(الضَّمان) في اللغة هو: الكفالة والالتزام، من (ضمِنَ) أي: كفل غيره وإلتزم أن يؤدي عنه ما قد يُقصِّر في أدائه. وفي الإصطلاح هو: (الإتفاق على انتقال الدين من ذمة المدين إلى ذمة الضامن، وإبراء ذمة المدين منه)، فهو ـ إذن ـ يتقوم بأمرين:
الأول: ثبوت المال في ذمة المدين، ولو ثبوتاً متزلزلاً، كثمن المبيع في زمن الخيار، فلا يشمل ما لـم يثبت ـ بَعْدُ ـ في الذمة، سواءً تحقّق سببه، كالجعل في الجعالة قبل العمل، أم لم يتحقّق سببه، كثمن المبيع قبل البيع المتوقع حصوله؛ كما أنه لا يشمل الأعيان الخارجية، لأنها لما لم تكن من قبيل (الكلي في الذمة)، أي: إنها ليست حقـاً ذمِّيـاً، فإنهـا قـد خرجت ـ تلقائيـاً ـ بقيد (ثبوت المال في الذمة)، لذا لا يقع الضمان ـ بمعناه المصطلح هذا ـ في الأعيان الخارجية.
الثاني: إنتقال الدين بالضمان إلى ذمة الضامن بنحو يترتب عليه فراغ ذمة المدين من عهدة الدين للدائن، واشتغال ذمة الضامن به للدائن كأي دين آخر، بحيث لو مات الضامن أُخرج المضمونُ من أصل التركة كسائر ديونه.
فإذا اتضح تَقَوُّم الضمان بهذين العنصرين اتضح ـ معه ـ الفرق بينه وبين كفالة المال، إذ رغم أن الكفالة هي ضمان ما على المكفول من حق مالي لكنها ضمان (أداءٍ) معلقٌ على عجز المكفول عن الأداء، فلا ينتقل بها المال إلى ذمة الكفيل ولا تبرأ منه ذمة المكفول، كما أنه لو مات الكفيل أثناء الكفالة تبطل الكفالة من أصلها؛ فيما ينتقل الدين بالضمان إلى ذمة الضامن وتبرأ ذمة المدين منه ويُخرَجُ الدين من أصل تركة الضامن إذا مات قبل الأداء.
هذا من جهة أثرهما على الحق المضمون، وأما من جهة نوع الحق المضمون، فإن الكفالة تصح في الدين وتصح في الأعيان الخارجية، فيما لا يتحقّق الضمان بمعناه المصطلح إلا فيما كان ديناً ثابتاً في الذمة بالنحو المذكور في فقرة (الأول) الآنفة الذكر.
وعلى هذا الأساس، فإن ضمان أداء الدين عن المدين عند عجزه عن الأداء، وضمان الأعيان الخارجية، كالمبيع المعين المؤجل أو العين المستعارة أو المغصوبة، وضمان الدين المتوقع الحصول، كالثمن في بيع النسيئة المزمع على عقده، إن ضمان هذه الأمور وما أشبهها مما لا يتوفر فيه العنصران المقومان آنفا الذكر ليس ضماناً بالمعنى المصطلح حتى لو وقع عقده بلفظ الضمان، بل هو كفالة مشمولة لأحكام الكفالة التي سبق ذكرها، والتي اصطلحنا على تسميتها بـ (كفالة المال).
ثم إن المتعهِّد لدين الغير يقال له: «ضامناً»، والمدين يقال له: «المضمون عنه»، والدائن يقال له: «المضمون له»، والمعاملة كلها تسمَّى «ضماناً». وفيما يلي تفصيل أحكامها في ثلاثة مباحث: