الطائف لم يكن حلاً وأدعو إلى انتخاب الرئيس من قبل الشعب

الطائف لم يكن حلاً وأدعو إلى انتخاب الرئيس من قبل الشعب


الطائف لم يكن حلاً

وأدعو إلى انتخاب الرئيس من قبل الشعب


لا تسوية محلية واللبنانيون حطب لإشعال النار هنا وهناك.

منذ خمسين عاماً، يحمل المرجع الإسلامي، السيد محمد حسين فضل الله هموم الأمة... يخاطب المسؤولين، والأبناء، والمهتمين، والكبار والصغار، وهو اليوم على عتبة السبعين، وما زال يرفع الصوت عالياً: وحدة الأمة السبيل الوحيد للبقاء والاستمرار.

«الشراع»، التقت السيد فضل الله، وأجرت معه الحوار الآتي حول واقع المنطقة العربية والإسلامية، وآخر التطورات على الساحة اللبنانية.

وهذا نص الحوار:


الإحساس الضائع بالهوية:

* منذ عقود وأنتم تحملون همَّ الأمة، والأمة اليوم في أسوأ حال، إلى درجة أنها تكاد تفقد هويتها. ماذا تقولون في ذلك؟

- في الواقع، إنّ هذه الأمة بدأت من الناحية السياسية العملية تفقد الإحساس بهويتها العربية، وهي تُقاد إلى ذلك منذ مؤتمر مدريد الذي اعتبر مؤتمر السلام، حيث إنّنا لاحظنا أنَّ إسرائيل رفضت أيَّ تفاوض للعرب مجتمعين، حتى إنها لم توافق على إعطاء الجامعة العربية، التي تمثّل المؤسسة الجامعة للعرب رسمياً، دور المراقب، بل أعطت هذا الدّور للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد المغاربي والاتحاد الخليجي، من دون أن يكون لكل هؤلاء دور مباشر في القضية الفلسطينية.

ومنذ ذلك الوقت، تغلَّبت الصفة القُطْرية على العالم العربي، بحيث أصبحت كلُّ دولة تعيش الاهتمامات القُطْرية المحدودة على حساب الصفة العربية الجامعة، حتى إننا رأينا أنَّ تعقيدات الإعلام السياسي في داخل كلّ دولة من هذه دولة، تتحرك لمصادرة التزام هذا الشعب أو ذاك بالعروبة كعنوان كبير يجمع العرب حول قضاياهم المصيرية. ولاحظنا أن بعض الدول العربية، من خلال بعض الاتجاهات السياسية والمواقع، أصبحت تتحدّث وتقول: «ما لنا ولفلسطين»، أو «ما لنا وللعراق»، أو «أو ما لنا وللبنان»، وسمعنا، حتى في لبنان، كثيراً من السياسيين يطالبون بتحييد لبنان عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهذا كلّه في مقابل وجود خطة أميركية ـ إسرائيلية قد لا تبتعد حتى عن الاتحاد الأوروبي، خطة لمصادرة الهوية العربية، ليعيش كلُّ بلد عربي خصوصياته، لا سيما عندما تُفرض عليه الكثير من المشاكل الاقتصادية والأمنية التي تشغل الشعب عن القضايا القومية الكبرى. ولعلَّنا في التطورات السياسية الأخيرة، نلاحظ هذا النوع من تحريك الفتنة السنية ـ الشيعية في العالم العربي، لتمتدَّ إلى العالم الإسلامي، وليعيش العرب هذا الانقسام بين العرب السنة والعرب الشيعة، وليتسنّى للخطة تلك تقسيم الواقع العربي إلى دول متطرفة ودول معتدلة، وليتمّ تفريغ الجامعة العربية من هويتها ودورها في جمع العرب وتوحيدهم في مواجهة القضايا المصيرية، وفي مقدّمها القضية الفلسطينية والقضايا الحيوية الأخرى. وقد استطاعت أميركا بذلك الدخول إلى العالم العربي وتمزيقه سياسياً...

ولعلّنا نلاحظ اليوم هذا الجدل الذي يدور في الساحة السياسية الدولية والإقليمية في مسألة المبادرة العربية، التي هي مبادرة سعودية في الأصل، وتبنَّاها مؤتمر القمة العربية في بيروت، إذ نجد أنَّ هناك حديثاً على مستوى ما بعد القمة لجهة تعديل هذه المبادرة، سواء من ناحية تقدُّم عملية التطبيع على السلام، أو من خلال حذف بند عودة اللاجئين أو غير ذلك، مثل رفض الانسحاب إلى حدود العام 1967. وربما سمعنا الكثير من المواقف العربية، بأنّ القمة هذه لن توافق على إدخال أيّ تعديل، لكنّنا نعرف أن التعقيدات السياسية سوف تتحرك بعد القمة لتدفع بالمبادرة إلى مجلس الأمن ليتولى هو عملية إدارة المفاوضات، وإدارة التنازلات، لأنّنا نلاحظ أنه لا يمكن أن يكون هناك أيّ صلح عربي ـ إسرائيلي أو أيّ نوع من أنواع حلّ المشكلة الفلسطينية، إلاّ إذا قدَّم العرب التنازلات التي تعطي إسرائيل مطالبها الاستراتيجية، كإبقاء المستوطنات الكبرى والقدس عاصمة إسرائيل الأبدية والجدار الفاصل وعدم عودة اللاجئين. ولذلك فالمطلوب فيما بعد القمة، هو كيف يقدم العرب التنازلات المصيرية الحيوية!

فشل وفوضى:

* لماذا في رأيك، هذا «الفشل الجماعي» العربي الإسلامي؛ فبعد سقوط الأنظمة وعجزها، جاء سقوط القوى والأحزاب القومية والشيوعية والعلمانية... إلخ، والآن القوى والحركات الإسلامية تسير في الوجهة نفسها؟

- العالم العربي والإسلامي غرق في بحار الفوضى السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية، هذه الفوضى التي فرضت عليه من خلال تاريخ التخلّف الذي يعيشه العرب في المسألة السياسية، والذي يعاني منه العالم الإسلامي الذي ما يزال يعيش في الماضي، ولا ينفتح على خطورة الحال الحاضرة ولا على تطلعات المستقبل. ولذلك، فإنّ هذه الفوضى السياسية والثقافية، استطاعت أن تأكل الكثير من حيوية كلّ الدوائر السياسية، سواء كانت قومية أو إسلامية أو غير ذلك. لذا نحن نعتقد أنَّ الاتجاهات الإسلامية لم تستطع أن تحقِّق أهدافها الكبرى عندما انطلقت، ولا سيّما في مسألة الوحدة الإسلامية التي توحِّد المسلمين على أساس الإسلام، وتدعوهم إلى أن يتحاوروا فيما يختلفون فيه. وبذلك استطاعت المسألة المذهبية بين السنة والشيعة، أن تأكل كل حيوية العالم العربي، بحيث أغرقته في جدال عقيم لا يحقّق أيّ نتيجة كبرى على مستوى الوحدة أو التحرك في اتجاه القضايا الكبرى. ونحن نتصوَّر أن الخطة الأميركية التي استطاعت أن تحتوي كل العالم العربي، وتتحدى كل العالم الإسلامي، أوجدت حالةً من الفوضى التي سماها الرئيس بوش الفوضى الخلاقة أو البنّاءة، لأنّها تهيئ المناخ المناسب لتمرير المشاريع الأميركية التي يراد تنفيذها. ونحن نلاحظ أنَّ الإسلاميين يعيشون مشاكل كثيرة، سواء في لبنان أو في مصر أو في العراق، أو في أيِّ بلد آخر، وكذلك يعيش القوميون المشاكل التي تأكل فيها القضايا الصغيرة، في هذا البلد أو ذاك، القضايا الكبيرة وتصادرها.

إخفاقات الأمة:

* كيف تُفسِّر كلَّ تلك الإخفاقات التي جعلت من أمّةٍ بهذا التاريخ وهذا التراث، تسمح لقضاياها الخلافية الصَّغيرة أن تأكل قضاياها المصيرية الكبيرة؟ فهذه مشكلتها حتّى قبل أن تكون أميركا ومخططاتها هي المشكلة؟!

- نحن نقول إن أميركا كدولة كبرى، تتحرك كدولة إمبراطورية للسيطرة على العالم كلّه، وتخطِّط لحماية مصالحها في العالم، ولذلك فهي تتحرك لتنفيذ تلك الاستراتيجية الهادفة إلى السيطرة على كلِّ مواقع الثروة في العالم، ولا سيما الثروة البترولية، ومن الطبيعي جداً أن تتحرك من خلال مصالحها، ولكن المشكلة بالنسبة إلى ما يخصنا نحن كعرب وكمسلمين، هي أننا فقدنا معنى الأمة. فحين تحركت المسألة القطرية التي قسّمت العالم العربي ومزّقت العالم الإسلامي، فقدنا معنى الأمة، سواء الأمة العربية أو الأمة الإسلامية، وبقيت هناك بعض المشاعر التي قد تنفتح حين تحصل بعض الأمور التي تمسّ العاطفة، لكن سرعان ما يتبخَّر ذلك، وقد استطاع الأميركيون وغيرهم، كما فعل الأوروبيون سابقاً حين استعمروا المنطقة العربية، استطاعوا أن يستفيدوا من نقاط الضعف الموجودة عندنا، ليحرّكوا كل نقاط التخلّف ومفرداته، المتمثلة بالعصبيات المذهبية التي كانت مغطّاة ببعض الأوضاع الكبيرة، كما هي الحال عندما انطلقت مسألة القومية العربية مع جمال عبد الناصر، أو عندما انطلقت الثورة الإسلامية في إيران، أو في تطورات أخرى مشابهة لتلك، حيث اتخذت هذه العصبيات منحى مقيتاً، من خلال تشريع الإرهاب والعنف، ومحاولة تكفير فريق إسلامي لفريق آخر، ما أدّى إلى الخطر الكبير في استحلال إراقة دماء المسلمين من قبل بعضهم البعض، كما يحصل الآن في العراق. فالتخلّف إذاً استطاع أن يأكل كلَّ حركات التقدم والوعي التي انطلق بها العالم العربي والإسلامي للانفتاح، وقد استغل الاستكبار العالمي وغيره نقاط الضعف الموجودة للإمعان في تمزيق أوصالنا، ونحن في مقابل ذلك، استغرقنا في نقاط ضعفنا، حتى أصبحنا كالنعامة تدفن رأسها في الرّمال حتى لا ترى الصياد، بينما الصياد يراها ويعرف كيف يصطادها؟

العصبية هي المشكلة:

* هل سبب ذلك خلل أو قصور ذاتي في بنية الفكر الإسلامي والعربي؟

- ليست المشكلة في الفكر الإسلامي، وإنما في العصبية التي تتحرّك في الواقع الإسلاميّ، والتي تغرق الفكر وتمنع المفكّرين من أن ينفتحوا على العناوين الحضارية للفكر الإسلامي، وهي العصبية التي تسمح باستغلال بعض الاجتهادات المغلقة في هذا المذهب أو ذاك، وتحريك بعض السلبيات التي تثير الحقد، كما هو الحال في الدعوة إلى التكفير، أو سبّ الصحابة والإساءة إليهم، مما يثير الغرائز والعصبيات والمشاعر، لينفصل العالم الإسلامي، ومعه العالم العربي، بعضه عن بعض، نتيجة النظرة السلبية المتبادلة بين المذاهب المختلفة. فالقضية ليست قضية الفكر الإسلامي، لكن هي قضية التخلف الذي يأكل كلّ روحية هذا الفكر، ويحرِّك الواقع في حركة غرائزية، بدلاً من أن يتحرك في حركةٍ عقلانية، فنحن نستقدم كل حروب الماضي لنجدّدها في علاقاتنا ببعضنا البعض، ولنجتذب كل أخطاء الماضي من أجل أن نكررها في الحاضر، من دون أن نلتفت إلى قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(البقرة:134). فهم انتصروا عندما أخذوا بأسباب النصر، وانهزموا عندما أخذوا بأسباب الهزيمة، وتحمَّلوا مسؤولية انتصارهم وهزيمتهم وخطأهم وصوابهم، ونحن لسنا مسؤولين عما فعلوه، بالرغم من وجود وجهات النظر التي تؤيد هذا الفريق أو ذاك، بل نحن مسؤولون عن الواقع الذي نعيش فيه في حاضرنا، وعن المستقبل الذي لا بدَّ لنا من أن نبنيه من أجل أن ننفتح على مطالع الشمس في حركة الأمة.

الثَّورة بين الماضي والدين:

* ليس كهذه الأمَّة من يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالماضي، لكنَّ المشكلة أحياناً، هي أن الثورة على الماضي قد تستدعي ثورةً على المسألة الدينية الشديدة الالتصاق أيضاً بهذا الماضي؟

- هناك نقطة يجب التركيز عليها، وهي أنّ الماضي من خلال نهج القرآن، لا يُمثَِّل بالنسبة إلينا حياةً نعيش فيها، بل يُمثِّل درساً نحاول أن نتفهم من خلاله الخطأ والصواب والعناصر الإيجابية والسلبية فيما فعله الأقدمون، ونحن نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ}(يوسف/111)، والعبرة تعني أن تدرس ما كان فيه الآخرون، وما حصلوا عليه من نتائج سلبية أو إيجابية، لتستفيد منها فيما تخطط له لحاضرك ولمستقبلك، لتتفادى السلبيات وتنفتح على الإيجابيات. تلك هي المسألة، أما قضية الارتباط بالدين، فلا نعتقد أن ذلك يُمثِّل مشكلة، ولكن المشكلة هي في الفهم الخاطىء للدين، والارتباط بالعصبية المغلقة التي تحوّل الدين إلى حالة طائفية يهرب الدين منها، ولذا كنّا نقول دائماً إنّ الطائفية ليست ديناً، بل هي حالة عشائرية.

فالمسألة إذاً ليست مسألة الدين في هذا المقام، لأنّنا عندما ندرس الدين من خلال القيم التي يُجسِّدها في الواقع، نجد أنّه يعطي الإنسانية مساحةً واسعة للتلاقي والعقلانية والحوار الموضوعي، فنقرأ في القرآن الكريم مثلاً، عندما يتعلق الأمر بعلاقة المسلمين بأهل الكتاب، قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ}(آل عمران/64)، أي تعالوا إلى ما نلتقي عليه من القيم المشتركة في جذور الانتماء، ومنهما اللقاء على وحدانية الله، فكلنا موحِّدون لله، وإن اختلفنا في بعض خطوط هذا التوحيد. فالإسلام يدعو الناس إلى أن يعيشوا متساوين في إنسانيّتهم، فلا يكون الإنسان ربّاً للإنسان، بل يعترف بالإنسان الآخر، ويعترف بما يحمله من فكر وحقيقة.

ونقرأ في القرآن الكريم أيضاً ما يمثّل منهجاً لمواجهة المشاكل وإدارة الخلافات مع الآخرين، وذلك من خلال الدعوة إلى الرِّفق والحوار، والابتعاد عن العنف. يقول تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ـ والحسنة هي أسلوب الرِّفق، والسيّئة هي أسلوب العنف ـ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصِّلت/34). فالقرآن إذاً يحضُّ على اتّباع الأسلوب الذي تحوِّل فيه أعداءك إلى أصدقاء. ونستوحي من هذا، أنَّ القرآن يدعو المسلمين إلى أن يكونوا أصدقاء العالم، وأن يتحدثوا إلى العالم على هذا الأساس.

فالإسلامُ هو دعوةٌ إلى الحياة والحوار واحترام حقوق الإنسان، وإلى التحرك من أجل اكتشاف الحقيقة، حتى إنَّنا نقرأ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال/24). وهي دعوة إلى الحياة، وكيف تبني الحياة، وكيف تجمع الناس على أساس الحياة المسالمة. وحتى حين شرّع الإسلام القتال، لم يُشرِّع القتال العدواني، بل قال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}(البقرة/190). وفي آية أخرى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}(البقرة/193)، كأن يكون هناك ضغط على الناس لتغيير دينهم وما إلى ذلك. ثم إنّ الإسلام لم يُقسِّم الناس، بين أناس مؤمنين وأناس كافرين، بل قال: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ـ فالآخرون حتى الكافرون منهم، إذا كانوا مسالمين، ولا يقاتلونكم في دينكم، ولم يشردوكم من دياركم، فإنّ الله يطلب منكم أن تحسنوا إليهم وتبروهم، أي أن تسيروا معهم بالعدل ـ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}(الممتحنة/8). فالدين إذاً لا يُشجّع على التعصّب ولا على إلغاء الآخر، بل يدعو إلى الانفتاح عليه وإلى الحوار معه، إلاّ أن هناك سوء فهم للدين، ومحاولات استغلال له لحسابات فئوية وشخصانية وغير ذلك. وقد ذمّ القرآن الناس المتعصّبين وهدَّدهم، إذ ورد في الحديث عن النبي(ص): «من تعصَّب أو تُعصِّب له، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه»، وورد عن الإمام زين العابدين(ع): « العصبيَّة التي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين». ولذلك، فإنَّ اتهام الدين بأنه يثير العصبيات هو اتهام ظالم، بل إنّ الذين يستغلُّون الدين، كما يستغلون القومية والديموقراطية والعناوين الكبرى الأخرى لتحويلها باتجاه هدم الواقع، هم الظالمون...

* لا مشكلة فيما تقولونه، ولكن كم مرجعاً وعالم دين يفهم هذا الفهم للإسلام؟

- نحن نعتقد أن مشكلة المواقع الدينية، هي أنّ الكثير منها تخلص لموقعها أكثر مما تخلص لدينها، ولذلك فنحن ندعو إلى أن نرتفع إلى مستوى القيم الإسلامية، وأن ندعو إلى الإسلام الحضاري الذي يخاطب العالم، وعلى الداعية الإسلامي أن يعيش حس المعاصرة، أي أن يعيش عصره ويفهمه ويفهم تطلعاته ويتحدث مع العصر بلغته، ونحن نروي عن النبي(ص) قوله: «إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم»، ولذا ندعو إلى أن نفهم عقول الناس، لنعرف كيف نخاطبها.

حرمة سبِّ الصحابة:

* في الآونة الأخيرة، أثيرت مجدَّداً وبشدّة مسألة سبّ الصحابة في وسائل الإعلام وعلى المنابر، وهناك من يطالب المرجعيات الإسلامية الشيعية بإعلان موقف واضح من هذه المسألة التي تُستغلّ لتزكية الفتنة؟

- نحن منذ سنوات أطلقنا وأعلنَّا موقفاً في تحريم سبِّ الصحابة والإساءة إليهم تحت أيّ اعتبار، وقد عبَّرنا أكثر من مرة، وفي مختلف المواقع الإعلامية والمنابر، ونحن نقول إن الإمام عليّاً(ع)، وهو رائد الوحدة الإسلامية، وصاحب الحق بالخلافة، على حسب ما يعتقده المسلمون الشيعة، انفتح على الخلفاء الذين تقدَّموه، وأعطاهم المشورة والنصيحة، وحفظ عليهم حياتهم، على أساس قوله(ع): «لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة». وقد قال لأصحابه وهو يسير إلى حرب صفين، عندما سمع قوماً من أهل العراق يسبُّون أهل الشام، قال لهم: «إنّي أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلت مكان سبّكم إياهم: اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغيِّ والعدوان من لهج به».

* البعض يعتبر أنّكم كمرجعية كبيرة على الساحة الشيعية، تجاوزتم الكثير من الخطوط الحمر في سبيل وحدة المسلمين. هل هناك في المقابل من مراجع السنة من يسير باتجاهك للالتقاء في منتصف الطريق؟

- أعتقد أن الفئات الواعية الطليعية في الأمة، تستمع إلى الكلمة الوحدوية المنفتحة على الخطِّ الحضاري للإسلام، وأنا منذ أكثر من خمسين سنة أسير في منهج تقويم إسلام حضاريّ يرتفع بالعالم الإسلاميّ إلى الدرجة العالية من الثقافة والسياسة والسلام. حتى إنّني في خطّ التشيُّع؛ خطِّ الأئمة من أهل البيت(ع)، أدعو إلى التشيُّع الحضاري الذي يتمثّل بالأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، والذي يُقدّم الطريقة التي ترفع من مستوى الإنسان فكرياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً.

التجربة الإيرانيّة!!

* في إيران، قامت دولة إسلامية على أساس ولاية الفقيه، إلى أيّ حدّ نجحت هذه التجربة؟

- ليس هناك نجاح مطلق أو فشل مطلق، بل هناك بعض العناوين التي طرحتها هذه الدولة من خلال مؤسِّسها الإمام الخميني كانت إيجابية، كدعوة المسلمين والمستضعفين إلى الاتحاد، ومحاولته الدفع بالواقع الإسلامي إلى مواجهة الاستكبار العالمي من جهة، والتخطيط من أجل أن يعيش الناس إسلامهم على أساس الحكم الشرعي من جهة ثانية. أمّا مسألة ولاية الفقيه، فهي نظرية فقهية كانت مدار خلاف بين فقهاء المسلمين الشيعة، ولعلَّ الأكثرية من فقهاء المسلمين الشيعة لا يقولون بولاية الفقيه، ونحن أيضاً نلتقي مع أستاذنا السيد أبي القاسم الخوئي، في عدم الاقتناع بولاية الفقيه العامة كنظرية فقهية، ولكنّنا ننطلق على أساس نظرية الشورى، من خلال تلاقي المسلمين جميعاً في القضايا التي يمكن لهم أن يجتهدوا فيها، لتنطلق الشورى في تحديد القضايا السياسية هنا وهناك. لأنّ الفقيه، مهما علا شأنه، يبقى إنساناً غير معصوم عن الخطأ، لذلك ما يصدر عنه نرى أنّه لا ينبغي الالتزام به التزاماً أعمى، بل يجب أن يخضع للدرس والنقاش لمعرفة هل أخطأ أم أصاب، وهذا ينطبق أيضاً على سائر الناس الذين يلتزمون فتاوى المرجعيات الدينية المتعددة.

الشعب والرئيس:

* يعيش لبنان أزمة كيانية تتمثَّل بانقسامات عميقة بين مختلف الأطراف حول مسائل مصيرية وأساسية كبرى، فهل انتهى اتفاق الطائف؟ وما هو البديل؟

- عندما انطلق اتفاق الطائف، كنت أقول إنه اتفاق لمنع الحرب وليس اتفاقاً لحلِّ المشكلة، ولذلك أتصوّر أنّ علينا أن ندرس اتفاق الطائف بدون أن نعتبره قرآناً منـزلاً أو إنجيلاً مقدّساً، بل أن ندرسه، خصوصاً مع المتغيرات الكبرى التي حدثت في العالم والمنطقة، والتي يواجه لبنان الكثير من تعقيداتها، ولا سيّما أننا نقف في الواقع اللبناني لنرفض النظام الطائفي، ولندعو إلى المواطنة التي تجعل كل لبناني يحصل على حقوقه من خلالها، ويقوم بواجباته من خلالها أيضاً. وقد أثرنا أخيراً ضرورة أن نأخذ بالاستفتاء المباشر، سواء في انتخابات رئاسة الجمهورية أو في القضايا الحساسة والحيوية الكبرى، كالمجلس الدستوري ومجلس الشورى وغيرهما، لأنّنا فشلنا فشلاً ذريعاً في مسألة اعتبار المجلس النيابي هو الأساس في اختيار رئيس الجمهورية والمواقع الكبرى الأخرى في البلد. ونحن نعرف أنّ الانتخابات النيابية منذ تأسيس لبنان حتى الآن، كانت تخضع لخلفيات غير شعبية، وأن قرار الشعب كان يصادر بطريقة أو بأخرى، من خلال المال السياسي أو الضغوط الخارجية أو الداخلية.

معادلة حديدية:

* في رأيك، هل يتّجه الوضع في لبنان نحو حلول، أم نحو المزيد من التأزُّم؟

- أعتقد أنّ مسألة لبنان الآن، هي أنّه جزء من الحركة السياسية في المنطقة، لذلك من الصعب حصول تسوية محلية يلتقي عليها اللبنانيون الذين نعرف أنّ كل فريق منهم يرتبط بمواقع دولية أو إقليمية هنا وهناك، بحيث يتأثَّر بالصراعات على مستوى المنطقة، وربما على مستوى العالم. فلبنان لم يؤسّس ليكون وطناً لبنيه، بل تأسس ليكون الرئة التي تتنفس فيها مشاكل المنطقة، وليكون الساحة التي يمكن أن تتحرك فيها الصراعات، سواء على مستوى الضغط الإقليمي أو الضغط الدولي، وأعتقد أن مشكلة لبنان، هي أنَّ الذين يتحركون فيه سياسياً، لا يحدقون بالشعب اللبناني، بل يحدقون بالخارج، وقد قال لي أحد سفراء فرنسا، إن المشكلة مع اللبنانيين، أنّهم يحدّثوننا عما نريد، ولا يحدّثوننا عما يريدون.

* على ضوء ما جرى منذ نشوء لبنان وما يجري الآن، هل تعتقد أن لبنان قابل للحياة والاستمرار مستقبلاً؟

- أعتقد أن لبنان يمثل معادلة حديدية، لأنّه يرتبط بالحاجات الدولية للعب على أكثر من موقع في المنطقة، ولذلك قد يسقط الكثير من الأنظمة، لكن يبقى النظام اللبناني يُثير أكثر من مشكلة، ويحرِّك أكثر من موقع، ويبقى اللبنانيون الحطب الذي يجمع من أجل إشعال النار هنا وهناك.

الشراع العدد 1282

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 14 ربيع الأول 1428 هـ  الموافق: 02/04/2007 م


الطائف لم يكن حلاً

وأدعو إلى انتخاب الرئيس من قبل الشعب


لا تسوية محلية واللبنانيون حطب لإشعال النار هنا وهناك.

منذ خمسين عاماً، يحمل المرجع الإسلامي، السيد محمد حسين فضل الله هموم الأمة... يخاطب المسؤولين، والأبناء، والمهتمين، والكبار والصغار، وهو اليوم على عتبة السبعين، وما زال يرفع الصوت عالياً: وحدة الأمة السبيل الوحيد للبقاء والاستمرار.

«الشراع»، التقت السيد فضل الله، وأجرت معه الحوار الآتي حول واقع المنطقة العربية والإسلامية، وآخر التطورات على الساحة اللبنانية.

وهذا نص الحوار:


الإحساس الضائع بالهوية:

* منذ عقود وأنتم تحملون همَّ الأمة، والأمة اليوم في أسوأ حال، إلى درجة أنها تكاد تفقد هويتها. ماذا تقولون في ذلك؟

- في الواقع، إنّ هذه الأمة بدأت من الناحية السياسية العملية تفقد الإحساس بهويتها العربية، وهي تُقاد إلى ذلك منذ مؤتمر مدريد الذي اعتبر مؤتمر السلام، حيث إنّنا لاحظنا أنَّ إسرائيل رفضت أيَّ تفاوض للعرب مجتمعين، حتى إنها لم توافق على إعطاء الجامعة العربية، التي تمثّل المؤسسة الجامعة للعرب رسمياً، دور المراقب، بل أعطت هذا الدّور للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد المغاربي والاتحاد الخليجي، من دون أن يكون لكل هؤلاء دور مباشر في القضية الفلسطينية.

ومنذ ذلك الوقت، تغلَّبت الصفة القُطْرية على العالم العربي، بحيث أصبحت كلُّ دولة تعيش الاهتمامات القُطْرية المحدودة على حساب الصفة العربية الجامعة، حتى إننا رأينا أنَّ تعقيدات الإعلام السياسي في داخل كلّ دولة من هذه دولة، تتحرك لمصادرة التزام هذا الشعب أو ذاك بالعروبة كعنوان كبير يجمع العرب حول قضاياهم المصيرية. ولاحظنا أن بعض الدول العربية، من خلال بعض الاتجاهات السياسية والمواقع، أصبحت تتحدّث وتقول: «ما لنا ولفلسطين»، أو «ما لنا وللعراق»، أو «أو ما لنا وللبنان»، وسمعنا، حتى في لبنان، كثيراً من السياسيين يطالبون بتحييد لبنان عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهذا كلّه في مقابل وجود خطة أميركية ـ إسرائيلية قد لا تبتعد حتى عن الاتحاد الأوروبي، خطة لمصادرة الهوية العربية، ليعيش كلُّ بلد عربي خصوصياته، لا سيما عندما تُفرض عليه الكثير من المشاكل الاقتصادية والأمنية التي تشغل الشعب عن القضايا القومية الكبرى. ولعلَّنا في التطورات السياسية الأخيرة، نلاحظ هذا النوع من تحريك الفتنة السنية ـ الشيعية في العالم العربي، لتمتدَّ إلى العالم الإسلامي، وليعيش العرب هذا الانقسام بين العرب السنة والعرب الشيعة، وليتسنّى للخطة تلك تقسيم الواقع العربي إلى دول متطرفة ودول معتدلة، وليتمّ تفريغ الجامعة العربية من هويتها ودورها في جمع العرب وتوحيدهم في مواجهة القضايا المصيرية، وفي مقدّمها القضية الفلسطينية والقضايا الحيوية الأخرى. وقد استطاعت أميركا بذلك الدخول إلى العالم العربي وتمزيقه سياسياً...

ولعلّنا نلاحظ اليوم هذا الجدل الذي يدور في الساحة السياسية الدولية والإقليمية في مسألة المبادرة العربية، التي هي مبادرة سعودية في الأصل، وتبنَّاها مؤتمر القمة العربية في بيروت، إذ نجد أنَّ هناك حديثاً على مستوى ما بعد القمة لجهة تعديل هذه المبادرة، سواء من ناحية تقدُّم عملية التطبيع على السلام، أو من خلال حذف بند عودة اللاجئين أو غير ذلك، مثل رفض الانسحاب إلى حدود العام 1967. وربما سمعنا الكثير من المواقف العربية، بأنّ القمة هذه لن توافق على إدخال أيّ تعديل، لكنّنا نعرف أن التعقيدات السياسية سوف تتحرك بعد القمة لتدفع بالمبادرة إلى مجلس الأمن ليتولى هو عملية إدارة المفاوضات، وإدارة التنازلات، لأنّنا نلاحظ أنه لا يمكن أن يكون هناك أيّ صلح عربي ـ إسرائيلي أو أيّ نوع من أنواع حلّ المشكلة الفلسطينية، إلاّ إذا قدَّم العرب التنازلات التي تعطي إسرائيل مطالبها الاستراتيجية، كإبقاء المستوطنات الكبرى والقدس عاصمة إسرائيل الأبدية والجدار الفاصل وعدم عودة اللاجئين. ولذلك فالمطلوب فيما بعد القمة، هو كيف يقدم العرب التنازلات المصيرية الحيوية!

فشل وفوضى:

* لماذا في رأيك، هذا «الفشل الجماعي» العربي الإسلامي؛ فبعد سقوط الأنظمة وعجزها، جاء سقوط القوى والأحزاب القومية والشيوعية والعلمانية... إلخ، والآن القوى والحركات الإسلامية تسير في الوجهة نفسها؟

- العالم العربي والإسلامي غرق في بحار الفوضى السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية، هذه الفوضى التي فرضت عليه من خلال تاريخ التخلّف الذي يعيشه العرب في المسألة السياسية، والذي يعاني منه العالم الإسلامي الذي ما يزال يعيش في الماضي، ولا ينفتح على خطورة الحال الحاضرة ولا على تطلعات المستقبل. ولذلك، فإنّ هذه الفوضى السياسية والثقافية، استطاعت أن تأكل الكثير من حيوية كلّ الدوائر السياسية، سواء كانت قومية أو إسلامية أو غير ذلك. لذا نحن نعتقد أنَّ الاتجاهات الإسلامية لم تستطع أن تحقِّق أهدافها الكبرى عندما انطلقت، ولا سيّما في مسألة الوحدة الإسلامية التي توحِّد المسلمين على أساس الإسلام، وتدعوهم إلى أن يتحاوروا فيما يختلفون فيه. وبذلك استطاعت المسألة المذهبية بين السنة والشيعة، أن تأكل كل حيوية العالم العربي، بحيث أغرقته في جدال عقيم لا يحقّق أيّ نتيجة كبرى على مستوى الوحدة أو التحرك في اتجاه القضايا الكبرى. ونحن نتصوَّر أن الخطة الأميركية التي استطاعت أن تحتوي كل العالم العربي، وتتحدى كل العالم الإسلامي، أوجدت حالةً من الفوضى التي سماها الرئيس بوش الفوضى الخلاقة أو البنّاءة، لأنّها تهيئ المناخ المناسب لتمرير المشاريع الأميركية التي يراد تنفيذها. ونحن نلاحظ أنَّ الإسلاميين يعيشون مشاكل كثيرة، سواء في لبنان أو في مصر أو في العراق، أو في أيِّ بلد آخر، وكذلك يعيش القوميون المشاكل التي تأكل فيها القضايا الصغيرة، في هذا البلد أو ذاك، القضايا الكبيرة وتصادرها.

إخفاقات الأمة:

* كيف تُفسِّر كلَّ تلك الإخفاقات التي جعلت من أمّةٍ بهذا التاريخ وهذا التراث، تسمح لقضاياها الخلافية الصَّغيرة أن تأكل قضاياها المصيرية الكبيرة؟ فهذه مشكلتها حتّى قبل أن تكون أميركا ومخططاتها هي المشكلة؟!

- نحن نقول إن أميركا كدولة كبرى، تتحرك كدولة إمبراطورية للسيطرة على العالم كلّه، وتخطِّط لحماية مصالحها في العالم، ولذلك فهي تتحرك لتنفيذ تلك الاستراتيجية الهادفة إلى السيطرة على كلِّ مواقع الثروة في العالم، ولا سيما الثروة البترولية، ومن الطبيعي جداً أن تتحرك من خلال مصالحها، ولكن المشكلة بالنسبة إلى ما يخصنا نحن كعرب وكمسلمين، هي أننا فقدنا معنى الأمة. فحين تحركت المسألة القطرية التي قسّمت العالم العربي ومزّقت العالم الإسلامي، فقدنا معنى الأمة، سواء الأمة العربية أو الأمة الإسلامية، وبقيت هناك بعض المشاعر التي قد تنفتح حين تحصل بعض الأمور التي تمسّ العاطفة، لكن سرعان ما يتبخَّر ذلك، وقد استطاع الأميركيون وغيرهم، كما فعل الأوروبيون سابقاً حين استعمروا المنطقة العربية، استطاعوا أن يستفيدوا من نقاط الضعف الموجودة عندنا، ليحرّكوا كل نقاط التخلّف ومفرداته، المتمثلة بالعصبيات المذهبية التي كانت مغطّاة ببعض الأوضاع الكبيرة، كما هي الحال عندما انطلقت مسألة القومية العربية مع جمال عبد الناصر، أو عندما انطلقت الثورة الإسلامية في إيران، أو في تطورات أخرى مشابهة لتلك، حيث اتخذت هذه العصبيات منحى مقيتاً، من خلال تشريع الإرهاب والعنف، ومحاولة تكفير فريق إسلامي لفريق آخر، ما أدّى إلى الخطر الكبير في استحلال إراقة دماء المسلمين من قبل بعضهم البعض، كما يحصل الآن في العراق. فالتخلّف إذاً استطاع أن يأكل كلَّ حركات التقدم والوعي التي انطلق بها العالم العربي والإسلامي للانفتاح، وقد استغل الاستكبار العالمي وغيره نقاط الضعف الموجودة للإمعان في تمزيق أوصالنا، ونحن في مقابل ذلك، استغرقنا في نقاط ضعفنا، حتى أصبحنا كالنعامة تدفن رأسها في الرّمال حتى لا ترى الصياد، بينما الصياد يراها ويعرف كيف يصطادها؟

العصبية هي المشكلة:

* هل سبب ذلك خلل أو قصور ذاتي في بنية الفكر الإسلامي والعربي؟

- ليست المشكلة في الفكر الإسلامي، وإنما في العصبية التي تتحرّك في الواقع الإسلاميّ، والتي تغرق الفكر وتمنع المفكّرين من أن ينفتحوا على العناوين الحضارية للفكر الإسلامي، وهي العصبية التي تسمح باستغلال بعض الاجتهادات المغلقة في هذا المذهب أو ذاك، وتحريك بعض السلبيات التي تثير الحقد، كما هو الحال في الدعوة إلى التكفير، أو سبّ الصحابة والإساءة إليهم، مما يثير الغرائز والعصبيات والمشاعر، لينفصل العالم الإسلامي، ومعه العالم العربي، بعضه عن بعض، نتيجة النظرة السلبية المتبادلة بين المذاهب المختلفة. فالقضية ليست قضية الفكر الإسلامي، لكن هي قضية التخلف الذي يأكل كلّ روحية هذا الفكر، ويحرِّك الواقع في حركة غرائزية، بدلاً من أن يتحرك في حركةٍ عقلانية، فنحن نستقدم كل حروب الماضي لنجدّدها في علاقاتنا ببعضنا البعض، ولنجتذب كل أخطاء الماضي من أجل أن نكررها في الحاضر، من دون أن نلتفت إلى قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(البقرة:134). فهم انتصروا عندما أخذوا بأسباب النصر، وانهزموا عندما أخذوا بأسباب الهزيمة، وتحمَّلوا مسؤولية انتصارهم وهزيمتهم وخطأهم وصوابهم، ونحن لسنا مسؤولين عما فعلوه، بالرغم من وجود وجهات النظر التي تؤيد هذا الفريق أو ذاك، بل نحن مسؤولون عن الواقع الذي نعيش فيه في حاضرنا، وعن المستقبل الذي لا بدَّ لنا من أن نبنيه من أجل أن ننفتح على مطالع الشمس في حركة الأمة.

الثَّورة بين الماضي والدين:

* ليس كهذه الأمَّة من يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالماضي، لكنَّ المشكلة أحياناً، هي أن الثورة على الماضي قد تستدعي ثورةً على المسألة الدينية الشديدة الالتصاق أيضاً بهذا الماضي؟

- هناك نقطة يجب التركيز عليها، وهي أنّ الماضي من خلال نهج القرآن، لا يُمثَِّل بالنسبة إلينا حياةً نعيش فيها، بل يُمثِّل درساً نحاول أن نتفهم من خلاله الخطأ والصواب والعناصر الإيجابية والسلبية فيما فعله الأقدمون، ونحن نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ}(يوسف/111)، والعبرة تعني أن تدرس ما كان فيه الآخرون، وما حصلوا عليه من نتائج سلبية أو إيجابية، لتستفيد منها فيما تخطط له لحاضرك ولمستقبلك، لتتفادى السلبيات وتنفتح على الإيجابيات. تلك هي المسألة، أما قضية الارتباط بالدين، فلا نعتقد أن ذلك يُمثِّل مشكلة، ولكن المشكلة هي في الفهم الخاطىء للدين، والارتباط بالعصبية المغلقة التي تحوّل الدين إلى حالة طائفية يهرب الدين منها، ولذا كنّا نقول دائماً إنّ الطائفية ليست ديناً، بل هي حالة عشائرية.

فالمسألة إذاً ليست مسألة الدين في هذا المقام، لأنّنا عندما ندرس الدين من خلال القيم التي يُجسِّدها في الواقع، نجد أنّه يعطي الإنسانية مساحةً واسعة للتلاقي والعقلانية والحوار الموضوعي، فنقرأ في القرآن الكريم مثلاً، عندما يتعلق الأمر بعلاقة المسلمين بأهل الكتاب، قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ}(آل عمران/64)، أي تعالوا إلى ما نلتقي عليه من القيم المشتركة في جذور الانتماء، ومنهما اللقاء على وحدانية الله، فكلنا موحِّدون لله، وإن اختلفنا في بعض خطوط هذا التوحيد. فالإسلام يدعو الناس إلى أن يعيشوا متساوين في إنسانيّتهم، فلا يكون الإنسان ربّاً للإنسان، بل يعترف بالإنسان الآخر، ويعترف بما يحمله من فكر وحقيقة.

ونقرأ في القرآن الكريم أيضاً ما يمثّل منهجاً لمواجهة المشاكل وإدارة الخلافات مع الآخرين، وذلك من خلال الدعوة إلى الرِّفق والحوار، والابتعاد عن العنف. يقول تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ـ والحسنة هي أسلوب الرِّفق، والسيّئة هي أسلوب العنف ـ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصِّلت/34). فالقرآن إذاً يحضُّ على اتّباع الأسلوب الذي تحوِّل فيه أعداءك إلى أصدقاء. ونستوحي من هذا، أنَّ القرآن يدعو المسلمين إلى أن يكونوا أصدقاء العالم، وأن يتحدثوا إلى العالم على هذا الأساس.

فالإسلامُ هو دعوةٌ إلى الحياة والحوار واحترام حقوق الإنسان، وإلى التحرك من أجل اكتشاف الحقيقة، حتى إنَّنا نقرأ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال/24). وهي دعوة إلى الحياة، وكيف تبني الحياة، وكيف تجمع الناس على أساس الحياة المسالمة. وحتى حين شرّع الإسلام القتال، لم يُشرِّع القتال العدواني، بل قال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}(البقرة/190). وفي آية أخرى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}(البقرة/193)، كأن يكون هناك ضغط على الناس لتغيير دينهم وما إلى ذلك. ثم إنّ الإسلام لم يُقسِّم الناس، بين أناس مؤمنين وأناس كافرين، بل قال: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ـ فالآخرون حتى الكافرون منهم، إذا كانوا مسالمين، ولا يقاتلونكم في دينكم، ولم يشردوكم من دياركم، فإنّ الله يطلب منكم أن تحسنوا إليهم وتبروهم، أي أن تسيروا معهم بالعدل ـ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}(الممتحنة/8). فالدين إذاً لا يُشجّع على التعصّب ولا على إلغاء الآخر، بل يدعو إلى الانفتاح عليه وإلى الحوار معه، إلاّ أن هناك سوء فهم للدين، ومحاولات استغلال له لحسابات فئوية وشخصانية وغير ذلك. وقد ذمّ القرآن الناس المتعصّبين وهدَّدهم، إذ ورد في الحديث عن النبي(ص): «من تعصَّب أو تُعصِّب له، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه»، وورد عن الإمام زين العابدين(ع): « العصبيَّة التي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين». ولذلك، فإنَّ اتهام الدين بأنه يثير العصبيات هو اتهام ظالم، بل إنّ الذين يستغلُّون الدين، كما يستغلون القومية والديموقراطية والعناوين الكبرى الأخرى لتحويلها باتجاه هدم الواقع، هم الظالمون...

* لا مشكلة فيما تقولونه، ولكن كم مرجعاً وعالم دين يفهم هذا الفهم للإسلام؟

- نحن نعتقد أن مشكلة المواقع الدينية، هي أنّ الكثير منها تخلص لموقعها أكثر مما تخلص لدينها، ولذلك فنحن ندعو إلى أن نرتفع إلى مستوى القيم الإسلامية، وأن ندعو إلى الإسلام الحضاري الذي يخاطب العالم، وعلى الداعية الإسلامي أن يعيش حس المعاصرة، أي أن يعيش عصره ويفهمه ويفهم تطلعاته ويتحدث مع العصر بلغته، ونحن نروي عن النبي(ص) قوله: «إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم»، ولذا ندعو إلى أن نفهم عقول الناس، لنعرف كيف نخاطبها.

حرمة سبِّ الصحابة:

* في الآونة الأخيرة، أثيرت مجدَّداً وبشدّة مسألة سبّ الصحابة في وسائل الإعلام وعلى المنابر، وهناك من يطالب المرجعيات الإسلامية الشيعية بإعلان موقف واضح من هذه المسألة التي تُستغلّ لتزكية الفتنة؟

- نحن منذ سنوات أطلقنا وأعلنَّا موقفاً في تحريم سبِّ الصحابة والإساءة إليهم تحت أيّ اعتبار، وقد عبَّرنا أكثر من مرة، وفي مختلف المواقع الإعلامية والمنابر، ونحن نقول إن الإمام عليّاً(ع)، وهو رائد الوحدة الإسلامية، وصاحب الحق بالخلافة، على حسب ما يعتقده المسلمون الشيعة، انفتح على الخلفاء الذين تقدَّموه، وأعطاهم المشورة والنصيحة، وحفظ عليهم حياتهم، على أساس قوله(ع): «لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة». وقد قال لأصحابه وهو يسير إلى حرب صفين، عندما سمع قوماً من أهل العراق يسبُّون أهل الشام، قال لهم: «إنّي أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلت مكان سبّكم إياهم: اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغيِّ والعدوان من لهج به».

* البعض يعتبر أنّكم كمرجعية كبيرة على الساحة الشيعية، تجاوزتم الكثير من الخطوط الحمر في سبيل وحدة المسلمين. هل هناك في المقابل من مراجع السنة من يسير باتجاهك للالتقاء في منتصف الطريق؟

- أعتقد أن الفئات الواعية الطليعية في الأمة، تستمع إلى الكلمة الوحدوية المنفتحة على الخطِّ الحضاري للإسلام، وأنا منذ أكثر من خمسين سنة أسير في منهج تقويم إسلام حضاريّ يرتفع بالعالم الإسلاميّ إلى الدرجة العالية من الثقافة والسياسة والسلام. حتى إنّني في خطّ التشيُّع؛ خطِّ الأئمة من أهل البيت(ع)، أدعو إلى التشيُّع الحضاري الذي يتمثّل بالأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، والذي يُقدّم الطريقة التي ترفع من مستوى الإنسان فكرياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً.

التجربة الإيرانيّة!!

* في إيران، قامت دولة إسلامية على أساس ولاية الفقيه، إلى أيّ حدّ نجحت هذه التجربة؟

- ليس هناك نجاح مطلق أو فشل مطلق، بل هناك بعض العناوين التي طرحتها هذه الدولة من خلال مؤسِّسها الإمام الخميني كانت إيجابية، كدعوة المسلمين والمستضعفين إلى الاتحاد، ومحاولته الدفع بالواقع الإسلامي إلى مواجهة الاستكبار العالمي من جهة، والتخطيط من أجل أن يعيش الناس إسلامهم على أساس الحكم الشرعي من جهة ثانية. أمّا مسألة ولاية الفقيه، فهي نظرية فقهية كانت مدار خلاف بين فقهاء المسلمين الشيعة، ولعلَّ الأكثرية من فقهاء المسلمين الشيعة لا يقولون بولاية الفقيه، ونحن أيضاً نلتقي مع أستاذنا السيد أبي القاسم الخوئي، في عدم الاقتناع بولاية الفقيه العامة كنظرية فقهية، ولكنّنا ننطلق على أساس نظرية الشورى، من خلال تلاقي المسلمين جميعاً في القضايا التي يمكن لهم أن يجتهدوا فيها، لتنطلق الشورى في تحديد القضايا السياسية هنا وهناك. لأنّ الفقيه، مهما علا شأنه، يبقى إنساناً غير معصوم عن الخطأ، لذلك ما يصدر عنه نرى أنّه لا ينبغي الالتزام به التزاماً أعمى، بل يجب أن يخضع للدرس والنقاش لمعرفة هل أخطأ أم أصاب، وهذا ينطبق أيضاً على سائر الناس الذين يلتزمون فتاوى المرجعيات الدينية المتعددة.

الشعب والرئيس:

* يعيش لبنان أزمة كيانية تتمثَّل بانقسامات عميقة بين مختلف الأطراف حول مسائل مصيرية وأساسية كبرى، فهل انتهى اتفاق الطائف؟ وما هو البديل؟

- عندما انطلق اتفاق الطائف، كنت أقول إنه اتفاق لمنع الحرب وليس اتفاقاً لحلِّ المشكلة، ولذلك أتصوّر أنّ علينا أن ندرس اتفاق الطائف بدون أن نعتبره قرآناً منـزلاً أو إنجيلاً مقدّساً، بل أن ندرسه، خصوصاً مع المتغيرات الكبرى التي حدثت في العالم والمنطقة، والتي يواجه لبنان الكثير من تعقيداتها، ولا سيّما أننا نقف في الواقع اللبناني لنرفض النظام الطائفي، ولندعو إلى المواطنة التي تجعل كل لبناني يحصل على حقوقه من خلالها، ويقوم بواجباته من خلالها أيضاً. وقد أثرنا أخيراً ضرورة أن نأخذ بالاستفتاء المباشر، سواء في انتخابات رئاسة الجمهورية أو في القضايا الحساسة والحيوية الكبرى، كالمجلس الدستوري ومجلس الشورى وغيرهما، لأنّنا فشلنا فشلاً ذريعاً في مسألة اعتبار المجلس النيابي هو الأساس في اختيار رئيس الجمهورية والمواقع الكبرى الأخرى في البلد. ونحن نعرف أنّ الانتخابات النيابية منذ تأسيس لبنان حتى الآن، كانت تخضع لخلفيات غير شعبية، وأن قرار الشعب كان يصادر بطريقة أو بأخرى، من خلال المال السياسي أو الضغوط الخارجية أو الداخلية.

معادلة حديدية:

* في رأيك، هل يتّجه الوضع في لبنان نحو حلول، أم نحو المزيد من التأزُّم؟

- أعتقد أنّ مسألة لبنان الآن، هي أنّه جزء من الحركة السياسية في المنطقة، لذلك من الصعب حصول تسوية محلية يلتقي عليها اللبنانيون الذين نعرف أنّ كل فريق منهم يرتبط بمواقع دولية أو إقليمية هنا وهناك، بحيث يتأثَّر بالصراعات على مستوى المنطقة، وربما على مستوى العالم. فلبنان لم يؤسّس ليكون وطناً لبنيه، بل تأسس ليكون الرئة التي تتنفس فيها مشاكل المنطقة، وليكون الساحة التي يمكن أن تتحرك فيها الصراعات، سواء على مستوى الضغط الإقليمي أو الضغط الدولي، وأعتقد أن مشكلة لبنان، هي أنَّ الذين يتحركون فيه سياسياً، لا يحدقون بالشعب اللبناني، بل يحدقون بالخارج، وقد قال لي أحد سفراء فرنسا، إن المشكلة مع اللبنانيين، أنّهم يحدّثوننا عما نريد، ولا يحدّثوننا عما يريدون.

* على ضوء ما جرى منذ نشوء لبنان وما يجري الآن، هل تعتقد أن لبنان قابل للحياة والاستمرار مستقبلاً؟

- أعتقد أن لبنان يمثل معادلة حديدية، لأنّه يرتبط بالحاجات الدولية للعب على أكثر من موقع في المنطقة، ولذلك قد يسقط الكثير من الأنظمة، لكن يبقى النظام اللبناني يُثير أكثر من مشكلة، ويحرِّك أكثر من موقع، ويبقى اللبنانيون الحطب الذي يجمع من أجل إشعال النار هنا وهناك.

الشراع العدد 1282

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 14 ربيع الأول 1428 هـ  الموافق: 02/04/2007 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية