية والأخلاقية. وقد بلغ درجة أضحى يمثل معها كل رسول الله في عقله وقلبه وسلوكه، وعندما بلّغ الله الرسالة لرسوله، كان(ع) أول من أسلم، وقال(ع) وهو يناجي ربّه: «اللهم إني أول من أناب وسمع وأجاب، لم يسبقني إلا رسول الله بالصلاة». كان أول الناس إسلاماً، وأوعاهم إيماناً، وبعض الناس يقولون إن عليّاً كان أوَّل من أسلم من الصبيان، وكأنهم يريدون أن يقلّلوا من قيمة إسلامه، صحيح أنه(ع) كان صبياً في سنّه، ولكنه كان يملك عقل الرجال وحزمهم وإرادتهم، ويملك الحرية في قراره، وقد قيل له ـ كما تنقل بعض كتب السيرة ـ لماذا لم تستشر أباك في إسلامك؟ فأجابهم بأنّ الله لم يستشر أباه حين خلقه، فلم يستشيره عندما يريده الالتزام بدين الله.
وكان(ع) قويَّ البنية، حتى إنَّ المشركين عندما كانوا يغرون صبيانهم برسول الله، كان عليّ يلاحقهم ليدافع عن النبي(ص)، وكان(ع) يستمع الوحي عندما ينـزل على رسول الله ويرى الملك، حتى قال له النبي(ص): «إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنّك لست بنبي، ولكنك وزير وإنك لعلى خير». وكان(ص) يعرّف علياً أبعاد الوحي وآفاقه، حتى كان يعيش وعي آيات الله في كتابه من خلال ما كان يعيشه رسول الله، ولذلك بدأ عليّ(ع) ثقافته من رسول الله، فكان عقله قرآنياً وقلبه إسلامياً، وكانت حياته في خطِّ الرسالة كلها.
وكان بيت عليّ(ع) بيت رسول الله(ص)، لأنه كان الابن الروحي له، حتى انطبعت شخصيّته بشخصيّة النبيّ(ص)، فكان يعيش الرسولية في ذلك كله، وعندما هاجر النبي(ص) إلى المدينة، تركه في مكة ليقوم بمهمتين، الأولى هي إرجاع الودائع لأهل مكة والتي كانت مودعة عند النبي(ص)، والثانية أن يأتي بالفواطم إلى المدينة.
فارس الإسلام الأول:
وكانت لعليّ(ع) جولات مع رسول الله(ص)، حتى إذا واجه الإسلام التحدي الكبير، كان عليٌّ فارس "بدر" الذي استطاع أن يخوض الحرب وقتل نصف قتلى المشركين، وشارك المسلمين في النصف الثاني، حتى انطلق النداء: «لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار».
وانطلق عليّ(ع) في "أحد" و"الأحزاب" التي وقف فيها عمر بن عبد ود ليتحدى المسلمين، فوقف علي(ع) في وجهه، حتى قال النبي(ص): «برز الإيمان كله إلى الشرك كله»، وعندما قتل عليّ(ع) عمراً قال(ص): «ضربة عليّ يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين»، وفي "خيبر" استطاع أن يفتح الحصن الذي قال عنه ابن أبي الحديد:
يا قالع الباب الذي عن هزّه عجزت أكفٌّ أربعون وأربع
وهكذا كان عليّ(ع) مع رسول الله في كل مواقفه ومواقعه، وعندما انطلق رسول الله(ص) إلى تبوك لم يأخذ علياً معه، وعندما تساءل عليّ(ع) عن ذلك قال له(ص): «أما ترضى أن تكون مني بمنـزلة هارون من موسى»، فكان عليّ وزيره ورفيقه وأخاه وصهره.
وبعد أن تزوَّج عليّ(ع) بالصدّيقة الطاهرة المعصومة فاطمة الزهراء(ع)، كان بيته بيت رسول الله(ص)، وكان يمرُّ عليهم ويقول: «السلام عليكم يا أهل البيت»، وقد تدثّر النبي(ص) في بيت فاطمة مع عليّ وفاطمة والحسن والحسين، حتى نزلت الآية التي ركَّزت على عصمة هؤلاء الخمسة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(الأحزاب/33).
همّه(ع) مصلحة الإسلام:
بعد وفاة النبي(ص)، دارت الدوائر، وأُبعد عن حقه الذي أمر الله رسوله بأن يؤكِّده، ومع ذلك، كان موقفه لمصلحة الإسلام، وقال: «فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم هذه التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأنَّ الدين وتنهنه». وانطلق عليّ(ع) ليعطي الرأي والمشورة والنصيحة والحماية لمن تقدّموه وأبعدوه عن حقه في الخلافة، لأنه كان يراعي مصلحة الإسلام والمسلمين، وكانت كلمته الخالدة: «لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليَّ خاصة»، كان يفكر في مصلحة الإسلام وقوَّته في حياة رسول الله وبعد وفاته، حتى إذا وصلت الخلافة إليه، واجه الكثير من الصعوبات والعقبات من الذين أرادوا أن يعطّلوا مسيرته، ولكنه على الرَّغم من ذلك، جعل من خلافته فرصةً لتأكيد موقع الإسلام وقوته، وهو الذي قال: «لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أهون عندي من عفطة عنـز».
كان عليّ(ع) الإنسان الذي عاش لله وانطلق في سبيل الله، وأراد من خلال كل برنامجه الثقافي والروحي والحركي أن يرتفع بالواقع الإسلامي إلى مستوى العلم والعقل، وأن يتحرك الإسلام في الحياة بطريقة حضارية، وكان(ع) يقول: «الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق»، وقد قال كلمته الخالدة: «قيمة كل امرئ ما يحسنه». كان(ع) يريد أن يصنع المجتمع الإسلامي على الصورة التي أراد رسول الله أن يصنعها، ولكنهم لم يمكّنوه من ذلك من خلال ما زرعوه في طريقه من الأشواك والألغام.
الالتزام بولاية علي(ع):
لقد عاش عليّ(ع) لله وفي سبيل الله، فتح عينيه في الكعبة، وأغمض عينيه في المسجد، وختم حياته بقوله: «بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة». وعندما يمر علينا يوم الغدير، علينا أن نشعر بمسؤولية أن نلتزم ولاية عليّ(ع)، لأنَّ ولايته هي ولاية رسول الله(ص)، ولأنَّ الولاية لرسول الله هي الولاية لله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(المائدة/55)، وقد نزلت هذه الآية في عليّ(ع) عندما تصدّق بخاتمه وهو راكع إنه وليّ الله في كل حياته وفي كل أقواله وأعماله، وعلينا أن نلتزم خطَّ الولاية، بأن نلتزم خطّ الإسلام، وأن نحافظ على الإسلام كما حافظ عليه عليّ(ع)، وأن ننطلق مع الوحدة الإسلامية كما انطلق عليّ(ع) معها. إن الولاية ليست خفقة قلب ونبضة إحساس، بل هي خط وعمل وفكر وانفتاح على الإسلام كله والحياة كلها، ذلك هو خط أهل البيت(ع)، خط حماية الإسلام وتقويته.
الخطبة الثانية
بسم الله الرَّحمن الرحيم
عباد الله... اتَّقوا الله، وواجهوا الموقف كما واجهه عليّ(ع)، بالانفتاح على مصلحة الإسلام والمسلمين، وسلامة الإسلام والمسلمين، ومواجهة أعداء الله الذين يريدون إسقاط الإسلام كله والمسلمين كلهم، فماذا هناك؟
العراق بين عجز الحكومة وإخفاقات الاحتلال:
ما هو واقع العالم الإسلامي في نقاط الضعف التي تحكم أوضاعه؟ هناك مشكلة كبيرة تتحرك في حياته السياسية والأمنية والاقتصادية، وهي أن الدول الاستكبارية هي التي تخطط له وتتصرف في شؤونه وتتدخّل في قضاياه، سواء كان ذلك في مواقع الاحتلال المهيمنة عليه في كل أموره على مستوى الحكومة التي تدير شؤونه، أو على مستوى القوى الأمنية التي تشرف على تنظيم أمنه أو إدارة علاقاته بالآخرين، وهذا ما يتمثّل في الإدارة الأمريكية التي تحتل العراق ـ إلى جانب بريطانيا ـ بما قد يراه المرء حالةً سيادية في السطح، ولكنها في العمق تمثل حالة استعمارية، الأمر الذي يجعل الحكومة التي يوافق عليها المحتل عاجزةً عن تحقيق أيِّ نجاح أمني أو اقتصادي أو سياسي، كنتيجة للفوضى التي يحركها في النسيج السياسي الذي يختزن العقد المذهبية من جهة، والعقد العرقية من جهة أخرى، ما يؤدِّي إلى تخبّط الاحتلال في إدارته للوضع العراقي، بالإضافة إلى تخبط الوضع السياسي حكومياً وبرلمانياً وأمنياً.
ولا تزال الدوّامة الدامية تسيطر على العراق بالمزيد من الضحايا والجرحى والمشرّدين والمهجَّرين، من دون أن يسمح المحتلُّ للقائمين على شؤون العراق بإدارة المسألة الداخلية بشكل متوازن من خلال أهل الرأي فيه، لأن هناك حالاً من التمزّق الداخلي يكمن في خلفيات الصراع على السلطة الذي يلبس لبوساً وطنياً...
ونلاحظ أن الإدارة الأمريكية ـ بشخص رئيسها بوش ـ تواجه الموقف في العراق باستراتيجية جديدة، تتمثل في زيادة عدد قوَّاتها، وفي تحريك بعض الأوضاع السياسية بالانتقال من تأييد فريق هنا على حساب فريق هناك، في عملية توزيع مذهبي جديد قد لا يحقق أيَّ حل للمشكلة العراقية، لأن الاستراتيجية الأمريكية تخطِّط للسيطرة على أكثر من بلد في المنطقة من خلال العراق، ولكن الخطة الاحتلالية يمكن أن تسقط تحت تأثير مقاومة عراقية وطنية لا تخضع للقوى التكفيرية التي توجِّه أكثر مقاومتها للمدنيين العراقيين تحت تأثير العصبية المذهبية المَرَضِية الخانقة...
أمريكا لا تؤمن بحرية الشعوب...
وخلاصة الأمر، أن الأمريكيين لا يؤمنون بحرية الشعوب المستضعفة، ولذلك فإنهم لا يسمحون لها بالحلول الواقعية الوطنية لمشاكلها بعيداً عن هيمنة الاحتلال الحاقد الخبيث الذي يحاول الثأر لأية هزيمة تصيبه في هذا البلد أو ذاك، كما يفعل الآن مع الصومال الذي يعاني شعبه من الجوع والحرمان ويريد الحرية في مواجهة الاستكبار، والذي استطاع في مرحلة سابقة أن يهزم الوجود الأمريكي، فكانت الخطة الجديدة هي تسليط القوات الأثيوبية الحليفة لأمريكا لاحتلال الصومال، ثم قصف المدنيين الفقراء بالطائرات الأمريكية، ليسقط تحت تأثير هذا القصف الكثير من الناس الأبرياء الذين يتَّهمهم الإعلام الأمريكي بأنهم من قيادات القاعدة...
ولا تزال المأساة التي قد تمتدُّ إلى المنطقة كلَّها التي يراد لها أن تخضع للنفوذ الاستكباري الأمريكي، في مصادرة الثروة ومواقع الأسواق وامتدادات الاستراتيجية، ممّا تخطط له الإدارة الأمريكية على نطاق المنطقة كلها.
ومن جانب آخر، فإننا نجد المشكلة تتحرك في أفغانستان التي يسقط فيها الأبرياء وتسودها الفوضى، ويسيطر عليها الفقر والحرمان والتمزّق الداخلي، بفعل سيطرة قوَّات الناتو التي يقودها الاحتلال الأمريكي، من دون أن يملك الأفغانيون أية فرصة لإدارة شؤونهم في النظام الذي يريدون له أن يرتِّب أمورهم. وهكذا تستمر أمريكا في خطتها الاستراتيجية تبعاً لمصالحها، في الهيمنة على المنطقة الآسيوية، ابتداءً من أفغانستان، مروراً بباكستان، وانتهاءً بالصين وروسيا والدول المستضعفة الأخرى، ولاسيما التي يجري البترول في أراضيها...
التدخلات الخارجية والمأزق الفلسطيني:
أما فلسطين، فإنها لا تزال تعيش المأساة تلو المأساة، في النـزاعات الداخلية التي تتحرك فيها الأوضاع الدامية، من خلال فوضى السلاح وعصبية الأحزاب، في عبث قاتل من خلال أكثر من دولة عربية خاضعة للخطة الأمريكية، واحتلال إسرائيلي يمارس القتل والاعتقال والتدمير السياسي والاجتماعي والأمني، إلى جانب الدور الأمريكي الذي يخطِّط مع العدو لاستكمال استراتيجيته الاستيطانية التي لا تبقي للشعب الفلسطيني أية فرصة لتأسيس دولة مستقلَّة قابلة للحياة.
أما الدور الأوروبي، فإنه لا يزال يتخبّط في وحول السياسة الأمريكية التي لا تسمح له بالدور الكبير في حلّ هذه المشكلة التاريخية... إنّهم لا يسمحون للفلسطينيين بإدارة شؤونهم في التحرير وفي الحكم والسلطة، بل يعملون على أساس فرض المأزق عليهم، في إيحاء دولي عربي بأن عليهم القبول بما يخطط له المجتمع الدولي الذي يريد الحل الإسرائيلي لا الحلّ العربي الفلسطيني.
الخطَّة الأمريكية والعبث بالاتحاد الأوروبي:
وتبقى الخطَّة الأمريكية التي تلعب لعبة العبث بالاتحاد الأوروبي الذي تتشابك مصالحه مع المصالح الأمريكية، فينفِّذ الكثير من خططها في العالم الإسلامي، ليتدخل في شؤونه وفي الضغط على مقدَّراته الاقتصادية، وهذا ما لاحظناه في العقوبات المفروضة على إيران في مجلس الأمن، تحت تأثير اتهام لا واقعية له في حركتها في الملف النووي الذي أعلنت أنه ملف سلمي للاستفادة منه في إنتاج الطاقة الكهربائية، وقد أكد لنا أكثر من سفير أوروبي بأنهم لا يملكون أي دليل على اتهامهم لإيران، كما أن وكالة الطاقة الدولية لا تملك مثل ذلك.
وتتابع أمريكا الضغط المالي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في محاصرة المواقع المالية التي تساعد إيران، وذلك تحت تهمة صرف الأموال في أسلحة الدمار الشامل التي هي التهمة الكاذبة التي تلوِّح بها الإدارة الأمريكية لكل دولة لا تلتقي معها في السياسة، أو تمتنع عن الخضوع لمصالحها الاستراتيجية.
لبنان: شللٌ مؤسَّساتي ودعوةٌ إلى محاسبة الفاسدين:
وإذا انتقلنا إلى لبنان، فإنَّنا نجد اللُّعبة الأمريكية الممتدَّة إلى أكثر من موقع دولي خاضع لسياستها، تتحرك في طريقة تتحوَّل معها إلى فريق داخلي يخطط لأكثر من تعقيد سياسي يمنع من حلّ الأزمة التي يعيشها اللبنانيون في الصراع الدائر بينهم، الأمر الذي تحوّلت فيه المؤسسات إلى مواقع جامدة في مسألة الشرعية التي يؤكدها بعض ويرفضها بعض آخر...
وتمتد المسألة إلى الشأن الاقتصادي الذي حاولت الحكومة أن تعالجه في خطة إصلاحية ـ حسب تعبيرها ـ في الوقت الذي يجد فيه فريق كبير من المواطنين، حتى من فريقها، أخطاء كبرى تترك تأثيرها السلبي على حياة الطبقة المتوسطة والفقراء، فيما لم تتجرَّأ السلطة على محاسبة الذين أفسدوا في البلاد والعباد في سلطانهم الماضي في ظلّ الوصاية السابقة، ليتخذوا مواقع جديدة في ظلّ الوصاية الحالية، هذا إلى جانب من عاش مأساة التجربة التي قاموا بها في حركتهم الأمنية والسياسية التي حوّلها الوضع الحاضر من صفة المجرم إلى صفة البريء، ومن صفة العميل إلى صفة الوطني، وتلك هي خصوصية لبنان التي يصدق فيها قول الشاعر ابن الرومي:
إن للحظِّ كيمياء إذا ما مسّ قرداً أحاله إنساناً
يفعل الله ما يشاء كما شاء متى شاء كائناً من كانا
إننا ندعو إلى حساب قضائي لا يخضع للّعبة السياسية، ليضع الأمور في مواضعها، ويمنح الحقّ لأهله، ولا نريد لأحد أن يعمل على تسييس القضاء وتخريبه، لأن ذلك لا يبقي للبلد أية قاعدة للثبات والتوازن والمستقبل.