بيروت ـ من مصطفى ياسين
في حوار أجرته صحيفة الرأي العام الكويتية مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تحدّث عن:
الانسحاب السوري وتداعياته
س: حصلت خلال الأشهر الماضية تطورات متسارعة، كان البارز فيها الانسحاب السوري من لبنان، كيف يقرأ السيد فضل الله هذه المستجدّات وتداعياتها المستقبلية؟
ـ عندما ندرس كل التطورات التي حدثت في لبنان، وفي مقدمها الانسحاب السوري، فإننا لا نستطيع إلا أن نضعها في دائرة المشروع الاميركي في المنطقة، الذي حاول أن يثير «الفوضى البناءة» حسب تعبير الإدارة الأميركية، من أجل أن يخلط كل الأوراق، ليحقق الرئيس جورج بوش مشروعه المعلن في مكافحة الإرهاب، وفي تحريك الديموقراطية في المنطقة، بما تشتمل عليه من حقوق الإنسان ومن حركة الحريات.
ومن الطبيعي أن المسألة السورية مسألة معقدة في المشروع الأميركي، ما انعكس سلباً على العلاقات بين سورية وأميركا، أولاً من خلال المسألة العراقية، لان أميركا كانت تأمل وهي تضغط على سورية، أن تساعدها مساعدةً فعالة على تثبيت احتلالها في العراق، سواء كان ذلك في الخط السلبي، بأن تراقب حدودها وتمنع من عبور أراضيها كل الفئات التي تتهمها (الولايات المتحدة) بأنها وراء «أعمال العنف» في العراق, أو في الخط الإيجابي، بأن تستخدم سورية كل مواقعها في العراق لدعم الاحتلال الاميركي.
ثم هناك الجانب الآخر، وهو الجانب الإسرائيلي، والمعروف أن سورية لا تزال الدولة العربية الوحيدة التي تملك استراتيجية سياسية في دعم القضية الفلسطينية، ولذلك فهي تحتضن بطريقة أو بأخرى المنظمات الفلسطينية من خلال احتضان قياداتها، لتعطيها الموقع الآمن عندها، ثم في دعمها لبعض الخطوط في الداخل الفلسطيني، إضافةً إلى مسألة «حزب الله»، باعتبار أن أميركا تحسبه على سورية كامتداد سياسي وأمني، وكقوة تدعم المقاومة الإسلامية في لبنان، ولذلك فإنها تريد من سورية أن تضغط على «حزب الله» أولاً، وأن تنـزع سلاحه ثانياً.
وعليه، فإن القرار 1559، عندما صدر بالتوافق مع فرنسا، وبالضغط على أعضاء مجلس الأمن، إنما كان موجهاً ضد سورية وليس لحسابات لبنانية خاصة، وأميركا أرادت أن تسلب من سورية الورقة الوحيدة التي بقيت لها خارج حدودها، والتي تعطيها تحريك العنفوان العربي الذي تحاول أن يبقى في عناوينها السياسية الكبرى.
من هنا، مسألة الانسحاب السوري من لبنان كانت لإسقاط ورقة القوة التي تملكها سورية في التحرك في أكثر من خط، لحسابات معينة، سواء على المستوى الاستراتيجي أو على المستوى الإقليمي الداخلي الذاتي، ومن الطبيعي أن ذلك يحتاج إلى تحريك الوضع الداخلي اللبناني، وجاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري ليساهم في شدته وعنفه وامتداده، حيث بادر كل هذا التجمع الداخلي والخارجي إلى اتهام سورية، وتسويق هذا الاتهام وتوظيفه في وجدان الشعب اللبناني، ليتم استغلاله من قبل الفئات المعادية لسورية استغلالاً كبيراً، ولا سيما أن هذه المسألة استطاعت أن تدخل المسلمين في الخطوط التي يتحرك فيها المسيحيون، في المعارضة المسيحية في «قرنة شهوان» وما إلى ذلك.
وهكذا كان، فانسحبت سورية من كل لبنان تحت تأثير ظروف معقّدة، ولا تزال الأمور تتفاعل، وخصوصاً في مسألة لجنة التحقيق الدولية التي وافقت عليها سورية ولبنان، وإسقاط الأجهزة الأمنية التي كانت تحسب على الخط السوري، وما إلى ذلك من مسألة الانتخابات.
إذاً، المسألة اللبنانية في مجملها أميركية، ولذلك نلاحظ أن السفير الأميركي يتابع تدخلاته وعلاقاته بأغلب الأطراف اللبنانية التي تقف ضد سورية حسب الموقع، حتى إن هذا السفير عندما أخذ إجازةً، تم استقدام نائب مساعد وزيرة الخارجية ديفيد ساترفيلد ليقوم مقامه ويرعى كل الخطوط الاعتراضية ضد سورية.
أما فرنسا، فإنها تتحرك في دائرة من خلال رعاية مصالحها التي بدأت تهتز بطريقة أو أخرى في علاقاتها مع سورية، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية.
مستقبل النظام السوري
ثم إن هناك حديثاً بأن أميركا تريد إسقاط النظام السوري، في إطار سياستها الرامية إلى إسقاط كل الأنظمة التي تعتبرها ديكتاتوريةً، لاستبدالها بما تتحدث عنه من «دمقرطة» هذا النظام أو ذاك.
ولذلك، بدأت الأحاديث السياسية، والضغوط على مستوى الكونغرس ومراكز الدراسات والإعلام الذي يقوده المحافظون الجدد واللوبي الصهيوني وما إلى ذلك، فحصل انطباع بأن أميركا تريد إسقاط النظام السوري، ولكننا عندما ندقق في المسألة، نرى أن أميركا لم تضع في حساباتها، في المستقبل المنظور على الأقلّ، إسقاط النظام السوري، ولكنها وضعت في حساباتها استعمال كل أدوات الضغط على سورية، سواء كانت أدوات داخلية أو خارجية، من أجل أن تقود سورية إلى تلبية المصالح الأميركية، إن من خلال مصلحة إسرائيلية، أو من خلال احتلال العراق.
وعليه، نجد أنّ الحديث الذي يتكرّر في تصريحات الرئيس بوش من جهة، أو وزيرة خارجيته من جهة أخرى، أو من خلال الإعلام، هو أن سورية لم تستجب لمطالب أميركا، وأنها لم تفهم خلفيات الموقف الأميركي، وعندما ندرس الخطة الأميركية، نعرف أن أميركا ليست لديها مشكلة إذا سقط النظام السوري تلقائياً، فهي ليست مستعدة لأن تدافع عنه في المرحلة الحاضرة، كما كانت تدعي بأنها تدافع عنه سابقاً، باعتباره مركز استقرار في المنطقة مثلاً.
لكن سقوط النظام السوري تلقائياً على طريقة أوكرانيا أو جورجيا ليس واقعياً، خصوصاً أن الدول العربية تخشى من سقوط النظام السوري، لأنها تحت تأثير إرباكات داخلية يمكن أن تؤدّي إلى امتداد السقوط إليها، كما في مصر أو السعودية أو غيرهما.
أما المسألة العسكرية، فإن أميركا لن تغامر أبداً لعراق سوري جديد، إذا صح التعبير، بل إن الحرب الأميركية على أي موقع عربي أو إسلامي في الوقت الحاضر، ليست واردة في حسابات الظروف الواقعية للسياسات الأميركية في المنطقة، ولا سيما بعد أن خاضت في وحول المسألة العراقية.
لذلك نقول إن المسألة اللبنانية الآن في كل مفرداتها، هي التخطيط لوصاية أميركية عليه كبديل عن الوصاية السورية، وهذا ما نلاحظه عندما نستمع إلى السفير الأميركي وهو ينصح اللبنانيين في تصريحاته القيام بهذا الأمر أو ذاك، على طريقة «كاد المريب أن يقول خذوني».
وأتصوّر أن المهمة الأساسية لدى أميركا في المرحلة الحاضرة هي أن تحصل الانتخابات، بغض النظر عن القانون الذي يحكم هذه الانتخابات، سواء كان قانون القضاء أو قانون المحافظة على أساس الأكثرية أو النسبية، لأنّ الرئيس الأميركي يريد أن يقدم لبنان كأنموذج استطاعت أميركا أن تؤكد الديموقراطية فيه، ليثبت للرأي العام الأميركي النجاح في مشروعه، بعد أن أصبحت هناك عدة تعقيدات في مشروع الدمقرطة في العراق أو في فلسطين أو في أفغانستان, وأميركا تستعجل إجراء الانتخابات ليقطف الرئيس بوش في ولايته الثانية هذه الثمرة التي يحاول إنضاجها من خلال الفئات التي تتحرك في خط السياسة الأميركية في لبنان.
س: هل هذا يعني أن هناك تدويلاً للوضع اللبناني، وأنه انتقل من الوصاية السورية إلى الوصاية الأميركية؟
ـ لبنان كان يخضع لخطوط دولية، ولكن لم يكن هناك أي اهتمام في خطوط السياسة الأميركية سابقاً بلبنان، إلا بقدر ما يتعلق الأمر بإسرائيل أو في رعاية أميركا للوضع الإسرائيلي، سواء من خلال المقاومة، أو ضبط الإيقاع السوري وما أشبه ذلك, ولكن العناوين التي انطلق منها الرئيس بوش في ولايته الأولى أو الثانية، هي تنبيه إدارته إلى وجود مصالح معينة لأميركا في النسيج اللبناني، ولذلك أصبح لبنان عروس الشعر للرئيس الأميركي الذي يتحدث به صباحاً عندما يستيقظ من النوم، وظهراً ومساءً، تماماً كما لو كانت القضية متداخلة مع القضية الأميركية.
الموقف الشيعي في ظل التطورات الأخيرة
س: البعض يصف التطورات الأخيرة التي حصلت في لبنان، بأنها حركة استقلالية، وأنّ الشيعة وقفوا خارجها يغردون خارج السرب؟
ـ لا أتصوّر أن الشيعة يغردون خارج سربهم، لأن الخط الإسلامي الشيعي يتحرك في عناوينه الأولى لحماية لبنان من السيطرة الإسرائيلية أولاً، ولمعارضة السياسة الأميركية ثانياً, ولهذا فإنّ هذا الخط السياسي لا يزال يتحرك في مساره الطبيعي في هذا المجال.
من الممكن جداً أن يتحدث البعض بأن المسلمين الشيعة لم يشاركوا في كل هذه «الهمروجة» التي تقودها المعارضة المسيحية بالذات لاستعادة لبنان المسيحي، مهما غلفوا ذلك بغلاف الوطنية وغيره، بهذا فإنّ الشيعة لا يزالون يمثلون الرقم الصعب في المسألة اللبنانية، وهذا ما نلاحظه في كل الوسط اللبناني الذي يتحدث عن الحوار مع التيار السياسي الشيعي من خلال «حزب الله»، أو من خلال حركة «أمل»، لأن الجميع يشعرون أنهم لا يستطيعون أن يحسموا أي أمر سياسي في لبنان بعيداً عن الحوار والتفاهم مع هذين التنظيمين، والكثيرين من المستقلين في الوسط الإسلامي الشيعي.
إن الشيعة لا يزالون يخلصون للعناوين الكبرى التي انطلقت في استراتيجيتهم السياسية، ونعتقد أن الشيعة انفتحوا على سورية، لأنها لا تزال تحمل العناوين الكبرى التي يؤمنون بها، وهي معارضة السياسة الأميركية ولو في الواجهة، وحمل القضية الفلسطينية، ولم يتحول الشيعة إلى عملاء لسورية كما قد يتحدث البعض، بل نلاحظ أن سورية كانت تستفيد من المقاومة، كما كانت المقاومة تستفيد من سورية.
س: وهل ترى في بقاء الشيعة خارج هذا «التحرك الاستقلالي» ظاهرة صحية، أم أنه قد يؤدي إلى عزلهم وطنياً؟
ـ كلمة أنهم بقوا خارج التحرّك، يعني أنهم خارج المعارضة التي لا يؤمنون بالكثير من قياداتها، ولا يؤمنون بالكثير من عناوينها، لأنهم فريق مستقل، هم ليسوا موقعاً سياسياً يذوب في المواقع الأخرى, هم موقع سياسي فاعل يملك قوةً في المستوى الميداني، وهذا ما لاحظناه عندما انطلقت التظاهرات التي ضمت مئات الألوف في ساحة رياض الصلح، ما يعني أنهم يملكون قوةً ذاتية كما يملك الآخرون قوى ذاتية، ولذا من الصعب جداً على كل الفئات اللبنانية أن تنظر إلى الموقع الإسلامي السياسي الشيعي على أساس أنه موقع معزول، لأنهم هم يعزلون الآخرين بدلاً من أن يعزلهم الآخرون.
الوحدة في التنوّع السياسي
س: المعروف عن الشيعة، خصوصاً في لبنان، أنّ لديهم تنوعاً سياسياً وفكرياً، لماذا تحوّلوا إلى طائفة ذات موقف موحد ورأي موحد، خصوصاً أن سماحتك صاحب فكر تنويري؟
ـ قيمة المسلمين الشيعة أنهم يعيشون الحرية في داخل مكوّناتهم السياسية، كما يعيشون الحرية خارج هذه المكونات بالنسبة إلى سيطرة الآخرين عليهم، ولا يملك أحد من قيادات وزعماء الشيعة السيطرة المطلقة عليهم، وهناك مستقلّون في المسألة السياسية ممن ينتمون إلى أحزاب علمانية أو خطوط سياسية معينة, لذلك فإنّ قضية تفرع الخطوط السياسية داخل النسيج الشيعي يعتبر مصدر عافية وليس مصدر مرض، لأنهم في كل تاريخهم لم يخضعوا لقوة واحدة، وإنما كانوا يمارسون حريتهم السياسية، وكذلك حريتهم الفكرية, وقد يتحالف بعضهم مع البعض من خلال العناوين المشتركة، لكنهم في الوقت نفسه يبقون على أساس المفردات الاستقلالية هنا وهناك. قيمة الشيعة، ولعلّها مشكلة في لبنان، أنهم ليسوا طائفة، وإنما هم فريق إنساني سياسي يتنوع في داخله كما يواجه التحديات التي تأتي من خارجه.
س: لكن بدا أنهم تحولوا في الفترة الأخيرة إلى طائفة عكست الحالة الطائفية السائدة؟
ـ عندما تواجه التحديات الكبرى الجميع، فمن الطبيعي جداً، إذا كان الجميع يحسبون الحسابات بدقة على أساس موضوعي وعقلاني، أن ينضم بعضهم إلى بعض من أجل مواجهة التحديات.
س: لكن رغم كونك مرجعية شيعية، نلاحظ أنك منفتح على المعارضة والموالاة؟
ـ منذ أن بدأت عملي العام، سواء كان سياسياً أو إسلامياً أو ثقافياً، كنت أمارس الانفتاح على كل الناس، وأمارس أيضاً الاستقلالية في رأيي، ولم أكن جزءاً من أي حزب إسلامي شيعي بالمعنى التنظيمي، ولم أخضع أيضاً لأي دولة، ولذلك فإنّ علاقتي بالجمهورية الإسلامية جيدة، ولكني لست تابعاً لها, كما أن علاقتي بالجمهورية العربية السورية جيدة ولكني لست تابعاً لها, وأحاول دائماً أن أتحاور مع الجميع، مع المعارضة والموالاة معاً، وأن أعطي رأيي بكل صراحة، ولذلك أسجل ملاحظاتي بصراحة على بعض ما تتحرك فيه قيادات المعارضة, كما أسجل ملاحظاتي على الموالاة إذا صح التعبير.
سلاح المقاومة
س: في ظل الانسحاب السوري وتطبيق القرار 1559، طرح موضوع المقاومة وسلاحها، هل لديكم مبادرة جديدة لمسألة المقاومة، وخصوصاً أن السيد حسن نصرالله أعرب عن استعداده للتحاور الداخلي حول مستقبلها؟
ـ نقول لكل من يتحدث عن سلاح المقاومة على المستوى اللبناني الداخلي، إن للمقاومة علامات استفهام حول ما هي الضمانات السياسية والأمنية التي يمكن للبنان أن يحصل عليها من خلال احتمالات العدوان الإسرائيلي، لأن إسرائيل، كما نعرف جميعاً، لا تعدم المبررات لشنّ عدوانها على هذا البلد أو ذاك، ونعرف أن عدوان إسرائيل عام 1982، الذي اجتاحت فيه لبنان تماماً حتى عاصمته، انطلق من محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، والتي اتّهمت بها الفلسطينيين، واستندت إلى ذلك لتبرر عدوانها. ليس هناك من يمكن أن يعطي ضمانات حقيقية لعدم قيام إسرائيل بعدوان جديد.
ثم هل يملك الجيش اللبناني بإمكاناته المتواضعة بالنسبة إلى سلاحه، وبالنسبة إلى السياسة التي تقود حركته، أن يدخل في حرب مع إسرائيل؟ وهل يملك أحد الآن ضبط الفئات الفلسطينية التي يمكن لها أن تنطلق من أجل أن يلتقي داخل فلسطين بخارجها؟ وهل يملك أحد أن يسيطر على هذا الوضع؟ أم أن المسألة سترجع كما كانت سابقاً؟ ليس هناك حتى الآن أي جواب لعلامات الاستفهام هذه. لذلك، إذا عرفنا أن سلاح المقاومة لم يستعمل ولن يستعمل كما يقول «حزب الله» في نزاعات داخلية، وإنما هو لحماية لبنان، وعندما يقدم الآخرون أطروحة واقعية حول إمكانات حماية لبنان من إسرائيل، ولا سيما في الظروف التي لا تزال فيها إسرائيل تمثل دولة معادية للبنانيين، يمكن حينها أن يكون هناك حوار على المستوى السياسي والواقعي.
س: من المعروف أن البند الثاني في القرار 1559 يتعلق بسلاح المقاومة, هل يمكن أن نصل إلى يوم يصبح فيه هذا السلاح موضوع مفاوضة دولية، كما السلاح النووي الإيراني؟
ـ المسألة التي لا بد لنا من أن نحدق بها، هي هل أن أميركا ومعها فرنسا على استعداد للدخول في حرب مع المقاومة في لبنان؟ وهل هناك ظروف واقعية لإرسال جيش أميركي ـ فرنسي أو دولي من أجل القيام بنزع سلاح المقاومة؟ إن هناك كلاماً نشر في الصحافة، وهو أن أميركا وفرنسا مستعدتان لمساعدة لبنان على نزع سلاح المقاومة, والسؤال: هل يملك لبنان أن يدخل في عمل عسكري ضد المقاومة ليطلب مساعدة دولية؟ ثم ماذا يحدث للبنان إذا دخلت المقاومة الحرب للدفاع عن نفسها وعن سلاحها؟ إنني أتصور لو أن معالجة سلاح المقاومة انطلق من خلال خطة عسكرية خارجية أو داخلية، فسوف تكون الحرب اللبنانية الماضية لا تمثل شيئاً أمام ما يمكن أن يحدث من حرب في هذه المسألة، في دفاع المقاومة عن نفسها، سواء دخلت إسرائيل على الخط أو لم تدخل، لن يبقى لبنان كما هو الآن, وهذا كلام لا أتحدث به من خلال التهويل، ولكن من خلال الحسابات الدقيقة.
س: لكن ألا ترى أن دخول «حزب الله» في اللعبة السياسية الداخلية يؤثر على قوة المقاومة؟
ـ هو حزب سياسي تماماً كما هو حزب مقاومة، الحزب الذي لديه اثنا عشر نائباً في البرلمان، كيف لا يكون حزباً سياسياً؟!
س: بم ترد على القائلين إن هذا الطرف هو وحده الذي يحمل سلاحاً في لبنان؟
ـ هذا الطّرف صرّح ويصرّح ـ ويمكن للآخرين أن يتحدوا تصريحاته ـ أنّه لن يدخل في أي حرب داخلية، ولن يستعمل السلاح للحرب الداخلية، بل إنّه حرّر جزءاً كبيراً من لبنان بسلاحه وبانضباطه، ثم إنه عندما حصل التحرير لم يمارس أي عمل سلبي بوجه كل الفئات التي كانت قريبة من الإسرائيليين، بل إن الجميع، بمن فيهم المسيحيون في المناطق الحدودية، لاحظوا أن المرحلة التي سيطرت فيها المقاومة على المنطقة، كانت من أفضل المراحل أمناً.
الانتخابات والتحوّل السياسي
س: لبنان بعد التطوّرات الأخيرة، مقبلٌ على استحقاق الانتخابات النيابية، كيف تنظر إلى هذا الاستحقاق؟ وهل يمكن أن يغير في الوضع الداخلي، أم أنه قد يكون مدخلاً لإعادة تحريك العفاريت الطائفية، ما يضع البلد أمام المجهول؟
ـ من الصعب جداً، أمام التطورات التي حدثت في لبنان، أن يسيطر أي فريق على البلد، على أساس سياسة الغالب والمغلوب.
ومن الطبيعي أن التطوّرات التي قد تحدث من خلال الانتخابات، يمكن أن تؤدي إلى وجود أكثرية هنا، مقابل أكثرية سابقة. قد تحدث بعض التغيرات في خطوط السياسة اللبنانية، ولكني أتصوّر أن الذين يقودون المعارضة، كالذين يقودون الموالاة.
لقد جرّب اللبنانيون كل الأساليب الطائفية التي لا يزالون يعانون منها، وكانت التجربة للجميع ناجحة، وإذا بقي هؤلاء أو أكثريتهم يمارسون الأساليب نفسها، فإن فشل التجربة الماضية يدل على فشل التجربة المقبلة.
س: إلى أين يمكن أن يؤدي مثل هذا الفشل؟
ـ يبقي لبنان في حال الاهتزاز السياسي بعيداً عن الاهتزاز الأمني, كانت «ثلاثيتي» في أيام الحرب على لبنان: لا تقسيم، لا انهيار، لا استقرار, وهكذا أريد للبنان أن يبقى ساحة للاهتزازات السياسية والاقتصادية، لأنّ ذلك هو حاجة الذين يريدون من لبنان أن يكون الساحة التي تتنفس فيها مشاريع المنطقة.
س: وهل مكتوب على لبنان أن يبقى ساحة ولا يتحول إلى وطن؟
ـ عندما يتخلص اللبنانيون من الذهنية الطائفية ويستبدلونها بالمواطنية، ويتخلص لبنان من النظام الطائفي، يمكن أن نفكر في لبنان جديد.
س: وأين دور الشيعة في هذا المجال؟ وهل أنت راضٍ عن التمثيل الشيعي في الحكومة والبرلمان، وفي سلوكهم؟
ـ أعتبر أن الشيعة ليس لهم مشروع خاص، هم جزء من لبنان، يربحون ما يربحه لبنان، ويخسرون ما يخسره, وهم يعيشون المسؤولية عن لبنان كله، لأنّ الطائفة الإسلامية الشيعية هي الوحيدة التي حررت لبنان، بل إن لبنان من خلالها هو البلد الوحيد الذي هزم إسرائيل, لذلك يبقى العنفوان والعقلانية والموضوعية التي تجعل الشيعة منفتحين على بقية الأطياف اللبنانية على المستوى الديني وعلى المستوى السياسي.
س: أنا أتحدث عن الواجهة التي تمثل الشيعة في السلطة؟
ـ استضعف الآخرون هذا الفريق، وهددوا بسقوط الهيكل، ولذلك فإن المسلمين الشيعة كانوا أم الصبي.
تجربة الشيعة في الحكم
س: التطورات في العراق، أفرزت تسلم الشيعة عملياً للحكم مقابل معارضة سنية؟
ـ لم يصبح العراق حكومة شيعية كما هو المصطلح السياسي، لأنّ الشيعة أعلنوا منذ البداية وحتى الآن أن لا مشروع خاصاً بهم للاستبداد في الحكم، ولا للسيطرة على العراقيين، مع ملاحظة أخرى، وهي أن الشيعة ليسوا فريقاً واحداً، لأنّ هناك إسلاميين وعلمانيين، ورأينا كيف كان الصراع في قائمة هنا وقائمة هناك, كانت هناك قائمة شيعية ليبرالية وأخرى مختلطة بين إسلامية ومستقلة, لذلك عندما ننظر إلى الحكومة الحالية والموقتة، والتي لا ندري كيف ستتطور معها الأوضاع، نلاحظ أنها مؤلفة من فريق شيعي تمثله قائمة الائتلاف الموحد، وفريق كردي، وهم سنّة في الأغلبية، وهم انفتحوا أيضاً على الفريق السني الذي رفض الانتخابات تحت تأثيرات سياسية معينة، وهم لا يزالون يطالبون العرب المسلمين السنّة بالانضمام إلى الحكومة، فرئيس الجمهورية كردي سني, كما أن رئيس الجمعية الوطنية سني من الحزب الإسلامي العراقي.
إن الشيعة هم الفريق الإسلامي الوحيد الذي لا يحمل الذهنية الطائفية، بل يحمل الذهنية المنفتحة على كل الأطياف في العراق وخارجه، وإنّ الحديث عن خطر السيطرة الشيعية على العراق أو عن الهلال الشيعي، يدخل في حسابات الوهم والإثارة الموجهة ضد الشيعة، الذين يريدون عراقاً موحّداً منفتحاً على كل بنيه، ليصنعوا من العراق بلداً نموذجياً حضارياً، كما كان العراق يحمل الحضارة منذ آلاف السنين.
س: لكن وفق النظام الجديد، فإن رئيس الحكومة هو الحاكم الفعلي للعراق، كيف تنظر إلى وصول السيد إبراهيم الجعفري، وهو المتحدّر من حزب الدعوة الإسلامي إلى هذا المنصب؟
ـ هو جزء من قائمة الائتلاف الموحد التي تمثل أكثر القوائم عدداً، ولهذا فإنّ المسألة خضعت، سواء داخل الائتلاف الموحَّد، أو داخل الأطياف العراقية، للديمقراطية، ولم تخضع لمسألة الطائفية أو غيرها، ومن الطبيعي أن القائمة الأكثر عدداً لا بد أن يكون رئيس الوزراء منها, ولو فرضنا أنه دخل السنّة في المستقبل في الانتخابات، وضموا إليهم بعض الليبراليين أو العلمانيين، فمن الممكن جداً أن يكونوا هم الأكثرية التي يمكن أن تتسلم رئاسة الوزراء.
س: إلى أين يمكن أن تصل التجربة العراقية، إلى عراق موحد أم إلى كيانات؟ وما الدور الأميركي في هذا المجال؟
ـ العراقيون يريدون عراقاً موحداً، حتى إن البعض منهم لا يزال يسجِّل علامات استفهام على الفيديرالية في العراق في شأن الاستقلال الذاتي للأكراد، العراقيون لا يوافقون على تقسيم العراق، على أساس أن تكون دولة شيعية ودولة سنية ودولة كردية, لكن المسألة تحتاج إلى متابعة الأوضاع السياسية الدولية، لا سيما الخطة الأميركية التي تحرك الواقع السياسي على أساس المصالح الأميركية الاستراتيجية.
"الرأي العام" الكويتية، 29ربيع الأول 1426هـ/8-5-2005م