إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في العالم العربي

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في العالم العربي
 

حاوره في بيروت أحمد الأسعد ومرحب حمية

يؤكد العلاّمة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، أنّ القابض على مفاصل الأزمة السياسية في لبنان، يعرف جيداً أن المؤامرة هي أكبر من وطن، كونها رسمت ثم هندست لتمتدَّ على مساحة المنطقة بأسرها، وإن اختلفت الأهداف والتسميات. فسماحته يدرك جيِّداً ما يقول، وحين يتَّهم الآخرين باختيار لبنان كساحة لتصفية حساباتهم، فهو يعلم جيداً عمق علاقة السياسة بالدّين، رغم أنَّ مصالح الدول تسعى إلى رسم صورة مغايرة لحقيقة الأحداث على أرض الواقع. ويرى أنَّ الدلائل تشير إلى أن عالمنا العربي والإسلامي على عتبة تحوّل مصيري جديد، فهل تتسع له البصيرة لتجنّب المزالق واتخاذ المسار الذي يؤدِّي إلى تقديم نموذج آخر للحضارة يختلف عن هذه الحضارة المعدنية السائدة؟ وهل تتيسَّر له إرادة التغيير بالعودة إلى الإشراقات والنَّفحات الأولى؟ إنَّنا اليوم مشغولون بالمسألة السياسية التي تمثِّل المصير، أو المسألة الأمنية التي تجتاح بلداننا، ولكن في هذا الخطّ تنطلق المسألة الثقافيَّة لتشويه صورة الإسلام في العالم، ووضع الحواجز أمام الدعاة الإسلاميين في حركتهم، منعاً من امتداد الدَّعوة الإسلامية إلى الشّعوب الأخرى، سواء من خلال الهجمة الثقافية في الغرب على الإسلام تحت ذريعة حرية الفكر والرأي، وهو ما نراه في وسائل الإعلام ونقرأه في الصحافة، حيث باتت حرية الفكر جسراً يعبرون عليه لمهاجمة الإسلام، والتخطيط لإسقاط الواقع الإسلامي تحت عنوان محاربة الإرهاب.

الحوار مع العلامة المرجع، السيد فضل الله، يكشف حقائق ووقائع لا بد من تفصيلها وفق الحوار التالي:

خلفيات واحتمالات

* لبنان إلى أين في ظلِّ التّجاذبات السياسية المحلية والإقليمية الراهنة ؟

- لبنان الآن، كما كان، الساحة التي أريد لها أن تكون الموقع الذي يمارس فيه الآخرون تجاربهم، والّتي يواجهون فيها ويفحصون الكثير من خطوطهم المتصلة بالمنطقة، وذلك من خلال الاتجاهات المتنوّعة فيها، والتي تعبِّر عن نفسها في لبنان على مستوى الصراعات السياسية الداخلية، أو التحليلات التي قد يسمح بها من خلال الحرية الإعلامية في لبنان، مما لا يسمح به أيِّ بلد في المنطقة. ولهذا، فإنَّ لبنان هو ساحة التجارب، أو الرئة التي تتنفس فيها مشاكل المنطقة. ونحن الآن نعيش في الواقع اللُّبناني، ساحة الخطّة الأميركيَّة التي تنفتح على المنطقة، والتي تعتبر أنَّ كلَّ بلدٍ من بلدان المنطقة، يمثِّل خطّاً من خطوط هذه الخطة الاستراتيجية الأميركية، لتغيير المنطقة على صورة مصالحها.

* هل ترون أنّ من اغتال الرئيس رفيق الحريري هو نفسه الذي اغتال اللواء غازي كنعان؟ ومع هذا الأخير ضاعت الحقيقة؟

- إنَّ مسألة من اغتال الرئيس الحريري هي مسألة متنوّعة الأبعاد، لأنَّ الرئيس الحريري كان من الشخصيات التي تمتدُّ إلى أكثر من موقع محلي وإقليمي عربي ودولي، باعتبار أنّ الرجل كان يملك حركة سياسية قد لا يملكها أحد في التاريخ اللبناني في هذا المجال، هذا إلى جانب أنّ لبنان الذي كان يتحرك الرئيس الحريري لتحقيقه، كان ولا يزال هدفاً إسرائيلياً، لأنّه يمثِّل النقيض الإسرائيلي، لجهة هذا التعايش بين اللُّبنانيين، والذي يضمُّ كلَّ الطّوائف الموجودة في العالمين العربي والإسلامي، كما يضمُّ الاتجاهات السياسية اليسارية واليمينية، مما ترابط فيه الواقع السياسي بين أكثر من بلد عربيّ أو من محور دولي. لذلك، فإنّ هناك احتمالاً كبيراً في أن يكون لإسرائيل دور في المسألة، لا من جهة عقدة المؤامرة التي نستهلكها، أو من جهة رمي كلِّ حدث سلبي على إسرائيل، ولكن لأنّ لبنان دخل قبل اغتيال الحريري في مناخ أمني جديد يمكن له أن ينفتح على واقع أمني سياسي قد يكون نموذجاً للمنطقة، لذلك فإنَّ الاحتمال لا يستبعد أن يكون لإسرائيل دور في ذلك، وأيضاً لا نستبعد أن يكون لها دور في كلِّ هذه التفجيرات.

* تقرير ميليس بعد أيام، هل سيتبيّن الخيط الأبيض من الأسود، أم سنبقى معلَّقين بين السماء والجحيم؟

- إنّني أتصوّر أنّ هذا التقرير أخذ بعداً غامضاً في كلِّ ما أثير في داخله، مّما يؤكّد صاحبه لأنّه إذا لم يطلع عليه أحداً، مع أننا نرسم علامة استفهام على ذلك، لأنّه إذا لم يكن قد أطلع فريقه أو الحكومة اللبنانية مثلاً على محتوى التقرير، فإنه ربما قد أطلع الصحف الأجنبية، ومنها الصحف الألمانية والفرنسية، ما أثار الكثير من الشك والجدل في هذا الجانب أو ذاك، ولكن بعض المعلومات التي تحدث عنها الأشخاص المرتبطون أو المتابعون لقضية الضباط الأربعة، سواء من خلال جماعة الدفاع، أو من خلال بعض عوائل هؤلاء النَّاس، نؤكّد أن الملف _ ملف هؤلاء الضباط _ هو ملف فارغ المضمون، ولذلك عملت هيئة الدفاع على تقديم أطروحة للمحقِّق اللبناني والقاضي اللبناني، لتقدم الأدلة على هذا الاتهام الذي أدى إلى هذا التوقيف، لكن الجهات القضائية اللبنانية لم تستجب لهم حتى الآن، لأنّ هناك إرباكاً في الموضوع، ولأنّهم ينتظرون التقرير أو صاحب التقرير. لذلك، فإنّ هذه المعلومة، إضافةً إلى الحركة السياسية التي يديرها المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمتهم وزيرة الخارجية، والتي تريد توجيه الأنظار إلى سوريا، وحتى بعض المسؤولين الفرنسيين أو الإيطاليين الذين يحاولون أن يجعلوا سوريا هي المتهمة في العنوان الكبير، لتحضير شيءٍ ما، فهم يتحدثون بذلك _ إذا كانت سوريا متهمة _ لأجل تحضير الذهنية العامة لاتهام سوريا، تماماً كما كانت الذهنية العامة التي انطلقت عند اغتيال الحريري من خلال المظاهرات التي حدثت في لبنان.

إنّ تحريك المسألة إعلامياً ضد سوريا، ولو على نحو الاحتمال، وسياسياً، ولو من خلال الاستفادة من ذلك لإغناء مسألة التجاذب السوري _ الأميركي، ربما يجعل القضية تنفتح على الكثير من المشاكل. ثم إنّ هناك نقطة يحذر منها الواقع اللبناني، وقد تحدث اضطرابات داخلية، وهي إذا أعلن صاحب التقرير بأنّ الضباط ليسوا مدانين، أو أنّ المحكمة _ لو أخذت أي محكمة دولية أو لبنانية _ برّأتهم، ففي هذه الحالة ينتصب سؤال بارز مفاده، إذا كان هؤلاء أبرياء، فلماذا تُشن كلُّ هذه الحرب على النظام الأمني السوري، والذي يمثِّل هؤلاء واجهته، والتي يُراد ربط مسألة رئاسة الجمهورية به؟!

إنّ قضية التقرير في الاحتمالات التي يثيرها الإعلام اللبناني والأجنبي، يمكن أن تخلط الكثير من الأوراق، وأن تهز الواقع السياسي في لبنان وسوريا بشكل كبير جداً. ولكنّي لا أتحدث عن مشكلة أمنية في لبنان، لأنّ لبنان تجاوز الحرب الأهلية، لأنه ليس هناك ما يثيرها، وقد أخذ لبنان حصته في الاحتلال الأمني على مستوى العالم.

حماية إسرائيل

* ماذا يجري في العراق؟ مقاومة أم إرهاب؟ ولماذا هذا الصمت المريب عما يجري هناك؟

- "فتش عن أميركا" في كلِّ ما يجري في العراق، لأنها هي المسؤولة عن كلِّ اهتزازات العالم العربي والإسلامي، باعتبار التحالف الأميركي الإسرائيلي الذي يريد حماية إسرائيل من أيّ اهتزاز مستقبلي لسيطرتها الأمنية والسياسية والاقتصادية. ثانياً، إنَّ هذا الرجل _ الرئيس بوش _ يختزل في نفسه شخصية النبي والرسول، ولعلَّ الجميع سمعوه في حديثه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عندما قال له إنّ الله أرسله وأوحى له ليحتل أفغانستان والعراق... وأوحى إليه بإقامة الدولة الفلسطينية وحماية إسرائيل. إن هذا الرجل يحاول أن يربك المنطقة كلّها، من أجل تنفيذ الاستراتيجية الأميركية في تغيير المنقطة لحساب المصالح الأميركية.


* في رأيكم، هل ستصبح غزَّة وطناً نهائياً للفلسطينيين؟

- ربما كانت إسرائيل تفكر في ذلك، ولا سيما إسرائيل شارون، ولكنّي أتصوّر أن الوضع الدولي الذي دخلت المسألة الفلسطينية في مفاصله لا يسمح بذلك، ولا بدَّ من أن يعطي الفلسطينيين شيئاً من الضفة الغربية، وربما شيئاً من القدس، لأنّ السلطة الفلسطينية لا تملك أن تقبل بذلك، باعتبار أن المسألة قد دخلت في وجدان الشعب الفلسطيني، فلا تملك أيّ جهة فلسطينية أن تقبل بغزة أولاً وآخراً. إنّ المسألة هي أن الجميع، سواء كانوا الأميركيين أو اللجنة الرباعية الدولية أو شارون أو السلطة الفلسطينية، يبحثون عن صورة تجميلية للدولة الفلسطينية يمكن أن يقنع بها الشعب الفلسطيني، تحت عنوان أنه لا يمكننا الحصول على أكثر من ذلك، أو على شيءٍ آخر، إلاّ بما تسمح به أميركا أو إسرائيل.


* في رأيكم، هل المسلمون مقصِّرون تجاه دينهم وتجاه طرحهم للإسلام في هذا الزَّمن العصيب؟ وما هي السبل لتجديد الطرح، وبعث الروح فيه، وإعطائه دماً جديداً للنهوض من جديد؟ وكيف نوحّد الخطاب السياسي؟

- إنَّ المشكلة لدى المسلمين هي في هذا التمزّق الذي يعيش في داخلهم، والذي بدأ يفترس كلَّ حركة الوحدة فيما بينهم، من خلال إثارة المذهبية بشكلٍ مرضيٍّ معقَّد حاقد، خصوصاً عندما تحوّل إلى حالة تكفيرية يكفّر فيها مذهب مذهباً آخر، ويتحمَّس فيه بعض المسلمين لقتل المسلمين الآخرين من خلال استحلال دمائهم، كما يحدث الآن في العراق، هذا من دون أن ننسى حساسيات موجودة في الداخل الإسلامي، كمسألة العرقية الكردية والتركية وما إلى ذلك من أمور، إنّ المسلمين في العالم الإسلامي، وخصوصاً على مستوى المؤسسات، يقفون على السطح، ولا ينتبهون إلى العمق في دراسة المشاكل التي تواجه الإسلام، سواء على المستوى الثقافي في الحملة الثقافية الموجَّهة ضد الإسلام، أو على المستوى السياسي أو الأمني والاقتصادي وما إلى ذلك.

إنَّ المشكلة هي أنّ المؤسَّسات الإسلامية تخضع في طبيعة تكوينها إلى مؤسسات خاصة تتبع لبعض الأوضاع الاجتماعية الخاصة، ولا تخضع للشعب كلّه، لأنّ الشعب في أكثر العالم الإسلامي، لا يملك أي قوّة للتعبير عن قضاياه كما يراها، وعن مصيره وما إلى ذلك، لأنّ هناك شيئاً جديداً أصبح يمثل الهم الأول، وهو قضية مكافحة الإرهاب.

جريدة الوطن: 16-9-1426هـ/ 20-10-2005م

 

حاوره في بيروت أحمد الأسعد ومرحب حمية

يؤكد العلاّمة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، أنّ القابض على مفاصل الأزمة السياسية في لبنان، يعرف جيداً أن المؤامرة هي أكبر من وطن، كونها رسمت ثم هندست لتمتدَّ على مساحة المنطقة بأسرها، وإن اختلفت الأهداف والتسميات. فسماحته يدرك جيِّداً ما يقول، وحين يتَّهم الآخرين باختيار لبنان كساحة لتصفية حساباتهم، فهو يعلم جيداً عمق علاقة السياسة بالدّين، رغم أنَّ مصالح الدول تسعى إلى رسم صورة مغايرة لحقيقة الأحداث على أرض الواقع. ويرى أنَّ الدلائل تشير إلى أن عالمنا العربي والإسلامي على عتبة تحوّل مصيري جديد، فهل تتسع له البصيرة لتجنّب المزالق واتخاذ المسار الذي يؤدِّي إلى تقديم نموذج آخر للحضارة يختلف عن هذه الحضارة المعدنية السائدة؟ وهل تتيسَّر له إرادة التغيير بالعودة إلى الإشراقات والنَّفحات الأولى؟ إنَّنا اليوم مشغولون بالمسألة السياسية التي تمثِّل المصير، أو المسألة الأمنية التي تجتاح بلداننا، ولكن في هذا الخطّ تنطلق المسألة الثقافيَّة لتشويه صورة الإسلام في العالم، ووضع الحواجز أمام الدعاة الإسلاميين في حركتهم، منعاً من امتداد الدَّعوة الإسلامية إلى الشّعوب الأخرى، سواء من خلال الهجمة الثقافية في الغرب على الإسلام تحت ذريعة حرية الفكر والرأي، وهو ما نراه في وسائل الإعلام ونقرأه في الصحافة، حيث باتت حرية الفكر جسراً يعبرون عليه لمهاجمة الإسلام، والتخطيط لإسقاط الواقع الإسلامي تحت عنوان محاربة الإرهاب.

الحوار مع العلامة المرجع، السيد فضل الله، يكشف حقائق ووقائع لا بد من تفصيلها وفق الحوار التالي:

خلفيات واحتمالات

* لبنان إلى أين في ظلِّ التّجاذبات السياسية المحلية والإقليمية الراهنة ؟

- لبنان الآن، كما كان، الساحة التي أريد لها أن تكون الموقع الذي يمارس فيه الآخرون تجاربهم، والّتي يواجهون فيها ويفحصون الكثير من خطوطهم المتصلة بالمنطقة، وذلك من خلال الاتجاهات المتنوّعة فيها، والتي تعبِّر عن نفسها في لبنان على مستوى الصراعات السياسية الداخلية، أو التحليلات التي قد يسمح بها من خلال الحرية الإعلامية في لبنان، مما لا يسمح به أيِّ بلد في المنطقة. ولهذا، فإنَّ لبنان هو ساحة التجارب، أو الرئة التي تتنفس فيها مشاكل المنطقة. ونحن الآن نعيش في الواقع اللُّبناني، ساحة الخطّة الأميركيَّة التي تنفتح على المنطقة، والتي تعتبر أنَّ كلَّ بلدٍ من بلدان المنطقة، يمثِّل خطّاً من خطوط هذه الخطة الاستراتيجية الأميركية، لتغيير المنطقة على صورة مصالحها.

* هل ترون أنّ من اغتال الرئيس رفيق الحريري هو نفسه الذي اغتال اللواء غازي كنعان؟ ومع هذا الأخير ضاعت الحقيقة؟

- إنَّ مسألة من اغتال الرئيس الحريري هي مسألة متنوّعة الأبعاد، لأنَّ الرئيس الحريري كان من الشخصيات التي تمتدُّ إلى أكثر من موقع محلي وإقليمي عربي ودولي، باعتبار أنّ الرجل كان يملك حركة سياسية قد لا يملكها أحد في التاريخ اللبناني في هذا المجال، هذا إلى جانب أنّ لبنان الذي كان يتحرك الرئيس الحريري لتحقيقه، كان ولا يزال هدفاً إسرائيلياً، لأنّه يمثِّل النقيض الإسرائيلي، لجهة هذا التعايش بين اللُّبنانيين، والذي يضمُّ كلَّ الطّوائف الموجودة في العالمين العربي والإسلامي، كما يضمُّ الاتجاهات السياسية اليسارية واليمينية، مما ترابط فيه الواقع السياسي بين أكثر من بلد عربيّ أو من محور دولي. لذلك، فإنّ هناك احتمالاً كبيراً في أن يكون لإسرائيل دور في المسألة، لا من جهة عقدة المؤامرة التي نستهلكها، أو من جهة رمي كلِّ حدث سلبي على إسرائيل، ولكن لأنّ لبنان دخل قبل اغتيال الحريري في مناخ أمني جديد يمكن له أن ينفتح على واقع أمني سياسي قد يكون نموذجاً للمنطقة، لذلك فإنَّ الاحتمال لا يستبعد أن يكون لإسرائيل دور في ذلك، وأيضاً لا نستبعد أن يكون لها دور في كلِّ هذه التفجيرات.

* تقرير ميليس بعد أيام، هل سيتبيّن الخيط الأبيض من الأسود، أم سنبقى معلَّقين بين السماء والجحيم؟

- إنّني أتصوّر أنّ هذا التقرير أخذ بعداً غامضاً في كلِّ ما أثير في داخله، مّما يؤكّد صاحبه لأنّه إذا لم يطلع عليه أحداً، مع أننا نرسم علامة استفهام على ذلك، لأنّه إذا لم يكن قد أطلع فريقه أو الحكومة اللبنانية مثلاً على محتوى التقرير، فإنه ربما قد أطلع الصحف الأجنبية، ومنها الصحف الألمانية والفرنسية، ما أثار الكثير من الشك والجدل في هذا الجانب أو ذاك، ولكن بعض المعلومات التي تحدث عنها الأشخاص المرتبطون أو المتابعون لقضية الضباط الأربعة، سواء من خلال جماعة الدفاع، أو من خلال بعض عوائل هؤلاء النَّاس، نؤكّد أن الملف _ ملف هؤلاء الضباط _ هو ملف فارغ المضمون، ولذلك عملت هيئة الدفاع على تقديم أطروحة للمحقِّق اللبناني والقاضي اللبناني، لتقدم الأدلة على هذا الاتهام الذي أدى إلى هذا التوقيف، لكن الجهات القضائية اللبنانية لم تستجب لهم حتى الآن، لأنّ هناك إرباكاً في الموضوع، ولأنّهم ينتظرون التقرير أو صاحب التقرير. لذلك، فإنّ هذه المعلومة، إضافةً إلى الحركة السياسية التي يديرها المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمتهم وزيرة الخارجية، والتي تريد توجيه الأنظار إلى سوريا، وحتى بعض المسؤولين الفرنسيين أو الإيطاليين الذين يحاولون أن يجعلوا سوريا هي المتهمة في العنوان الكبير، لتحضير شيءٍ ما، فهم يتحدثون بذلك _ إذا كانت سوريا متهمة _ لأجل تحضير الذهنية العامة لاتهام سوريا، تماماً كما كانت الذهنية العامة التي انطلقت عند اغتيال الحريري من خلال المظاهرات التي حدثت في لبنان.

إنّ تحريك المسألة إعلامياً ضد سوريا، ولو على نحو الاحتمال، وسياسياً، ولو من خلال الاستفادة من ذلك لإغناء مسألة التجاذب السوري _ الأميركي، ربما يجعل القضية تنفتح على الكثير من المشاكل. ثم إنّ هناك نقطة يحذر منها الواقع اللبناني، وقد تحدث اضطرابات داخلية، وهي إذا أعلن صاحب التقرير بأنّ الضباط ليسوا مدانين، أو أنّ المحكمة _ لو أخذت أي محكمة دولية أو لبنانية _ برّأتهم، ففي هذه الحالة ينتصب سؤال بارز مفاده، إذا كان هؤلاء أبرياء، فلماذا تُشن كلُّ هذه الحرب على النظام الأمني السوري، والذي يمثِّل هؤلاء واجهته، والتي يُراد ربط مسألة رئاسة الجمهورية به؟!

إنّ قضية التقرير في الاحتمالات التي يثيرها الإعلام اللبناني والأجنبي، يمكن أن تخلط الكثير من الأوراق، وأن تهز الواقع السياسي في لبنان وسوريا بشكل كبير جداً. ولكنّي لا أتحدث عن مشكلة أمنية في لبنان، لأنّ لبنان تجاوز الحرب الأهلية، لأنه ليس هناك ما يثيرها، وقد أخذ لبنان حصته في الاحتلال الأمني على مستوى العالم.

حماية إسرائيل

* ماذا يجري في العراق؟ مقاومة أم إرهاب؟ ولماذا هذا الصمت المريب عما يجري هناك؟

- "فتش عن أميركا" في كلِّ ما يجري في العراق، لأنها هي المسؤولة عن كلِّ اهتزازات العالم العربي والإسلامي، باعتبار التحالف الأميركي الإسرائيلي الذي يريد حماية إسرائيل من أيّ اهتزاز مستقبلي لسيطرتها الأمنية والسياسية والاقتصادية. ثانياً، إنَّ هذا الرجل _ الرئيس بوش _ يختزل في نفسه شخصية النبي والرسول، ولعلَّ الجميع سمعوه في حديثه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عندما قال له إنّ الله أرسله وأوحى له ليحتل أفغانستان والعراق... وأوحى إليه بإقامة الدولة الفلسطينية وحماية إسرائيل. إن هذا الرجل يحاول أن يربك المنطقة كلّها، من أجل تنفيذ الاستراتيجية الأميركية في تغيير المنقطة لحساب المصالح الأميركية.


* في رأيكم، هل ستصبح غزَّة وطناً نهائياً للفلسطينيين؟

- ربما كانت إسرائيل تفكر في ذلك، ولا سيما إسرائيل شارون، ولكنّي أتصوّر أن الوضع الدولي الذي دخلت المسألة الفلسطينية في مفاصله لا يسمح بذلك، ولا بدَّ من أن يعطي الفلسطينيين شيئاً من الضفة الغربية، وربما شيئاً من القدس، لأنّ السلطة الفلسطينية لا تملك أن تقبل بذلك، باعتبار أن المسألة قد دخلت في وجدان الشعب الفلسطيني، فلا تملك أيّ جهة فلسطينية أن تقبل بغزة أولاً وآخراً. إنّ المسألة هي أن الجميع، سواء كانوا الأميركيين أو اللجنة الرباعية الدولية أو شارون أو السلطة الفلسطينية، يبحثون عن صورة تجميلية للدولة الفلسطينية يمكن أن يقنع بها الشعب الفلسطيني، تحت عنوان أنه لا يمكننا الحصول على أكثر من ذلك، أو على شيءٍ آخر، إلاّ بما تسمح به أميركا أو إسرائيل.


* في رأيكم، هل المسلمون مقصِّرون تجاه دينهم وتجاه طرحهم للإسلام في هذا الزَّمن العصيب؟ وما هي السبل لتجديد الطرح، وبعث الروح فيه، وإعطائه دماً جديداً للنهوض من جديد؟ وكيف نوحّد الخطاب السياسي؟

- إنَّ المشكلة لدى المسلمين هي في هذا التمزّق الذي يعيش في داخلهم، والذي بدأ يفترس كلَّ حركة الوحدة فيما بينهم، من خلال إثارة المذهبية بشكلٍ مرضيٍّ معقَّد حاقد، خصوصاً عندما تحوّل إلى حالة تكفيرية يكفّر فيها مذهب مذهباً آخر، ويتحمَّس فيه بعض المسلمين لقتل المسلمين الآخرين من خلال استحلال دمائهم، كما يحدث الآن في العراق، هذا من دون أن ننسى حساسيات موجودة في الداخل الإسلامي، كمسألة العرقية الكردية والتركية وما إلى ذلك من أمور، إنّ المسلمين في العالم الإسلامي، وخصوصاً على مستوى المؤسسات، يقفون على السطح، ولا ينتبهون إلى العمق في دراسة المشاكل التي تواجه الإسلام، سواء على المستوى الثقافي في الحملة الثقافية الموجَّهة ضد الإسلام، أو على المستوى السياسي أو الأمني والاقتصادي وما إلى ذلك.

إنَّ المشكلة هي أنّ المؤسَّسات الإسلامية تخضع في طبيعة تكوينها إلى مؤسسات خاصة تتبع لبعض الأوضاع الاجتماعية الخاصة، ولا تخضع للشعب كلّه، لأنّ الشعب في أكثر العالم الإسلامي، لا يملك أي قوّة للتعبير عن قضاياه كما يراها، وعن مصيره وما إلى ذلك، لأنّ هناك شيئاً جديداً أصبح يمثل الهم الأول، وهو قضية مكافحة الإرهاب.

جريدة الوطن: 16-9-1426هـ/ 20-10-2005م

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية