أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً ردّ فيه على وزير الدفاع الأمريكي في حديثه أمام منتدى المنامة، جاء فيه:
يبدو أن الإدارة الأمريكية التي فشلت في إقناع العالم بأن إيران تسير في خط التسلّح النووي من خلال برنامجها النووي السلمي، بدأت تسلك خطاً جديداً في إطار التهويل على دول المنطقة لدفعها إلى الانخراط في مسيرة تسلّح جديدة، بما يخفف من حجم الخسائر التي جنتها هذه الإدارة منذ غزوها للعراق، حيث لا تزال تنظر إلى الثروة العربية والمال العربي كمنقذ لها ولمشاريعها الأمنية والسياسية في بلادنا.
وإن دعوة وزير الحرب الأمريكي للوزراء العرب المشاركين في منتدى المنامة لبناء مظلة صواريخ في بلدانهم، مضادة للصواريخ الإيرانية، تحت عنوان أن إيران هي العدو الذي يهدد بلدان المنطقة وليس إسرائيل، هي محاولة أمريكية جديدة لاستغباء العرب، ولاسيما دول الخليج، وخصوصاً أن أمريكا نفسها تستعد لجولة محادثات جديدة مع إيران حول المسألة العراقية.
إننا نريد لدول الخليج أن تفهم اللعبة الأمريكية جيداً، وألا تنخدع بتهويل هذا المسؤول الأمريكي وغيره، فقد بات واضحاً أن إدارة الرئيس بوش تحرص على تقديم إيران كفزّاعة، وتحاول الإيحاء بأنها تمثل المشكلة الكبرى لأمن هذه الدول، كما كان صدام حسين، لتدفعهم إلى عقد المزيد من صفقات التسلّح معها، والتي لا يمكن استخدام ترسانتها إلا من خلال الأمريكيين وعند حاجتهم الذاتية لهذه الأسلحة.
كما نريد للدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، أن تلاقي إيران عند منتصف الطريق لصوغ استراتيجية أمنية وسياسية واقتصادية ضمن نظام للتعاون المتكامل، ومن خلال احترامٍ للقواعد الإسلامية في الجيرة، وحفظ الأخوّة الإسلامية على المستويات كافة، لأن من شأن ذلك أن ينعكس نجاحاً على المستوى العربي والإسلامي بما يحفظ الأمن العربي والإسلامي المشترك في مواجهة كل الذين يمثلون الخطر الحالي والمستقبلي على هذا الأمن، وفي طليعتهم إسرائيل ومن ورائها الإدارة الأمريكية، التي ترفض أية صياغة للعلاقات بين إيران والدول العربية إلا من خلال ما ترسمه وما تجده وسيلة لخدمة مصالحها ومصالح إسرائيل...
إن حديث وزير الحرب الأمريكي عن أن إيران تدعم الإرهاب وأن إسرائيل ليست كذلك، يبعث على الغثيان... إذ إن إسرائيل التي تمثل حال إرهابية مستمرة تمارس الإرهاب اليومي في شكل تصاعدي ضد الفلسطينيين، وقد تعرّف العالم على عيّنة من إرهابها في المجازر التي ارتكبتها في حربها على لبنان العام الفائت، في الوقت الذي يعرف الجميع أن إيران لا تدعم حركات انفصالية أو منظمات تنشر حال الفوضى في دول المنطقة، بل تدعم حركات المقاومة ضد الاحتلال، وخصوصاً الاحتلال الإسرائيلي، وهي بذلك تقدم خدمات استراتيجية لمصلحة العرب وقضيتهم المركزية.
ولقد استطاع تقرير الاستخبارات الأمريكية أن يرسم علامات استفهام جديدة تساهم في إسقاط ما تبقّى من صدقية لإدارة الرئيس بوش، كما أنه رسم لهذه الإدارة سقفاً لا تستطيع تجاوزه في مسألة تحريك الحرب والسلم، ولذلك فهي تستعجل الخطى لقطف ما يمكن عبر صفقات الأسلحة مع العرب قبل أن تدخل في الغيبوبة الانتخابية التي ستأتي بعد الغيبوبة السياسية والأمنية التي أدخلت نفسها بها، من خلال حروبها في المنطقة وتدخلها في الشؤون الداخلية لكل بلد فيها.
إننا نقول لوزير الحرب الأمريكي، إننا نملك معلومات دقيقة عن أن الموساد الإسرائيلي يشارك قوات الاحتلال الأمريكي على مستوى بعض الخطط وعلى مستوى الحركة في العراق، كما يساهم في رفد متطرفين تكفيريين بأساليب الدعم في تفخيخ السيارات وتفجيرها في الأبرياء وفي غير ذلك من الأمور، إضافة إلى تدريب "الموساد" للإرهابيين الذين قاموا بعمليات اغتيال وعمليات إرهابية تفجيرية في لبنان، بحسب المعلومات التي جزمت بها الاستخبارات اللبنانية الرسمية، الأمر الذي يُسقط كل المحاولات الأمريكية لتبرئة إسرائيل من القيام بعمليات إرهابية ومحاولات أمنية وسياسية لإرباك الأوضاع في لبنان والعراق وغيرهما، ويكشف زيف المسؤولين الأمريكيين وتواطؤهم مع إسرائيل في سعيها الدائم لاختراق الأمن العربي وتفجير الأمن الإسلامي من الداخل...
وإننا نقول للعرب، إن إيران لا يمكن أن تمثّل تهديداً لمصالحهم ودولهم، ولكنها يمكن أن تمثّل قوة إضافية لدعم قضاياهم، لأنها تمثل قضاياهم في العمق، ولذلك فعليهم أن يمدوا يد التعاون لإيران التي نريدها أن لا تكف عن التعاون معهم بما يحفظ مصالحها ومصالحهم ومصالح الأمة وشعوبها.