فضل الله: الحلف الأطلسي يعمل كهراوة بحرية وجوية لحساب الأمن الإسرائيلي |
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه الاستباحة الأمنية والجوية والبحرية الأميركية والإسرائيلية للمنطقة العربية والإسلامية، وقد جاء فيه:
تدخل المنطقة العربية والإسلامية في مرحلة جديدة لا تقل فيها الخطورة على أمنها وسلامتها واقتصادها، من تلك التي عاشتها في السنوات السابقة، حيث لا تزال المنطقة الأكثر استهدافاً من محاور الاستكبار العالمي، بالنظر إلى تراكم الثروات فيها، وإلى سهولة اختراقها سياسياً وأمنياً وما إلى ذلك، إضافة إلى كونها المنطقة التي لا تتمتع بحصانة كافية على مختلف المستويات، ولا يبذل القائمون عليها جهوداً بارزةً من شأنها أن تحميها من العدوان الخارجي الذي تعددت أساليبه وتنوعت طرقه في الآونة الأخيرة.
إن الأمن العربي هو الأكثر استباحةً من الطامعين الدوليين ومن كيان العدو، حيث لا توجد منطقة في العالم تُستباح بين الوقت والآخر كالمنطقة العربية، وتتعرض لشتى أنواع الاعتداءات، من دون أن تبرز مواقف محلية أو على مستوى اللقاءات والقمم العربية تسعى لمنع هذه الاعتداءات وإيقافها، أو اتخاذ إجراءات عادية من شأنها أن تدفع الآخرين إلى التفكير مليّاً قبيل الإقدام على استباحة الأمن العربي، ولذلك فإن مطامع الآخرين تستمر، والاستهانة العربية تتواصل.
لقد مثّل العدوان الإسرائيلي على منطقة دير الزور السورية واحداً من سلسلة الاعتداءات الخطيرة، التي لم تحرك ساكناً في الأمم المتحدة، لا بل كان هذا العدوان مناسبةً لهجوم دولي موازٍ على سوريا تمثّل في حركة وكالة الطاقة الدولية، وفي المواقف السياسية الغربية التي حاولت استغلال الحدث للعبث بالوضع السوري الداخلي، وصولاً إلى العدوان الأميركي على منطقة "البوكمال" السورية، إضافةً إلى العمليات الأخرى التي استهدفت قادةً ومقاومين، ومثّلت استباحةً أمنيةً جديدةً حملت عنواناً أميركياً وإسرائيلياً تقليدياً تحت مسمى الحرب على الإرهاب...
إن المنطقة العربية والإسلامية تكاد تكون بمجملها مستباحةً لحساب الأمن الإسرائيلي والأميركي، تارةً تحت عنوان التخلّص من أسلحة الدمار الشامل كما جرى في العراق، وطوراً تحت عنوان مكافحة الإرهاب وملاحقته، كما حصل ويحصل في باكستان وأفغانستان والصومال، وحتى في السودان، وتارةً أخرى تحت عنوان المصالح الأمنية القومية الأميركية، كما كان يتحدث الرئيس الأميركي جورج بوش عن لبنان...
ولذلك، فنحن نعتقد أنّ الاستباحة السياسية لم تكن كافية للأميركيين والإسرائيليين الذين ينظرون إلى المنطقة كلها كمجال جوي وبحري ومائي يدخل في حساباتهم الاستراتيجية، ويستوجب الاستعانة بحلف الأطلسي لتثبيت هذه المعادلة. ومن هنا، فنحن نشعر بكثير من الارتياب حيال هذا التطويق للمنطقة من أساطيل الأطلسي المنتشرة في البحر الأبيض المتوسّط، وصولاً إلى البحر الأحمر ومداخل الخليج ومضيق هرمز... والتي تحاول أن تستكمل الاحتلال الميداني للأرض العربية والإسلامية، أو أن تكون بديلاً منه، لتوحي بأن المنطقة كلها هي في القبضة الأطلسية بمائها وسمائها وثرواتها، بما في ذلك الخيرات التي تختزنها أرضها. ومع ذلك، فإنّ العرب في معظم نماذجهم الرسمية، وفي كثير من وسائلهم الإعلامية الموجهة، لا يتحدثون إلا عن النفوذ الإيراني في سياق توجيه مدروس لإقناع شعوبهم بأن الخطر قادمٌ إليهم من الشرق، وأن إسرائيل "نتنياهو" يمكن التفاهم معها في نهاية المطاف.
إننا ننظر بكثير من الخطورة إلى الاستباحة الإسرائيلية الأخيرة للسودان، والإغارة على قوافل ومواقع في القلب السوداني، فيما تحدث به الإعلام الغربي عن هجمات لطيران العدو على قوافل في بورسودان، الأمر الذي يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول المسافات التي قطعتها طائرات العدو داخل الأراضي وفوق المياه العربية، مما لا تثيره القمم العربية، ولا يتحدث به كل أولئك الذين يشيرون إلى التدخل الخارجي في الشؤون العربية الداخلية، من دون أن يثيروا السؤال عما إذا كانت هذه الاستباحة الإسرائيلية الجديدة للأمن القومي العربي قد تمّت من خلال التنسيق مع "الشرعية العربية" أو من دونها؟!
إننا نعتقد أن ما يجري يمثل تطبيقاً عملياً للاتفاقية الأمنية التي وقّعها كيان العدو مع الولايات المتحدة الأميركية في أثناء العدوان على غزّة، والتي يمثل فيها حلف الأطلسي الهراوة البحرية والجويّة التي تستخدم لحساب الأمن الإسرائيلي، وحيث يراد للمنطقة الممتدة من جبل طارق إلى باب المندب وحتى مضيق هرمز، أن تخضع للمراقبة والمطاردة والملاحقة البحرية والجوية طبقاً لما تقتضيه المصلحة الأمنية الإسرائيلية العليا، حيث يراد للأمن العربي والإسلامي أن يكون ملحقاً بالأمن الإسرائيلي الذي يُمثل أولويةً غربيةً لا تقبل الجدل بأية صورة من الصور.
ونحن نعتقد أن مسألة القرصنة في محيط الصومال لم تنطلق من فراغ، بل أريد لها أن تمهّد السبيل لكل هذه الأساطيل لكي تطوّق المنطقة وتجعلها بقعةً لعملياتها البحرية بالتنسيق مع إسرائيل، وبما يجعل العرب من جهة، وإيران من جهة ثانية، في موقع الاستهداف المباشر أو غير المباشر، بحيث يخضع أمنهم وحركتهم لمتطلبات الأمن الإسرائيلي، ولتتناغم ـ بعد ذلك ـ الحركة الإسرائيلية العدوانية في الأجواء اللبنانية أو السورية أو المصرية أو السودانية مع الحركة الأميركية العدوانية في الأجواء الباكستانية والأفغانية والصومالية وغيرها...
إننا أمام هذا الواقع الصعب والمعقد، والذي يسقط فيه الأمن الاستراتيجي العربي والإسلامي تحت قبضة الأعداء، ندعو القادة العرب والمسلمين إلى الخروج من الدائرة الضيقة التي لا يجدون فيها أمنهم مهدداً إلا من شعوبهم، وندعو وزراء الداخلية العرب إلى البحث عن السبل التي تحمي أمنهم المستباح من العدو الإسرائيلي، بدلاً من اقتصار أبحاثهم ولقاءاتهم على الجداول التي تتحدث عن الإرهاب في الداخل، لأننا نعتقد أن الإرهاب في الداخل ـ إن وجد ـ فإنما هو صدى لإرهاب الخارج الذي استباح كل شيء في بلادنا، ودخل إلى الصالونات السياسية، واقتحم الغرف المغلقة في البلاطات والمواقع الرسمية وغير الرسمية...
إننا ندعو إلى لقاء قمة يبحث في استراتيجيةٍ عمليةٍ لحماية الأمن العربي الذي يتعرض لما يشبه عملية غزوٍ جماعية، ولأن نجاح العدو في هذا المخطط سيقوده إلى الإجهاز على الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأمة لا تزال تبحث عن خيراتها المستباحة على أرضها، وملياراتها المستباحة في ألعاب الآخرين المالية والاقتصادية، وأقطارها الرازحة تحت الاحتلال والهيمنة والاستغلال.
|