فضل الله لـ"الأنباء" الكويتية: النظام في الكويت استطاع كبح العقليات الطائفية والعصبية
وتمنّياتنا أن تبقى النموذج السياسي العاقل والمتوازن في الخليج
تدخل عليه مغموم القلب مهموم البال، على حال البلاد والعباد في ظلّ مناخات التشتّت والانقسام، وتخرج من عنده منبسط النفس مفعماً بالأمل.
العلامة المرجع، السيد محمّد حسين فضل الله، العلَم الإسلامي الشيعي المحلّق فوق المذهبيات الضيّقة والعصبيات المتفشّية، يضع الإصبع على الجرح، ولا يتوانى عن تحديد الداء ووصف الدواء، ولا ييأس من إمكان الشفاء في بعض الحالات، ويتابع قراءة مزاميره الروحية والأخلاقية، آملاً أن تفعل فعل الماء في الصخر الجامد.
الصورة التي يرسمها للوضع في لبنان والمنطقة، لا تحتاج من الرائي إلى التبصّر والإمعان، فهي جليّة وواضحة، وتعكس واقع الحال بإخلاص وتجرّد. كما يرى سماحته أنّ الحلّ في لبنان لا يكون إلا بوحدة اللبنانيين وبالوحدة الإسلامية في كلّ لبنان، مبدياً قناعته بأنّ المذهب وجهة نظر، أمّا الدين فهو الإسلام.
في لقائنا معه، يوسف خالد المرزوق، رئيس التحرير، وعدنان الراشد، نائب رئيس التحرير، وعمر حبنجر، مدير مكتب "الأنباء" في بيروت، اكتشفنا كم أن النظام الكويتي كبير في نظر وقناعة هذا المرجع الديني الإسلامي الكبير، حيث استهلّ حديثه بالقول إنّ النظام في الكويت استطاع كبح العقليات الطائفية العصبوية، متمنياً أن تبقى الكويت النموذج السياسي العاقل والمتوازن في الوسط الخليجي، متحدّثاً عن الانفتاح الأمريكي على إيران، وعلاقات إيران بمحيطها العربي، ودعوة القذافي إلى إحياء الدولة الفاطمية، والانتخابات النيابية في لبنان...
بدايةً، استهلّ سماحته اللّقاء بحديثٍٍ عن رؤيته لواقع الأزمات الداخلية التي تربك الكويت والمنطقة، قائلاً:
المسؤولية التي يتحملها الإنسان الذي يعمل في الخط العام هي أمانة الله عنده
إنّنا نتألّم عندما تحدث بعض التعقيدات في الكويت، كالتي حدثت أخيراً، ونتمنّى التغلّب عليها، لأنّ مثل هذه التّعقيدات تؤدّي إلى الإرباك السياسي. ونحن نرى أنّ المسؤولية التي يتحمّلها الإنسان الذي يعمل في الخطّ العام، هي أمانة الله عنده، فأنت عندما تكون مسؤولاً، فإنّك لا تمثل نفسك فقط، إنما تمثل كل الناس الذين هم تحت مسؤوليتك. وأنا دائماً أقول إن على الشخص المسؤول أن يترك مزاجه ومصالحه الشخصية بعيداً عن ممارسته وأن يضطلع بمسؤولياته، والحمد لله أن النظام في الكويت استطاع كبح العقليات الطائفية التي تحاول إثارة المشاكل المذهبية والعصبيّة. فالمذهب وجهة نظر، لكن عندما يتحول إلى عصبية يخرج عن كونه ديناً.
لذلك نحن نقدّر هذه المسألة التي تتميّز بها الكويت أكثر من الدول الخليجية الأخرى، وأنا دائماً أقول لأخواننا الكويتيين الذين ألتقي بهم دائماً: لا تتكلّموا عن حقوق الشيعة أو عن حقوق السنّة، بل تكلّموا عن الأسرة الكويتيّة، بحيث تعيشون المواطنة، لأنكم أبناء وطن واحد. لا تقولوا: هذا شيعيّ، هذا سنيّ، هذا ديمقراطي، هذا سلفي، قولوا: نحن مواطنون، وهذا البلد بلدنا، إذا تقدّم البلد تقدّمنا، وإذا اغتنى اغتنينا، وإذا افتقر افتقرنا، وعندما حصل الاحتلال الصدّامي للكويت، لم يتأثّر جزءٌ من النّاس فقط، بل إنّ الناس كلّهم، من كل الفئات، تأثروا وعانوا واضطهدوا وأسِر منهم، من دون أن يكون هناك فرق بين فريق وآخر.
لتبقى الكويت النموذج السياسي العاقل المتوازن الذي يدرس الأمور بعقلانية وموضوعية
لذلك، فإن ما يهمنا هو أن تبقى الكويت في الوسط الخليجي، النموذج السياسي العاقل المتوازن الذي يدرس الأمور بعقلانية وموضوعية، وأن ينطلق الخلاف السياسي، سواء في مجلس الوزراء مثلاً، أو في سواه، بأن يعرض كل طرف وجهة نظره، وقد تتفقون أو تتفاهمون، فتفهم أنت الآخر، ويفهمك الطرف الآخر.
وأضاف: أنا أقول إن على الإنسان أن يعيش إنسانيته في إنسانية الآخر، لأنه عندما نعيش إنسانيتنا، نستطيع أن نفهم بعضنا بعضاً. ونحن مشكلتنا أننا لا نفهم بعضنا بعضاً. أحد شعراء العراق الشيخ محمد الشبيبي، يقول:
حكم الناس على الناس بما سمعوا عنهم، وغضّوا الأعينا
فاستحالت، وأنا من بينهم أذنـي عينـاً وعيني أذنـا
شاعر من عمر عشر سنوات
س: صاحب السّماحة ضليع في الشعر؟
ج: لديّ أربعة دواوين، وقد بدأت أقرض الشعر من عمر عشر سنوات في النجف الأشرف، حيث ولدت هناك، كون والدي أقام فترةً طويلةً فيها، وفي عام 1948م، نظّمت قصيدةً بعنوان "فلسطين"، أحفظ منها إلى الآن بيتين أقول فيهما:
دافعوا عن حقّنا المغتصـب في فلسطين بحدّ القضبِ
واذكروا عهد صلاح حينما هبّ فيها طارداً للأجنبي
ونحن من دعاة الوحدة الإسلامية منذ الخمسينات، وأذكر أن أول سفرة إلى لبنان من العراق كانت في العام 1952م، وقد شاركت في تأبين أحد علماء المسلمين الشيعة، وهو السيد محسن الأمين، بقصيدة، وكان إلى جانبي د.مصطفى السباعي، المرشد العام للأخوان المسلمين آنذاك في سورية ولبنان، وقد دعوت في القصيدة، في ذلك الوقت، إلى الوحدة الإسلامية، حيث قلت:
والديـن وهو عقيـدة شعّت على أفق الوجـود
ومبادىء توحي لنـا روح التضامن والصمود
عرفتنـا فيه الحيـاة بمـا حواه مـن البنـود
وأريتنـا أن الإخـاء من الهدى بيت القصيـد
فالمسلمون لبعضهـم في الدين كالصّرح المشيد
لا طـائفيـة بينهـم ترمي العقائـد بالجحود
والديـن روح بـرة تحنو على كـلّ العبيـد
تهفو لتـوحيد الصفوف ودفـع غائلـة الحقـود
عاش الموحّد في ظلا ل الحقّ في أفق الخلـود
ا
لانفتاح الأمريكي على إيران
س: بحسب نظرتكم الثاقبة، إلى أين تتوقّع أن يصل الانفتاح الأمريكي على إيران، في ضوء العلاقات الأمريكية البالغة التعقيد؟
ج: أنا أجد حتى الآن أن هناك تغييراً في الأسلوب الأمريكي، وعلينا أن نكون حذرين تجاه ذلك. لماذا؟ أنا لا أتكلّم من خلال عقدة تجاه أمريكا، فنحن نفرّق دائماً بين الشعب الأمريكي والإدارة المستكبرة. ونحن نحبّ أن نبقى أصدقاء للشعب الأمريكي والشعوب الأخرى، والقرآن الكريم يقول: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌ حميم} [فصّلت:34]، لكن أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تصرِّح بأنّها تملك قيادة العالم، بما في ذلك أوروبا، والمعروف أنّ أمريكا ليست شخصاً، بل هي مؤسسات، والرئيس الأمريكي لا يستطيع القيام بأيّ عمل من دون موافقة الكونغرس عليه، كما أن أمريكا هي الدولة التي تؤيّد إسرائيل بالمطلق، وقد سمعنا ذلك في تصريحات هيلاري كلينتون، وحتى في تصريحات جورج ميتشل، الموفد الأخير.
هناك تغيير في الأسلوب الأمريكي
لذلك أنا أقول إنّ أوباما نتيجة تربيته في أندونيسيا، حيث عاش الفقر والحرمان، بدأ ينقد سياسة بوش ويردّ على تشيني، لكن علينا أن نكون حذرين. وأنا أقول دائماً إنّ علينا أن لا ننتظر ما يقرّره الآخرون ويفعلونه، فليس علينا أن نسأل أمريكا أو أوروبا ماذا تريدان منا؟ بل المطلوب أن نقول: ماذا نريد من أنفسنا؟ منذ بضع سنوات جاءني سفير فرنسا وقال لي: مشكلتنا مع اللبنانيين أنهم يحدّثوننا عما نريد ولا يحدّثوننا عما يريدون! فليس مهماً ماذا تريد فرنسا أو سورية أو إيران أو مصر أو السعودية أو الكويت... المهم أن لا نكون أقوياء بضعف الآخرين، بل أن نكون أقوياء بما نملك من عناصر القوة، لأن العالم لا يحترم إلا الأقوياء.
س: في رأيكم، لماذا اقتربت أمريكا من إيران الآن، وفي هذا الوقت؟
ج: إنّ أمريكا ليست جمعيةً خيريةً، لكنّ إيران أثبتت أنّها تمثّل قوةً لا يمكن تجاهلها، فلقد صمدت في مسألة المشروع النووي، وأصبحت دولةً صناعيةً. قد يكون ذلك أثّر على مستوى الوضع الاستهلاكي الداخلي، لكنها أصبحت الآن تصنع السلاح المتطوّر والأقمار الصناعية، وبات لها نفوذ في محيطها، فهي على حدود روسيا، وعلى حدود تركيا وباكستان وأفغانستان والخليج، لقد أصبحت مخفراً إقليمياً، ولذلك عندما صارت قوةً، قرّروا التعامل معها غصباً عنهم.
في أيام كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكيّة السابقة)، ركّزوا على الاعتدال العربي، والاعتدال بمفهومهم هو صداقة إسرائيل. والمسألة ليست في الاعتدال أو عدم الاعتدال، المسألة أن لا يكونوا هم من يقرّر لنا من نكون... وعندما يصبح العالم العربي موحّداً، عند ذلك يمكن أن يفيق ويتقدّم. أنا أذكر أنّه في مؤتمر مدريد الذي فتح نافذةً على ما يسمى مسألة السلام في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، رفضت إسرائيل أن تفاوض العرب مجتمعين، ورفضت أن تعطي الجامعة العربية حتى دور المراقب، وقبلت بمراقبة الاتحاد المغاربي الذي ولد ميتاً، وكذلك الأمم المتحدة، أما الجامعة العربية المسؤولة عن القضية الفلسطينية، فلم يُقبَل بها.
كن قوياً يحترمك الأقوياء، فالقوي لا يحترم إلا القوي
لذلك أنا قلت إنهم غير مستعدين للاعتراف بأن هناك عالماً عربياً، هم يعتبرون أن هناك مصر وسورية والسعودية، أما العالم العربي فغير موجود، لأنّ العالم العربي المجتمع هو الذي يمثل التحدي بالنسبة إلى إسرائيل. لذلك أقول: كُن قوياً يحترمك الأقوياء، فالقويّ لا يحترم إلا القويّ، والآن لماذا يحاول الاتحاد الروسي أن يناطح أمريكا في جورجيا، ويريد أن يقوّي جيشه؟ لأن أمريكا بدأت تتحدّاه في عقر داره، من خلال الجدار الصاروخي في أوروبا، والانتشار في الدول المجاورة. لقد شعرت روسيا الآن بضرورة تنمية قوّتها كي تستطيع أن توازن موقفها مع الموقف الآخر.
إيران والجزر الإماراتيّة
س: سماحة السيّد، إنّ التقدّم الذي حقّقته إيران يمثّل مفخرةً إسلاميةً، لكن هناك أوضاع قلقه تشوب علاقاتها بجيرانها العرب، كمسألة احتلال جزر الإمارات الثلاث، وقضية البحرين؟
ج: منذ أيام، زارني سفير دولة الإمارات، وكنت أتحدث عن أنّ الشيخ زايد (رحمه الله) كان رجلاً حكيماً، وقد رأى أن الصراع حول الجزر مع إيران غير واقعي، بقطع النظر عن الحق والباطل، فإيران تدّعي أن الجزر لها، والإمارات تدّعي أن الجزر لها، وتركوا الأمر للمفاوضات التي لا تنتهي، لكنّه ركّز على الجانب الاقتصادي بينه وبين الجيران، والآن تعتبر الإمارات من أبرز المواقع الاقتصادية لإيران. هذه المسألة موروثة منذ أيام الشاه، فقد كان العرب في زمن الشاه أصدقاء له، ولم يطالبوه بالجزر، ومن الطبيعي جداً أن نقول إن أي مطلب لهذه الدولة أو تلك المفروض حلّه بالمفاوضات.
إيران تحاول الاقتراب من الدول العربية، وبالذات الخليجية
وفي الواقع نلاحظ أن إيران تحاول الاقتراب من الدول العربية، وبالذات الخليجية، فمثلاً عندما صرّح ناطق نوري في مسألة البحرين، بعثت القيادة الإيرانية رسالةً إلى ملك البحرين، وزار وزير الخارجية الإيرانية، منوشهر متّكي، المنامة. فإيران تحاول أن تنفتح على الخليج، وتعمل على أن تمدّ جسوراً معها، لأنه ليس لإيران أو لأيّ دولة من دول مجلس التعاون أيّ مصلحة في التأزّم، فإيران دولة خليجية أوسع من باقي الدول، إذ لديها ألف كيلومتر شاطئ على الخليج.
الخليج العربي والفارسي
س: من هنا يأتي الإصرار الإيراني على تسمية الخليج العربي بالفارسي؟
ج: التسمية أمر تاريخي، والخليج كان اسمه الخليج الفارسي، كما أن هناك المحيط الهندي، وبحر العرب، وفي أيام المرحوم الإمام الخميني، عندما حصل جدال حول الموضوع، قال: فلتسمّوه "الخليج الإسلامي"، لكن هذا لم يدخل في القاموس السياسي.
وعلى كل حال، فإنّ المهم هو أن تكون العلاقات بين دول مجلس التعاون وإيران قائمة على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة، وألا تتدخّل إيران في شؤون أيّ دولة.
وأمّا ما أثير من أنّ هناك تدخّلاً إيرانياً في شؤون أيّ دولة، وأن هناك غزواً شيعياً للسنة، فهذا مجرّد كلام لا واقعية له، وقد طلبت من صديقنا الشيخ يوسف القرضاوي الّذي احتجّ على هذا الأمر، أن يبرز إحصائيةً تثبت ما تحدّثوا به عن تشيّع في سورية. أنا أذهب أسبوعياً إلى سورية، وعندي حوزة هناك ودروس، وقد أرسلت إلى الشيخ القرضاوي مع الدكتور سليم العوّا، أقول له إنه لا توجد عمليات تشيّع، إنما هناك آلاف الكتب التي تكفِّر الشيعة وتعتبرهم مشركين. نحن نقول إنّنا نعيش في عالم فيه حرية فكر، وقد يختار شخص أن يصبح شيعياً، كما أن هناك البعض من الشيعة في صيدا صاروا سنّةً...
الدولة الفاطمية لا مضمون لها!
س: سماحة السيد، ظهر طرح جديد للعقيد معمّر القذّافي في أفريقيا، حيث قال إن الدولة الفاطمية ستقوم، وإنّ زمن اضطهاد الأشراف قد ولّى؟
ج: أنا أقول إنّ الدولة الفاطمية لا مضمون لها، وهي ليست دولةً شيعيةً، حتى إنّ بعضهم كانوا يشكّكون في انتساب هؤلاء الديني إلى الشيعة، فالشيعة لا يعتبرونها دولةً شيعيةً. نحن نريد دولةً إسلاميةً قرآنيةً لا عصبية فيها لهذا المذهب أو ذاك، ولنلتق على أساس أن نعيش الوحدة الإسلامية التي تنفتح على قضايا الإسلام في العالم، سواء كانت اقتصاديةً أو أمنيةً أو ثقافيةً، حتى يكون المسلمون قوةً في العالم.
الدولة الفاطمية لا مضمون لها وهي ليست دولة شيعية
س: ولكنّ العقيد القذّافي أطلق فكرته هذه في أفريقيا؟
ج: أقول: لو سئل هذا الرجل: ما مضمون الدولة الفاطمية، وما خطوطها العقائدية والشرعية، لما عرف. المهمّ أنّها بلا مضمون، فلماذا نختار بعض الكلمات التي لا تنتمي إلى مبادئنا وأصالتنا الإسلامية؟ فلنقل دولة إسلامية، لا دولة صفوية، ولا دولة فاطمية، ولا أيّ كلمة أخرى، نحن نريد أن نلتزم بدولة إسلامية تحكم على أساس الإسلام، وتتحرّك من أجل تقوية المسلمين في العالم.
ا
لكثير من العلماء تسيّسوا:
س: سماحة السيّد، من خلال علاقاتك الواسعة والاحترام الكبير الذي تحظى به على مستوى العلماء والمسلمين بشكلٍ عام، هل تفكّرون في إقامة مكان مشترك لرجال الدين الشيعة والسنّة لمناقشة الأمور المشتركة فقهياً وعلمياً بعيداً عن أيّ تعصّب؟
ج: أنا دعوت إلى ذلك، ولي علاقات مع سائر الأطراف، وهناك احترام متبادل فيما بيننا، ولكن في لبنان الكثير من العلماء أصبحوا تابعين للزعامات السياسية الطائفية، وبدلاً من أن يوحّدوا البلد والمسلمين، دخلوا في التعقيدات السياسية نفسها التي أثيرت في أوضاع المسلمين في لبنان، وهذا ما شاهدنا بعضاً منه في الأحداث التي حصلت في 7 أيّار(مايو)، حيث حاول البعض أن يصبّ الزيت على النار.
ا
لولايات اللّبنانية غير المتّحدة
س: في آخر خطبةٍ لكم يوم الجمعة الماضية، استبعدتم أن يحصل لبنان على مجلسٍ نيابيّ يمثّل المصلحة الوطنيّة، فعلام بنيتم هذا التصوّر؟
ج: السّبب، أنه عندما تدرس تصريحات المرشّحين للانتخابات وتحليلاتهم وعلاقاتهم، لا تشعر بأنّ هناك شيئاً لبنانياً، بل تشعر بأنّ هناك أشياء طائفية أو شخصانية، ولربّما يصحّ القول إنّ لبنان يمثّل ولايات غير متحدة، لأن كل طائفة تعمل على أساس استقلالها عن بقية الطوائف، فهذه منطقة للموارنة لا دخل للأرثوذكس بها، وهذه منطقة للشيعة لا دخل للسنّة بها، والعكس أيضاً، فهذا زعيم هذه الجهة، وذاك زعيم تلك الجهة. لذلك كنت أقول لهم إني أحمل مصباح "ديوجين" في النهار لأرى لبنانياً، فلا أرى واحداً.
على الشخصيات المتقدمة إلى الترشح أن تعيش مصالح بلدها لا العصبيات الطائفية والحزبية
يقولون إنّ المشكلة سببها القانون الانتخابي. بدايةً كان الانتخاب على أساس المحافظة، ثم بعد ذلك قالوا بقانون 1960، ومع أنّ الكل يقولون إنه قانون غير صحيح، إلا أنهم كلّهم يأخذون به.
لذلك أنا أقول: إذا أرادوا أن يكون هناك مجلس نيابي وطني، فإنه يتعيّن على الشخصيات المتقدّمة إلى الترشّح أن تعيش مصالح بلدها، لا العصبيّات الطائفية والحزبية. وأضرب مثلاً على ذلك: نحن أخذنا الحزبية من الغرب، الآن في بريطانيا نجد أنّ حزب العمّال وحزب المحافظين هما أكبر حزبين، يليهما حزب الأحرار، وعندما تحصل الانتخابات، نجد أنّ النائب في حزب العمال يصوّت للمحافظين، وفي الولايات المتحدة أيضاً هناك ديمقراطيون يصوّتون لاقتراحات جمهورية، لأنهم لا ينطلقون في مسألة الانتخابات من خلال العصبية لهذا الحزب أو ذاك، فالنائب لا يعيش هناك في سجن حزبه كما نعيش نحن في سجن الطائفية أو الشخصانية.
التشيع ليس إلا الإسلام وأما الخلاف بين السنة والشيعة فهو في وجهات النظر
س: كيف يمكننا أن نلتقي على أساس الوحدة الإسلامية؟
ج: في هذا المجال، أذكر لكم ما نقله د.مصطفى السباعي عن السيد محسن الحكيم، عندما جاءه أحد السنّة وهو يريد أن يصبح شيعياً، فقال له: بني، لا فرق بين السنة والشيعة، فالشيعة عندهم وجهات نظر مختلفة، كما أن السنة عندهم وجهات نظر مختلفة، لكن الرجل لم يقتنع، عندها قال له السيد: أتريد أن تصبح شيعياً؟ قال: نعم، قال: اجثُ على ركبتيك، وقل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقالها، وبعد الانتهاء من التشهّد قال له: لقد صرت شيعياً. لأنّ التشيع ليس إلا الإسلام، وأما الخلاف بين السنة والشيعة فهو في وجهات النظر، كما هو الخلاف بين السنة أنفسهم، حيث نجد عندهم فرق الأشاعرة والمعتزلة والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وكذلك الأمر عند الشيعة، فهذا يقلّد المرجع الفلاني، وذاك يقلد المرجع الآخر، هذا عنده وجهات نظر، وذاك عنده وجهات نظر مختلفة.
ولكن نحن نعمل من أجل الوحدة الإسلامية، لأنّنا نرى أنّ الخيار الوحيد الذي يجعل من المسلمين أمّةً بحسب حجمها العددي (مليار ونصف المليار) هو الوحدة الإسلامية، وبدل أن يقرر الآخرون مصيرنا، علينا أن نشارك في تقرير مصير العالم.
بيروت ـ حاوره: يوسف خالد المرزوق وعدنان الراشد وعمر حبنجر
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 02 ربيع الثاني 1430 هـ الموافق: 29/03/2009 م