دعا إلى التركيز والتشجيع على القراءة لنبذ الكثير من خطوط التخلف في عالمنا: أن أمريكا لا يمكن أن تقدّم للإنسان شيئاً إلاّ وتأخذ منه أشياء، لأنها دولة لا مبادئ لها |
بسم الله الرحمن الرحيم
* ما الهدف من تأسيس المكتبة؟ ولماذا المليون كتاب؟
- نحن نعتقد أن مشكلتنا في العالم العربي، وربما في العالم الإسلامي، هي أنّنا تمثّل الأمة التي لا تقرأ، في الوقت الذي نعرف أنّ أول كلمة انطلقت من الوحي لرسول الله(ص) عندما بُعِث هي كلمة «اقرأ» {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}(العلق/1-4). لذلك، فإنّ الكثير من خطوط التخلف التي تعيش في الكثير من مواقع العالم العربي والإسلامي، تنطلق من هذه الأمية في القراءة والكتابة، أو الأمية في الثقافة، حيث ترك ذلك تأثيراً ظهر في التخلف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وربما الأمني.
وهكذا أصبحنا نعيش على فتات موائد الآخرين، من دون أن نستوعب ما لدى الآخرين، وأصبحنا أيضاً نسيء إلى انتمائنا الإسلامي، باعتبار أن هذا التخلف وهذه الأمية الثقافية، تحوَّلت إلى حالة من التخلُّف في فهم الإسلام، على مستوى العقيدة والشريعة والمفاهيم العامة، وفي مجالي التنظير والتطبيق. ونحن نعرف أنّ الإسلام يركّز على قيمة العلم: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(الزمر/9)، ويدفع الإنسان إلى أن لا يقف عند أية مرحلة من مراحل العلم، وفي القرآن الكريم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}(طـه/114). فعلى الإنسان أن لا يقف عند أية مرحلة من مراحل العلم، بل لا بد له من أن يتحرّك في كل المراحل التي تسمح له ظروفه أن يأخذ بها. ونحن لا نزال نقرأ الكلمة التي قالها الإمام علي(ع): «قيمة كل امرئٍ ما يُحسنه».
على ضوء هذا، فكَّرنا في هذه المنطقة المزدحمة بالناس، التي تعيش أكثر من مشكلة تخلّف ومشكلة أميّة ومشكلة فوضى ثقافية، وحاولنا أن نهيئ لهم المكان الذي يستطيعون من خلاله أن يقرأوا ويتعلموا، وحاولنا أيضاً أن نُهيئ للطلاب الكتب الّتي يحتاجونها لمتابعة دراستهم، واعتبرنا ذلك جزءاً من رسالتنا، سواء على مستوى الكتاب، أو على مستوى الوسائل الأخرى الحديثة في هذا المجال,
إننا نعتقد أنها صلاة ثقافية وصوم رسالي، لأنّ قضية الصلاة هي أن ينفتح الإنسان على الحياة، بأن يدخل مدرسة الصلاة بالوعي الذي يجعله ينهى نفسه عن الفحشاء والمنكر، ويجعل الإنسان يعيش التقدم في تفكيره وفي حياته. نحن نعتبر أن العلم صلاة، وأن العقل صلاة، وأن الثقافة صلاة.
* والمليون كتاب لماذا؟
- نحن لا نريد أن نقف على المليون كتاب في منطقة قد تصل إلى مستوى المليون في أفرادها وفي حاجاتها، نحن نريد أن ننطلق من أجل أن نهيئ الفرص للملايين، لا لمليون واحد.
* هل تدعو الشباب إلى قراءة نوع معين من الكتب؟
- إنني أؤمن بالحرية الثقافية. أنا أقول لهم اقرأوا كل خطوط الثقافة، كل الكتب، ولكن لا تقرأوا قراءةً ببغائية، بل لتقرأ عقولكم وقلوبكم، ولتقرأ الحياة في معاناتكم. اقرأوا وتدبروا وتأملوا وناقشوا، وحاولوا أن تعطوا من الثقافة ثقافةً جديدة، ومن عقول الآخرين عقلاً جديداً. القراءة ليست أن نستظهر ما نقرأ، بل أن نحرّك ما نقرأ في سبيل أن نعطي الإنسان قراءة جديدة من خلال عقولنا ومن خلال قلوبنا ومن خلال تجربتنا في الحياة، لأن التجربة عقل وثقافة وحركة حياة.
* كيف يقرأ سماحة السيد طلب الحكومة اللبنانية المساعدة من أمريكا؟
- ليست عندنا مشكلة في أن يساعدنا الآخرون، ولكنّنا لا نريد أن تتحرك المساعدة لتفرض علينا الانتقاص من حرياتنا في مواقفنا وفي استقلالنا. لقد تعلمنا أن الدول الكبرى، ولا سيما أمريكا، لا تقدم للإنسان شيئاً إلاّ وتأخذ منه أشياء، لأنّ أمريكا دولة لا مبادئ لها، بل هي دولة تتحرك في العالم حيث تتحرك مصالحها، وربما لا تنسجم مصالحها مع مصالح الشعوب، ولذلك تحوّلت إلى أن تكون دولة في مستوى الإمبراطورية العالمية التي تحاول أن تصادر الشعوب ثقافةً واقتصاداً وسياسةً وأمناً، حيث كانت أمريكا في الأربعينات أو الثلاثينات الدولة التي تتطلع إليها الشعوب لأنها تؤمن بالحرية وتدعو إليها، ولكن أمريكا التي أصبحت تعيش في السبعينات والثمانينات والتسعينات، وفي الألفية الثالثة، أصبحت الدولة التي تعيش كل الاستكبار وكل التعسف، والدولة التي تضغط على الشعوب باسم الديمقراطية وباسم حقوق الإنسان، وهي التي تطعن الديمقراطية في كل تجربتها وفي كل نتائجها وامتداداتها إذا خالفت مصالحها، وهذا ما لاحظناه في الديمقراطية الفلسطينية التي شهدت أمريكا وكل دول العالم بأنها من أكثر الديمقراطيات نزاهةً، ولكنّها عندما انفتحت على حركة حماس، وانفتحت على إرادة الشعب الفلسطيني، وقفت لتحارب الفلسطينيين لا حركة حماس فقط، وقد قرأنا قبل أيام، أنها طلبت من الأمريكيين أن لا يتاجروا مع الفلسطينيين، وطلبت من المصارف أن لا تحوِّل أي مساعدة للفلسطينيين.
إنّ مشكلة أمريكا هي أنها دولة تعيش تحت تأثير جهات تحمل الحقد للعالم، وهم المحافظون الجدد واللوبي الصهيوني الممتد في العالم، لأنّ إسرائيل هي التي تحكم أمريكا، وليست أمريكا هي التي تحكم إسرائيل. لذلك مشكلتنا مع أمريكا هي عين مشكلتنا مع إسرائيل، وقد ورد عندنا في أحاديث الإمام علي(ع): «أعداؤك ثلاثة: عدوك، وعدو صديقك، وصديق عدوك».
* الرئيس بوش حدّد تاريخ استقبال الرئيس السنيورة في 18 نيسان، هل تعتقد أن هذا التاريخ مقصود؟
- إنّني أتصوّر أن الرئيس الأمريكي حاول أن يقدم لبنان إلى العالم على أساس أنه البلد الذي نجحت أمريكا في إنتاج الدّيمقراطية فيه ومساعدته على الأخذ بأسباب الديمقراطية، لأنه فشل في ما تحدّث عنه في ديمقراطية أفغانستان أو ديمقراطية العراق المغسولة بالدم، والتي لا تزال تتحرك طائفياً وعرقياً ولا تتحرك إنسانياً على مستوى الديمقراطية الإنسانية، لأنّ الديمقراطية لا تعني أن يقوم الشعب بانتخابات في تأسيس المجلس النيابي، ولكن الديمقراطية هي أن يعترف الإنسان بالآخر، وأن يقبل الآخر. ونحن نرى أن السياسة الأمريكية في العراق، تقوم على أساس أن تعقِّد الإنسان تجاه الإنسان الآخر، وهذا ما نلاحظه من خلال الخطط الأمريكية في العراق وفي أفغانستان. لذلك أراد بوش أن يقدم إلى العالم لبنان، على أساس أنه الوجه الديمقراطي الحضاري الذي استطاعت أمريكا أن تصنعه.
ونحن نعتقد أن هذا يُمثِّل الغشَّ للشعوب، لأنّ لبنان كان ديمقراطياً منذ عهد الاستقلال، لذلك فإنَّ اللبنانيين عاشوا الديمقراطية على مستوى ممارسة الانتخابات بشكل جيد، وإن حدثت بعض المشاكل هنا وهناك. ونحن نعرف أنّ الحرب اللبنانية كانت حرباً أمريكية، لأنّها حرب هنري كسنجر الذي أراد تصفية وإسقاط القضية الفلسطينية من خلال الحرب اللبنانية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الرئيس بوش يحاول أن يلعب الورقة اللبنانية، للضغط على سوريا من جهة، والضغط على المقاومة من جهة أخرى لمصلحة إسرائيل في هذا المجال. ولذلك، فإنّني أتصوّر أن هذا اللقاء الذي سوف يحصل بين رئيس وزراء لبنان والرئيس بوش، هو لقاء لا يستهدف مصلحة لبنان بالمعنى الذي يتطلع إليه اللبنانيون، ولكنّه يعمل من أجل أن يحرك الورقة اللبنانية فيما يريده من إرباك الواقع العربي، ولا سيما إرباك العلاقات بين سوريا ولبنان، لأننا نعرف أن تعقيد العلاقات السورية اللبنانية، لم يأت من قبل سوريا، وإنما جاء من قبل أمريكا وحلفائها في الاتحاد الأوروبي وما إلى ذلك، وأن القرار 1559 هو قرار صنعته إسرائيل وفرضته على أمريكا، ثم فرضته أمريكا على مجلس الأمن.
نحن ليست عندنا مشكلة مع أمريكا الشعب، كما أننا نريد أن نكون أصدقاء الشعب الأمريكي، وأن نكون أصدقاء الشعوب الأوروبية، ولكنَّ هناك فرقاً بين أن تعيش الصداقة مع الشعوب، أو تعيش الانحناء للدول التي تحكم هذه الشعوب، وربما يتمثَّل العرب أو المسلمون قول الشاعر:
ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى عدواً له ما من صداقته بُدَّ
* كيف تقرأ الساحة اللبنانية مستقبلاً، وخصوصاً أنك تحدثت في آخر خطبة جمعة عن خفافيش الظلام، وعن حركة السفارات، خصوصاً الأمريكية؟
إنني أؤمن بأنّ الإنسان اللبناني هو إنسان حواري مثقِّف منفتح، وأؤمن بالحرية التي هي سر لبنان، والتي تميزه عن كل المنطقة، لجهة حرية السياسة وحرية الثقافة وحرية الدين وحرية العلاقات الإنسانية، بالرغم من وجود النظام الطائفي الذي يحاول أن يدخل الإنسان في زنزانة طائفيّة وفي كهف طائفي متعصب. ولكن المشكلة في لبنان، أنّه ساحة مفتوحة على كل المخابرات الدولية، كما قال بعض المندوبين الأمريكيين: "إن بيروت أفضل مكان للتنصت". ولذلك، فنحن نخاف في لبنان من حركة المخابرات الدولية التي تحاول أن تعبث بالواقع السياسي فيه، وتحاول أن توظف الكثيرين من النادي الذي لا يفكر في البلد كوطن، ولكن يفكر في البلد كبقرة حلوب، وما أكثر الذين حلبوا هذه البقرة فأفقروها حتى لم يبق فيها قطرة حليب!