أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً ردّ فيه على المواقف الأخيرة للرئيس الفرنسي، والتي تحدث فيها عن معاناة الإسرائيليين، جاء فيه:
إن الدور الذي يتحرك في إطاره الرئيس الفرنسي، والذي يحاول من خلاله أن يجعل فرنسا ملحقة بالسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة العربية والإسلامية، والذي يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية في الصراع ضد الفلسطينيين، يمثل إساءة للعالم العربي والإسلامي في قضاياه الكبرى، ومحاولة لتشويه حقائق التاريخ ولتغيير وجهة المستقبل لمصلحة إسرائيل والصهيونية العالمية.
إن فرنسا ـ ساركوزي التي ترفض أن تعتذر للجزائريين حيال المذابح التي اقترفها المستعمر الفرنسي في بلادهم، هي أشبه ما تكون بإسرائيل التي لم تكتف ِبما تحركت به من ظلم لطرد الشعب الفلسطيني من أرضه، بل استمرت في ارتكابها للمجازر المتلاحقة التي باتت تمثل سياسة شبه يومية لا يختلف فيها مسؤول إسرائيلي عن آخر.. وما كانت إسرائيل لتستمر في سياسة القتل والتجويع وحصار الفلسطينيين في مصادر الطاقة والغذاء والدواء، وفي توسيع المستوطنات لولا تواطؤ الإدارات الغربية معها وعلى رأسها الإدارة الأمريكية.
إنّ إدارة الرئيس ساركوزي التي تحاول في هذه الأيام أن تركب القطار الذي كان يركبه رئيس الوزراء البريطاني السابق، طوني بلير، مع علمها المسبق بأن لا مصلحة حقيقية للفرنسيين بذلك، وخصوصاً أن الالتحاق بإدارة الرئيس بوش التي تمثل الشمس الغاربة على كل المستويات، تحمل في طياتها مجازفات خطيرة قد تنعكس على الدور الفرنسي في المنطقة العربية والإسلامية كلها، مع تأكيدنا بأن ما يتحرك به ساركوزي وإدارته لا يمثل التوجهات الحقيقية للشعب الفرنسي.
إننا نقول للرئيس الفرنسي الذي يتحدث عن ضرورة الاعتراف بحق الإسرائيليين الذين عانوا طويلاً، بالعيش في سلام.. إن كان يعني بذلك معاناة اليهود، فإن هذه المعاناة لم تنطلق من تصرف المسلمين والعرب معهم، بل إن العرب والمسلمين احتضنوهم في كل بلدانهم، ولاسيما على الصعيدين الاقتصادي والثقافي، بحيث لم يشعر اليهودي بأي احتقار أو اضطهاد، إنما كانت معاناتهم من خلال سلوك الغرب معهم، ولاسيما أن الذهنية الغربية المسيحية كانت تحملهم مسؤولية صلب السيد المسيح(ع) التي لا يلتزم بها المسلمون مما أكده القرآن الكريم، كما أن المحرقة التي يتحدثون عنها انطلقت من ممارسات غربية في ألمانيا وغيرها...
وكان الأولى بالغربيين، ومنهم فرنسا، أن يكفّروا عن هذه الوحشية النفسية والسلوكية ضد اليهود باحتضانهم وطنياً في بلدانهم الأم في أوروبا، لا في فلسطين التي جرى تشريد شعبها واقتلاعه من أرضه بدعمٍ من الإدارات الغربية، بعيداً من أي منطق وأي حقّ...
وإن على ساركوزي الذي يُقدّم نفسه كجندي مقاتل لحساب إسرائيل في مسألة الملف النووي الإيراني السلمي، ألاّ يكون ملكياً أكثر من الملك، وألاّ يتغافل، هو وإدارته، عن الحقائق التي أكدها التقرير الأخير للاستخبارات الأمريكية بهذا الخصوص، وأن يستذكر الدور الفرنسي السابق في إنتاج الترسانة النووية الإسرائيلية ليعمل ـ بوحي من مصلحة فرنسا ومصلحة الشعوب ـ لتدمير هذه الترسانة درءاً لخطرها على شعوب المنطقة والسلام العالمي، ما يفرض على فرنسا أن تكفّر عن أخطائها السابقة وتقوم بتطهير منطقة الشرق الأوسط بكاملها من السلاح النووي...
أما الدولة الفلسطينية التي باتت تمثّل عنواناً للتلاعب السياسي كما في الخطاب الأمريكي والفرنسي، فإننا نسأل الرئيس الفرنسي عن شكل هذه الدولة وحدودها ومستقبلها في ظلّ سياسة الاستيطان الإسرائيلية التي لم تبقِ للفلسطينيين أية فرصةٍ لإقامة أي دولة قابلة للحياة... ولذلك، فإننا ننصح الرئيس الفرنسي أن يقوم ببذل جهد عملي موحّد بدلاً من أن يوزّع على الفلسطينيين كلمات ضبابية لا تغني ولا تسمن من جوع...
إننا في الوقت الذي نشعر أن فرنسا ـ ساركوزي لن تجد لنفسها موقعاً ذا قيمة في المنطقة من خلال الانعطاف في موقفها لمصلحة إسرائيل عملياً، نريد للعرب والمسلمين أن يتحملوا مسؤولياتهم حيال القضية الفلسطينية التي إذا تداعت فسوف يتداعى الهيكل العربي والإسلامي على رؤوس الجميع، وما عروش المسؤولين من ذلك ببعيد.