أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تصريحاً حول الوضع في المنطقة والمشاكل المتفاقمة في لبنان، جاء فيه:
إن الوضع في المنطقة، وعلى الرغم من التعقيدات والصعوبات التي تحيط به، يمكن أن يطل على مراحل من الحلحلة أو الهدوء التي لا بد من أن تنطلق من اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنها أخفقت، وأن مشروعها في المنطقة اصطدم بالحائط المسدود، وبالتالي أن تبادر إلى إجراء تعديلات جوهرية في سياستها الخارجية، وخصوصاً حيال احتلالها للعراق ودعمها اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي في كل ممارساته الوحشية في فلسطين.
أضاف: إنّ على الإدارة الأمريكية أن تتنازل عن منهجيّتها في الحديث المستمر للرئيس الأمريكي عن الانتصار على ما يسميه الإرهاب، لأن أمريكا تعيش في مأزق حقيقي بعدما تورّطت مع شعوب المنطقة وصنّفتها في خانة الإرهاب الذي لم تحرّك مناهجه على أسس عادلة، بل أخضعت تعريفاته لمصالحها ومصالح إسرائيل.
وحول الوضع اللبناني قال سماحته: يخطىء من يعتقد بأن تعقيدات هذا الوضع تنطلق من العناصر اللبنانية الداخلية، لأن المسألة مرتبطة بموقع لبنان في الاستراتيجية الدولية في المنطقة، ولاسيما الأمريكية، والتي تحاول أن توجه وأن تتدخل في الأمور الداخلية، وأن تحرّك الجهات السياسية في اتجاه وضع إقليمي معيّن ولاسيما فيما يتعلق بسوريا وإيران، حيث نجد أن الحديث السلبي ضدهما ينطلق بمناسبة ومن دون مناسبة، ما يؤكّد أن المطلوب هو إيجاد انطباع مضاد لهما حتى في الأمور العادية.
وأكّد سماحته أن المشكلة لا تكمن في أمريكا الإدارة فقط، بل في بعض الذهنيات السياسية عندنا، والتي يشير البعض من خلالها إلى ما يعتبرونه تدخّلاً سورياً في لبنان، أو ما يتحدّث عنه البعض حتى على الساحة العراقية بطريقة سلبية عن سوريا وإيران من دون أن يتحدث هؤلاء وأولئك عن التدخل الأمريكي والبريطاني في المنطقة، ما يوحي بأن ثمّة من يستسيغ العمل وفق التوجّهات الأمريكية أو السير في الخط الأمريكي ليتقبّل التدخّل الدولي أو الأمريكي في شؤون المنطقة في القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية وحتى في القضايا الداخلية الخاصة المنفتحة على المذاهب والأديان، بينما يرفض أي نوع من أنواع الانفتاح على الواقع العربي والإسلامي، ما يوحي بدوره بوجود حالات تحتضن الاستعمار أو تملك قابلية الخضوع للاستكبار على الطريقة التي يتحدث فيها مالك بن نبي عن فئات تملك قابلية الاستجابة للاستعمار.
وأكّد سماحته أن الخطورة تكمن في أن البعض ينشد القوة الداخلية من خلال التكامل مع أمريكا أو مع بعض المواقع الغربية، بدلاً من أن يعمل للاستقلال الحقيقي، وبدلاً من أن يتحرك في خط الانفتاح على المنطقة العربية والإسلامية من دون أن يكون تابعاً لهذا المحور أو ذاك، ولهذه الدولة أو تلك، مشيراً إلى أن مفهوم الاستقلال بات من المفاهيم التي أخضعتها السياسة اللبنانية للتعديلات والتبديلات العجيبة الغربية حتى أصبح العمل وفق التوجهات الأمريكية والاستقلال عن قضية الوطن وقضايا الأمة يمثل مفهوماً جديداً للاستقلال عند البعض.
وأبدى سماحته خشيته من أن هذه الفوضى في حركة المفاهيم وهذا الاستخدام المفرط للسياسة كلعبة وإبعاد حركة السياسة كرسالة عن نشاط الكثيرين سيبقي لبنان في دائرة الساحة المهتزّة، مشيراً إلى أن الخطورة الكبرى تكمن في أن البعض لا يخشى من أمريكا الإسرائيلية، بل هو يخشى ألاّ تتدخل في لبنان أو غيره.
وخلص إلى القول بأن أمريكا الإدارة ستظلّ تبحث عن شبح الانتصار الذي لن تحصل عليه في المنطقة، لأن شعوبنا باتت تنظر بعين السخط والغضب حيال أمريكا الإسرائيلية. ولذلك فإن أمريكا الإدارة لن تجد من يتعاون معها على مستوى حركة شعوبنا في المنطقة، وستنتج الأحداث المتعاقبة المزيد من الأفرقاء المستعدون لمقاومة الاحتلال والهيمنة الأمريكية على المنطقة، ولذلك فإن أمريكا إذا لم تقدم على خطوة جريئة لتغيير سياستها في المنطقة، فسوف تصل إلى مرحلة من الاستنـزاف المتمادي وستفقد حتى عملاءها بعد أن تصاب بمزيد من النكسات والضربات.