الحقيقة هي بنت الحوار ولا مقدّسات فيه

الحقيقة هي بنت الحوار ولا مقدّسات فيه
 

عالمٌ متميّز برؤية ثاقبة، يؤصِّل المفاهيم بروح قرآنية صافية، يؤسِّس لمنهج انفتاحي، ويضفي على الحوار لمسة جمالية، يحاكي التجربة، ويسبر أغوار مكنوناتها، لينثر من بين طيّاتها الحكمة والعِبَر، إن لم نقل يستشرف معالم المرحلة المقبلة وآفاق المستقبل. إنه سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، أجرينا معه هذا الحوار حول بعض الموضوعات والقضايا التربوية والاجتماعية وغيرها من التحديات التي تواجهنا، وهذا نصّ الحوار:

دور المدرسة صنع الإنسان

س: كيف ينظر سماحتكم إلى التربية الإسلامية في المدارس؟ وما هو دورها في تشكيل شخصية الناشئة؟

ج: ليس دور المدر سة مجرّد أن نملأ عقل الطالب بالمواد العلمية وبالعنصر التنظيمي والتثقيفي، حيث الجانب التجريدي في الفكر، ليتحوَّل عقل الطالب إلى مكتبة، ولكن دورها هو صنع الإنسان. أن نصنع عقله في المستوى الذي يتحرك في جدلية الحوار والنقاش وإثارة علامات الاستفهام ومحاولة الإجابة عنها أو الدخول في حوار مع الآخر حولها، لنعطي العقل طاقة يتحول معها إلى عقل متحرك يواجه كل علامات الاستفهام بشجاعة وبقوة، وينطلق بعيداً عن التقاليد التراثية ليناقشها إيجاباً أو سلباً، وليواجه المتغيّرات، سواء في الجانب الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي، في عملية تأصيل لهذا الموقف.

وهكذا، فإنّ دور المدرسة هو أن تصنع للإنسان قلبه بما يضمنه مصطلح القلب من الجانب العاطفي والإحساسي والشعوري، حيث يرتكز على الأسس التي ترفد العاطفة لتعقلنها، لتوجد وحدة بين العاطفة والعقل، بحيث تنطلق مفردات العاطفة مع العقل في ما يصلح وفي ما يفسد، لأننا نرى أنه لا مكان لهذه الثنائية بين العقل والعاطفة، بل نرى أن الإنسان يمثل وحدة تتمازج فيها العاطفة مع العقل، والعكس صحيح، الأمر الذي يجعلنا نشعر بأنه من الضروري جداً أن نعقلن العاطفة، في أن نجعلها تنطلق من قاعدة المبادىء الإنسانية والإسلامية وما إلى ذلك. لهذا فإننا نتصوّر أن عملية التربية هي العملية الحركية من أجل أن يعيش الإنسان إنسانيته في نطاق مبادئه، وفي نطاق القضايا التي يتحرك في داخلها من خلال حركة الحياة.

ومن هنا نعرف أنه لا بد من اختيار الأستاذ والمربي الذي يملك ذلك الوعي العقلاني والعاطفي والحركي من أجل أن يمنح الطالب بعض ذلك أو كل ذلك.

الخطاب التربوي الإسلامي

س: سماحة السيد، ما هي في رأيكم، الخطوط العريضة للخطاب التربوي الإسلامي في هذه المرحلة؟

ج: إننا نعتقد أن القاعدة التي طرحها الإسلام تقول إن العقل هو الأساس، فبالعقل نعرف الله، وبالعقل نعرف أنفسنا، وبالعقل نعرف حقائق الأشياء، وبالعقل نعرف حركية الحياة في ما يتصل بكل أوضاعنا العامة والخاصة، وهذا هو الذي عبّر عنه الحديث المأثور: "لمّا خلق الله العقل قال له أقبِل فأقبَل، ثم قال له أدبِر فأدبَر، ثم قال: وعزّتي وجلالي، ما خلقت خلقاً أعزّ عليّ منك، إياك آمر وإياك أنهى، وبك أثيب وبك أعاقب". وقد ورد الحديث بأن "العقل رسول من الداخل كما أن الرسول عقل من الخارج".

وعلى ضوء هذا، لا بد من أن نؤكد في خطوط التربية الإسلامية، أصالة العقل في شخصية الإنسان، لينفتح بالعقل على كل ما يحيط بالحياة، باعتبار أن الإنسان المسلم يحمل في مسؤوليته قيادة الحياة، وقيادة الإنسان في الحياة، ولا يتحقق ذلك إلا في أن يبرمج الإنسان عقله، وينفتح به على حركية الواقع، ليخطط له ويتعرف خلفياته وأسراره ومعطياته ونتائجه.

ومن خلال هذه الحركية للعقل، لا بد أن نلتقي بخط العلم، لأن العلم هو الذي ينطلق من العقل ويكوّن العقل، وقد أراد الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يأخذ بأسباب العلم، سواء العلم القائم على التأمّل، أو العلم القائم على التجربة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} (الزمر:9). وهكذا نجد أنّ الله يريد للإنسان أن يظل في حركة تصاعدية في عملية إنتاج العلم واستظهاره، وذلك هو قوله تعالى: {وقل ربِّ زدني علماً} (طه:114)، ونحن نقرأ أيضاً كلمة الإمام علي(ع): "قيمة كلِّ امرىءٍ ما يحسنه".وعليه، لا بد في خطوط التربية الإسلامية أن نعيش الناس الذين نلتقيهم ونتحمّل مسؤوليتهم، من خلال قاعدة الاعتراف بالآخر، باعتبار أنه إذا كان من حقنا أن نختلف مع الآخر، فمن حق الآخر أن يختلف معنا، كما علينا أن نؤكِّد في التربية الإسلامية قبول الآخر وفكره وجوداً وانتماءً، لا بمعنى الالتزام بذلك، بل بمعنى أن نعيش معه كما يعيش معنا في عملية تفاعل وحوار يبسِّط فيه كل واحد منهما وجهة نظره للآخر، لأننا نعتقد أن مسألة الاعتراف بالآخر التي تنفتح على مسألة الحوار معه، هي التي يمكن أن تؤصل الفكرة وتؤكِّدها، باعتبار أن الحوار سوف ينتهي إلى التفاهم أو إلى اللقاء في هذا المجال، ونحن نعرف أنه "لا مقدسات في الحوار"، فالله حاور إبليس كما حاور الملائكة، والقرآن الكريم حاور الكافرين كما حاور المؤمنين، لأن مسألة الحوار هي مسألة تحريك الفكرة في عملية التفاعل أو في عملية التفاهم في هذا المجال، ونحن نعتقد أن الذين يرفضون الحوار يخافون الحوار، لأنهم قد يخافون أن يأخذوا ما التزموا به، نتيجة أن الحوار قد كشف خطأهم في هذا المجال.

لذلك نقول إن "الحقيقة هي بنت الحوار"، فعلينا أن نعلّم الطالب في المدرسة كيف يكون الإنسان المحاور، سواء في القضايا الفكرية أو في القضايا الحياتية في كل تنوعاتها، في الجانب السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي وما إلى ذلك.

ولعلّ من خطوط التربية الإسلامية أيضاً، قضية الإيمان بحركية القضايا والمشاكل التي تسود، أن يحلّها الإنسان بالرفق لا بالعنف، لأن الرفق هو الذي يمكن أن يحقق إنسانية الإنسان في إنسانية الآخر، وله الدور الأكبر في عملية الدعوة وفي عملية الإقناع، ونحن نعرف أن الرفق الذي يمثل حركة العقل الهادىء والأسلوب الهادىء والكلمة الهادئة، هو الذي يمكن لنا من خلاله أن نحرّك القضية في اتجاه اقتناع الآخر أو اقتناعنا من خلال الآخر، لأن العنف قد يضغط على الإنسان الآخر، ولكن لا يستطيع أن يحقق اقتناعاً، لأن هناك فرقاً بين أن تُسكت الشخص وبين أن تقنعه.

إننا كمسلمين يريد الإسلام منّا أن نبحث عن كل الوسائل التي يقتنع بها الإنسان الآخر، ولذلك ركّز الله سبحانه وتعالى في كتابه على القول بالتي هي أحسن، والجدال بالتي هي أحسن، وعلى الدفع بالتي هي أحسن، حتى إنه أراد منا أن نختار الأسلوب الذي يحوّل أعداءنا إلى أصدقاء، وذلك هو قوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌ حميم} (فصّلت:34)، وهكذا ننفتح على أساس احترام الإنسان في إنسانيته، سواء كان ممن يتفق معنا، أو يختلف معنا، وذلك هو ما أكد عليه القرآن في مخاطبة الآخر على أساس الوقوف على الكلمة السواء، في قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله} (آل عمران:64)، وهكذا نقرأ في عهد الإمام علي(ع) إلى مالك الأشتر قوله بأن "الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق"، فنحن كما نلتقي مع الأخوة في الدين نلتقي مع النظراء في الإنسانية في هذا المجال.

وهكذا تتحرّك المسألة على أساس ما نتفق عليه مع الآخر والحوار بما نختلف به معه، هذه الخطوط العامة الكبرى التي يمكن أن تمثل القاعدة الأولى لخطوط التربية الإسلامية التي لا بد للإنسان المسلم، سواء كان في داخل المدرسة أو في داخل المجتمع، أن يبشر بها ويأخذ بها.

مسؤولية الأسرة التربوية

س: كيف تنظرون إلى دور الأسرة في التربية، خصوصاً في ظلّ انشغال الآباء وغيابهم الطويل عن المنـزل وخروج المرأة إلى العمل؟

ج: نحن نعتقد أن للأسرة المسؤولية الكبرى في هذا المجال في الجانبين السلبي والإيجابي، ففي الجانب السلبي في مسألة انحراف الأبناء، نقرأ في الحديث النبوي الشريف: "كل مولود يولد على الفطرة، إلا أن أبويه يهوّدانه أو ينصّرانه...". وفي الجانب الإيجابي، يقول تعالى في القرآن الكريم: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} (التحريم:6)، {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} (طه:132)، وهكذا نقرأ أيضاً ما يحدثنا الله سبحانه وتعالى عن الجنة، فإنه يحدثنا عن الأسرة التي تعيش الصلاح في كل أفرادها، وذلك قوله تعالى: {جنات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب* سلام عليكم بما صبرتم فنِعْم عقبى الدار} (الرعد:23-24). فالأسرة عندما تكون صالحة، فإنها تكون في رعاية الله في الآخرة، ليعطيها الله هذا الامتداد الأسري في علاقتها بعضها ببعض.

إننا نعتقد أن مسؤولية الآباء والأمهات عن أولادهم لا تقتصر على رعايتهم وتنميتهم جسدياً، بل لا بد من أن تقوم بعملية الرعاية عقلياً وروحياً وعاطفياً وحركياً وما إلى ذلك، ولا بد للأهل من أن يفرّغوا شيئاً من وقتهم لمراقبة أولادهم في ما يمكن أن يأخذوا به من خلال البيئة خارج البيت من مؤثرات سلبية أو إيجابية، كما أننا نتصوّر أنّ دور القدوة هو دور مهم في هذا المجال، لأن الأب والأم يمثلان في انفتاح أبنائهم عليهما القدوة التي يتأثر بها الأبناء سلباً أو إيجاباً، الأمر الذي يفرض على الأبوين الانضباط في البيت، بحيث لا يتمثل الأبناء إلا الجانب الطيب الإنساني في كل القضايا الأخلاقية التي لا بدّ للإنسان أن يتّصف بها.

توحيد الرؤى بين المؤسسات الإسلامية التربوية

س: تكثر المؤسسات الإسلامية المهتمة بالتربية والتعليم؛ فهل ترى سماحتكم فائدة من التنسيق والتعاون بينها لتوحيد الرؤيا وتحقيق الأهداف المشتركة؟

ج: إننا من دعاة الوحدة الإسلامية أو التقارب الإسلامي، سواء في داخل المجتمعات الثقافية أو السياسية أو الاجتماعية وحتى الأمنية، ومن الطبيعي جداً أن تخطّط المدارس الإسلامية لإيجاد هذه الوحدة أو هذا التقارب والتنسيق فيما بينها، من أجل صنع جيل تتوحّد أفكاره أو تتقارب، لأن ذلك هو الذي يعطي للإنسان المسلم مصداقيته وقوته وانفتاحه، وتأكيد الخط الإسلامي الذي ركز معنى الأخوّة على المؤمنين: {إنما المؤمنون أخوة} (الحجرات:10)، حتى إن النبي(ص) أثار هذه المسألة بعدة وسائل، وهو القائل: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها"، يعني كُن أنت أخاك، كن أنت الآخر، كن أنت هو وليكن هو أنت، والحديث المعروف يقول: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".

وهكذا نقرأ في الأحاديث التي تتحدّث عن دور الأخوّة ودور الاهتمام العام بالأمة كلها: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمؤمن". إن على المدارس الإسلامية والمؤسسات الرعائية أن تعمل لتحصيل كل هذه المفاهيم وكل هذه المشاعر التي يمكن أن تكون حركة في خط الوحدة الإسلامية التي هي القاعدة التي ترتكز عليها قوة المسلمين وعزتهم وكرامتهم وقدرتهم على مواجهة التحديات.

دور وسائل الإعلام الحديثة في نشر الإسلام

س: ما هو دور وسائل الإعلام الحديثة والفضائيات والإنترنت؟ وكيف يمكن الإفادة منها لنشر الإسلام ودرء الشبهات عنه؟

ج: إنني أعتقد أن للإعلام دوراً كبيراً وفوق العادة، باعتباره يشحن عقل الإنسان السامع أو القارىء أو الشاهد بكل الأفكار التي قد تغير له مسار حياته من خلال تغييرها لتصوراته في الحياة. لذلك فإنّني أتصور أنّ على القائمين على الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي، أن يستفيدوا من أجهزة الإعلام لتساهم بشكل إيجابي في تنمية وإغناء إنسانية الإنسان المسلم، وتجعله قادراً على أن يجعل من نفسه قيادة للحياة. ونحن نقرأ في دعاء الافتتاح، أن الله يريد من كلِّ واحد منا أن يكون مشروع قائد: "اللهمّ إنا نرغب إليك في دولةٍ كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك".

إننا نعتقد أن للإعلام دوره في تلك المسألة، من خلال ما نقرأه في القرآن الكريم: {الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله} (الأحزاب:39)، ما يدل على أن عملية الإبلاغ التي هي الإعلام، تمثل خطاً إسلامياً أساسياً، ومن الطبيعي جداً أن نعطي لأجيالنا وعياً في الابتعاد عن الإعلام السلبي الذي يساهم في الانحراف الأخلاقي وما إلى ذلك.

عناصر الثقافة الإسلامية الأصيلة

س: ما هي الثقافة الإسلامية الأصيلة؟ وكيف ترون دورها في تحصين الأجيال والدعوة إلى الله؟ وكيف نحصّلها؟

ج: إن الثقافة الإسلامية تتمثّل في الإسلام كله، سواء كان في الخط العقيدي أو في الخط الشرعي أو في المفاهيم الحياتية العامة، سواء على مستوى علاقة الإنسان بنفسه أو بالله أو بالحياة أو بالإنسان الآخر، ولا بد لنا من أن نؤكد أن علينا أن نحرك الثقافة الإسلامية في وجدان الإنسان المسلم على المستوى المعاصر، بحيث لا نستخدم الأساليب القديمة التي كانت تنسجم مع ذهنية الإنسان في تلك المراحل، بل أن نعمل على أساس أن يكون لنا حسّ المعاصرة والانفتاح على ذهنية العصر وتطلّعاته وأوضاعه.

لأنّ لكل عصر أسلوبه وذهنيته، حتى إنني كنت أقول إن الذهنية لغة، فأنت عندما تملك ذهنية ويملك الآخر ذهنية، فأنتما لا تستطيعان أن تتفاهما، تماماً كما لو كنت أنت تتحدث بلغة وكان الآخر يتحدث بلغة أخرى، ولعلنا نستوحي ذلك من الحديث النبوي الشريف: "إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم". فلا بد لنا من أن نفهم عقل العالم وعقل العصر لنعرف كيف نخاطبه، ولعل مشكلة الكثيرين من الدعاة والمربين المسلمين، أنهم عاشوا ثقافتهم من خلال الوسائل والأساليب التي كانت قبل خمسمائة أو ستمائة سنة، لذلك فإنهم يخاطبون الأجيال الحاضرة بما لا تفهمه، لأنها تملك ذهنية أخرى تختلف عن هذه الذهنية، ولذلك نحن ندعو إلى أن يعيش الإنسان الداعية حسّ المعاصرة، وأن يملك ذهنية الواقع.

الوحدة في وجه التحديات

س: يواجه المسلمون اليوم تحديات كثيرة، أبرزها فرض النظم السياسية والاجتماعية من المنظور الغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً، ما هي، في رأيكم، سبل المواجهة؟

ج: علينا أن نعيش معنى الأمة الإسلامية، وأن نعيش معنى الوحدة الإسلامية لتركيز أصالة هذه الأمة، وأن نأخذ بأسباب القوة، سواء كانت قوة أمنية أو قوة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، حتى نستطيع أن نتواجه مع الآخرين في هذا المجال، لتكون مواجهتنا لهم مواجهة القوي للقوي، لا مواجهة الضعيف للقوي. إن علينا أن نرتفع على مستوى التحديات الكبرى، لنشعر أننا مسؤولون عن مواجهتها، ومسؤولون عن سلامة الأمة في حاضرها ومستقبلها. وعلينا أن لا نعيش اللامبالاة أمام المشاكل التي تحدث لنا من خلال الآخرين، وأن لا نستضعف أنفسنا بالانبهار بما يملك الآخرون من قوة، بل أن نعمل على أن نعدّ القوة في كل مواقعها، وهذا ما يقوله لنا: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة} (الأنفال:60)، وقد قرأنا في القرآن الكريم أن الضعف ليس مبرّراً، بل علينا أن نستغل نقاط الضعف لنحوّلها إلى نقاط قوة، وأن نستفيد من نقاط القوة عندما نملك بعضها.

شكـر وامتنـان

س: ما هي كلمتكم الأخيرة للعاملين والتلامذة في مدارس المصطفى(ص)؟

ج: أتوجه إلى كل أبنائنا وبناتنا في مدارس المصطفى(ص) التي استطاعت أن تشكل مدرسة إسلامية متميزة، بحيث شعر الآخرون أنهم ليسوا بحاجة إلى أن يدخلوا أولادهم في مدارس غير إسلامية بحجة أنها تملك الكفاءة، أقول لكل شبابنا أن يعيشوا الإسلام عندما يستمعون إلى كلمة (مصطفى) التي هي عنوان مدرستهم، لينفتحوا على المصطفى(ص) بكل شخصيته، وليتذكروا هو الذي أطلق حركة الإسلام في دعوته، التي قال عنها: "ما أوذيَ نبي مثلما أوذيت"، عليهم أن يكونوا المجاهدين السائرين في خط المصطفى(ص)، وأن يبتعدوا عن كل العصبيات وكل العقد، عليهم أن يكونوا للإسلام كله، وأن يكونوا للإنسان كله، حتى يستطيعوا أن يكونوا في المستقبل قادة المستقبل.

نشرة (أجيال المصطفى) العدد:29- 2005م/1426هـ

 

عالمٌ متميّز برؤية ثاقبة، يؤصِّل المفاهيم بروح قرآنية صافية، يؤسِّس لمنهج انفتاحي، ويضفي على الحوار لمسة جمالية، يحاكي التجربة، ويسبر أغوار مكنوناتها، لينثر من بين طيّاتها الحكمة والعِبَر، إن لم نقل يستشرف معالم المرحلة المقبلة وآفاق المستقبل. إنه سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، أجرينا معه هذا الحوار حول بعض الموضوعات والقضايا التربوية والاجتماعية وغيرها من التحديات التي تواجهنا، وهذا نصّ الحوار:

دور المدرسة صنع الإنسان

س: كيف ينظر سماحتكم إلى التربية الإسلامية في المدارس؟ وما هو دورها في تشكيل شخصية الناشئة؟

ج: ليس دور المدر سة مجرّد أن نملأ عقل الطالب بالمواد العلمية وبالعنصر التنظيمي والتثقيفي، حيث الجانب التجريدي في الفكر، ليتحوَّل عقل الطالب إلى مكتبة، ولكن دورها هو صنع الإنسان. أن نصنع عقله في المستوى الذي يتحرك في جدلية الحوار والنقاش وإثارة علامات الاستفهام ومحاولة الإجابة عنها أو الدخول في حوار مع الآخر حولها، لنعطي العقل طاقة يتحول معها إلى عقل متحرك يواجه كل علامات الاستفهام بشجاعة وبقوة، وينطلق بعيداً عن التقاليد التراثية ليناقشها إيجاباً أو سلباً، وليواجه المتغيّرات، سواء في الجانب الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي، في عملية تأصيل لهذا الموقف.

وهكذا، فإنّ دور المدرسة هو أن تصنع للإنسان قلبه بما يضمنه مصطلح القلب من الجانب العاطفي والإحساسي والشعوري، حيث يرتكز على الأسس التي ترفد العاطفة لتعقلنها، لتوجد وحدة بين العاطفة والعقل، بحيث تنطلق مفردات العاطفة مع العقل في ما يصلح وفي ما يفسد، لأننا نرى أنه لا مكان لهذه الثنائية بين العقل والعاطفة، بل نرى أن الإنسان يمثل وحدة تتمازج فيها العاطفة مع العقل، والعكس صحيح، الأمر الذي يجعلنا نشعر بأنه من الضروري جداً أن نعقلن العاطفة، في أن نجعلها تنطلق من قاعدة المبادىء الإنسانية والإسلامية وما إلى ذلك. لهذا فإننا نتصوّر أن عملية التربية هي العملية الحركية من أجل أن يعيش الإنسان إنسانيته في نطاق مبادئه، وفي نطاق القضايا التي يتحرك في داخلها من خلال حركة الحياة.

ومن هنا نعرف أنه لا بد من اختيار الأستاذ والمربي الذي يملك ذلك الوعي العقلاني والعاطفي والحركي من أجل أن يمنح الطالب بعض ذلك أو كل ذلك.

الخطاب التربوي الإسلامي

س: سماحة السيد، ما هي في رأيكم، الخطوط العريضة للخطاب التربوي الإسلامي في هذه المرحلة؟

ج: إننا نعتقد أن القاعدة التي طرحها الإسلام تقول إن العقل هو الأساس، فبالعقل نعرف الله، وبالعقل نعرف أنفسنا، وبالعقل نعرف حقائق الأشياء، وبالعقل نعرف حركية الحياة في ما يتصل بكل أوضاعنا العامة والخاصة، وهذا هو الذي عبّر عنه الحديث المأثور: "لمّا خلق الله العقل قال له أقبِل فأقبَل، ثم قال له أدبِر فأدبَر، ثم قال: وعزّتي وجلالي، ما خلقت خلقاً أعزّ عليّ منك، إياك آمر وإياك أنهى، وبك أثيب وبك أعاقب". وقد ورد الحديث بأن "العقل رسول من الداخل كما أن الرسول عقل من الخارج".

وعلى ضوء هذا، لا بد من أن نؤكد في خطوط التربية الإسلامية، أصالة العقل في شخصية الإنسان، لينفتح بالعقل على كل ما يحيط بالحياة، باعتبار أن الإنسان المسلم يحمل في مسؤوليته قيادة الحياة، وقيادة الإنسان في الحياة، ولا يتحقق ذلك إلا في أن يبرمج الإنسان عقله، وينفتح به على حركية الواقع، ليخطط له ويتعرف خلفياته وأسراره ومعطياته ونتائجه.

ومن خلال هذه الحركية للعقل، لا بد أن نلتقي بخط العلم، لأن العلم هو الذي ينطلق من العقل ويكوّن العقل، وقد أراد الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يأخذ بأسباب العلم، سواء العلم القائم على التأمّل، أو العلم القائم على التجربة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} (الزمر:9). وهكذا نجد أنّ الله يريد للإنسان أن يظل في حركة تصاعدية في عملية إنتاج العلم واستظهاره، وذلك هو قوله تعالى: {وقل ربِّ زدني علماً} (طه:114)، ونحن نقرأ أيضاً كلمة الإمام علي(ع): "قيمة كلِّ امرىءٍ ما يحسنه".وعليه، لا بد في خطوط التربية الإسلامية أن نعيش الناس الذين نلتقيهم ونتحمّل مسؤوليتهم، من خلال قاعدة الاعتراف بالآخر، باعتبار أنه إذا كان من حقنا أن نختلف مع الآخر، فمن حق الآخر أن يختلف معنا، كما علينا أن نؤكِّد في التربية الإسلامية قبول الآخر وفكره وجوداً وانتماءً، لا بمعنى الالتزام بذلك، بل بمعنى أن نعيش معه كما يعيش معنا في عملية تفاعل وحوار يبسِّط فيه كل واحد منهما وجهة نظره للآخر، لأننا نعتقد أن مسألة الاعتراف بالآخر التي تنفتح على مسألة الحوار معه، هي التي يمكن أن تؤصل الفكرة وتؤكِّدها، باعتبار أن الحوار سوف ينتهي إلى التفاهم أو إلى اللقاء في هذا المجال، ونحن نعرف أنه "لا مقدسات في الحوار"، فالله حاور إبليس كما حاور الملائكة، والقرآن الكريم حاور الكافرين كما حاور المؤمنين، لأن مسألة الحوار هي مسألة تحريك الفكرة في عملية التفاعل أو في عملية التفاهم في هذا المجال، ونحن نعتقد أن الذين يرفضون الحوار يخافون الحوار، لأنهم قد يخافون أن يأخذوا ما التزموا به، نتيجة أن الحوار قد كشف خطأهم في هذا المجال.

لذلك نقول إن "الحقيقة هي بنت الحوار"، فعلينا أن نعلّم الطالب في المدرسة كيف يكون الإنسان المحاور، سواء في القضايا الفكرية أو في القضايا الحياتية في كل تنوعاتها، في الجانب السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي وما إلى ذلك.

ولعلّ من خطوط التربية الإسلامية أيضاً، قضية الإيمان بحركية القضايا والمشاكل التي تسود، أن يحلّها الإنسان بالرفق لا بالعنف، لأن الرفق هو الذي يمكن أن يحقق إنسانية الإنسان في إنسانية الآخر، وله الدور الأكبر في عملية الدعوة وفي عملية الإقناع، ونحن نعرف أن الرفق الذي يمثل حركة العقل الهادىء والأسلوب الهادىء والكلمة الهادئة، هو الذي يمكن لنا من خلاله أن نحرّك القضية في اتجاه اقتناع الآخر أو اقتناعنا من خلال الآخر، لأن العنف قد يضغط على الإنسان الآخر، ولكن لا يستطيع أن يحقق اقتناعاً، لأن هناك فرقاً بين أن تُسكت الشخص وبين أن تقنعه.

إننا كمسلمين يريد الإسلام منّا أن نبحث عن كل الوسائل التي يقتنع بها الإنسان الآخر، ولذلك ركّز الله سبحانه وتعالى في كتابه على القول بالتي هي أحسن، والجدال بالتي هي أحسن، وعلى الدفع بالتي هي أحسن، حتى إنه أراد منا أن نختار الأسلوب الذي يحوّل أعداءنا إلى أصدقاء، وذلك هو قوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌ حميم} (فصّلت:34)، وهكذا ننفتح على أساس احترام الإنسان في إنسانيته، سواء كان ممن يتفق معنا، أو يختلف معنا، وذلك هو ما أكد عليه القرآن في مخاطبة الآخر على أساس الوقوف على الكلمة السواء، في قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله} (آل عمران:64)، وهكذا نقرأ في عهد الإمام علي(ع) إلى مالك الأشتر قوله بأن "الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق"، فنحن كما نلتقي مع الأخوة في الدين نلتقي مع النظراء في الإنسانية في هذا المجال.

وهكذا تتحرّك المسألة على أساس ما نتفق عليه مع الآخر والحوار بما نختلف به معه، هذه الخطوط العامة الكبرى التي يمكن أن تمثل القاعدة الأولى لخطوط التربية الإسلامية التي لا بد للإنسان المسلم، سواء كان في داخل المدرسة أو في داخل المجتمع، أن يبشر بها ويأخذ بها.

مسؤولية الأسرة التربوية

س: كيف تنظرون إلى دور الأسرة في التربية، خصوصاً في ظلّ انشغال الآباء وغيابهم الطويل عن المنـزل وخروج المرأة إلى العمل؟

ج: نحن نعتقد أن للأسرة المسؤولية الكبرى في هذا المجال في الجانبين السلبي والإيجابي، ففي الجانب السلبي في مسألة انحراف الأبناء، نقرأ في الحديث النبوي الشريف: "كل مولود يولد على الفطرة، إلا أن أبويه يهوّدانه أو ينصّرانه...". وفي الجانب الإيجابي، يقول تعالى في القرآن الكريم: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} (التحريم:6)، {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} (طه:132)، وهكذا نقرأ أيضاً ما يحدثنا الله سبحانه وتعالى عن الجنة، فإنه يحدثنا عن الأسرة التي تعيش الصلاح في كل أفرادها، وذلك قوله تعالى: {جنات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب* سلام عليكم بما صبرتم فنِعْم عقبى الدار} (الرعد:23-24). فالأسرة عندما تكون صالحة، فإنها تكون في رعاية الله في الآخرة، ليعطيها الله هذا الامتداد الأسري في علاقتها بعضها ببعض.

إننا نعتقد أن مسؤولية الآباء والأمهات عن أولادهم لا تقتصر على رعايتهم وتنميتهم جسدياً، بل لا بد من أن تقوم بعملية الرعاية عقلياً وروحياً وعاطفياً وحركياً وما إلى ذلك، ولا بد للأهل من أن يفرّغوا شيئاً من وقتهم لمراقبة أولادهم في ما يمكن أن يأخذوا به من خلال البيئة خارج البيت من مؤثرات سلبية أو إيجابية، كما أننا نتصوّر أنّ دور القدوة هو دور مهم في هذا المجال، لأن الأب والأم يمثلان في انفتاح أبنائهم عليهما القدوة التي يتأثر بها الأبناء سلباً أو إيجاباً، الأمر الذي يفرض على الأبوين الانضباط في البيت، بحيث لا يتمثل الأبناء إلا الجانب الطيب الإنساني في كل القضايا الأخلاقية التي لا بدّ للإنسان أن يتّصف بها.

توحيد الرؤى بين المؤسسات الإسلامية التربوية

س: تكثر المؤسسات الإسلامية المهتمة بالتربية والتعليم؛ فهل ترى سماحتكم فائدة من التنسيق والتعاون بينها لتوحيد الرؤيا وتحقيق الأهداف المشتركة؟

ج: إننا من دعاة الوحدة الإسلامية أو التقارب الإسلامي، سواء في داخل المجتمعات الثقافية أو السياسية أو الاجتماعية وحتى الأمنية، ومن الطبيعي جداً أن تخطّط المدارس الإسلامية لإيجاد هذه الوحدة أو هذا التقارب والتنسيق فيما بينها، من أجل صنع جيل تتوحّد أفكاره أو تتقارب، لأن ذلك هو الذي يعطي للإنسان المسلم مصداقيته وقوته وانفتاحه، وتأكيد الخط الإسلامي الذي ركز معنى الأخوّة على المؤمنين: {إنما المؤمنون أخوة} (الحجرات:10)، حتى إن النبي(ص) أثار هذه المسألة بعدة وسائل، وهو القائل: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها"، يعني كُن أنت أخاك، كن أنت الآخر، كن أنت هو وليكن هو أنت، والحديث المعروف يقول: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".

وهكذا نقرأ في الأحاديث التي تتحدّث عن دور الأخوّة ودور الاهتمام العام بالأمة كلها: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمؤمن". إن على المدارس الإسلامية والمؤسسات الرعائية أن تعمل لتحصيل كل هذه المفاهيم وكل هذه المشاعر التي يمكن أن تكون حركة في خط الوحدة الإسلامية التي هي القاعدة التي ترتكز عليها قوة المسلمين وعزتهم وكرامتهم وقدرتهم على مواجهة التحديات.

دور وسائل الإعلام الحديثة في نشر الإسلام

س: ما هو دور وسائل الإعلام الحديثة والفضائيات والإنترنت؟ وكيف يمكن الإفادة منها لنشر الإسلام ودرء الشبهات عنه؟

ج: إنني أعتقد أن للإعلام دوراً كبيراً وفوق العادة، باعتباره يشحن عقل الإنسان السامع أو القارىء أو الشاهد بكل الأفكار التي قد تغير له مسار حياته من خلال تغييرها لتصوراته في الحياة. لذلك فإنّني أتصور أنّ على القائمين على الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي، أن يستفيدوا من أجهزة الإعلام لتساهم بشكل إيجابي في تنمية وإغناء إنسانية الإنسان المسلم، وتجعله قادراً على أن يجعل من نفسه قيادة للحياة. ونحن نقرأ في دعاء الافتتاح، أن الله يريد من كلِّ واحد منا أن يكون مشروع قائد: "اللهمّ إنا نرغب إليك في دولةٍ كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك".

إننا نعتقد أن للإعلام دوره في تلك المسألة، من خلال ما نقرأه في القرآن الكريم: {الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله} (الأحزاب:39)، ما يدل على أن عملية الإبلاغ التي هي الإعلام، تمثل خطاً إسلامياً أساسياً، ومن الطبيعي جداً أن نعطي لأجيالنا وعياً في الابتعاد عن الإعلام السلبي الذي يساهم في الانحراف الأخلاقي وما إلى ذلك.

عناصر الثقافة الإسلامية الأصيلة

س: ما هي الثقافة الإسلامية الأصيلة؟ وكيف ترون دورها في تحصين الأجيال والدعوة إلى الله؟ وكيف نحصّلها؟

ج: إن الثقافة الإسلامية تتمثّل في الإسلام كله، سواء كان في الخط العقيدي أو في الخط الشرعي أو في المفاهيم الحياتية العامة، سواء على مستوى علاقة الإنسان بنفسه أو بالله أو بالحياة أو بالإنسان الآخر، ولا بد لنا من أن نؤكد أن علينا أن نحرك الثقافة الإسلامية في وجدان الإنسان المسلم على المستوى المعاصر، بحيث لا نستخدم الأساليب القديمة التي كانت تنسجم مع ذهنية الإنسان في تلك المراحل، بل أن نعمل على أساس أن يكون لنا حسّ المعاصرة والانفتاح على ذهنية العصر وتطلّعاته وأوضاعه.

لأنّ لكل عصر أسلوبه وذهنيته، حتى إنني كنت أقول إن الذهنية لغة، فأنت عندما تملك ذهنية ويملك الآخر ذهنية، فأنتما لا تستطيعان أن تتفاهما، تماماً كما لو كنت أنت تتحدث بلغة وكان الآخر يتحدث بلغة أخرى، ولعلنا نستوحي ذلك من الحديث النبوي الشريف: "إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم". فلا بد لنا من أن نفهم عقل العالم وعقل العصر لنعرف كيف نخاطبه، ولعل مشكلة الكثيرين من الدعاة والمربين المسلمين، أنهم عاشوا ثقافتهم من خلال الوسائل والأساليب التي كانت قبل خمسمائة أو ستمائة سنة، لذلك فإنهم يخاطبون الأجيال الحاضرة بما لا تفهمه، لأنها تملك ذهنية أخرى تختلف عن هذه الذهنية، ولذلك نحن ندعو إلى أن يعيش الإنسان الداعية حسّ المعاصرة، وأن يملك ذهنية الواقع.

الوحدة في وجه التحديات

س: يواجه المسلمون اليوم تحديات كثيرة، أبرزها فرض النظم السياسية والاجتماعية من المنظور الغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً، ما هي، في رأيكم، سبل المواجهة؟

ج: علينا أن نعيش معنى الأمة الإسلامية، وأن نعيش معنى الوحدة الإسلامية لتركيز أصالة هذه الأمة، وأن نأخذ بأسباب القوة، سواء كانت قوة أمنية أو قوة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، حتى نستطيع أن نتواجه مع الآخرين في هذا المجال، لتكون مواجهتنا لهم مواجهة القوي للقوي، لا مواجهة الضعيف للقوي. إن علينا أن نرتفع على مستوى التحديات الكبرى، لنشعر أننا مسؤولون عن مواجهتها، ومسؤولون عن سلامة الأمة في حاضرها ومستقبلها. وعلينا أن لا نعيش اللامبالاة أمام المشاكل التي تحدث لنا من خلال الآخرين، وأن لا نستضعف أنفسنا بالانبهار بما يملك الآخرون من قوة، بل أن نعمل على أن نعدّ القوة في كل مواقعها، وهذا ما يقوله لنا: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة} (الأنفال:60)، وقد قرأنا في القرآن الكريم أن الضعف ليس مبرّراً، بل علينا أن نستغل نقاط الضعف لنحوّلها إلى نقاط قوة، وأن نستفيد من نقاط القوة عندما نملك بعضها.

شكـر وامتنـان

س: ما هي كلمتكم الأخيرة للعاملين والتلامذة في مدارس المصطفى(ص)؟

ج: أتوجه إلى كل أبنائنا وبناتنا في مدارس المصطفى(ص) التي استطاعت أن تشكل مدرسة إسلامية متميزة، بحيث شعر الآخرون أنهم ليسوا بحاجة إلى أن يدخلوا أولادهم في مدارس غير إسلامية بحجة أنها تملك الكفاءة، أقول لكل شبابنا أن يعيشوا الإسلام عندما يستمعون إلى كلمة (مصطفى) التي هي عنوان مدرستهم، لينفتحوا على المصطفى(ص) بكل شخصيته، وليتذكروا هو الذي أطلق حركة الإسلام في دعوته، التي قال عنها: "ما أوذيَ نبي مثلما أوذيت"، عليهم أن يكونوا المجاهدين السائرين في خط المصطفى(ص)، وأن يبتعدوا عن كل العصبيات وكل العقد، عليهم أن يكونوا للإسلام كله، وأن يكونوا للإنسان كله، حتى يستطيعوا أن يكونوا في المستقبل قادة المستقبل.

نشرة (أجيال المصطفى) العدد:29- 2005م/1426هـ

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية