القدس أم القضايا
لأن القدس يجب أن تبقى في بُعدها الديني والسياسي والأمني حية في حركة الواقع الإسلامي حتى يأذن الله بإنقاذها مسجداً ومدينةً من مخالب الصهيونية والاستكبار العالمي، وكالة "مهر الإيرانية" سألت العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله عن طرق وآفاق إحياء يوم القدس.
نص الأسئلة:
س1: كيف يمكن أن نتعاطى مع يوم القدس العالمي، بحيث نجعل منه مناسبة لإطلاق طاقات الشعوب العربية والإسلامية من أجل تحرير فلسطين وإنقاذ شعبها من جرائم الصهيونية؟
ج1: لعل المشكلة هي في الإعلام العربي والإسلامي والدولي الذي اعتبر أن يوم القدس العالمي في شكل عام حالةً إيرانية خاصة، تماماً كما هي المناسبات المحلية في إيران، ولقد نتج هذا الشعور من عدّة عوامل منها: التعقيدات السياسية التي أحاطت بالقضية الفلسطينية واعتراف بعض الدول العربية والإسلامية رسمياً بإسرائيل، إضافة إلى الاعتراف الواقعي في البُعد الاقتصادي بالدولة اليهودية من قبل دول عربية أخرى، والتحركات الأمريكية في إيجاد محور سياسي عربي صديق لإسرائيل مـما يسمى بمحور الاعتدال العربي والذي دفعت به الولايات المتحدة إلى إطلاق المواقف المعادية ضد إيران، باعتبارها الخطر المستقبلي على العالم العربي. وهكذا قامت بعض الأنظمة العربية والإسلامية بمنع شعوبها من الاحتفال بهذا اليوم وإهماله لإبعاده عن الذاكرة الإسلامية، ما أدى إلى جعل مسألة القدس مسألةً تفصيلية في القضية الفلسطينية بعيدةً من جانب القداسة في مضمونها الديني المرتبط بالالتزام الإسلامي. ولذلك، فإنّ استعادة هذا اليوم ترتبط بإحياء القضية الفلسطينية في الذهنية الإسلامية وفي حركة الانتفاضة وفاعلية المقاومة، كما ترتبط بالتركيز الإعلامي على إحياء هذا اليوم في لبنان وفي فلسطين من أجل إبقاء القدس في بُعدها الديني والسياسي والأمني حيّة في حركة الواقع، حتى يأذن الله بإنقاذها مسجداً ومدينةً وقضيةً من مخالب الصهيونية والاستكبار العالمي، وهذا ما ينبغي لنا أن نعمل له.
ليست المنظمات الدولية وحدها هي التي لا تحرك ساكناً إزاء جرائم إسرائيل الوحشية، بل ثمة صمت في منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية.
س2: كيف يمكن لنا أن نواجه التحديات الكبرى في ظلّ هذا الصمت؟
ج2: إن أغلب المنظمات الدولية، بما فيها منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية "وعدم الانحياز"، قد تحوّلت إلى محاور سياسية خاضعة للإدارة الأمريكية ومنفتحة على الدولة اليهودية على أكثر من صعيد اقتصادي وسياسي، مع إبقاء المسألة الفلسطينية وخصوصاً قضية القدس في نطاق المشاعر السطحية التي لا تمثِّل أية فاعلية، حتى على مستوى مجابهة الخطر الذي يتعرض له المسجد الأقصى في عمليات الحفر الإسرائيلية، بل إنّهم أنكروا على المجاهدين المقدسيين عملياتهم الاستشهادية النوعية ضد العدو، باعتبارها عمليات عبثية. ولذلك فإنّ الاعتماد على هذه المنظمات لا يحقق للقضية شيئاً، ولا يدعم هذا اليوم القدسيّ الذي يعيد الذكرى إلى الواجهة التحريرية الجهادية في المسؤولية الإسلامية للعالم، وتحرير الشعوب.
س3: المسلمون يعملون لتحرير فلسطين، فهل ثمة مؤشرات وعلامات توحي بإمكان القضاء على الكيان الصهيوني وبناء كيان فلسطيني مقابل هذا الكيان؟
ج3: إنّ مواجهة التحديات تنطلق من الإصرار على دعم القضية الفلسطينية وإبقائها حية في حركة الواقع في العالم الإسلامي، والوقوف مع المجاهدين في المقاومة وإعادة الانتفاضة في مواقف الشعب الفلسطيني، والعمل على وحدته في سبيل حماية القضية، وإطلاق الضغط الشعبي عبر وسائل الإعلام ومختلف الأساليب الأخرى، ضد الأنظمة المتخاذلة المهزومة وضد السياسة الأمريكية وحلفائها من الأوروبيين، وتقديم اليهود للعالم بالطريقة التي تحدث بها عنهم القرآن الكريم، بأنّهم أعداء الذين آمنوا والإنسانية كلّها في ذهنيتهم العنصرية.
4
- هل أصبحت قضية القدس مناسبة لا يتذكرها المسلمون إلا في يوم واحد من السنة؟
ج4: لقد أصبحت إسرائيل في العالم كلّه حقيقةً سياسية واقعة تدعمها أكثر الدول الغربية وغيرها من خلال الهيمنة الأمريكية على العالم، وهذا ما لاحظناه في المؤتمر الذي انعقد في إيطاليا بعد عدوان تموز الإسرائيلي على لبنان، إضافة إلى الترسانة النووية والصاروخية والطائرات المتطورة والقنابل الذكية التي تملكها إسرائيل، ما يجعل عملية القضاء على هذه الدولة الغاصبة الظالمة مسألةً لا تخلو من الصعوبة الكبرى لارتباطها بالواقع الدولي كلّه، وخصوصاً أن معظم العالم العربي والإسلامي قد أقام سلاماً فعلياً أو واقعياً معها رغم سيطرتها على فلسطين كلّها. ولذلك لا بد من إبقاء مسألة القدس كهدف مستقبلي يتحرك في عملية صناعة القوة من جهة، وفي انتظار الظروف الملائمة من جهة أخرى.
من المؤسف أن يوم القدس تحول إلى مناسبة احتفالية استعراضية في بعض البلدان الإسلامية في ما يدخل في ضباب إعلامي في مدى السنة، وفي حال نسيان الأخطار المحيطة بهذه القضية المقدسة في مضمونها الروحي والسياسي والأمني، الأمر الذي يحمّل كل المسؤولين المسلمين مسؤولية الاستمرار في تحويل يوم القدس إلى حركة مقاومة فاعلة على مستوى العالم كلّه.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 26 رمضان 1429 هـ الموافق: 26/09/2008 م
القدس أم القضايا
لأن القدس يجب أن تبقى في بُعدها الديني والسياسي والأمني حية في حركة الواقع الإسلامي حتى يأذن الله بإنقاذها مسجداً ومدينةً من مخالب الصهيونية والاستكبار العالمي، وكالة "مهر الإيرانية" سألت العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله عن طرق وآفاق إحياء يوم القدس.
نص الأسئلة:
س1: كيف يمكن أن نتعاطى مع يوم القدس العالمي، بحيث نجعل منه مناسبة لإطلاق طاقات الشعوب العربية والإسلامية من أجل تحرير فلسطين وإنقاذ شعبها من جرائم الصهيونية؟
ج1: لعل المشكلة هي في الإعلام العربي والإسلامي والدولي الذي اعتبر أن يوم القدس العالمي في شكل عام حالةً إيرانية خاصة، تماماً كما هي المناسبات المحلية في إيران، ولقد نتج هذا الشعور من عدّة عوامل منها: التعقيدات السياسية التي أحاطت بالقضية الفلسطينية واعتراف بعض الدول العربية والإسلامية رسمياً بإسرائيل، إضافة إلى الاعتراف الواقعي في البُعد الاقتصادي بالدولة اليهودية من قبل دول عربية أخرى، والتحركات الأمريكية في إيجاد محور سياسي عربي صديق لإسرائيل مـما يسمى بمحور الاعتدال العربي والذي دفعت به الولايات المتحدة إلى إطلاق المواقف المعادية ضد إيران، باعتبارها الخطر المستقبلي على العالم العربي. وهكذا قامت بعض الأنظمة العربية والإسلامية بمنع شعوبها من الاحتفال بهذا اليوم وإهماله لإبعاده عن الذاكرة الإسلامية، ما أدى إلى جعل مسألة القدس مسألةً تفصيلية في القضية الفلسطينية بعيدةً من جانب القداسة في مضمونها الديني المرتبط بالالتزام الإسلامي. ولذلك، فإنّ استعادة هذا اليوم ترتبط بإحياء القضية الفلسطينية في الذهنية الإسلامية وفي حركة الانتفاضة وفاعلية المقاومة، كما ترتبط بالتركيز الإعلامي على إحياء هذا اليوم في لبنان وفي فلسطين من أجل إبقاء القدس في بُعدها الديني والسياسي والأمني حيّة في حركة الواقع، حتى يأذن الله بإنقاذها مسجداً ومدينةً وقضيةً من مخالب الصهيونية والاستكبار العالمي، وهذا ما ينبغي لنا أن نعمل له.
ليست المنظمات الدولية وحدها هي التي لا تحرك ساكناً إزاء جرائم إسرائيل الوحشية، بل ثمة صمت في منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية.
س2: كيف يمكن لنا أن نواجه التحديات الكبرى في ظلّ هذا الصمت؟
ج2: إن أغلب المنظمات الدولية، بما فيها منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية "وعدم الانحياز"، قد تحوّلت إلى محاور سياسية خاضعة للإدارة الأمريكية ومنفتحة على الدولة اليهودية على أكثر من صعيد اقتصادي وسياسي، مع إبقاء المسألة الفلسطينية وخصوصاً قضية القدس في نطاق المشاعر السطحية التي لا تمثِّل أية فاعلية، حتى على مستوى مجابهة الخطر الذي يتعرض له المسجد الأقصى في عمليات الحفر الإسرائيلية، بل إنّهم أنكروا على المجاهدين المقدسيين عملياتهم الاستشهادية النوعية ضد العدو، باعتبارها عمليات عبثية. ولذلك فإنّ الاعتماد على هذه المنظمات لا يحقق للقضية شيئاً، ولا يدعم هذا اليوم القدسيّ الذي يعيد الذكرى إلى الواجهة التحريرية الجهادية في المسؤولية الإسلامية للعالم، وتحرير الشعوب.
س3: المسلمون يعملون لتحرير فلسطين، فهل ثمة مؤشرات وعلامات توحي بإمكان القضاء على الكيان الصهيوني وبناء كيان فلسطيني مقابل هذا الكيان؟
ج3: إنّ مواجهة التحديات تنطلق من الإصرار على دعم القضية الفلسطينية وإبقائها حية في حركة الواقع في العالم الإسلامي، والوقوف مع المجاهدين في المقاومة وإعادة الانتفاضة في مواقف الشعب الفلسطيني، والعمل على وحدته في سبيل حماية القضية، وإطلاق الضغط الشعبي عبر وسائل الإعلام ومختلف الأساليب الأخرى، ضد الأنظمة المتخاذلة المهزومة وضد السياسة الأمريكية وحلفائها من الأوروبيين، وتقديم اليهود للعالم بالطريقة التي تحدث بها عنهم القرآن الكريم، بأنّهم أعداء الذين آمنوا والإنسانية كلّها في ذهنيتهم العنصرية.
4
- هل أصبحت قضية القدس مناسبة لا يتذكرها المسلمون إلا في يوم واحد من السنة؟
ج4: لقد أصبحت إسرائيل في العالم كلّه حقيقةً سياسية واقعة تدعمها أكثر الدول الغربية وغيرها من خلال الهيمنة الأمريكية على العالم، وهذا ما لاحظناه في المؤتمر الذي انعقد في إيطاليا بعد عدوان تموز الإسرائيلي على لبنان، إضافة إلى الترسانة النووية والصاروخية والطائرات المتطورة والقنابل الذكية التي تملكها إسرائيل، ما يجعل عملية القضاء على هذه الدولة الغاصبة الظالمة مسألةً لا تخلو من الصعوبة الكبرى لارتباطها بالواقع الدولي كلّه، وخصوصاً أن معظم العالم العربي والإسلامي قد أقام سلاماً فعلياً أو واقعياً معها رغم سيطرتها على فلسطين كلّها. ولذلك لا بد من إبقاء مسألة القدس كهدف مستقبلي يتحرك في عملية صناعة القوة من جهة، وفي انتظار الظروف الملائمة من جهة أخرى.
من المؤسف أن يوم القدس تحول إلى مناسبة احتفالية استعراضية في بعض البلدان الإسلامية في ما يدخل في ضباب إعلامي في مدى السنة، وفي حال نسيان الأخطار المحيطة بهذه القضية المقدسة في مضمونها الروحي والسياسي والأمني، الأمر الذي يحمّل كل المسؤولين المسلمين مسؤولية الاستمرار في تحويل يوم القدس إلى حركة مقاومة فاعلة على مستوى العالم كلّه.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 26 رمضان 1429 هـ الموافق: 26/09/2008 م