السيّد فضل الله لوكالة "أسوشيتدبرس":
القضية الفلسطينية أصبحت عبئاً ثقيلاً على مواقع بعض المسؤولين العرب
ولا حرب على إيران
عن خلفيات الاتهامات المصرية المفاجئة ضدّ حزب الله، وحركة الإدارة الأمريكية الجديدة لتحسين صورتها أمام العالم العربي والإسلامي، وآفاق العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية، سألت وكالة "أسوشيتدبرس" سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله.
وهذا نصّ الحوار:
خلفيّة الاتّهامات المصريّة لحزب الله
س: سماحة السيّد، في رأيكم، ما الخلفيّة الكامنة وراء الاتهامات المصرية المفاجئة ضدّ حزب الله؟
ج: عندما ندرس الظروف المحيطة بالواقع العربي، نلاحظ وجود حال من الإرباك في مفاصل السياسة العربية لدى أكثر القيادات المسؤولة في العالم العربي، ولعلّ المشكلة لدى الكثيرين من المسؤولين العرب، هي أن القضية الفلسطينية أصبحت عبئاً ثقيلاً على مواقعهم، ولهذا فإنهم يعملون، سواء في مؤتمرات القمة، أو مؤتمرات وزراء الخارجية، على أن يجدوا منفذاً يستطيعون من خلاله مصادرة هذه القضية، وجعلها مجرّد تفصيل من تفاصيل الواقع العربي الذي تحرّكه الخلفيّات الدولية والإقليمية.
هناك طوق تضربه إسرائيل على أكثر من موقع من مواقع العالم العربي من خلال الطائرات الأمريكية التي زوّدت بها أمريكا إسرائيل
ولذلك، فإنني أتصوّر أن المشكلة بين حزب الله والسلطات المصرية هي مشكلة الواقع الفلسطيني المتمثل بالمجازر والمحارق التي حدثت في غزة، وما زال الشعب هناك يعاني من الحصار الإسرائيلي وما يطلق عليه الحصار المصري، من خلال تعقيدات إغلاق معبر رفح وفتحه. ولهذا فإنّ المقاومة الإسلامية في لبنان رأت في استراتيجيتها أن تطوِّق إسرائيل في المواقع التي تحيط بفلسطين، تماماً كما تطوّق إسرائيل العالم العربي من خلال نشاطها العسكري، سواء في قصفها المتكرر على سوريا بحجّة أن سوريا تملك مفاعل نووياً أو تصنع مفاعل نووياً، أو في قصفها للشاحنات في السودان التي قالت إنّها تحمل أسلحةً للمجاهدين في غزّة، وإذا صحّ الادّعاء أنّ هناك سفينةً إيرانيةً تحمل مثل هذه المساعدات، فإنّ إسرائيل قد قصفت هذه السفينة.
لذلك، فإننا نلاحظ أن المسألة التي أثيرت أخيراً، لم تركّز على الطوق الذي تضربه إسرائيل على أكثر من موقع من مواقع العالم العربي من خلال الطائرات الأمريكية التي زوّدت بها أمريكا إسرائيل، ولكنها ركّزت على حركة المقاومة الإسلامية في مساعدة شعب غزّة ومجاهديها، لأن المقاومة كما صرّح بعض المسؤولين الإسرائيليين، أصبحت مشكلةً لأكثر من دولة عربية كما هي مشكلة لإسرائيل.
رُكّز على حركة المقاومة الإسلامية في مساعدة شعب غزّة ومجاهديها، لأن المقاومة أصبحت مشكلةً لأكثر من دولة عربية كما هي مشكلة لإسرائيل
ولذلك، فإن هذه المسألة المثارة في هذه المرحلة، يُراد من خلالها تشويه صورة المقاومة الإسلامية في لبنان، بالإيحاء بأنّها تعمل من أجل نشر الفوضى الأمنية في مصر، وهذا أمر لم تؤكّده أية معطيات من خلال اعترافات المتّهمين أو تصريحات محاميهم.
الانفتاح الأمريكي على العالم الإسلامي
س: كيف تنظر إلى قرار إدارة الرئيس أوباما بالانفتاح على العالم الإسلامي، وخصوصاً إيران وسوريا؟ وهل تتوقّع نوعاً من تحالف أو تعاون أمريكي ـ إيراني لحلّ بعض المشاكل الإقليمية، كمسألة العراق، والنـزاع العربي الإسرائيلي؟
ج: إنّنا من خلال كل تاريخ السياسة الأمريكية في إداراتها المتعاقبة، كنا نسمع كلاماً جميلاً يحاول أن يثير مشاعر العرب، في عمليةٍ إيحائيةٍ بأن أمريكا صديقة للعرب، حتّى تستغلّهم اقتصادياً وأمنياً وسياسياً. ولذلك فإننا سمعنا من الإدارة الجديدة كلاماً جميلاً، ولكن ما هي الوسائل الواقعية التي يمكن أن تحوّل هذا الكلام إلى واقع؟!
لقد سمعنا كلاماً جميلاً من الرئيس الأمريكي الجديد
ولكن ما هي الوسائل التي تحوّل هذا الكلام إلى واقع؟!
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّني أرى أنّ هناك فرصةً للحوار بين أمريكا والدول الأوروبية مع إيران حول المشروع النووي، الذي تؤكّد إيران أنه مشروع سلمي، وحول بعض القضايا المتّصلة بأمريكا، مثل المسألة الأفغانية والمسألة العراقية، إضافةً إلى العلاقات الإيرانية ـ السورية، والتي ربما تنفتح على علاقات أمريكية ـ أوروبية ـ سورية. وأتصوّر أن صمود إيران وقدرتها على الدخول في مرحلة الصناعة العسكرية والصناعة النووية بالشكل المدني، قد أجبر دول الغرب على أن تتحاور معها من موقع يختلف عن الموقع السابق، لأن بعض التصريحات قد تحدّثت عن أنّ على إيران أن تثبت أنّ مشروعها مشروع سلمي, وأعتقد أن المسؤولين الإيرانيين قد صرّحوا عشرات المرات بأنّهم يريدون أن يثبتوا للغرب وللعالم كلّه، ولا سيّما الدول العربية التي يخوّفها الغرب من المشروع النووي الإيراني، أنّ إيران لا تستهدف صنع القنبلة العسكرية الذرّية، ولكنّها تريد أن تحصل على الخبرة العلمية النووية لتستخدمها في مجال إنتاج الطاقة وما إلى ذلك.
من الممكن إقامة علاقات طبيعية بين الإدارة الأمريكية وإيران
س: في نهاية المطاف، هل تتوقّع حصول تحالف إيراني ـ أمريكي استناداً إلى الحوار أو الانفتاح الأمريكي على إيران؟
ج: إنني أعتقد أن قضية التحالف بين الطرفين أمر مبالغ فيه، لكن من الممكن جداً أن تبدأ المسألة على أساس إقامة علاقات طبيعية بين الطّرفين، أمّا قضية التعاون لحلّ بعض القضايا الموجودة في المنطقة، كقضية العراق وأفغانستان وبعض القضايا الأخرى التي تتّهم إيران بتدخّلها في أوضاعها، فيمكن لأمريكا أن تطلب من إيران في حوارها معها أن تقدِّم إليها المساعدة في حلّ بعض المشكلات الموجودة في هاتين المنطقتين اللّتين صرّح الأمريكيون بعجزهم عن حلّها بالحرب. ولذلك فإنهم يحاولون أن يحلّوها بواسطة السلم، ولعلنا نستوحي ذلك من خلال دعوة إيران إلى المؤتمر الذي عُقد لبحث المسألة الأفغانية، كما كان الحال في المفاوضات التي جرت بين إيران وأمريكا في قضية أمن العراق.
صورة أمريكا في العالم العربي والإسلامي
س: في رأيكم، سماحة السيد، هل إدارة الرئيس أوباما باعتمادها دبلوماسية الحوار وليس الحرب، كما فعل الرئيس بوش، سوف تنجح في تحسين صورة أمريكا السيئة في العالم العربي والإسلامي؟
ج: لقد كانت الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة جورج بوش، تنقل أمريكا من حرب إلى حرب، سواء كانت هذه الحرب عسكريةً أو اقتصاديةً أو سياسيةً، الأمر الذي جعل العالم ينظر إلى أمريكا على أنها دولة الحرب ودولة الاستعمار الّذي ربَّما تفوّق على الاستعمار الأوروبي التاريخي للمنطقة. ولذلك فقد استطاعت تلك الإدارة أن تجعل العالم، بشكل عام، يكره أمريكا، وقد انعكس ذلك على الشعب الأمريكي، وعلى كثير من الشعوب الأوروبية التي خرجت في تظاهرات حاشدة احتجاجاً على السياسة الأمريكية العسكرية، التي أعادت مسألة الاحتلال إلى العالم بعد أن كان قد زال منه، باستثناء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. ولعلّ هذه العقلية الاستعمارية الأمريكية هي التي جعلت أمريكا في إدارتها السابقة تدعم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولذلك فإنّنا نلاحظ أنه عندما تتحدث الإدارة الأمريكية عن فلسطين، فإنهم يتحدّثون عن التفاصيل ولا يتحدثون عن الاحتلال من حيث المبدأ.
الإدارة الأمريكية الجديدة تحاول إزالة الصورة البشعة التي أدّت إلى كراهة العالم لأمريكا
ولهذا، فإنّني أتصوّر أن الإدارة الجديدة تسعى لتزيل هذه الصورة البشعة التي أدّت إلى كراهة العالم لأمريكا، لتستبدلها بصورة الدولة الباحثة عن حل المشاكل الدولية بطريقة الحوار. ولكن هنا نسأل: هل إن الواقع السياسي الأمريكي المتنوّع في مؤسساته، سواء في مؤسسات مجلس النواب أو مجلس الشيوخ أو في منظمة إيباك اليهودية التي تمثل الرقيب على الإدارة الأمريكية في سياساتها تجاه الشرق الأوسط، وفي دعمها لإسرائيل؛ هل يستطيع هذا الواقع السياسي أن يحقّق ذلك، ولا سيّما أن أمريكا في كل إداراتها تخطط من أجل أن تبقى الدولة القائدة للعالم، والإمبراطورية الكونية التي تسيطر على كل المواقع السياسية والاقتصادية فيه، حتى الاتحاد الأوروبي الذي حاول أن يتحرر بفعل الأزمة المالية الأخيرة من السيطرة الأمريكية، لم ينجح حتى الآن، لأنه بحاجة إلى ترميم اقتصاده بالتعاون مع الاقتصاد الأمريكي.
س: هل ترون أن إدارة الرئيس أوباما استطاعت حتى الآن أن تحرز أيّ تقدم في محاولاتها لتحسين صورتها أمام العالم؟
ج: إنه يحاول أن يحسّن الصورة، ولكن المسألة أن أمريكا ليست دولة الشخص، كما هو الحال في بلاد العالم الثالث، ولكنها دولة المؤسسات، ونحن نعرف أن المؤسسات الأمريكية لا تمثل رأياً واحداً، سواء من خلال اختلاف الخطوط السياسية بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، أو من خلال مسألة الالتزام الأمريكي المطلق بالأمن الإسرائيلي على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي.
لهذا، فإنّنا نحاول أن نراقب حركة هذه الإدارة من خلال رئيسها الذي قد لا يعوزه الصدق فيما تحدّث به، ولكن هل يملك القدرة على تنفيذ كل ما صرّح به وخطّط له؟ ولعلّ أول امتحان لهذا الرئيس هو في إدارته مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والضّغط على إسرائيل فيما يتعلّق باحتلالها الضفّة الغربية والقدس، أو ما يتعلّق بالمستوطنات والجدار الفاصل ومحاصرة غزّة وما إلى ذلك؛ فهل يملك أمام هذه الحكومة اليمينية المتطرّفة التي صرّح رئيسها بأن أمريكا سوف لن تضغط على إسرائيل، لأنها تنظر إليها كصديق وحليف، أن يغيّر الصورة، أم أن الصورة ستبقى على حالها مع بعض عمليات التجميل التي يمكن أن تعطي صورةً مختلفةً بعض الشيء عن سابقتها؟!
رسالة إلى أوباما
س: بشكل مختصر، سماحة السيّد، ما الرسالة التي توجّهها إلى الرئيس أوباما؟
ج: لقد وجّهت إليه رسالةً ذكرت فيها أنه عاش مع الفقراء وكان فقيراً، ولذا فإنّ عليه أن لا يضطهد الفقراء كما اضطهدتهم دولته في الإدارات السابقة، وخصوصاً في نطاق حركة العولمة التي تزيد الفقراء فقراً والأغنياء غنًى، وأن يرجع بأمريكا إلى زمن الثلاثينات والأربعينات، ليتبنّى مبادىء ويلسون الذي كان يتحدث عن حرية الشعوب، حتى إنّ منطقة الشرق الأوسط أو المنطقة الإسلامية كانت تتمنّى أن تأتي أمريكا إلى المنطقة لتطرد الاستعمار الأوروبي الذي ضاقت به ذرعاً، ولكنّنا نلاحظ أن أمريكا في إداراتها المتعاقبة الاستكبارية، أصبحت أكثر سوءاً من الاستعمار البريطاني والفرنسي الذي سيطر على المنطقة.
إسرائيل تنتظر الظروف لشنّ حربٍ جديدة
س: سماحة السيد، مع تشكيل حكومة يمينية متطرّفة في إسرائيل التي ترفض علناً مبادرة السلام العربية، هل تتوقع حرباً إسرائيليةً على سوريا ولبنان والفلسطينيين في محاولة لفرض أمر واقع جديد؟
ج: لقد قلنا منذ زمن إنّ المبادرة العربية ماتت عندما رفضتها إسرائيل وقال رئيسها إنها لا تساوي ثمن الورق الذي كتبت عليه.
المبادرة العربية ماتت عندما رفضتها إسرائيل
س: رئيسها شارون؟
ج: نعم شارون، وأمريكا أيضاً اعتبرتها مجرد مشروع للتفاوض وليست مشروعاً للتنفيذ. ولهذا فإن إصرار العرب على إطلاق هذه المبادرة مع الرفض الإسرائيلي لها، والتحفظ الأمريكي الأوروبي عن خطوطها التفصيلية، يجعل العرب يلهثون وراء إسرائيل من دون أن يكون لهم مشروع للسلام تقبله إسرائيل، هذا إلى جانب أن الإسرائيليين ينكرون ما قرره مؤتمر أنابوليس عن الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية. ولذلك فإننا، من خلال متابعتنا لهذه الحكومة الجديدة، قرأنا تصريحات بعض أعضائها بأنّ السلام ربما يأتي من خلال الحرب، وأن علينا أن نثبت للعرب بأننا الأقوى، وبأننا نملك القدرة على إسقاط أي قوة عربية، ولا سيّما الفلسطينية. وهو ما تعوّدنا على سماعه من كل رئيس جديد يأتي إلى الحكم في إسرائيل، إضافةً إلى أن كلّ رئيس يأتي، يخطّط لتكون له حربه، لأنّ الحرب هي التي تجعل منه ملكاً من ملوك إسرائيل.
ولذلك، فإننا ننتظر، إذا سمحت التطوّرات الدولية، أن تخلق إسرائيل بعض الظروف من أجل إيجاد حرب جديدة، حتى لو لم تكن هناك أية واقعية لهذه الأسباب. ولعلّ هذه الحرب الإعلامية والسياسية ضدّ حماس وفصائل المقاومة في فلسطين وضد المقاومة الإسلامية في لبنان، والتي يشارك فيها أكثر العالم العربي وإسرائيل، لعلّها قد تكون الفرصة لتطوير الأمور في اتجاه إيجاد ظروف لحرب إسرائيلية عربية، سواء كانت فلسطينيةً أو لبنانيةً أو سوريةً، لأن العرب الآخرين عملوا على أن يتحرروا من فلسطين، لا أن يحرّروها، لأن القضية الفلسطينية أصبحت عبئاً ثقيلاً عليهم، وهكذا أصبحت المقاومة جريمةً يحاسَب عليها كل من يشارك فيها.
لا أعتقد أن في الأجندة الأمريكية أيّ مشروع حرب ضد إيران
لا حرب على إيران
س: سماحة السيد، هل ترى مؤشّرات لحرب إسرائيلية، ربما مدعومة من أمريكا على إيران بسبب برنامجها النووي، لأنّنا نسمع تصريحات مخيفة من نتنياهو، وهي أن إيران تمثل خطراً كبيراً على إسرائيل؟
ج: نحن نعتقد أنّ إسرائيل لا تستطيع، ولا تملك أن تنطلق في أيّ حرب إلا بضوء أخضر أمريكي، ولذلك فنحن نعتبر أن أمريكا تشارك إسرائيل في كلّ حروبها، سواء في لبنان أو في فلسطين وحتى في ما تقوم به إسرائيل من العدوان على سوريا وعلى السودان وما إلى ذلك، ولا أعتقد أن هناك في أجندة أمريكا أيّ مشروع حرب ضدّ إيران، ولهذا فإن هذه المسألة أصبحت من المسائل غير الواردة في الحسابات السياسية والعسكرية، وخصوصاً أن إيران أصبحت دولةً عظمى على مستوى المنطقة المحيطة بها، ما يجعل من الحرب ضدّها مسألةً تربك كل المنطقة، وقد تؤثّر على مصادر الثروة البترولية.
س: هل صحيح أنه تمّت مصالحة بينكم وبين إيران؟
ج: ليست هناك عداوة حتى تكون هناك مصالحة، ولكن قد يكون هناك بعض اختلاف في وجهات النظر، واختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية.
أجرى الحوار: حسين دكروب
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 18 ربيع الثاني 1430 هـ الموافق: 14/04/2009 م