تقرير لجنة التحقيق الدولية حول إغتيال الرئيس الحريري

تقرير لجنة التحقيق الدولية حول إغتيال الرئيس الحريري

ننشر فيما يلي الحلقة الأولى من حوار الأستاذ سركيس نعوم مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله ، وإن جرى قبل نشر تقرير لجنة التحقيق الدولية حول إغتيال الرئيس الحريري ، على أن ننشر الحلقات الأخرى تباعاً :

الحلقة التاريخ العنوان
السابعة  23 رمضان 1426هـ الموافق 27-10-2005

لا فرصة لعراق مستقر

السادسة  22 رمضان 1426هـ الموافق 26-10-2005

سوريا تعرف أن لها أعداءً عرباً

الخامسة  21 رمضان 1426هـ الموافق 25-10-2005

ضعف سوريا خارجي وليس داخلياً

الرابعة  20 رمضان 1426هـ الموافق 24-10-2005

"العبث الفلسطيني" تمنعه 'المقاومة الإسلامية'

الثالثة  18 رمضان 1426هـ الموافق 22-10-2005

لن تعود السَّيطرة السوريَّة على لبنان

الثانية  17 رمضان 1426هـ الموافق 21-10-2005

لن نصل إلى مستوى الحرب

الأولى

 16 رمضان 1426هـ الموافق 20-10-2005

الهيكل سيسقط إذا كان المسجونون أبرياء!


* ما هو موقفك كمرجع شيعي له مقلّدون في كلِّ أنحاء العالم من الدستور العراقي؟ وهل كنت مع  الـ"لا" له أم الـ"نعم"؟

- إنّنا نعرف أن الاحتلال لن يعطي العراقيين أيّة قوة  مادية أو عسكرية لأفراد الشرطة والحرس الوطني ليقوموا بدورهم في واجب المحافظة على الأمن، فهو حتى الآن لم يمنحهم أيّ وسيلة من وسائل القوة، ولم يقف بشكل فاعل ضد هؤلاء التكفيريين الذين يقومون بالمجازر والتفجيرات في الناس المدنيين، ولم يستطع حماية العراقيين، علماً أنه يملك في العراق ما يفوق المائة وخمسين ألف جنديّ، ما يجعل الحديث عن أنه غير قادر، حديثاً أشبه بالنّكتة، وعندنا بعض المعلومات، أنّ الاحتلال يعزِّز تناقضات الواقع العراقي، ويلوّح لهؤلاء وأولئك بمواقع هنا وهناك.

ونحن عندما نقف ضد الاحتلال، فلا نريد له أن يحقق أيّة قوة أو نجاح، ولكن عندما ننظر من جانب آخر إلى شعب العراق الذي عاش في مدى  35  سنة وأكثر، دون أن يكون له رأي في بلده وشؤونه أو في أيِّ دستور، فهناك وجهة نظر تقول: إنّ الشعب العراقي عندما يقوم بالاستفتاء على الدستور، بصرف النظر عن مفرداته والمناقشة في موادّه، فإنّ هذا سوف يعطي الشعب العراقي الثقة بنفسه، وأنّه قادر على اختيار مصيره ومستقبله في هذا المجال، فهذه دورة تدريبية مثلاً لممارسة السيادة والاستقلال، وربما تكون الوسيلة التي قد يطرحها العراقيون على الأميركيين لينسحبوا، لقدرتهم على حكم أنفسهم بأنفسهم.

وحين أطلقنا المسألة في هذا المقام، لم نقل للعراقيين قولوا نعم! ولكن قلنا لهم: شاركوا سياسياً على أساس الإرادة العراقيَّة وغير ذلك، إلاّ أنّنا لا نملك أيِّ تفاؤل بالمستقبل العراقي ما دام الاحتلال موجوداً، لأنّه سوف يبقى متذرعاً بوجود مقاومين، سواء كانوا من التكفيريين، أو أصحاب المقاومة العراقية الحقيقية، أو الدول المجاورة للعراق، لذا لا أجد هناك فرصة لعراق مستقر. والدول العربية التي طرحت مشروعها عبر الأمين العام، لم تطرح مشروعاً واقعياً، لأنّ القضية في العراق ليست قضية مصالحة وطنية، فلا مشكلة بين المسلمين على المستوى المذهبي هناك، بل القضية سياسية لها خلفيّات معيَّنة، تتصل بمشاريع الاحتلال وعملية وحدة العراق، أو من ناحية حرص بعض الجهات العراقية على استعادة الظروف والمواقع التي كانت تملكها أيام صدام حسين".

* ولكن هناك مذهبيّة ظهرت في العراق وأصبحت طاغية بفعل التطوّرات؟

- "صحيح أنّ هناك مذهبية في العراق، ولكنّها رغم أوضاع العراقيين الصعبة، ولاسيما الشيعة، لم تصل إلى حدّ الفتنة الداخلية. فالشيعة لم يقوموا بعملية ردّ فعل. ولا أزال عند رأيي أن المرجعيات الشيعية ترفض ذلك، لأنّ رد الفعل سيؤدي إلى قتل الأبرياء. ثمَّ إنّ شيعة العراق لا يملكون ذهنية قتل السنّة على قاعدة أنهم كفرة، كما هي الحال عند التكفيريين الذين يقتلون المدنيين الشّيعة ويقولون إنّهم كفرة، ودماؤهم حلال".

* ماذا نفعل عندما تصبح المسألة دفاعاً عن النَّفس؟

- " هناك ما يحصل داخل العراق، ولكنَّ المدة التي قطعها الواقع العراقي، دلّت على أنّه لم يحصل هناك شيء، وهو ما يدلُّ على تجربة ناجحة في منع الفتنة الطائفية".

* هل هناك تعاون شيعي عراقي مع الاحتلال أو التحالف؟

- "حسب معلوماتي، الشيعة ضد الاحتلال، ولكنهم لا يملكون الوسائل التي تحوّلهم إلى مقاومة، وهي وسائل سياسية وعسكرية. إضافةً إلى مسألة أن الشّيعة محاصرون، وإيران لا تتدخّل تحت عنوان دعمهم".

* ولكن إيران متهمة بالسيطرة على جنوب العراق؟

- "هناك فرق بين أنّ يكون لها امتداد على مجموعة كبيرة، وبين السيطرة على أساس أنّها تعمل لإيجاد وضع عسكري على مستوى مقاومة بارزة في هذا الموضوع. ولهذا نجد أنّ إيران، عندما انطلق العمل السياسي في العراق، اعترفت به، فهي اعترفت بمجلس الحكم، وبالانتخابات، وحتى بالاستفتاء على الدستور. فالسياسة الإيرانية تتحرك مع طبيعة الواقع".

* ما هي، في رأيك، أسباب حدة الموقف السعودي من الحركة الإيرانية في العراق؟

- "إنّه موقف قائم على أساس خشية السعودية من تنامي القوة الإيرانية في المنطقة، ولاسيما إذا انضمت إلى القوة العراقية، وهو ما يؤثِّر على الموقع السعودي ودوره في الخليج. ولكن إثارة الموضوع، ورد فعل بعض المسؤولين العراقيين، كانت تخلو من الحكمة".

* هل الموقف السعودي وهّابي أم قومي عربي؟

- "إنه موقف سعودي. لا هذا ولا ذاك".

* هل ستحال إيران بسبب ملفِّها النووي إلى مجلس الأمن، في رأيك؟

- "لا أعتقد أنّ من مصلحة أوروبا المبادرة إلى إحالة ملفّ إيران إلى مجلس الأمن، ولا من مصلحة وكالة الطاقة الذرّية، لأنّ إيران أعدَّت مواقف ليست من مصلحة أوروبا ووكالة الطاقة. ووفق بعض المعلومات، فإنّ إيران لا تشعر بوجود مشكلة فوق العادة بعرض مسألتها على مجلس الأمن، لأنّها تملك من الضغوط على أوروبا ما لا تستطيع معه أوروبا مواجهتها في هذا الموضوع، وهو ما يفسِّر، رغم الضغط على إيران، حرصهم على إبقاء المفاوضات وغيرها. ويبدو أن إيران وصلت إلى نتيجة أنّها تملك قدرات تجعلها في موقع القوّة وليس في موقع الضعف".

* هل لا يزال ملفُّ العلاقة بين إيران وأميركا غير ناضج للحسم في اتجاهٍ أو آخر؟

- "هناك أمور غير ناضجة، لكنّها لن تصل إلى نقطة اللاعودة".

* هل إيران وأميركا محكومتان بالتلاقي مستقبلاً لأسباب استراتيجية؟

- "قد لا يكون هذا بعيداً عن الواقع".

جريدة النهار:22 رمضان 1426 الموافق في  27/10/2005



* توحي طريقة عمل سوريا مع العالم، وخصوصاً العالم العربي، أنّها تعيش في عالمٍ من التمنّيات والأحلام، الأمر الّذي جعلها تُصدَم أكثر من مرّة ولا تزال. حصل معها ذلك في الموضوع الأمريكي، وفي الموضوع العربي، فهي حاولت وتحاول دائماً إعطاء انطباع بأنها تحصل على دعم مصري وسعودي، وأنّ القاهرة والرياض تبذلان المستحيل لمساعدتها، وأنّ مواقف الأوروبيين منها ليست موحدة، فماذا تقول في ذلك؟

- "معلوماتي ليست كذلك، بل إنّ السوريين يعتبرون أن هناك عداءً عربياً في بعض الدوائر، وخصوصاً في الدوائر التي يعتبرها البعض قريبة منهم، فهم يفهمون العالم العربي، الذي يتحرك في التخطيط الأميركي لاحتواء هذا العالم. وتصوّري أنّهم يمتلكون وعي الواقع الذي يحيط بهم، ويحاولون القفز من موقع إلى موقع. فتجربتهم مع تركيا توضح ذلك، وكادت المسألة من خلال أوجلان أن تصل إلى حرب، ولكن فجأة استطاعوا حلّ المشكلة مع تركيا، وأصبحت العلاقات معقولة. لهذا، فهم يفكِّرون، وهم يعرفون أنَّ بعض الدول العربية ليست معهم، ولكنهم مع ذلك، يعرفون أن هذه الدول في حاجة إليهم ولو بمقدار في هذا المجال. نعم، هم قد يخطئون، ولكنهم ليسوا بهذه البساطة والسذاجة في التفكير السياسي".

* ما هي حاجة الدول العربية، ولاسيّما مصر والمملكة العربية السعودية، إلى سوريا؟

- "الحاجة السياسيَّة، ولا ننسى أنَّ السعودية ومصر وسوريا هي دول عربية كبيرة، وليس في مصلحة مصر أن تكون العلاقات مع سوريا متوترة، إضافة إلى مسألة، وهي أنّ مصر قد تشعر بقدرتها على القيام بدور في العلاقات بين سوريا وأميركا بشكل وآخر.

كذلك السعودية، فقد عُزِلت عن كلِّ العالم العربي، حتى العالم الخليجي، فأن تكون لها علاقات مع سوريا، بحيث تشعر بحاجة سوريا إليها، وبالحاجة إلى تدخّلها في بعض القضايا، فهذا مما يعطيها نوعاً من أنواع القوة. فهاتان الدولتان بشكل خاصّ، ليس موقعهما موقع المواجهة لسوريا، وإن بدأت أحياناً أنها ممكنة ولو بشكلٍ خفيّ، ولكن هناك حاجة إليها بطريقة وبأخرى".

* هناك شائعات عن وجود تحرّكات شعبية معارضة، قد تجمع للمرة الأولى "الأخوان المسلمينً" وليبراليين، وهناك شائعات أخرى عن خلل ما في بنية النظام السوري أو داخله. هل تعتقد ذلك؟ وهل هذا الخليط المعارض يمكن أن يثمر؟

- "لا أتصوّر أن الأخوان المسلمين، حتى في تحالفهم مع الليبراليين، بلغوا من القوة نحواً يستطيعون معه تغيير النظام، في مصر أو في سوريا، فالأخوان المسلمون في الطريق إلى صحوة سياسية قد تجعلهم يشاركون في العمل السياسي، وقد يعارضون أو يدخلون الانتخابات، وهم في مصر أقوى منهم في سوريا، حيث بدأوا يدخلون الجو السياسي، إلاّ أنّهم لا يملكون قدرة القيام بدور كبير من الناحية السياسية على مستوى خلخلة النظام.

أما قضية الشائعات، فلا يشعر الإنسان بوجود شيء يطفو على السطح".

جريدة النهار:22 رمضان 1426 الموافق في  26/10/200



*الأميركيون لم يقولوا إنّهم يريدون إسقاط النظام السوري، ولكن قالوا في المرحلة الأخيرة، إذا كان هذا النظام سيسقط، فلن نفعل شيئاً لمساعدته على البقاء أو الاستمرار. ما رأيك في ذلك؟

- "ما تتفضل به هو ما إذا كانت هناك ظروف داخلية في سوريا لإسقاط النظام، لكن عندما تدرس الوضع في سوريا من خلال المعارضة، وحتى معارضة الأخوان المسلمين، ترى أن الوضع لم يحمل في الأوضاع السورية الداخلية أية فرصة لإسقاط النظام من الداخل في هذا المجال. ولا يزال النظام قوياً بحسب ما يملك من الضغوط التي يضغط بها على المعارضين هنا وهناك. ففرضية سقوط النظام من الداخل ليست فرضية واقعية، كما هي صورة المشهد على حقيقته في هذه المرحلة".

* تصرّح إسرائيل بأنّها ليست إسقاط النّظام في سوريا، لأنّ السلفيّة حينها ستسود، ولكنّها تريده نظاماً ضعيفاً، والولايات المتّحدة تبدو متردّدة في ما يتعلّق بمصير هذا النّظام. وهذا النّوع من الأنظمة، إمّا يبقى قويّاً أو يسقط. كيف يمكن أن يحافظ النظام السوري على قوَّته بعد الضغوط التي مورست وستمارس عليه، ومن ثم استرجاع دوره المقبول دولياً؟

- "لا بدَّ من التدقيق في هذه المسألة، فالضّعف السوري الذي يتحدث عنه الإسرائيليون أو بعض المسؤولين الأميركيين، هو ضعفٌ من الخارج وليس من الداخل.

إن النظام يسقط بفعل الضَّعف الداخلي، ولكن الضعف السوري ينطلق من خلال العقوبات الاقتصادية، أو العزلة السياسية. وفي ملاحظتنا للوضع السوري الآن، أن القيادة السورية تعيش حالة العنفوان في القضايا الكبرى التي تعتبرها القضايا القومية، والتي تعتقد أنها تمثل قاعدتها... لهذا، في تصورّي أن هناك نوعاً من الإصرار على تحمل الكثير من هذه المضعِّفات، إذا صحّ التعبير، ريثما تنفتح لها كوّة هنا وكوّة هناك.

إن النظام السوري ليس النظام الذي يبقى منتظراً ضربة ما على رأسه تأتي من هنا وهناك، ولكنه النظام الذي يبحث عن موقع للقوَّة هنا وهناك، إلى جانب مسألة لا بد من متابعتها، وهي أن النظام السوري لا يزال يعمل على تحقيق وتخطيط الإصلاح الداخلي، وإن يكن بطريقة قد تكون سلحفاتية وتدريجية، بسبب الظروف المحيطة المانعة من السرعة في الإصلاح، باعتبار مراكز القوى وما يسمى الحرس القديم.

إن الاستمرار في هذا الاتجاه، ربما يمنح النظام جرعةً من القوة الداخلية من وقت لآخر".

* ألا تعتقد أنّ الشعارات التي لا تزال ترفعها سوريا فيها شيء من المبالغة، لأنّ هناك اقتناعاً عاماً بأنّ الهدف الوحيد، أو على الأقل الأبرز من رفعها،  هو حماية النظام؟

- "ليست المسألة أنّ سوريا تريد حماية نفسها بهذه الشعارات القومية، ولكنَّ هناك شيئاً داخل القيادة السورية ينطلق من الإصرار على البقاء في الدائرة القومية. مع نقطة مهمة لا بدَّ من الإشارة إليها، وهي أنّ البلاد العربية بأجمعها ابتعدت عن القضية القومية، سواء الفلسطينية، أو حتى قضية العراق، بالطريقة التي تعتبرها الشعوب العربية خاضعةً لإسرائيل، كما هي خاضعة لأميركا. أمّا في سوريا، فهناك بقية من الحالة العربية التي يمكن أن تحترم ذلك في هذا المجال. فالقضيَّة ليست أنَّ هذا الموقف يحمي سوريا، ولكنَّ هناك نوعاً من العناد السوري، حسب ما يثار من بعض التصريحات أو المواقف للقيادة، في الوقوف مع هذه المسألة، وربما كان بقاء هذه العناوين الكبرى يشكل حاجة أمريكية إلى هذا الدور للاستفادة منه في ترتيب بعض الأوضاع العربية، وخصوصاً القضية الفلسطينية والقضية العراقية، بلحاظ الحركة المستقبلية عندما تصل المسألة إلى تسوية في هذا المجال".

* العناد يؤذي، والوصول إلى تسوية يقتضي تنازلات، فهل سيوصل العناد السوري إلى تسوية أم لا؟

- "العناد المقصود هو بطبيعة الحال العناد السياسي، وليس الذاتي أو الانفعالي".

* سألت: ماذا تريد أمريكا من سوريا؟ هناك سؤال آخر: ماذا تريد سوريا من أميركا؟

- "أتصوّر أن سوريا تريد أن تبقى العلاقات مع أميركا في المستوى الذي لا يُسقط القضايا الحيوية فيها".

* هذا كلام عامّ!

- "لا، ليس كلاماً عامّاً، فإذا قلنا إنّ سوريا تريد الدخول في تسوية مثلاً، فهذه التسوية تتحرك فيها القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية، وفي تصوُّري أنّ أميركا إذا فكَّرت في رفع هذا الضغط القوي عن سوريا، فإنّ من الطبيعي جداً أن تبدأ العلاقات بشكل معقول، كأي علاقة بين دولة كبرى ودولة لها مصالح معها".

* نلاحظ من خلال التصريحات الأميركية، بما فيها تصريحات رايس، بحفظ الحدود مع العراق، وأن لا تتدخل سوريا في لبنان وفلسطين، نلاحظ أنّ هناك ثلاثة أمور يتحدثون عنها. هل سوريا جاهزة لذلك؟ إذ من دون هذه الأمور، لن تكون هناك صفقة أو بالأحرى تسوية؟

- "أعتقد أنها جاهزة وغير جاهزة. الجهوزية ليس معناها التوقيع، بل التحرك بطريقة ديبلوماسية بحيث تفسح في المجال للدخول في بعض هذه التسويات".

* هل تعتقد أن من أسباب تردّي العلاقة السورية الأميركية، عدم معرفة سوريا أميركا، وعدم معرفتها كيفية إدارة الحوار معها؟ هل هناك جهل عند النظام السوري بأميركا؟

- "لا أتصوّر أن سوريا تجهل أميركا، ولكنّها تحاول الحديث بطريقة أننا قدَّمنا كذا وكذا، وهو من قبيل إدارة المسألة في عمليّة التجاذب. فالتجربة السورية مع أميركا لا تزال تختزن حافظ الأسد، وإن لم يكن هناك حافظ الأسد".

جريدة النهار:21 رمضان 1426 الموافق في  25/10/2005



* أمام ما يحدث في العراق، وفي بعض ما يجري في لبنان، يشعر الإنسان أنّ الحساسيات السنّية الشيعية قد بلغت الذروة، لكن حكمة المرجعيات الدينية عند الفريقين تطوِّق الموضوع، إدراكاً منها أن مصير الوطن في "مأزق" في النهاية. وهذا يدفع إلى القول أنه ليس على اللّبناني إذا كان حليفاً لجهة إقليمية، أن يضحِّي ببلاده من أجلها، وأنه يجب على سوريا إذا حشرت في لبنان أو خارجه، ألاّ تلجأ إلى استعمال كلِّ الأسلحة و"الأوراق" التي تملكها فيه، وان كان ذلك دفاعاً عن نفسها. ما رأيك في كلِّ ذلك؟

- "أتصوَّرُ أنَّ المسألة المذهبية، وخصوصاً بين السنّة والشّيعة، سوف تجعل سوريا تخسر الكثير في لبنان. مع ملاحظة، أخرى وهي أنَّ النسيج اللبناني الإسلامي، يملك من المناعة في علاقة السنّة مع الشّيعة، ما تعجز معه أيُّةُ جهة من أن تصل به إلى حدّ الفتنة. قد يتحدث البعض عن إمكان حصول فتنة مسيحية إسلامية، لكن من خلال دراستنا للأرض الإسلامية، فإنّنا نلاحظ صعوبة التفكير في فتنة سنية شيعية. لذلك، فإنّ سوريا لا تستطيع السير في هذا الاتجاه، لأنه سيرتدُّ عليها في سوريا".

* كيف يمكن أن يكون احتمال حصول فتنة مسيحية إسلامية أقرب من احتمال حصول فتنة سنية شيعية في لبنان؟

- "لا أقصد أنّ هناك فرصة لذلك، ولكن أقول إنَّ الفتنة السنية الشيعية أبعد، وربما نلاحظ ذلك من خلال الأوضاع والقيادات المتنوّعة لدى المسيحيين، مضافاً إليها بعض العقد التي قد تتحرك من خلال قيادة سياسية هنا أو هناك. ولا أقول إن هناك فرصة قريبة لذلك، ولكن كنت أريد أن أؤكد أن هذه القضية مستبعدة".

* هل يمكن أن يُستعمل الفلسطينيّون في لبنان، سواء من هم داخل المخيمات أو من هم خارجها من المعتبرين حلفاء لسوريا، في أيّ دور؟

- "لا أعتقد أنَّ لهم أيَّ دور في إثارة الواقع السياسي مقارناً بالواقع الأمني في لبنان. إنّ الفلسطينيين ضعفوا من خلال التطوّرات التي حصلت، لأنهم كانوا يتحركون في انتماءاتهم على قاعدة انتمائهم إلى هذا البلد العربي أو ذاك. إضافةً إلى ذلك، فإنني أعتبر أن وجود المقاومة الإسلامية في لبنان، وحاجة الفلسطينيين إلى هذه المقاومة، يمنع الفلسطينيين من العبث بأيِّ وضع لبناني. فعندما نجد أن المقاومة الإسلامية قد استطاعت ضبط الحدود اللبنانية، ولم تمكّن الفلسطينيين من التحرك على مستوى المقاومة الفلسطينية، فإنّ معنى ذلك أنها تملك الرشد السياسي والقوة العسكرية، ولا تسمح بوجود فتنة فلسطينية تأكل الواقع في لبنان".

* حالياً، هناك مواجهة بين سوريا وأميركا، والأميركيون لا يزالون يقولون إنّ التسوية مع سوريا ممكنة في حال نفَّذت كذا وكذا من الشروط. فمنذ العام 2001 إلى العام 2004، وأميركا تريد صفقة مع سوريا، وتلّح على ذلك كلما تزايدت حاجتها إلى سوريا، سواء في لبنان أو في العراق أو في الموضوع الفلسطيني. يومها، لم تكن سوريا جاهزةً للصَّفقة، وكلُّ ما فعلته طيلة هذه السّنوات، كان تعاوناً أمنياً محدوداً يتيح لسوريا الاستمرار خارج دائرة الغضب الأميركي، وانتظار تعثّر أميركا وشعورها بالحاجة إلى دمشق، الأمر الذي يمكّنها من المحافظة على "نفسها" وعلى دورها في لبنان والمنطقة. تعثرت أميركا، لكن ذلك لم يحقق الأحلام السورية، الآن تريد سوريا حواراً مع أميركا، لكن أميركا مع قولها إنّ الحوار ممكن، فإنّها ترفقه بطلبات في لبنان والعراق وخارجها، بحيث تبدو كأنها تسعى وراء صفقة "قذَّافية". هل أنت مع هذا التحليل؟ وما هي رؤيتك لكل هذا الموضوع؟

"لا أتصوّر ذلك. لماذا؟ لأنه أمام هذا الجو الأميركي في الضغط على سوريا، لا بدّ لنا من أن نطرح سؤالاً: ماذا تريد أميركا؟ هل تريد عراقاً جديداً في سوريا؟ هل تريد تكرار مسألة صدَّام حسين أو احتلال سوريا؟ هل أن الظروف السياسية العربية تسمح بضربة قاضية لسوريا على طريقة الضربة القاضية للعراق؟ إنني من خلال متابعتي للوضع، أجد أن أميركا تضع في خطتها تطوراً ما، وأفهم أنها تريد أن تضغط على سوريا ضغطاً اقتصادياً بالعقوبات التي حاصرتها بها سابقاً، والعزلة السياسية التي تبشّر بها واستطاعت أن تنفّذها بطريقة وأخرى، ما يعني أنّ هذا النوع من الجدال السوري الأميركي سوف يبقى طويلاً، وكما يقال: "ضربة على الحافر وضربة على المسمار". ولا أزال أستحضر فكرتي السابقة، وهي أن أميركا في حاجة إلى سوريا، وسوريا هي البلد العربي الوحيد الذي لا يزال يرفع الشعارات القومية في العالم العربي، ويستهوي الشباب العربي، وهي بحسب ما تملك من خطوط أو خطط، تستطيع الضَّغط على الأصوليين والراديكاليين والفلسطينيين. فالقضيَّة هي أنَّ سوريا تختلف عن العراق في النظرة الأميركية، لأنّ لها دوراً مهماً، قد يكبر أو يصغر، لا يملكه أيُّ بلدٍ عربي آخر. وعندما ندرس التصريحات الأخيرة لإسرائيل عدا رئيس الاستخبارات، نلاحظ أنها تتحدث بأنّه ليس من مصلحتها إسقاط سوريا، بل الاكتفاء بإضعافها، لشعورها بالخطر الكبير عند الحدود خوفاً من البدائل المطروحة. أما الحديث عن أن سوريا يمكن أن تخضع للهجمة الأصولية إذا أوقفت التدخل في العراق، فإنّي أرى أن الأصوليين بالمعنى السلفي العنيف، لم يصلوا في سوريا إلى المستوى الذي يستطيعون فيه أن يمارسوا فيها ما يمارسونه في العراق، لأنّ ذلك سوف يجعلهم محاصرين، وسوف يُحاصرون في العراق عندما تضيّق سوريا عليهم الحدود، ولا سيّما إذا كانت هناك بعض الاتفاقات مع سوريا في هذا المجال. المسألة ليست بهذا التبسيط، ولست في مقام إطلاق أحكام كبيرة".

جريدة النهار:20 رمضان 1426 الموافق في  24/10/2005



* كيف يمكن إرباك الوضع السياسي في لبنان، وبموجب أيِّ خطة إذا كانت الأمور لن تصل إلى مستوى الحرب، ولاسيما في ظل الورقة التي تملكها سوريا ضد أميركا في العراق مع كثير من الأوراق اللبنانية؟

- "بشكل عام، لا يمكن أن تسقط أيُّ دولة بسبب اتهام هنا أو هناك، وإن سبَّب لها ذلك إزعاجاً أو إرباكاً".

* هل ستعتبر سوريا قرار لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي فيه اتهام لها ولحلفائها في لبنان بالمسؤولية عن هذا الموضوع، قرار "كسر عظم" أم لا؟

- "لا أعتبر أن المسألة في مستوى كسر العظم السوري، لأنَّ القضيَّة في هذا المجال هي من القضايا التي لا يسقط الجدال أمامها، بل من الممكن جداً أن يبقى الجدال في مفرداتها هنا وهناك، إضافةً إلى مسألة، وهي أنّ الموقع السوري أو موقع سوريا في لبنان، سواء من النَّاحية الاقتصادية والأمنية، أو من النّاحية السياسية، هو الموقع الذي لا يستطيع لبنان أن يتحمّل مواجهته لو أرادت سوريا أن تنفذ إليه بشكل فاعل في هذا المجال، مع ملاحظة في الأسلوب الأميركي، فنحن نلاحظ أن أميركا تتحدث بطريقة وبأخرى، بأنها لا تريد إسقاط النظام السّوريّ، ثم نسمع من وزارة الخارجية الأميركية، أننا نريد أن نتحدَّث مع سوريا بالطريقة التي تغيِّر فيها سلوكها. إنّ هذا الأسلوب ليس أسلوب حرب، بل هو أسلوب يوحي أن هناك شيئاً ما في خلفية العلاقات يُراد له أن يهيىء المناخ لتسوية معينة قد لا تكون بهذا الحجم الكبير، ولكن قد تكون أول خطوة في الطريق الطويل".

* هل تعتقد أنَّ سوريا ستكون جاهزة لتسوية مع الولايات المتحدة تستثني لبنان، أي أن لا تكون على حسابه ولا تعيده إلى السيطرة السورية التي كانت قائمة سابقاً وعلى مدى سنوات طويلة؟

- "جاهزة وغير جاهزة". لن تعود السيطرة السورية على لبنان كما كانت، لأنّ الظروف التي أدت إلى هذه السيطرة السورية الشاملة انتهت من خلال التطورات في العالم العربي، ومن خلال الأوضاع اللبنانية الداخلية، بصرف النظر عن مسألة اغتيال الرئيس الحريري وغيرها. فأن تعود المسألة كما كانت، هو أمر غير واقعي، ولكن أعتقد أنه في لبنان أكثر من ثغرة يمكن أن تنفذ منها سوريا وغير سوريا في هذا المجال، مع ملاحظة أن أميركا وفرنسا ليستا القضاء والقدر، لا من جهة عدم امتلاكهما القوة لتتحدثا بطريقة عنترية، ولكن لأنّ لهما مصالح قد تتأثر بطريقة وبأخرى عندما تتحرك الخطوط في اتجاه العنف هنا وهناك. ثم هناك وضع عربي نتفق على أنّه وضع ضعيف، ولكنّه يمكن أن يؤدي أمام هذا النوع من العنف ضد سوريا إلى عدم استقرار المنطقة في أكثر من جانب. ومشكلتنا في لبنان، هي أنّنا ننظر إلى الأمور من زاوية واحدة، ولكنّنا نعرف أن قضية السياسة الدولية والإقليمية قد تأخذ أكثر من بُعد في تطوّراتها أو في سلبياتها وإيجابياتها".

* هل سيسمح لسوريا في إطار الصّفقة أو التّسوية التي يتحدّث كثيرون عنها بين سوريا وأميركا، واستطراداً مع المجتمع الدوليّ، بالاحتفاظ بـ"الأوراق" اللّبنانية التي تملكها، وباستعمالها في قضايا كثيرة لها علاقة بالداخل اللبناني، وبالعدو الإسرائيلي، وبغيرها ذلك من القضايا؟

- "علينا ألاّ ننسى أنَّ الساحة اللُّبنانية هي جزء من ساحة المنطقة، والتي يمكن أن تتحرك لتنفتح على ساحة هنا وساحة هناك، مما يدخل في الخطة الدولية، ولاسيما الخطة الأميركية. ثم إنّ هذا الجيل الجديد من السياسيين لم يبلغ سن الرشد، ولم ينضج ليملك التخطيط لحماية لبنان من ثغرة هنا وهناك. ونحن نلاحظ أنه منذ أن بدأ هذا الجيل الجديد من السياسيين، لم يستطع لبنان أن يحفظ أمنه، وأصبحت التّهمة للنظام الأمني هي الفزّاعة التي تُعالَجُ بها كل هذه الاغتيالات والتفجيرات وغيرها. ولم يستطع لبنان حتى الآن أن يصل إلى مستوى الحكم الذي يحفظ لبنان من كلِّ هذه التداعيات التي لا تزال مختبئةً في عمق الواقع اللبناني".

جريدة النهار:18 رمضان 1426 الموافق في  22/10/2005



س: كيف، وبأي طريقة، سيسقط الهيكل على رؤوس كثيرين، إذا تبين أو تأكد أن تقرير ميليس فارغ، وإذا كان الجنرالات المسجونون أبرياء؟

ج: "ما عنيته هو السقوط السياسي، الذي سوف يسقِط المسألة من الناحية السياسية، بقدر ما يتّصل الموضوع بفريق سياسي معين، أخذ خطاً سياسياً محدداً منذ جريمة اغتيال الرئيس الحريري. إضافة إلى نقطة أخرى، وهي أن هذا العنوان، أي عنوان النظام الأمني الذي يمثَّل الفريق القوي في المسألة، سوف يتحرك ليترك تأثيراً على مسألة الانتخابات (النيابية الأخيرة)، لأن العنوان الكبير للانتخابات كان إسقاط النظام الأمني من خلال هؤلاء الذين يمثِّلون الرمز لهذا النظام، وإذا ثبت أنهم أبرياء، فمن الطبيعي أنَّ كل مفاعيله السياسية للمعنيين ستطال الكثير من الأمور، بما فيها المفاعيل الانتخابية التي لم تطرح على طريقة الانتخابات التي تقدم البرامج وغيرها، بل كان الطرح الأساس هو إسقاط النظام الأمني، والذي يمكن أن يطال القمّة التي ستعقد في لبنان، إن صحّ في لبنان، أن هناك قمّة".

س: تحدّثتم عمّا يمكن أن يحصل لو كان التقرير فارغاً، فماذا يمكن أن يحصل في حال كان مليئاً؟ وقد شاهدنا في الآونة الأخيرة هجوماً مضاداً يقوم به حلفاء سوريا في لبنان، وحلفاء النظام الأمني اللبناني السوري المشترك الذي كان قائماً، ونرى أيضاً هجوماً مضاداً سورياً مباشراً يعتبر أن سوريا مستهدفة على نحو مباشر. فهل يستمر هذا الهجوم أو يتطوّر في حال وجّه التقرير أصابع اتّهام ما إلى النظام اللبناني أو إلى بعض الأخوان في سوريا؟ وهل سيعتبرون أن ما يجري هو تسييس؟ أم سيكون هناك نوع من التعاطي الواقعي مع التقرير، وتالياً محاولة البحث في طريقة ما لمعالجة نتائجه؟

ج: "أتصوَّر أن الواقع اللبناني قد أصيب بالتخمة السياسية والإعلامية في كلِّ المفردات المعلوماتية _ إذا صحَّ ذلك، أياً تكن خلفيات هذه المعلومات _ بأن من الممكن جداً أن تكون هناك حقيقة في هذا التقرير، تتصل بالجهات التي انطلقت بالحدث منذ البداية، ليُسجِّل اتّهاماً ضدّها. تبقى المسألة المطروحة أمام هذا التقرير "المملوء" أن يُطرح سؤال: هل أنه مليء بالأدلّة والبراهين، أم بعلامات الاستفهام؟ عندما نلاحظ كيف تتحرك التحقيقات، وكيف يواجه المحققون بعض الصدمات التي حصلت في مسار هذه القضية، والمسألة هي: هل هناك حالة قضائية وقوة قضائية تقدم الأدلة والبراهين؟ وهذا ما نلاحظه في حديث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، الذي أكّد أنه لن يتقبّل في التقرير أي تسييس، بل الأدلة والبراهين، ما قد يوحي أن هناك شيئاً ما يستدعي التدقيق أكثر والبحث عن الأجوبة من خلال أدلّة قاطعة".

س: ماذا يمكن أن يكون ردُّ الفعل من قِبَل الذين قد يسمّيهم التقرير في حال كان مليئاً، علماً أنَّ المحكمة لاحقاً قد تدحض الأدلَّة أو قد تثبتها؟

ج: "من الطبيعي أن يكون ردُّ الفعل طبيعياً جداً في الحركة القضائية التي تقدم للناس الأدلة القاطعة، التي انتظروها من خلال تفاعلهم مع خطورة الحدث، ولاسيما أنَّ المسألة تجاوزت الخطوط الصغيرة للواقع اللبناني. لذلك، فان اللبنانيين، وربما غيرهم، قد استوعبوا أن هناك عقاباً للمجرم لا بدَّ من أن يتمّ، سواء كان مخططاً أو منفّذاً مثلاً، ولا أعتقد أنّ ذلك سيخلق مشكلات كبيرة جداً. قد تبقى هناك الإثارات التي يتداولها الإعلام عن وجود صفقة سورية ـ دولية، أو عن وجود بعض الأوضاع في الواقع العربي هنا وهناك، ولكنّها مسألة أخرى. إنني من خلال دراستي للأوضاع التي يتحرك فيها هذا التقرير، ومن خلال النتائج القضائية، لا أجد أن هناك خطورة كبيرة كما يوحي البعض، في السلب أو في الإيجاب".

س: هل ستسكت سوريا على تقرير يصدر فيه اتهامات لها، أم ستحاول بكلِّ ما لديها من نفوذ في لبنان، ومن قِبَل حلفاء لبنانيين وغير لبنانيين، صرف الأنظار عن هذا الموضوع، بإدخال لبنان في وضع جديد مربك له وللمنطقة وللواقع الإقليمي والدولي، الأمر الذي يجعل اغتيال الحريري "وراء" الجميع؟

ج: "لا أتصوّر أن المسألة سوف تصل إلى هذا التطور بطريقة إعلامية بارزة، لأنه ربّما لا يريدُ كلُّ من الطّرفين أن يصل إلى هذا المستوى، لسبب بسيط، هو أن أميركا لم تستغرق في مسألة اغتيال الرئيس الحريري كقضية تدخل في أولويّاتها على مستوى المسألة السياسية، تماماً كما هي المسألة بالنسبة إلى فرنسا التي ينسب إليها أنها تعالج المسألة بطريقة عاطفية إلى جانب المسألة السياسية. لذلك فالمسألة لم تصل في الخطة الأميركية إلى مستوى كسر العظم بحسب التعبير المتداول. كما أنَّ هناك نقطةً أخرى، هي أنَّ لبنان بالنسبة إلى أميركا يمثِّل موقعاً من مواقع حركتها في المنطقة، ما يجعلها تتحرك على أساس لعبة القطِّ والفأر بمقدار ما تتصل المسألة بالقضية العراقية التي تعاني منها أميركا بطريقة وبأخرى.

ولكننا لا نرى أن سوريا سوف تقف موقف اللاّمبالاة في وجه الضغوط التي تمارسها أميركا ضدها، فقد تثير بعض الضوضاء حول هذا الاتهام أو ذاك، وقد بدأت في الحديث عن تسييس القضية، لأنها تعتبر نفسها بريئةً من هذا الموضوع، وسوف تتحدث عن كثير من خطوط هذه البراءة، ما يجعل المسألة مثاراً لأكثر من جدل. إضافةً إلى أنّ الورقة التي تملكها سوريا ضد أميركا في العراق، لا تزال تمثّل بعض المشكلة لأميركا، وفي الوقت نفسه، فإنها تملك الكثير من الأوراق بالنسبة إلى الوضع اللبناني. ولكن الوضع ليس على مستوى إثارة حرب في لبنان أو غير ذلك، ولكن يمكن أن تصل المسألة إلى حالة قد تربك الواقع السياسي في لبنان".

جريدة النهار:17 رمضان 1426 الموافق في  21/10/2005



هل يكون تقرير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قبل نيف وثمانية أشهر، المرتقب صدوره قريباً جداً، مليئاً بالأسماء والوقائع والتفاصيل، أم خالياً منها ومليئاً بدلاً من ذلك بأسئلة وتساؤلات وعلامات استفهام وشبهات واستنتاجات سياسية أو شبه سياسية؟ هل يطال التقرير المذكور سوريا ويشير إلى مسؤولية ما لها عن الاغتيال، وهي التي وجِّهت إليها أصابع الاتهام عفوياً من جهات لبنانية وخارجية معينة، وعمداً من جهات أخرى، أم توجّه أصابع الاتهام إلى جهات محلية أو أخرى خارجية غير سورية؟ وماذا سيكون ردّ الفعل السوري، وخصوصاً في لبنان، في حال حمَّل التقرير دمشق مسؤولية الاغتيال؟ وماذا سيكون ردّ الفعل في لبنان وخارجه في حال أبقى التقرير سوريا بمنأى وإن نسبياً عن وجهة الاغتيال؟ وهل يمكن أن يقع اللبنانيون في فخ ردود الفعل على التقرير أياً يكن مضمونه، أم يتقيدون بمصلحة البلاد والعباد ربما للمرة الأولى في تاريخهم، هم الذين تصرفوا دائماً انطلاقاً من مصالحهم الخاصة والفئوية؟...

هذه الأسئلة الكثيرة والصعبة، لا يمكن تقديم أجوبة عنها بسهولة، وخصوصاً من أصحاب الفكر المنهجي والعقلية العلمية، وهي وغيرها كثير، تقلق اللبنانيين الذين لم يعودوا يعرفون إذا كانت المرحلة الانتقالية الراهنة التي يعيشون في ظلّها، ستفتح الباب على استقرار أمني سياسي يضع البلاد فعلاً على طريق العافية الصحيحة، أم ستفتح "أبواب جهنم" عليهم، كما لوّح بعض الأشقاء في وسائل إعلامه الرسمية. لذلك توجهنا بهذه الأسئلة إلى المرجع الديني العلامة السيد محمد حسين فضل الله، في محاولة للحصول على أجوبة وافية، مستفيدين في ذلك من عقله الراجح، واطّلاعه الواسع، وفكره الثاقب، وموضوعيته، فضلاً عن حسّه الوطني والعربي والإسلامي.

س: ما التأثير الذي سيتركه التقرير المرتقب للجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري، سواء كان "مليئا" بـ"أدلة" توجه أصابع الاتهام إلى أركان النظام الأمني اللبناني الموجودين في السجن حالياً وإلى سوريا في شكل أو في آخر، أو كان خالياً من هذه الأدلة؟

ج: "من الطبيعي أن هذا الحَدَث الضخم، أي اغتيال الرئيس الحريري، استطاع أن يدخل لبنان، بكل تنوعاته، في مناخ الخطوط الدولية التي بدأت تتدخل في الشأن اللبناني من خلال خطوطه القضائية، لأن القضية هي أنّ هذه الخطوط الدولية قد أقحمت نفسها في هذه المسألة، بحيث أبعدت اللبنانيين، في المرحلة الأولى على الأقل، عن أن يكون لهم دور أو موقف في هذه المسألة. لذلك، فإننا نلاحظ أن هذا المسار الذي سارت فيه هذه القضية في الحركة السياسية، شغل الكثيرين الذين تنوّعت مواقعهم من خلال تنوّع استفادتهم من هذا الحَدَث. ونحن نعرف أن هذا الحدث قد استطاع كثير من اللبنانيين أن يستغلوه استغلالاً سياسياً، حتى شعرنا أن كل واحد من هؤلاء الذين كانوا مختلفين مع الرئيس الحريري، أو كانوا في الموقف السلبي معه، أصبحوا أم الولد، ما أوجد الكثير من الجدال الذي يُسجّل فيه فريق هنا أكثر من نقطة على فريق آخر هناك.

من الطبيعي أن هذه التطورات السياسية استطاعت أن تستفيد من بعض الإشارات أو المعلومات التي تتحدث في بعض المناخات عن فراغ هذا الملف، سواء داخلياً أو إقليمياً. لهذا، فإن المسألة التي تواجه الواقع اللبناني بعد إعلان التقرير ليست مسألة أمنية، على مستوى الواقع الأمني الذي قد يُدخِلَ اللبنانيين في مشكلة يحارب فيها بعضهم بعضاً، فهذا الأمر قد تجاوزه اللبنانيون، لأنّ إمكانات الفتنة بينهم لم تعد موجودة، ولأنّ طبيعة التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية لم تدخُل بعد في هذا الاتجاه، كما حصل في الماضي.

ولكن إذا كان التقرير يؤدّي إلى الحديث عن أنّ هذا الملف لا يحتوي على أي اتهام لهؤلاء الذين أثار اعتقالهم الجدل والحماسة لدى فريق من الناس، على أساس أن التحقيق استطاع إثبات – وإن لم يثبت – أنهم في دائرة الإدانة في هذا المجال، فإن الهيكل سيسقط على رؤوس الكثيرين ممن استغلّوا هذا الحدث أو الاعتقال استغلالاً كبيراً جداً، لأن ذلك يثبت بأنهم لم يكونوا صادقين مع أنفسهم في إدانة هؤلاء الناس. أما إذا ثبت أن هناك حقيقة في داخل هذا الملف، فمن الطبيعي جداً أن هذه المسألة، ومن حيث المبدأ، لن تُحدِثَ شيئاً كبيراً مغايراً لما يجري منذ فترة، لأن الأوضاع ومسار القضية، منذ التظاهرات التي اتهمت النظام الأمني اللبناني – السوري، قد استطاعت أن تستنفد كل شيء في هذا الملف، أو في مسألة الاتهام لهؤلاء. ولكن تبقى أمام المراقب مفاعيل هذه النتيجة: هل إن القضية تقتصر على هؤلاء ومن يتّصل بهم؟ أم إنّها تتحرك في الواقع اللبناني على مستوى رئاسة الجمهورية؟ أم على مستوى الواقع السوري، لجهة علاقة سوريا بالموضوع؟ هذا موضوع قد لا يستطيع الإنسان أن يعالجه بشكل حاسم وبهذه السرعة".

جريدة النهار:16 رمضان 1426 الموافق في  20/10/2005


ننشر فيما يلي الحلقة الأولى من حوار الأستاذ سركيس نعوم مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله ، وإن جرى قبل نشر تقرير لجنة التحقيق الدولية حول إغتيال الرئيس الحريري ، على أن ننشر الحلقات الأخرى تباعاً :

الحلقة التاريخ العنوان
السابعة  23 رمضان 1426هـ الموافق 27-10-2005

لا فرصة لعراق مستقر

السادسة  22 رمضان 1426هـ الموافق 26-10-2005

سوريا تعرف أن لها أعداءً عرباً

الخامسة  21 رمضان 1426هـ الموافق 25-10-2005

ضعف سوريا خارجي وليس داخلياً

الرابعة  20 رمضان 1426هـ الموافق 24-10-2005

"العبث الفلسطيني" تمنعه 'المقاومة الإسلامية'

الثالثة  18 رمضان 1426هـ الموافق 22-10-2005

لن تعود السَّيطرة السوريَّة على لبنان

الثانية  17 رمضان 1426هـ الموافق 21-10-2005

لن نصل إلى مستوى الحرب

الأولى

 16 رمضان 1426هـ الموافق 20-10-2005

الهيكل سيسقط إذا كان المسجونون أبرياء!


* ما هو موقفك كمرجع شيعي له مقلّدون في كلِّ أنحاء العالم من الدستور العراقي؟ وهل كنت مع  الـ"لا" له أم الـ"نعم"؟

- إنّنا نعرف أن الاحتلال لن يعطي العراقيين أيّة قوة  مادية أو عسكرية لأفراد الشرطة والحرس الوطني ليقوموا بدورهم في واجب المحافظة على الأمن، فهو حتى الآن لم يمنحهم أيّ وسيلة من وسائل القوة، ولم يقف بشكل فاعل ضد هؤلاء التكفيريين الذين يقومون بالمجازر والتفجيرات في الناس المدنيين، ولم يستطع حماية العراقيين، علماً أنه يملك في العراق ما يفوق المائة وخمسين ألف جنديّ، ما يجعل الحديث عن أنه غير قادر، حديثاً أشبه بالنّكتة، وعندنا بعض المعلومات، أنّ الاحتلال يعزِّز تناقضات الواقع العراقي، ويلوّح لهؤلاء وأولئك بمواقع هنا وهناك.

ونحن عندما نقف ضد الاحتلال، فلا نريد له أن يحقق أيّة قوة أو نجاح، ولكن عندما ننظر من جانب آخر إلى شعب العراق الذي عاش في مدى  35  سنة وأكثر، دون أن يكون له رأي في بلده وشؤونه أو في أيِّ دستور، فهناك وجهة نظر تقول: إنّ الشعب العراقي عندما يقوم بالاستفتاء على الدستور، بصرف النظر عن مفرداته والمناقشة في موادّه، فإنّ هذا سوف يعطي الشعب العراقي الثقة بنفسه، وأنّه قادر على اختيار مصيره ومستقبله في هذا المجال، فهذه دورة تدريبية مثلاً لممارسة السيادة والاستقلال، وربما تكون الوسيلة التي قد يطرحها العراقيون على الأميركيين لينسحبوا، لقدرتهم على حكم أنفسهم بأنفسهم.

وحين أطلقنا المسألة في هذا المقام، لم نقل للعراقيين قولوا نعم! ولكن قلنا لهم: شاركوا سياسياً على أساس الإرادة العراقيَّة وغير ذلك، إلاّ أنّنا لا نملك أيِّ تفاؤل بالمستقبل العراقي ما دام الاحتلال موجوداً، لأنّه سوف يبقى متذرعاً بوجود مقاومين، سواء كانوا من التكفيريين، أو أصحاب المقاومة العراقية الحقيقية، أو الدول المجاورة للعراق، لذا لا أجد هناك فرصة لعراق مستقر. والدول العربية التي طرحت مشروعها عبر الأمين العام، لم تطرح مشروعاً واقعياً، لأنّ القضية في العراق ليست قضية مصالحة وطنية، فلا مشكلة بين المسلمين على المستوى المذهبي هناك، بل القضية سياسية لها خلفيّات معيَّنة، تتصل بمشاريع الاحتلال وعملية وحدة العراق، أو من ناحية حرص بعض الجهات العراقية على استعادة الظروف والمواقع التي كانت تملكها أيام صدام حسين".

* ولكن هناك مذهبيّة ظهرت في العراق وأصبحت طاغية بفعل التطوّرات؟

- "صحيح أنّ هناك مذهبية في العراق، ولكنّها رغم أوضاع العراقيين الصعبة، ولاسيما الشيعة، لم تصل إلى حدّ الفتنة الداخلية. فالشيعة لم يقوموا بعملية ردّ فعل. ولا أزال عند رأيي أن المرجعيات الشيعية ترفض ذلك، لأنّ رد الفعل سيؤدي إلى قتل الأبرياء. ثمَّ إنّ شيعة العراق لا يملكون ذهنية قتل السنّة على قاعدة أنهم كفرة، كما هي الحال عند التكفيريين الذين يقتلون المدنيين الشّيعة ويقولون إنّهم كفرة، ودماؤهم حلال".

* ماذا نفعل عندما تصبح المسألة دفاعاً عن النَّفس؟

- " هناك ما يحصل داخل العراق، ولكنَّ المدة التي قطعها الواقع العراقي، دلّت على أنّه لم يحصل هناك شيء، وهو ما يدلُّ على تجربة ناجحة في منع الفتنة الطائفية".

* هل هناك تعاون شيعي عراقي مع الاحتلال أو التحالف؟

- "حسب معلوماتي، الشيعة ضد الاحتلال، ولكنهم لا يملكون الوسائل التي تحوّلهم إلى مقاومة، وهي وسائل سياسية وعسكرية. إضافةً إلى مسألة أن الشّيعة محاصرون، وإيران لا تتدخّل تحت عنوان دعمهم".

* ولكن إيران متهمة بالسيطرة على جنوب العراق؟

- "هناك فرق بين أنّ يكون لها امتداد على مجموعة كبيرة، وبين السيطرة على أساس أنّها تعمل لإيجاد وضع عسكري على مستوى مقاومة بارزة في هذا الموضوع. ولهذا نجد أنّ إيران، عندما انطلق العمل السياسي في العراق، اعترفت به، فهي اعترفت بمجلس الحكم، وبالانتخابات، وحتى بالاستفتاء على الدستور. فالسياسة الإيرانية تتحرك مع طبيعة الواقع".

* ما هي، في رأيك، أسباب حدة الموقف السعودي من الحركة الإيرانية في العراق؟

- "إنّه موقف قائم على أساس خشية السعودية من تنامي القوة الإيرانية في المنطقة، ولاسيما إذا انضمت إلى القوة العراقية، وهو ما يؤثِّر على الموقع السعودي ودوره في الخليج. ولكن إثارة الموضوع، ورد فعل بعض المسؤولين العراقيين، كانت تخلو من الحكمة".

* هل الموقف السعودي وهّابي أم قومي عربي؟

- "إنه موقف سعودي. لا هذا ولا ذاك".

* هل ستحال إيران بسبب ملفِّها النووي إلى مجلس الأمن، في رأيك؟

- "لا أعتقد أنّ من مصلحة أوروبا المبادرة إلى إحالة ملفّ إيران إلى مجلس الأمن، ولا من مصلحة وكالة الطاقة الذرّية، لأنّ إيران أعدَّت مواقف ليست من مصلحة أوروبا ووكالة الطاقة. ووفق بعض المعلومات، فإنّ إيران لا تشعر بوجود مشكلة فوق العادة بعرض مسألتها على مجلس الأمن، لأنّها تملك من الضغوط على أوروبا ما لا تستطيع معه أوروبا مواجهتها في هذا الموضوع، وهو ما يفسِّر، رغم الضغط على إيران، حرصهم على إبقاء المفاوضات وغيرها. ويبدو أن إيران وصلت إلى نتيجة أنّها تملك قدرات تجعلها في موقع القوّة وليس في موقع الضعف".

* هل لا يزال ملفُّ العلاقة بين إيران وأميركا غير ناضج للحسم في اتجاهٍ أو آخر؟

- "هناك أمور غير ناضجة، لكنّها لن تصل إلى نقطة اللاعودة".

* هل إيران وأميركا محكومتان بالتلاقي مستقبلاً لأسباب استراتيجية؟

- "قد لا يكون هذا بعيداً عن الواقع".

جريدة النهار:22 رمضان 1426 الموافق في  27/10/2005



* توحي طريقة عمل سوريا مع العالم، وخصوصاً العالم العربي، أنّها تعيش في عالمٍ من التمنّيات والأحلام، الأمر الّذي جعلها تُصدَم أكثر من مرّة ولا تزال. حصل معها ذلك في الموضوع الأمريكي، وفي الموضوع العربي، فهي حاولت وتحاول دائماً إعطاء انطباع بأنها تحصل على دعم مصري وسعودي، وأنّ القاهرة والرياض تبذلان المستحيل لمساعدتها، وأنّ مواقف الأوروبيين منها ليست موحدة، فماذا تقول في ذلك؟

- "معلوماتي ليست كذلك، بل إنّ السوريين يعتبرون أن هناك عداءً عربياً في بعض الدوائر، وخصوصاً في الدوائر التي يعتبرها البعض قريبة منهم، فهم يفهمون العالم العربي، الذي يتحرك في التخطيط الأميركي لاحتواء هذا العالم. وتصوّري أنّهم يمتلكون وعي الواقع الذي يحيط بهم، ويحاولون القفز من موقع إلى موقع. فتجربتهم مع تركيا توضح ذلك، وكادت المسألة من خلال أوجلان أن تصل إلى حرب، ولكن فجأة استطاعوا حلّ المشكلة مع تركيا، وأصبحت العلاقات معقولة. لهذا، فهم يفكِّرون، وهم يعرفون أنَّ بعض الدول العربية ليست معهم، ولكنهم مع ذلك، يعرفون أن هذه الدول في حاجة إليهم ولو بمقدار في هذا المجال. نعم، هم قد يخطئون، ولكنهم ليسوا بهذه البساطة والسذاجة في التفكير السياسي".

* ما هي حاجة الدول العربية، ولاسيّما مصر والمملكة العربية السعودية، إلى سوريا؟

- "الحاجة السياسيَّة، ولا ننسى أنَّ السعودية ومصر وسوريا هي دول عربية كبيرة، وليس في مصلحة مصر أن تكون العلاقات مع سوريا متوترة، إضافة إلى مسألة، وهي أنّ مصر قد تشعر بقدرتها على القيام بدور في العلاقات بين سوريا وأميركا بشكل وآخر.

كذلك السعودية، فقد عُزِلت عن كلِّ العالم العربي، حتى العالم الخليجي، فأن تكون لها علاقات مع سوريا، بحيث تشعر بحاجة سوريا إليها، وبالحاجة إلى تدخّلها في بعض القضايا، فهذا مما يعطيها نوعاً من أنواع القوة. فهاتان الدولتان بشكل خاصّ، ليس موقعهما موقع المواجهة لسوريا، وإن بدأت أحياناً أنها ممكنة ولو بشكلٍ خفيّ، ولكن هناك حاجة إليها بطريقة وبأخرى".

* هناك شائعات عن وجود تحرّكات شعبية معارضة، قد تجمع للمرة الأولى "الأخوان المسلمينً" وليبراليين، وهناك شائعات أخرى عن خلل ما في بنية النظام السوري أو داخله. هل تعتقد ذلك؟ وهل هذا الخليط المعارض يمكن أن يثمر؟

- "لا أتصوّر أن الأخوان المسلمين، حتى في تحالفهم مع الليبراليين، بلغوا من القوة نحواً يستطيعون معه تغيير النظام، في مصر أو في سوريا، فالأخوان المسلمون في الطريق إلى صحوة سياسية قد تجعلهم يشاركون في العمل السياسي، وقد يعارضون أو يدخلون الانتخابات، وهم في مصر أقوى منهم في سوريا، حيث بدأوا يدخلون الجو السياسي، إلاّ أنّهم لا يملكون قدرة القيام بدور كبير من الناحية السياسية على مستوى خلخلة النظام.

أما قضية الشائعات، فلا يشعر الإنسان بوجود شيء يطفو على السطح".

جريدة النهار:22 رمضان 1426 الموافق في  26/10/200



*الأميركيون لم يقولوا إنّهم يريدون إسقاط النظام السوري، ولكن قالوا في المرحلة الأخيرة، إذا كان هذا النظام سيسقط، فلن نفعل شيئاً لمساعدته على البقاء أو الاستمرار. ما رأيك في ذلك؟

- "ما تتفضل به هو ما إذا كانت هناك ظروف داخلية في سوريا لإسقاط النظام، لكن عندما تدرس الوضع في سوريا من خلال المعارضة، وحتى معارضة الأخوان المسلمين، ترى أن الوضع لم يحمل في الأوضاع السورية الداخلية أية فرصة لإسقاط النظام من الداخل في هذا المجال. ولا يزال النظام قوياً بحسب ما يملك من الضغوط التي يضغط بها على المعارضين هنا وهناك. ففرضية سقوط النظام من الداخل ليست فرضية واقعية، كما هي صورة المشهد على حقيقته في هذه المرحلة".

* تصرّح إسرائيل بأنّها ليست إسقاط النّظام في سوريا، لأنّ السلفيّة حينها ستسود، ولكنّها تريده نظاماً ضعيفاً، والولايات المتّحدة تبدو متردّدة في ما يتعلّق بمصير هذا النّظام. وهذا النّوع من الأنظمة، إمّا يبقى قويّاً أو يسقط. كيف يمكن أن يحافظ النظام السوري على قوَّته بعد الضغوط التي مورست وستمارس عليه، ومن ثم استرجاع دوره المقبول دولياً؟

- "لا بدَّ من التدقيق في هذه المسألة، فالضّعف السوري الذي يتحدث عنه الإسرائيليون أو بعض المسؤولين الأميركيين، هو ضعفٌ من الخارج وليس من الداخل.

إن النظام يسقط بفعل الضَّعف الداخلي، ولكن الضعف السوري ينطلق من خلال العقوبات الاقتصادية، أو العزلة السياسية. وفي ملاحظتنا للوضع السوري الآن، أن القيادة السورية تعيش حالة العنفوان في القضايا الكبرى التي تعتبرها القضايا القومية، والتي تعتقد أنها تمثل قاعدتها... لهذا، في تصورّي أن هناك نوعاً من الإصرار على تحمل الكثير من هذه المضعِّفات، إذا صحّ التعبير، ريثما تنفتح لها كوّة هنا وكوّة هناك.

إن النظام السوري ليس النظام الذي يبقى منتظراً ضربة ما على رأسه تأتي من هنا وهناك، ولكنه النظام الذي يبحث عن موقع للقوَّة هنا وهناك، إلى جانب مسألة لا بد من متابعتها، وهي أن النظام السوري لا يزال يعمل على تحقيق وتخطيط الإصلاح الداخلي، وإن يكن بطريقة قد تكون سلحفاتية وتدريجية، بسبب الظروف المحيطة المانعة من السرعة في الإصلاح، باعتبار مراكز القوى وما يسمى الحرس القديم.

إن الاستمرار في هذا الاتجاه، ربما يمنح النظام جرعةً من القوة الداخلية من وقت لآخر".

* ألا تعتقد أنّ الشعارات التي لا تزال ترفعها سوريا فيها شيء من المبالغة، لأنّ هناك اقتناعاً عاماً بأنّ الهدف الوحيد، أو على الأقل الأبرز من رفعها،  هو حماية النظام؟

- "ليست المسألة أنّ سوريا تريد حماية نفسها بهذه الشعارات القومية، ولكنَّ هناك شيئاً داخل القيادة السورية ينطلق من الإصرار على البقاء في الدائرة القومية. مع نقطة مهمة لا بدَّ من الإشارة إليها، وهي أنّ البلاد العربية بأجمعها ابتعدت عن القضية القومية، سواء الفلسطينية، أو حتى قضية العراق، بالطريقة التي تعتبرها الشعوب العربية خاضعةً لإسرائيل، كما هي خاضعة لأميركا. أمّا في سوريا، فهناك بقية من الحالة العربية التي يمكن أن تحترم ذلك في هذا المجال. فالقضيَّة ليست أنَّ هذا الموقف يحمي سوريا، ولكنَّ هناك نوعاً من العناد السوري، حسب ما يثار من بعض التصريحات أو المواقف للقيادة، في الوقوف مع هذه المسألة، وربما كان بقاء هذه العناوين الكبرى يشكل حاجة أمريكية إلى هذا الدور للاستفادة منه في ترتيب بعض الأوضاع العربية، وخصوصاً القضية الفلسطينية والقضية العراقية، بلحاظ الحركة المستقبلية عندما تصل المسألة إلى تسوية في هذا المجال".

* العناد يؤذي، والوصول إلى تسوية يقتضي تنازلات، فهل سيوصل العناد السوري إلى تسوية أم لا؟

- "العناد المقصود هو بطبيعة الحال العناد السياسي، وليس الذاتي أو الانفعالي".

* سألت: ماذا تريد أمريكا من سوريا؟ هناك سؤال آخر: ماذا تريد سوريا من أميركا؟

- "أتصوّر أن سوريا تريد أن تبقى العلاقات مع أميركا في المستوى الذي لا يُسقط القضايا الحيوية فيها".

* هذا كلام عامّ!

- "لا، ليس كلاماً عامّاً، فإذا قلنا إنّ سوريا تريد الدخول في تسوية مثلاً، فهذه التسوية تتحرك فيها القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية، وفي تصوُّري أنّ أميركا إذا فكَّرت في رفع هذا الضغط القوي عن سوريا، فإنّ من الطبيعي جداً أن تبدأ العلاقات بشكل معقول، كأي علاقة بين دولة كبرى ودولة لها مصالح معها".

* نلاحظ من خلال التصريحات الأميركية، بما فيها تصريحات رايس، بحفظ الحدود مع العراق، وأن لا تتدخل سوريا في لبنان وفلسطين، نلاحظ أنّ هناك ثلاثة أمور يتحدثون عنها. هل سوريا جاهزة لذلك؟ إذ من دون هذه الأمور، لن تكون هناك صفقة أو بالأحرى تسوية؟

- "أعتقد أنها جاهزة وغير جاهزة. الجهوزية ليس معناها التوقيع، بل التحرك بطريقة ديبلوماسية بحيث تفسح في المجال للدخول في بعض هذه التسويات".

* هل تعتقد أن من أسباب تردّي العلاقة السورية الأميركية، عدم معرفة سوريا أميركا، وعدم معرفتها كيفية إدارة الحوار معها؟ هل هناك جهل عند النظام السوري بأميركا؟

- "لا أتصوّر أن سوريا تجهل أميركا، ولكنّها تحاول الحديث بطريقة أننا قدَّمنا كذا وكذا، وهو من قبيل إدارة المسألة في عمليّة التجاذب. فالتجربة السورية مع أميركا لا تزال تختزن حافظ الأسد، وإن لم يكن هناك حافظ الأسد".

جريدة النهار:21 رمضان 1426 الموافق في  25/10/2005



* أمام ما يحدث في العراق، وفي بعض ما يجري في لبنان، يشعر الإنسان أنّ الحساسيات السنّية الشيعية قد بلغت الذروة، لكن حكمة المرجعيات الدينية عند الفريقين تطوِّق الموضوع، إدراكاً منها أن مصير الوطن في "مأزق" في النهاية. وهذا يدفع إلى القول أنه ليس على اللّبناني إذا كان حليفاً لجهة إقليمية، أن يضحِّي ببلاده من أجلها، وأنه يجب على سوريا إذا حشرت في لبنان أو خارجه، ألاّ تلجأ إلى استعمال كلِّ الأسلحة و"الأوراق" التي تملكها فيه، وان كان ذلك دفاعاً عن نفسها. ما رأيك في كلِّ ذلك؟

- "أتصوَّرُ أنَّ المسألة المذهبية، وخصوصاً بين السنّة والشّيعة، سوف تجعل سوريا تخسر الكثير في لبنان. مع ملاحظة، أخرى وهي أنَّ النسيج اللبناني الإسلامي، يملك من المناعة في علاقة السنّة مع الشّيعة، ما تعجز معه أيُّةُ جهة من أن تصل به إلى حدّ الفتنة. قد يتحدث البعض عن إمكان حصول فتنة مسيحية إسلامية، لكن من خلال دراستنا للأرض الإسلامية، فإنّنا نلاحظ صعوبة التفكير في فتنة سنية شيعية. لذلك، فإنّ سوريا لا تستطيع السير في هذا الاتجاه، لأنه سيرتدُّ عليها في سوريا".

* كيف يمكن أن يكون احتمال حصول فتنة مسيحية إسلامية أقرب من احتمال حصول فتنة سنية شيعية في لبنان؟

- "لا أقصد أنّ هناك فرصة لذلك، ولكن أقول إنَّ الفتنة السنية الشيعية أبعد، وربما نلاحظ ذلك من خلال الأوضاع والقيادات المتنوّعة لدى المسيحيين، مضافاً إليها بعض العقد التي قد تتحرك من خلال قيادة سياسية هنا أو هناك. ولا أقول إن هناك فرصة قريبة لذلك، ولكن كنت أريد أن أؤكد أن هذه القضية مستبعدة".

* هل يمكن أن يُستعمل الفلسطينيّون في لبنان، سواء من هم داخل المخيمات أو من هم خارجها من المعتبرين حلفاء لسوريا، في أيّ دور؟

- "لا أعتقد أنَّ لهم أيَّ دور في إثارة الواقع السياسي مقارناً بالواقع الأمني في لبنان. إنّ الفلسطينيين ضعفوا من خلال التطوّرات التي حصلت، لأنهم كانوا يتحركون في انتماءاتهم على قاعدة انتمائهم إلى هذا البلد العربي أو ذاك. إضافةً إلى ذلك، فإنني أعتبر أن وجود المقاومة الإسلامية في لبنان، وحاجة الفلسطينيين إلى هذه المقاومة، يمنع الفلسطينيين من العبث بأيِّ وضع لبناني. فعندما نجد أن المقاومة الإسلامية قد استطاعت ضبط الحدود اللبنانية، ولم تمكّن الفلسطينيين من التحرك على مستوى المقاومة الفلسطينية، فإنّ معنى ذلك أنها تملك الرشد السياسي والقوة العسكرية، ولا تسمح بوجود فتنة فلسطينية تأكل الواقع في لبنان".

* حالياً، هناك مواجهة بين سوريا وأميركا، والأميركيون لا يزالون يقولون إنّ التسوية مع سوريا ممكنة في حال نفَّذت كذا وكذا من الشروط. فمنذ العام 2001 إلى العام 2004، وأميركا تريد صفقة مع سوريا، وتلّح على ذلك كلما تزايدت حاجتها إلى سوريا، سواء في لبنان أو في العراق أو في الموضوع الفلسطيني. يومها، لم تكن سوريا جاهزةً للصَّفقة، وكلُّ ما فعلته طيلة هذه السّنوات، كان تعاوناً أمنياً محدوداً يتيح لسوريا الاستمرار خارج دائرة الغضب الأميركي، وانتظار تعثّر أميركا وشعورها بالحاجة إلى دمشق، الأمر الذي يمكّنها من المحافظة على "نفسها" وعلى دورها في لبنان والمنطقة. تعثرت أميركا، لكن ذلك لم يحقق الأحلام السورية، الآن تريد سوريا حواراً مع أميركا، لكن أميركا مع قولها إنّ الحوار ممكن، فإنّها ترفقه بطلبات في لبنان والعراق وخارجها، بحيث تبدو كأنها تسعى وراء صفقة "قذَّافية". هل أنت مع هذا التحليل؟ وما هي رؤيتك لكل هذا الموضوع؟

"لا أتصوّر ذلك. لماذا؟ لأنه أمام هذا الجو الأميركي في الضغط على سوريا، لا بدّ لنا من أن نطرح سؤالاً: ماذا تريد أميركا؟ هل تريد عراقاً جديداً في سوريا؟ هل تريد تكرار مسألة صدَّام حسين أو احتلال سوريا؟ هل أن الظروف السياسية العربية تسمح بضربة قاضية لسوريا على طريقة الضربة القاضية للعراق؟ إنني من خلال متابعتي للوضع، أجد أن أميركا تضع في خطتها تطوراً ما، وأفهم أنها تريد أن تضغط على سوريا ضغطاً اقتصادياً بالعقوبات التي حاصرتها بها سابقاً، والعزلة السياسية التي تبشّر بها واستطاعت أن تنفّذها بطريقة وأخرى، ما يعني أنّ هذا النوع من الجدال السوري الأميركي سوف يبقى طويلاً، وكما يقال: "ضربة على الحافر وضربة على المسمار". ولا أزال أستحضر فكرتي السابقة، وهي أن أميركا في حاجة إلى سوريا، وسوريا هي البلد العربي الوحيد الذي لا يزال يرفع الشعارات القومية في العالم العربي، ويستهوي الشباب العربي، وهي بحسب ما تملك من خطوط أو خطط، تستطيع الضَّغط على الأصوليين والراديكاليين والفلسطينيين. فالقضيَّة هي أنَّ سوريا تختلف عن العراق في النظرة الأميركية، لأنّ لها دوراً مهماً، قد يكبر أو يصغر، لا يملكه أيُّ بلدٍ عربي آخر. وعندما ندرس التصريحات الأخيرة لإسرائيل عدا رئيس الاستخبارات، نلاحظ أنها تتحدث بأنّه ليس من مصلحتها إسقاط سوريا، بل الاكتفاء بإضعافها، لشعورها بالخطر الكبير عند الحدود خوفاً من البدائل المطروحة. أما الحديث عن أن سوريا يمكن أن تخضع للهجمة الأصولية إذا أوقفت التدخل في العراق، فإنّي أرى أن الأصوليين بالمعنى السلفي العنيف، لم يصلوا في سوريا إلى المستوى الذي يستطيعون فيه أن يمارسوا فيها ما يمارسونه في العراق، لأنّ ذلك سوف يجعلهم محاصرين، وسوف يُحاصرون في العراق عندما تضيّق سوريا عليهم الحدود، ولا سيّما إذا كانت هناك بعض الاتفاقات مع سوريا في هذا المجال. المسألة ليست بهذا التبسيط، ولست في مقام إطلاق أحكام كبيرة".

جريدة النهار:20 رمضان 1426 الموافق في  24/10/2005



* كيف يمكن إرباك الوضع السياسي في لبنان، وبموجب أيِّ خطة إذا كانت الأمور لن تصل إلى مستوى الحرب، ولاسيما في ظل الورقة التي تملكها سوريا ضد أميركا في العراق مع كثير من الأوراق اللبنانية؟

- "بشكل عام، لا يمكن أن تسقط أيُّ دولة بسبب اتهام هنا أو هناك، وإن سبَّب لها ذلك إزعاجاً أو إرباكاً".

* هل ستعتبر سوريا قرار لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي فيه اتهام لها ولحلفائها في لبنان بالمسؤولية عن هذا الموضوع، قرار "كسر عظم" أم لا؟

- "لا أعتبر أن المسألة في مستوى كسر العظم السوري، لأنَّ القضيَّة في هذا المجال هي من القضايا التي لا يسقط الجدال أمامها، بل من الممكن جداً أن يبقى الجدال في مفرداتها هنا وهناك، إضافةً إلى مسألة، وهي أنّ الموقع السوري أو موقع سوريا في لبنان، سواء من النَّاحية الاقتصادية والأمنية، أو من النّاحية السياسية، هو الموقع الذي لا يستطيع لبنان أن يتحمّل مواجهته لو أرادت سوريا أن تنفذ إليه بشكل فاعل في هذا المجال، مع ملاحظة في الأسلوب الأميركي، فنحن نلاحظ أن أميركا تتحدث بطريقة وبأخرى، بأنها لا تريد إسقاط النظام السّوريّ، ثم نسمع من وزارة الخارجية الأميركية، أننا نريد أن نتحدَّث مع سوريا بالطريقة التي تغيِّر فيها سلوكها. إنّ هذا الأسلوب ليس أسلوب حرب، بل هو أسلوب يوحي أن هناك شيئاً ما في خلفية العلاقات يُراد له أن يهيىء المناخ لتسوية معينة قد لا تكون بهذا الحجم الكبير، ولكن قد تكون أول خطوة في الطريق الطويل".

* هل تعتقد أنَّ سوريا ستكون جاهزة لتسوية مع الولايات المتحدة تستثني لبنان، أي أن لا تكون على حسابه ولا تعيده إلى السيطرة السورية التي كانت قائمة سابقاً وعلى مدى سنوات طويلة؟

- "جاهزة وغير جاهزة". لن تعود السيطرة السورية على لبنان كما كانت، لأنّ الظروف التي أدت إلى هذه السيطرة السورية الشاملة انتهت من خلال التطورات في العالم العربي، ومن خلال الأوضاع اللبنانية الداخلية، بصرف النظر عن مسألة اغتيال الرئيس الحريري وغيرها. فأن تعود المسألة كما كانت، هو أمر غير واقعي، ولكن أعتقد أنه في لبنان أكثر من ثغرة يمكن أن تنفذ منها سوريا وغير سوريا في هذا المجال، مع ملاحظة أن أميركا وفرنسا ليستا القضاء والقدر، لا من جهة عدم امتلاكهما القوة لتتحدثا بطريقة عنترية، ولكن لأنّ لهما مصالح قد تتأثر بطريقة وبأخرى عندما تتحرك الخطوط في اتجاه العنف هنا وهناك. ثم هناك وضع عربي نتفق على أنّه وضع ضعيف، ولكنّه يمكن أن يؤدي أمام هذا النوع من العنف ضد سوريا إلى عدم استقرار المنطقة في أكثر من جانب. ومشكلتنا في لبنان، هي أنّنا ننظر إلى الأمور من زاوية واحدة، ولكنّنا نعرف أن قضية السياسة الدولية والإقليمية قد تأخذ أكثر من بُعد في تطوّراتها أو في سلبياتها وإيجابياتها".

* هل سيسمح لسوريا في إطار الصّفقة أو التّسوية التي يتحدّث كثيرون عنها بين سوريا وأميركا، واستطراداً مع المجتمع الدوليّ، بالاحتفاظ بـ"الأوراق" اللّبنانية التي تملكها، وباستعمالها في قضايا كثيرة لها علاقة بالداخل اللبناني، وبالعدو الإسرائيلي، وبغيرها ذلك من القضايا؟

- "علينا ألاّ ننسى أنَّ الساحة اللُّبنانية هي جزء من ساحة المنطقة، والتي يمكن أن تتحرك لتنفتح على ساحة هنا وساحة هناك، مما يدخل في الخطة الدولية، ولاسيما الخطة الأميركية. ثم إنّ هذا الجيل الجديد من السياسيين لم يبلغ سن الرشد، ولم ينضج ليملك التخطيط لحماية لبنان من ثغرة هنا وهناك. ونحن نلاحظ أنه منذ أن بدأ هذا الجيل الجديد من السياسيين، لم يستطع لبنان أن يحفظ أمنه، وأصبحت التّهمة للنظام الأمني هي الفزّاعة التي تُعالَجُ بها كل هذه الاغتيالات والتفجيرات وغيرها. ولم يستطع لبنان حتى الآن أن يصل إلى مستوى الحكم الذي يحفظ لبنان من كلِّ هذه التداعيات التي لا تزال مختبئةً في عمق الواقع اللبناني".

جريدة النهار:18 رمضان 1426 الموافق في  22/10/2005



س: كيف، وبأي طريقة، سيسقط الهيكل على رؤوس كثيرين، إذا تبين أو تأكد أن تقرير ميليس فارغ، وإذا كان الجنرالات المسجونون أبرياء؟

ج: "ما عنيته هو السقوط السياسي، الذي سوف يسقِط المسألة من الناحية السياسية، بقدر ما يتّصل الموضوع بفريق سياسي معين، أخذ خطاً سياسياً محدداً منذ جريمة اغتيال الرئيس الحريري. إضافة إلى نقطة أخرى، وهي أن هذا العنوان، أي عنوان النظام الأمني الذي يمثَّل الفريق القوي في المسألة، سوف يتحرك ليترك تأثيراً على مسألة الانتخابات (النيابية الأخيرة)، لأن العنوان الكبير للانتخابات كان إسقاط النظام الأمني من خلال هؤلاء الذين يمثِّلون الرمز لهذا النظام، وإذا ثبت أنهم أبرياء، فمن الطبيعي أنَّ كل مفاعيله السياسية للمعنيين ستطال الكثير من الأمور، بما فيها المفاعيل الانتخابية التي لم تطرح على طريقة الانتخابات التي تقدم البرامج وغيرها، بل كان الطرح الأساس هو إسقاط النظام الأمني، والذي يمكن أن يطال القمّة التي ستعقد في لبنان، إن صحّ في لبنان، أن هناك قمّة".

س: تحدّثتم عمّا يمكن أن يحصل لو كان التقرير فارغاً، فماذا يمكن أن يحصل في حال كان مليئاً؟ وقد شاهدنا في الآونة الأخيرة هجوماً مضاداً يقوم به حلفاء سوريا في لبنان، وحلفاء النظام الأمني اللبناني السوري المشترك الذي كان قائماً، ونرى أيضاً هجوماً مضاداً سورياً مباشراً يعتبر أن سوريا مستهدفة على نحو مباشر. فهل يستمر هذا الهجوم أو يتطوّر في حال وجّه التقرير أصابع اتّهام ما إلى النظام اللبناني أو إلى بعض الأخوان في سوريا؟ وهل سيعتبرون أن ما يجري هو تسييس؟ أم سيكون هناك نوع من التعاطي الواقعي مع التقرير، وتالياً محاولة البحث في طريقة ما لمعالجة نتائجه؟

ج: "أتصوَّر أن الواقع اللبناني قد أصيب بالتخمة السياسية والإعلامية في كلِّ المفردات المعلوماتية _ إذا صحَّ ذلك، أياً تكن خلفيات هذه المعلومات _ بأن من الممكن جداً أن تكون هناك حقيقة في هذا التقرير، تتصل بالجهات التي انطلقت بالحدث منذ البداية، ليُسجِّل اتّهاماً ضدّها. تبقى المسألة المطروحة أمام هذا التقرير "المملوء" أن يُطرح سؤال: هل أنه مليء بالأدلّة والبراهين، أم بعلامات الاستفهام؟ عندما نلاحظ كيف تتحرك التحقيقات، وكيف يواجه المحققون بعض الصدمات التي حصلت في مسار هذه القضية، والمسألة هي: هل هناك حالة قضائية وقوة قضائية تقدم الأدلة والبراهين؟ وهذا ما نلاحظه في حديث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، الذي أكّد أنه لن يتقبّل في التقرير أي تسييس، بل الأدلة والبراهين، ما قد يوحي أن هناك شيئاً ما يستدعي التدقيق أكثر والبحث عن الأجوبة من خلال أدلّة قاطعة".

س: ماذا يمكن أن يكون ردُّ الفعل من قِبَل الذين قد يسمّيهم التقرير في حال كان مليئاً، علماً أنَّ المحكمة لاحقاً قد تدحض الأدلَّة أو قد تثبتها؟

ج: "من الطبيعي أن يكون ردُّ الفعل طبيعياً جداً في الحركة القضائية التي تقدم للناس الأدلة القاطعة، التي انتظروها من خلال تفاعلهم مع خطورة الحدث، ولاسيما أنَّ المسألة تجاوزت الخطوط الصغيرة للواقع اللبناني. لذلك، فان اللبنانيين، وربما غيرهم، قد استوعبوا أن هناك عقاباً للمجرم لا بدَّ من أن يتمّ، سواء كان مخططاً أو منفّذاً مثلاً، ولا أعتقد أنّ ذلك سيخلق مشكلات كبيرة جداً. قد تبقى هناك الإثارات التي يتداولها الإعلام عن وجود صفقة سورية ـ دولية، أو عن وجود بعض الأوضاع في الواقع العربي هنا وهناك، ولكنّها مسألة أخرى. إنني من خلال دراستي للأوضاع التي يتحرك فيها هذا التقرير، ومن خلال النتائج القضائية، لا أجد أن هناك خطورة كبيرة كما يوحي البعض، في السلب أو في الإيجاب".

س: هل ستسكت سوريا على تقرير يصدر فيه اتهامات لها، أم ستحاول بكلِّ ما لديها من نفوذ في لبنان، ومن قِبَل حلفاء لبنانيين وغير لبنانيين، صرف الأنظار عن هذا الموضوع، بإدخال لبنان في وضع جديد مربك له وللمنطقة وللواقع الإقليمي والدولي، الأمر الذي يجعل اغتيال الحريري "وراء" الجميع؟

ج: "لا أتصوّر أن المسألة سوف تصل إلى هذا التطور بطريقة إعلامية بارزة، لأنه ربّما لا يريدُ كلُّ من الطّرفين أن يصل إلى هذا المستوى، لسبب بسيط، هو أن أميركا لم تستغرق في مسألة اغتيال الرئيس الحريري كقضية تدخل في أولويّاتها على مستوى المسألة السياسية، تماماً كما هي المسألة بالنسبة إلى فرنسا التي ينسب إليها أنها تعالج المسألة بطريقة عاطفية إلى جانب المسألة السياسية. لذلك فالمسألة لم تصل في الخطة الأميركية إلى مستوى كسر العظم بحسب التعبير المتداول. كما أنَّ هناك نقطةً أخرى، هي أنَّ لبنان بالنسبة إلى أميركا يمثِّل موقعاً من مواقع حركتها في المنطقة، ما يجعلها تتحرك على أساس لعبة القطِّ والفأر بمقدار ما تتصل المسألة بالقضية العراقية التي تعاني منها أميركا بطريقة وبأخرى.

ولكننا لا نرى أن سوريا سوف تقف موقف اللاّمبالاة في وجه الضغوط التي تمارسها أميركا ضدها، فقد تثير بعض الضوضاء حول هذا الاتهام أو ذاك، وقد بدأت في الحديث عن تسييس القضية، لأنها تعتبر نفسها بريئةً من هذا الموضوع، وسوف تتحدث عن كثير من خطوط هذه البراءة، ما يجعل المسألة مثاراً لأكثر من جدل. إضافةً إلى أنّ الورقة التي تملكها سوريا ضد أميركا في العراق، لا تزال تمثّل بعض المشكلة لأميركا، وفي الوقت نفسه، فإنها تملك الكثير من الأوراق بالنسبة إلى الوضع اللبناني. ولكن الوضع ليس على مستوى إثارة حرب في لبنان أو غير ذلك، ولكن يمكن أن تصل المسألة إلى حالة قد تربك الواقع السياسي في لبنان".

جريدة النهار:17 رمضان 1426 الموافق في  21/10/2005



هل يكون تقرير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قبل نيف وثمانية أشهر، المرتقب صدوره قريباً جداً، مليئاً بالأسماء والوقائع والتفاصيل، أم خالياً منها ومليئاً بدلاً من ذلك بأسئلة وتساؤلات وعلامات استفهام وشبهات واستنتاجات سياسية أو شبه سياسية؟ هل يطال التقرير المذكور سوريا ويشير إلى مسؤولية ما لها عن الاغتيال، وهي التي وجِّهت إليها أصابع الاتهام عفوياً من جهات لبنانية وخارجية معينة، وعمداً من جهات أخرى، أم توجّه أصابع الاتهام إلى جهات محلية أو أخرى خارجية غير سورية؟ وماذا سيكون ردّ الفعل السوري، وخصوصاً في لبنان، في حال حمَّل التقرير دمشق مسؤولية الاغتيال؟ وماذا سيكون ردّ الفعل في لبنان وخارجه في حال أبقى التقرير سوريا بمنأى وإن نسبياً عن وجهة الاغتيال؟ وهل يمكن أن يقع اللبنانيون في فخ ردود الفعل على التقرير أياً يكن مضمونه، أم يتقيدون بمصلحة البلاد والعباد ربما للمرة الأولى في تاريخهم، هم الذين تصرفوا دائماً انطلاقاً من مصالحهم الخاصة والفئوية؟...

هذه الأسئلة الكثيرة والصعبة، لا يمكن تقديم أجوبة عنها بسهولة، وخصوصاً من أصحاب الفكر المنهجي والعقلية العلمية، وهي وغيرها كثير، تقلق اللبنانيين الذين لم يعودوا يعرفون إذا كانت المرحلة الانتقالية الراهنة التي يعيشون في ظلّها، ستفتح الباب على استقرار أمني سياسي يضع البلاد فعلاً على طريق العافية الصحيحة، أم ستفتح "أبواب جهنم" عليهم، كما لوّح بعض الأشقاء في وسائل إعلامه الرسمية. لذلك توجهنا بهذه الأسئلة إلى المرجع الديني العلامة السيد محمد حسين فضل الله، في محاولة للحصول على أجوبة وافية، مستفيدين في ذلك من عقله الراجح، واطّلاعه الواسع، وفكره الثاقب، وموضوعيته، فضلاً عن حسّه الوطني والعربي والإسلامي.

س: ما التأثير الذي سيتركه التقرير المرتقب للجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري، سواء كان "مليئا" بـ"أدلة" توجه أصابع الاتهام إلى أركان النظام الأمني اللبناني الموجودين في السجن حالياً وإلى سوريا في شكل أو في آخر، أو كان خالياً من هذه الأدلة؟

ج: "من الطبيعي أن هذا الحَدَث الضخم، أي اغتيال الرئيس الحريري، استطاع أن يدخل لبنان، بكل تنوعاته، في مناخ الخطوط الدولية التي بدأت تتدخل في الشأن اللبناني من خلال خطوطه القضائية، لأن القضية هي أنّ هذه الخطوط الدولية قد أقحمت نفسها في هذه المسألة، بحيث أبعدت اللبنانيين، في المرحلة الأولى على الأقل، عن أن يكون لهم دور أو موقف في هذه المسألة. لذلك، فإننا نلاحظ أن هذا المسار الذي سارت فيه هذه القضية في الحركة السياسية، شغل الكثيرين الذين تنوّعت مواقعهم من خلال تنوّع استفادتهم من هذا الحَدَث. ونحن نعرف أن هذا الحدث قد استطاع كثير من اللبنانيين أن يستغلوه استغلالاً سياسياً، حتى شعرنا أن كل واحد من هؤلاء الذين كانوا مختلفين مع الرئيس الحريري، أو كانوا في الموقف السلبي معه، أصبحوا أم الولد، ما أوجد الكثير من الجدال الذي يُسجّل فيه فريق هنا أكثر من نقطة على فريق آخر هناك.

من الطبيعي أن هذه التطورات السياسية استطاعت أن تستفيد من بعض الإشارات أو المعلومات التي تتحدث في بعض المناخات عن فراغ هذا الملف، سواء داخلياً أو إقليمياً. لهذا، فإن المسألة التي تواجه الواقع اللبناني بعد إعلان التقرير ليست مسألة أمنية، على مستوى الواقع الأمني الذي قد يُدخِلَ اللبنانيين في مشكلة يحارب فيها بعضهم بعضاً، فهذا الأمر قد تجاوزه اللبنانيون، لأنّ إمكانات الفتنة بينهم لم تعد موجودة، ولأنّ طبيعة التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية لم تدخُل بعد في هذا الاتجاه، كما حصل في الماضي.

ولكن إذا كان التقرير يؤدّي إلى الحديث عن أنّ هذا الملف لا يحتوي على أي اتهام لهؤلاء الذين أثار اعتقالهم الجدل والحماسة لدى فريق من الناس، على أساس أن التحقيق استطاع إثبات – وإن لم يثبت – أنهم في دائرة الإدانة في هذا المجال، فإن الهيكل سيسقط على رؤوس الكثيرين ممن استغلّوا هذا الحدث أو الاعتقال استغلالاً كبيراً جداً، لأن ذلك يثبت بأنهم لم يكونوا صادقين مع أنفسهم في إدانة هؤلاء الناس. أما إذا ثبت أن هناك حقيقة في داخل هذا الملف، فمن الطبيعي جداً أن هذه المسألة، ومن حيث المبدأ، لن تُحدِثَ شيئاً كبيراً مغايراً لما يجري منذ فترة، لأن الأوضاع ومسار القضية، منذ التظاهرات التي اتهمت النظام الأمني اللبناني – السوري، قد استطاعت أن تستنفد كل شيء في هذا الملف، أو في مسألة الاتهام لهؤلاء. ولكن تبقى أمام المراقب مفاعيل هذه النتيجة: هل إن القضية تقتصر على هؤلاء ومن يتّصل بهم؟ أم إنّها تتحرك في الواقع اللبناني على مستوى رئاسة الجمهورية؟ أم على مستوى الواقع السوري، لجهة علاقة سوريا بالموضوع؟ هذا موضوع قد لا يستطيع الإنسان أن يعالجه بشكل حاسم وبهذه السرعة".

جريدة النهار:16 رمضان 1426 الموافق في  20/10/2005


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية