عن الأوضاع في العراق والشرق الأوسط، أجرت مراسلة وكالة "نوفوستي" يوليا ترويتسكايا مقابلة مع العلامة المرجع، آية الله محمد حسين فضل الله، تحدّث فيها عن الأوضاع في العراق التي احتدمت إلى درجة كبيرة في الفترة الأخيرة، ما طرح وبإلحاح مسألة احتمال اندلاع حرب أهلية هناك. كما كانت الأوضاع الأخيرة في لبنان محور بحث مع العلامة، ومن أبرزها مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في هذه الدولة للمرة الأولى بعد انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990. كما جرى في اللقاء التطرق إلى مسألة البرنامج النووي الإيراني، وإمكانية أن يشكّل تهديداً للدول المجاورة، خاصة وأن للعلامة فضل الله علاقات متينة في هذه الدولة. وبالطبع، فإن اللقاء لم يمر مرور الكرام على مسألة فضيحة "الرسوم الكاريكاتورية" وتداعياتها على الغرب.
نصّ الحوار:
س: هل يمكن أن نصف ما يجري في العراق حالياً بأنه بداية حرب أهلية، أم أن الحرب الأهلية هناك بدأت وهي غير معلنة؟
ج: مسألة الحرب الأهلية في العراق ليس لها أساس من الواقعية، بحيث يمكن أن تتحرك ليصطدم الشعب العراقي بعضه ببعض على أساس الفتنة السنية ـ الشيعية، لأنّ السنة والشيعة معاً يشعرون بأن أي حرب أهلية سوف تسقط الهيكل على رؤوس الجميع، ولذلك، فإنهم يبادرون أمام أي عمل عنف، إلى محاولة استنكار ذلك سنياً وشيعياً، كما لاحظنا أخيراً عندما حدثت تفجيرات في مدينة الصدر الشيعية، التي هي مدينة مجاهدة ضد الأميركيين، حيث استنكر السنة هذه التفجيرات كما استنكرها الشيعة.
وهناك نقطة مهمة يجدر الالتفات إليها، وهي أن العراق بلد عشائري، والعشائر في العراق تضم السنة والشيعة معاً. ولذلك، فإن هذا الفعل الذي يتمثل في المجازر الوحشية، لم يجتذب رد فعل عاماً، ربما يتحمس بعض الناس إلى ردود فعل فردية، ولكن حتى الآن، ومنذ احتلال العراق، ومنذ انطلقت الأعمال الوحشية، لم يكن هناك رد فعل عام، على الرغم من أن الأشياء التي حدثت كانت تمس الشعور المذهبي والطائفي والإنساني للناس.
ربما كان ما حصل بعد تفجير مرقد الإمامين قد أعطى انطباعاً ببعض ردود الفعل العنيفة، ولكن الجميع سيطروا عليها بعد ذلك. إن علماء المسلمين الشيعة يرفضون إصدار أي فتوى ضد المسلمين السنة، كما أن علماء السنة يفعلون الأمر نفسه، لكن القضية هي قضية التكفيريين الذين أصبحوا مشكلة العالم الإسلامي، ولم يعودوا مشكلة العراق وحده، ونحن نرى كيف يقومون بالأعمال الأمنية ضد الحكم السعودي الذي كان هو الأساس في تفكيرهم وما إلى ذلك، وما فعلوه أيضاً في الدار البيضاء وما أشبه.
س: إذاً أنتم تستبعدون إمكانية حدوث حرب أهلية في العراق؟
ج: عندما ندرس تاريخ العراق، فلن تجد أن هذا التاريخ شهد حرباً سنية شيعية في كل مداه، لذلك لن تحدث هناك حرب أهلية.
س: هل يمكن للولايات المتحدة أن تلجأ إلى استراتيجية جديدة في العراق؟
ج: أعتقد أن الولايات المتحدة دخلت العراق لتبقى، لأن العراق بالنسبة لها هو البترول، وهو المصالح الاقتصادية، باعتباره بلداً يحوي ثروات على السطح وفي العمق، ولأن العراق يمثل موقعاً استراتيجياً يمكن لأميركا أن تستفيد منه للسيطرة على المنطقة، فالعراق يملك حدوداً مشتركة مع إيران والخليج وتركيا وسوريا، ولذلك فإن هذا الموقع الاستراتيجي للعراق، قد يمنح أميركا حرية الحركة التي تستطيع من خلالها أن تجعل من العراق جسراً للعبور إلى المنطقة. ومن الطبيعي أن هذه الخطة من قبل أميركا تواجهها خطة من قبل دول الجوار، فنحن نجد أن إيران وسوريا وربما تركيا والخليج، لا يريدون أن تستقر أميركا في العراق، لأن أميركا أصبحت على حدود هذه الدول، وهذا ما ينعكس على عدم استقرار الوجود الأميركي في العراق.
س: هل إن الفتنة في العراق هي في مصلحة الأميركيين؟
ج: لأميركا مصلحة، وان كان الأميركيون يتحدثون عن الديمقراطية والاستقرار، لأنه كلما كانت هناك فوضى أمنية في داخل العراق، كلما أعطت مبرراً للأميركيين للبقاء فيها من أجل حفظ الأمن، كونهم يعتقدون أن الجيش العراقي والشرطة العراقية لا يستطيعان حفظ أمن العراقيين، وخصوصاً أن أميركا لم تعطِ الجيش العراقي والشرطة العراقية القوة الضاربة، ما جعل أفراد الشرطة والجيش العراقي غير قادرين على حماية أنفسهم. لذلك، نحن نعتقد أن أميركا تريد البقاء طويلاً في العراق، وتريد إيجاد قواعد أميركية متقدمة في المناطق العراقية، وهي قد تحتاج إلى أن تبقي قواتها في العراق لمدة طويلة. نحن نلاحظ أن لأميركا 130 ألف جندي مع القوات المتعددة الجنسيات في العراق، ولذلك لا يمكنها في الوقت نفسه القول إنها لا تستطيع السيطرة على هؤلاء الإرهابيين، وهي تملك مثل هذا العدد من العسكريين. ونحن نتساءل في هذا المجال: لماذا تدخل المدن والبلدات ثم تنسحب منها ليأتي التكفيريون وينفذوا المجازر من دون أن يجدوا أي رد فعل من قبل هؤلاء الأميركيين؟!
س: ما هو المخرج إذا؟
ج: ليس هناك من مخرج إلا في وحدة الشعب العراقي، وتحوّله بأجمعه إلى رافض للمحتل الأميركي.
س: هناك من يقول إن خروج القوات الأميركية من العراق سيؤدي إلى مضاعفات أمنية وما إلى ذلك؟
ج: ليس من الضروري ذلك، لأنّ حجة التكفيريين وما يسمى المقاومة هو الاحتلال، فإذا خرج الاحتلال، فلن يبقى هناك من حجة. نحن طرحنا أن تتسلم القيادة في العراق الأمم المتحدة، وأن تعطى القوات المتعددة الجنسيات للأمم المتحدة، وعندها لن يبقى أي مبرر للمقاومة لكي تقوم بأعمالها، سواء كانت مذهبية أو غير مذهبية، لأنّ الأمم المتحدة لا تعتبر جهة محتلّة.
س: سماحة السيد، ما هو الدور الذي تلعبه سوريا وإيران في العراق؟
ج: أتصور أنه دور إرباك للوجود الأميركي في العراق، على أساس الدفاع عن النفس، لأن أميركا تضغط على سوريا من جهة لبنان، وليس لحساب اللبنانيين، لكي تقدم سوريا التنازلات في العراق وفي فلسطين، وهي تضغط على إيران من أجل أن تقدم إيران التنازلات في سياستها مع أميركا. لذلك، فمن الطبيعي جداً أن تتحرك سوريا وإيران من أجل إرباك الوجود الأميركي في داخل العراق للدفاع والمحافظة على النفس.
س: هل هناك احتمال لإدخال قواتٍ عربية إلى العراق؟ وهل يمكن لذلك أن يوقف الفوضى في العراق؟
ج: لا أتصور أن العرب يمكن أن يقبلوا بدخول قواتهم إلى العراق، لأنها ستواجه مشاكل كثيرة من قبل العراقيين، كما أن العراقيين لا يريدون ذلك، بسبب وجود بعض التعقيدات بالنسبة إلى القوات العربية، وخصوصاً التعقيدات المذهبية، كون القوات العربية، وحسب المصطلح المذهبي، سنية. لذلك، لا أتصور أن تكون هناك واقعية لدخول قوات عربية إلى العراق.
س: ما هو تقييمكم لعملية الحوار الجارية في لبنان؟
ج: لقد شكّل مؤتمر الحوار فرصةً نفسية للمتحاورين، لأنه استطاع أن يزيل التشنج والانفعال، وينقل المشكلة اللبنانية من الشارع إلى المجلس النيابي، ولكن هناك قضايا معقدة في مواقع الحوار، وخصوصاً القرار 1559 الذي يتناول سلاح المقاومة ومزارع شبعا وما إلى ذلك، وهو ما يصعب على حزب الله التنازل عنه، كما يصعب على فريق ما يسمى بالأكثرية أن يوافق على بقائه. هنالك من يتصور أن المسألة عندما تصل إلى هذه المواقع، فإنها قد تخلق تعقيدات كثيرة في هذا المجال، وخصوصاً أن المسألة لم تعد مجرد مسألة لبنانية بل هي مسألة دولية، لأن قضية القرار 1559 هي قضية المجتمع الدولي الذي تقوده أميركا وتتبعه فرنسا. لذلك، فإنني لا أجد هناك إمكانات لنجاح شامل للحوار، وعلينا أن نراقب التدخلات العربية، وخصوصاً الرياض والقاهرة، فيما إذا كانت ستنجح بإيجاد أساس للوفاق أم لا.
س: ما هو في نظركم أساس النزاع بين القوى اللبنانية المتصارعة؟
ج: هو القرار 1559 المرتبط بسلاح المقاومة ومزارع شبعا.
س: هل يمكن انتظار نتائج إيجابية حقيقية لهذا الحوار؟
ج: لا أتصور أن تكون هناك نتائج إيجابية في القضايا الحساسة. في بعض القضايا الجانبية، يمكن أن تكون هناك نتائج إيجابية، ولكن في القضايا الرئيسية، من الصعب التوصل إلى نتائج محسوسة، كقضية رئاسة الجمهورية على سبيل المثال.
س: ما هو موقفكم من المسألة النووية الإيرانية؟ ولماذا الإصرار الأميركي ـ الأوروبي على وقف العمل بالبرنامج النووي الإيراني؟
ج: إن المشروع النووي الإيراني السلمي، قد يعطي إيران الفرصة الكبيرة في اقتصاد متطور، وعند ذلك، سوف تستخدم إيران الطاقة النووية في الكهرباء والمشاريع الصناعية، وتتفرغ في مسألة النفط لتطوير اقتصادها على مستوى التصدير وما إلى ذلك، ولكن في اعتقاد أميركا وأوروبا، أن إيران عندما تكتسب الخبرة النووية، تستطيع أن تطوّر ذلك في المستقبل لتصنع السلاح النووي. فأميركا لا تريد لإيران ذلك، وكذلك أوروبا التي تخضع للضغط الأميركي، ولكن هذا سلاح ذو حدين، لأن إيران ليست العراق، فهي تملك أوراقاً كثيرة تستطيع أن تضغط بها على أميركا. فهناك 130 ألف جندي أميركي في العراق، يمكن أن يتحولوا إلى رهائن في أيدي إيران، وهناك أيضاً مصالح بترولية واقتصادية لأوروبا في إيران، وخصوصاً ألمانيا وفرنسا، ما يجعل المسألة تؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى الدول الأوروبية والأميركية، كما هي على مستوى إيران. ولذلك، لاحظنا أن الرئيس بوش عندما استمع إلى كلام رئيس الجمهورية الإيرانية نجاد، بأن إيران يمكن أن تؤذي أميركا، استثارته هذه الكلمة، وتحدث عنها بشكل سلبي، لأنّ إيران تستطيع أن تؤذي أميركا بطريقة أو بأخرى، وإن لم تكن في مستوى قوة أميركا.
إيران تريد أن تحصل على مشروع سلمي، ولكن البعض يعتقد أن حصولها على الخبرة يمكن أن يسمح لها بالتحول إلى السلاح النووي، إلا أن أميركا تتبع المعايير المزدوجة، ففي حين ترفض أن تقوم إيران بمشروع نووي سلمي، تقوم هي بعقد اتفاق مع الهند لمشروع نووي سلمي، كما أننا نجد أن هناك اتفاقاً قد عقد بين إسرائيل وبريطانيا لصنع السلاح النووي، وقد كشف عنه أخيراً، ما يعني أن أميركا تكذب في حديثها عن الخطر في إنتاج السلاح النووي في هذا المجال. هناك نقطة تملك فيها إيران ورقة كبيرة، وهي أنها ما تزال تحافظ على قوانين وكالة الطاقة النووية، وقد هددت أنه إذا فرضت عليها عقوبات، فسوف تخرج من الوكالة وتأخذ قضيتها في كل ما تريده في مشروعها النووي.
س: ما هو تقويمك للموقف الروسي من القضية الإيرانية؟
ج: الموقف الروسي دبلوماسي معتدل، فهو يراعي علاقاته بالدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن كما يراعي مصالحه في العلاقات بإيران، ولذلك فهو يتحرك على أساس الحل الوسط. من الطبيعي جداً أن مصلحة روسيا هي في الانفتاح على الشرق الأوسط، وهي عبر تحالفها مع الصين، تعرف أن أميركا تحاول أن تطوّقها وتطوّق الصين، من خلال تواجدها العسكري في أفغانستان وباكستان وأوزبكستان.
س: هل هناك تهديدات من إيران بسبب برنامجها النووي للدول الأخرى في المنطقة؟
ج: نحن نعرف أن إيران لم تهدد حتى الآن، ومنذ الثورة، أي دولة من دول المنطقة، وأما ما حدث في الحرب بينها وبين العراق، فإنّ العراق هو الذي هدّد إيران، وقد عقدت إيران اتفاقيات أمنية مع السعودية ومع كل دول الخليج، ما يعني أنها لا تفكر في الاعتداءات على جيرانها، بل تفكر في عقد علاقات تصالحية معهم، وهذا ما فعلته حتى مع أفغانستان وباكستان والهند في هذا المجال.
س: ما هو تعليقكم على فضيحة الرسوم الكاريكاتورية؟
ج: نحن نعتبر أن القانون الدولي يمنع أي عمل يؤدي إلى الكراهية بين الشعوب، وهذا موجود في قوانين الأمم المتحدة. ولذلك نعتبر أن هذه الصور المسيئة للنبي أثارت الكراهية في كل العالم الإسلامي ضد الغرب، وهذا ليس من مصلحة الغرب، كما ليس من مصلحة العالم الإسلامي. إننا لم نجد أي مرحلة توحد فيها المسلمون بكافة مذاهبهم وفي كل أنحاء العالم من دون أي اتفاقيات، كما توحدوا في هذه القضية بالذات، ولذلك نعتقد أن هذا الغضب الإسلامي الذي كنا نريده أن يكون غضباً معتدلاً، أي أن لا يؤدي إلى نتائج سلبية، هذا الغضب حقق الغرض، لأنّ تكرار هذه التجربة سوف يؤدي إلى نتائج سلبية حتى على المستوى الاقتصادي بالنسبة إلى الغرب، وقد لاحظنا كيف أن المسلمين قاطعوا البضائع الدانمركية والنرويجية بشكل تلقائي، وبدون أي تخطيط في هذا المجال، وقد بدأت تظهر دعوات في العالم الإسلامي إلى مقاطعة البضائع الأوروبية والأميركية والإقبال على البضائع الآسيوية، كما أن هناك جهات يمكن أن تستغل الأزمة اقتصادياً وسياسياً.
س: هناك البعض يعتبر أن هذه الرسوم الكاريكاتورية هي مجرد صور؟
ج: صحيح، لكن هذه الصور فيها نوع من الإساءة إلى مشاعر المسلمين، لأن ارتباط المسلمين بالنبي محمد(ص) هو ارتباط يصل إلى حد التقديس، ولذلك فهي في العرف الإسلامي تمثل نوعاً من أنواع الحرب على المشاعر الإسلامية، حيث صوّر النبي كإرهابي وما إلى ذلك، وهذا على خلاف الصورة الحقيقية للنبي محمد نبي السلام والخير والمحبة.