عباءته الطويلة السوداء تنسدل على يدين ناصعتين، ربطت إحداهما بضمادة نتيجة التهاب أصابه أثناء رحلة الحجّ الأخيرة، في منـزل حصين يجاور كنيسة "مار يوسف" في حارة حريك، التقينا المرجع الديني الأعلى لدى الطائفة الشيعية في لبنان، سماحة السيد محمد حسين فضل الله، بما يمتلكه من رؤية إسلامية مختلفة عن سواه بالعمق الديني والروح العلمية والانفتاح.
ما يميّز هذا الرجل الوقور، هو أنه مرجعية ينطق برؤية ثورية جعلت المرجعية وثيقة الصلة بحياة الإنسان المسلم، ولا سيما الجيل الشاب، وهذا ما يظهر جلياً في كتابه "المسائل الفقهية" الذي أصدره عام 1995م.
تحدّث السيد فضل الله، فأدلى بآرائه عن الإرهاب وإلصاقه بالمسلمين، وكيفية مواجهته إزاء النظرة الغربية، ودور العلماء، وسبل مواجهة من يفهمون الإسلام بشكل خاطىء، ومسألة التكفير.
وفي ما يلي نصّ الحوار:
س: قمتم برحلة إلى مكّة المكرمة لأداء مناسك الحج، ولا بدّ أنّكم لاحظتم الاستنفار الأمني في المملكة لحماية حجّاج بيت الله الحرام من هجمات إرهابية محتملة، ما رأيكم في ذلك؟ وهل يصحّ ربط الإرهاب بالدين الإسلامي كما هو حاصل اليوم؟
ج: عندما ندرس مسألة علاقة الإسلام بالإرهاب، فإننا نجد أن الإسلام بعيد عن الإرهاب بوسائله وأهدافه كافة بُعْد السماء عن الأرض، وهذا ما نلاحظه في القرآن الكريم الذي تؤكّد آياته عدم الاعتداء على الآخر، عندما لا تكون هناك حرب، فالله تعالى يقول: {ولا تعتدوا إن الله لا يحبّ المعتدين} [البقرة:190]. وإذا كان القرآن قد تحدّث عن الحرب في إطار مسألة الجهاد، فإن أهداف الحرب في الإسلام تتمثّل في مواجهة الذين يفرضون العنف والحرب على الناس دون أية شرعية، وما إلى ذلك من الأهداف الإنسانية الكبرى. وعلى ضوء هذا، فإننا نعتقد أنّ ما يقوم به الكثيرون من الأعمال التفجيرية أو من الإساءة إلى الأمن العام، يمثل عملاً بعيداً عن الإسلام ومداناً من أية شرعية إسلامية.
ومن الطبيعي أننا قدّرنا للحكومة السعودية هذا الاستنفار الأمني لسلامة حجّاج بيت الله الحرام، على اعتبار أن الحجّ يمثل الملتقى الإسلامي الذي لا بدّ للمسؤولين هناك من أن يحفظوا له أمنه بمختلف الوسائل، وقد كنا أعلنا منذ البداية رأينا الشرعي في إدانة التفجيرات التي حصلت في أكثر من موقع في المملكة العربية السعودية والتي أوقعت الكثير من الأبرياء.
منطلقات إرهابيّة مرضيّة
س: أثناء لقائكم في مكة المكرّمة وفوداً من الحجاج العراقيين، أشرتم إلى أن "جهات دولية تدعم الجهات المتعصّبة في الداخل بطريقة أو بأخرى، لتتحرّك في المجازر الوحشية وفي المتفجرات وفي إحداث مثلثات للموت واغتيال الشخصيات الكفوءة"، لِمَ في رأيكم يستهدف الإرهاب رجال العقل والحكمة؟
ج: أعتقد أنّ الذهنية التي تدفع إلى الإرهاب هي ذهنية مرضيّة تنطلق من تصورات مختلفة لا تحاول دراسة الأمور بالطريقة العقلانية الشرعية التي توصل الإنسان إلى أهدافه التي قد يختلف فيها مع الآخرين، كما نلاحظ ذلك في التجربة العراقية في الأساليب التي استعملت ضدّ المواطنين العراقيين أو ضدّ الأشخاص الذين يقدمون الخدمات للمواطنين، سواء في عمليات التفجير التي تطال العراقيين أكثر مما تطال قوات الاحتلال، أو في خطف الأبرياء، سواء كانوا من الصحافة أو من القائمين بالشؤون العامة للإنسان العراقي. ونلاحظ بشكلٍ خاص أن هنالك من يستهدف فريقاً معيناً في العراق، على أساس إثارة المسألة المذهبية والطائفية بين المسلمين أنفسهم. لذا نحن نتصوّر أن قوات الاحتلال من جهة، والموساد (الإسرائيلي) من جهة أخرى، وبعض الجهات التي ترتبط بمصالح لها في العراق، تغطي كل ما يحدث في العراق، أو تمارسه في شكل مباشر أو غير مباشر.
الاختلافات ولدت الأحقاد
س: قلتم أيضاً أثناء وجودكم في المملكة، إنّ "واحدة من أخطر مشاكلنا تتمثّل في التربية على الحقد والبغضاء التي نعيشها في واقعنا العربي والإسلامي، ولا سيما في المسألة المذهبية، حيث تنطلق التربية التدميرية والإلغائية لتصنع لنا مشكلة متجددة في هذا الموقع أو ذاك". كيف يمكن في رأيكم اجتثاث هذه التربية من مجتمعاتنا لتخطي الاختلافات الفكرية والسياسية والمذهبية؟
ج: نعتقد أن الأساس في حلّ هذه المشكلة هو تأكيد منهج الحوار بين الناس، فنحن نلاحظ أن القرآن الكريم أكد الحوار مع الناس جميعاً، وحدّد أسلوب المنهج الإسلامي للدعوة في قوله تعالى: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل:125]، ونقرأ في الخطاب الإسلامي العام: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} [الإسراء:53]، ونقرأ في حلّ المشاكل التي تحدث بين الناس قوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم} [فصِّلت:34]. هذه الآية تؤكد أن علينا أن نستخدم الوسائل والأساليب التي نستطيع من خلالها أن نحوّل أعداءنا إلى أصدقاء، ما يعني أن العنف في مواجهة الإنسان الآخر ليس هو السبيل الأقوم في حلّ المشاكل أو في الوصول إلى النتائج الإيجابية لما نعتقده أو لما نلتزمه، بل إنّ الرفق هو الأساس في ذلك كله، ونحن نروي عن الرسول(ص) قوله: "إن الرفق ما وُضع على شيء إلا زانه، وما رفع عن شيء إلا شانه"، و"إن الله رفيق يحب الرفق"، الحديث... ما يعني أن الرفق الذي يمثل الأسلوب المنفتح على العقل وعلى القضايا المشتركة بين الناس هو الأسلوب الأفضل لحلّ المشاكل.
لذا نحن نقول لكل هؤلاء الذين يدّعون شرعية العنف ضدّ الآخر المختلف، إن عليهم أن يقرأوا النصوص من الكتاب والسنة قراءة علمية مقارنة، لأن المشكلة هي أنّ البعض من هؤلاء الناس يقرأون جانباً ولا يقرأون الجانب الآخر، لأن للعنف موارده عندما يواجه الإنسان الذين يفرضون العنف على الإنسانية. أما في العلاقات الفكرية أو الدينية، أو في ما يختلف فيه المسلمون في مذاهبهم، فإننا نقع على قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} [النساء:59]، أي حاولوا أن تديروا الحوار من خلال ما قاله الله وما قاله الرسول مما تؤمنون به في هذا المجال، ونحن عندما نقرأ سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، فإننا لا نجد هناك أي عنف فيها، بل كانت تعليماته تؤكد مسألة الرفق في هذا المجال.
وقد اقتصر العنف الإسلامي على الحرب التي كانت ردّ فعل لحروب الآخرين، وربما نستوحي هذه المسألة من خلال الآيات القرآنية التي تحدثت عن مسألة العلاقة مع أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، حيث نقرأ قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله} [آل عمران:64]. نستوحي من هذه الآية أن الله أكّد مواقع اللقاء في الخطوط العامة لما يلتقي عليه المسلمون مع أهل الكتاب ومع وجود خلافات كثيرة في التفاصيل، ما يعني أن علينا أن ننطلق مواقع اللقاء لنقف عليها، ثم نحاول من خلال روحية اللقاء التي تمنحنا إياها هذه المواقع، أن ننطلق إلى مواقع الخلاف لنجري الحوار فيها بروح اللقاء، حتى نستطيع أن نعيش هذا الجوّ.
ونقرأ أيضاً قوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} [العنكبوت:46].
المسألة إذاً هي أن الاختلاف في الرأي لا يجيز لأي طرف من الأطراف أن يعبّر عنه بواسطة العنف، أي أن تقتل من يخالفك وتسقطه جسدياً أو تكفيرياً في هذا المجال، وأمّا الذين يحاولون أن يكفّروا المسلمين نتيجة بعض الخلافات الفرعية في هذا الجانب أو ذاك، أو لأنّ المسلمين الآخرين لم يتفقوا معهم في اجتهاد هنا واجتهاد هناك، أو في القضايا الكلامية والشرعية، فإننا نقول لهم إن التكفير لا بدّ أن ينطلق من قاعدة واضحة تتصل بنصوص العقيدة، وحتى لو فرضنا أن هناك من يكفر بالله أو برسوله، فإن القتل ليس له أية شرعية في عالم الاختلاف بالعقيدة، بل من خلال الحرابة، أي أن نقاتل الكافر عندما يحاربنا، أما عندما لا يحاربنا ويسالمنا، فنحن نقرأ قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحبّ المقسطين} [الممتحنة:8]. لذلك فإن مسألة التكفير تحتاج إلى بحث معمّق في الآراء المختلفة بين المسلمين، كما تحتاج إلى شرعية خاصة في قضية التعامل مع الكفار.
حوار سنـي ـ شيعـي
س: دعوتم أخيراً إلى قيام حوار بين السنة والشيعة، ما هي حدود هذا الحوار؟
ج: نحن نعتقد أن القرآن أكد هذا الحوار، لأن قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}، معناه أن المسلمين الذين يعتقدون بكتاب الله وسنة رسوله، لا بد لهم من أن يُرجعوا أي خلاف بينهم في القضايا الفكرية إلى الله والرسول، ليتحاوروا في ما قاله الله وقاله الرسول، لكن المشكلة أن مسألة الحوار الإسلامي ج: الإسلامي قد خضعت لكثير من الأوضاع والخلفيات السياسية من الذين يريدون أن يسيئوا إلى الواقع الإسلامي، وأن يسيطروا عليه ليثيروا التراكمات التاريخية أو الحساسيات المذهبية هنا وهناك. إن هذه المسألة لا تتصل بالجانب الثقافي للمسلمين في ما يختلف فيه المسلمون، بل إنها تتصل بالجانب السياسي الذي تثيره المخابرات الدولية أو الفئات التي تحاول إرباك الواقع الإسلامي للسيطرة على مقدّراته الاقتصادية والسياسية والأمنية.
الحوار وسيلة حضارية
س: كيف تحددون اليوم طرفي الصراع؛ هل هو الإسلام في مواجهة الغرب؟ والسؤال أيّ غرب؟ وهل يقتصر هذا الغرب على الولايات المتحدة الأمريكية؟
ج: ليس هناك أية مشكلة بين الإسلام والغرب كشعوب، لأن الشعوب الغربية لا مشكلة بيننا وبينها، وإذا كانوا يختلفون معنا في بعض المبادىء، فإن الوسيلة التي نتبعها من خلال تعاليم الإسلام مع هؤلاء، هو أسلوب الحوار بين الإسلام والغرب، ليطرح المسلمون خططهم الحوارية في ما يفكرون فيه في العالم كله.
الرؤية الغربية
س: يعتقد الغرب بوجود ثقافة إرهابية في العالم العربي؟
ج: إن المسألة التي ننطلق فيها، هي أننا نحاول أن نحاور العالم، سواء كان غربياً أو شرقياً، على أساس أن الحوار هو الوسيلة الحضارية الإنسانية للدعوة، ولكن المشكلة التي حدثت أخيراً بفعل بعض التعقيدات أو بعض الأوضاع، وخصوصاً عندما وقعت أحداث 11أيلول (سبتمبر) في أمريكا، جعلت الإدارة الأمريكية الحالية تستفيد من هذا الحدث، لتشنّ حرباً عالمية على الإسلام والمسلمين بحجة الحرب على الإرهاب، على أساس أن الإسلام دين يرعى الإرهاب والإرهابيين وما إلى ذلك، من خلال تأكيدهم النقاط الملتبسة في فهم الإسلام كمسألة الجهاد وما إلى ذلك.
كنا ـ وما زلنا ـ نؤكد منذ 11أيلول (سبتمبر) أن الإسلام لا يقرّ هذه الوسائل، وأنّه إذا قام بعض المسلمين ببعض الأعمال التي تصنف في دائرة الإرهاب وتثير الجدل، فهذا لا يعني أن المسلمين بأجمعهم يتحركون في هذه الخطوط المرتكزة على العنف. وإذا أردنا أن نستخدم هذا المنطق في الحكم على عالم إسلامي لمجرد قيام بعض أفراده بوسائل العنف غير المبرّر، فإننا نجد أن هناك في الغرب أكثر من منظمة إرهابية تقتل الناس الأبرياء بطريقة أو بأخرى، سواء في أمريكا أو أوروبا أو سواهما.
لذا نقول: إن العدالة في الحكم على الأشياء تقتضي الدقة في دراسة معطيات الاتهام أو معطيات الحكم، ولذلك فإننا نعتقد أن حديث الغرب الأمريكي بالذات وبعض أنماط الغرب الأوروبي عن الإسلام بأنه دين إرهابي لمجرد بعض الأوضاع التي حدثت من حالات العنف، هو حكم غير عادل وغير مبرّر، ولا يمكن أن يتقبّله أي منطق ديني أو حضاري.
ثم إننا كمسلمين نعمل على أساس صداقة العالم، نفرّق بين الإدارات الغربية، حتى الأمريكية منها، وبين الشعوب الغربية، وقد لاحظنا أن كثيراً من شعوب الغرب، بما فيها أمريكا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا، قامت بالتظاهر على مستوى مئات الألوف ضد الحرب التي أثارتها الإدارة الأمريكية في العراق وفي أفغانستان وما إلى ذلك.
الإرهاب عالمي
س: أين ترى منابع الإرهاب عند العرب: في المناهج أم في الخطاب السياسي أم الديني؟ وما هو الدور الذي يلعبه علماء الأمة في تطويق الفكر الإرهابي؟
ج: إننا نتصوّر أن الأساس في ذلك هو الاجتهادات الخاطئة التي انطلقت من الذهنية المتخلّفة للكثيرين من الذين يديرون البحث في المسائل الدينية في علاقة الإسلام بالمسلمين، أو في ما يختلف فيه المسلمون، أو في علاقة الإسلام بالآخرين من غير المسلمين. إننا نعتقد أن هناك اجتهادات خاطئة، كما أن هناك تعقيدات في الواقع السياسي الإسلامي، سواء في الداخل الإسلامي أو في مواجهة الآخرين، لذلك قد تكون المسألة ذات بُعد ثقافي من جهة، وذات بعد سياسي أو أمني من جهة أخرى.
لذلك، لا بد للقائمين على الشؤون الإسلامية، انطلاقاً من علماء الدين أو المثقفين الإسلاميين أو العاملين في الحقول السياسية، أن يخططوا من أجل أن يكون الحوار الاجتهادي والسياسي والاجتماعي هو الوسيلة التي يعبّر فيها الناس عن أفكارهم وعن أوضاعهم في ما يختلفون فيه. وبسؤالك عن منابع الإرهاب عند العرب، فمن الطبيعي أن الإرهاب ليس حالة عربية، وإنما هو حالة عالمية، فنحن عندما نلاحظ مثلاً أن أمريكا أسقطت قنبلة ذرية في هيروشيما وفي نغازاكي وقتلت مئتي ألف مدني من المدنيين اليابانيين، نسأل ألا يصنّف ذلك في دائرة الإرهاب؟
شجب كامل
س: نلاحظ أن وسائل الإرهاب عند بعض المنتمين إلى الإسلام اليوم صارت رهيبة وغير مسبوقة، ومثال ذلك المغربي محمد بويري الذي ـ وفي صدد زعمه الدفاع عن الدين الإسلامي ـ ذبح المخرج الهولندي ثيوفان غوغ من الوريد إلى الوريد، لأنه صوّر فيلماً زعم فيه أن الإسلام يتغاضى عن العنف ضد المرأة، وهذا ما أدى إلى سلسلة من الهجمات على مساجد ومدارس وكنائس في هولندا. فما رأيكم في هذه الطريقة للدفاع عن الإسلام؟
ج: كنت من أوائل الذين شجبوا ما حدث في هولندا، وقد أصدرت فتوى ضدّ ما حدث. وقلت إن الإسلام لا يتعامل مع هؤلاء بهذه الطريقة، بل بطريقة الحوار التي تعرّف هذا الإنسان أو ذاك خطأه في فهم رسالة الإسلام. إن القضية هنا ليست قضية إسلامية من خلال طبيعة الأصالة الإسلامية في هذا المجال، لأننا قرأنا ونقرأ مواجهة الآخرين بواسطة الجدال بالتي هي أحسن والدفع بالتي هي أحسن، ولكن التعقيدات التي حصلت في العالم وحركة أفعال العنف التي وجّهت ضد المسلمين، جعلت كل مسلم في الغرب مُداناً حتى تثبت براءته، مع أن المسلمين في الغرب لم يقوموا بأي دور إرهابي، بل كانوا مواطنين صالحين مع الشعوب التي عاشوا بينها. ولذلك فإنّ مثل هذه الأمور قد تحدث في الغرب من الغربيين، وهذا ما لاحظناه بعد أحداث 11أيلول (سبتمبر)، حيث اندفع الناس على مستوى الشعوب في أمريكا وفي أوروبا وسواها إلى ممارسة العنف ضد المواطنين المسلمين الذين هم جزء من المجتمع الغربي وما إلى ذلك. إننا لا نستطيع أن نأخذ من هذه النماذج قاعدة كلية للمسلمين جميعاً.
الحريـة المسؤولـة
س: هل تعتبرون أن مزاعم تقزيم الحريات هو نوع من الإرهاب على المواطنين، والذي ينتقده الغرب في بعض الممارسات التي تحصل في العالم العربي؟
ج: إننا نعتقد أن كثيراً من حالات العنف التي يختزنها الناس في بلاد إسلامية، قد تنطلق من خنق حرية الفكر وحرية العمل السياسي وحرية التنظيمات الاجتماعية. إن الإنسان في كثير من البلدان الإسلامية في شكل عام، وفي بلدان العالم الثالث، يشعر بالاختناق الذي قد يدفعه إلى القيام بردّ فعل تفجيري بطريقة غير صحيحة، ولذلك نعتقد أن إطلاق الحرية بشكل مسؤول في الواقع الإسلامي، ربما يؤدي إلى نتائج إيجابية على مستوى الكثير من أعمال العنف التي تمثل ردّات فعل لعنف فكري أو سياسي أو اجتماعي.
ضد الإرهاب في المملكة
س: ما رأيكم في الإرهاب الذي يضرب في المملكة العربية السعودية؟ وكيف ترى جهود المملكة في تطويقه وتنظيمها لحملة التضامن الوطني ضد الإرهاب المتزامنة مع المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب؟
ج: نحن ضدّ الإرهاب الذي حدث في المملكة العربية السعودية أو في الدار البيضاء وما يحدث الآن في الكويت، لأننا نعتقد أن الاختلاف في الرأي، سواء كان سياسياً أو دينياً، لا يبرّر القيام بأعمال عنف تسيء إلى نظام البلد وأمنه، لأن أمن البلد هو أمانة في أعناق المواطنين كلهم، وأن عليهم أن يواجهوا الأمور بالأساليب الإنسانية الحضارية الحوارية، ونحن ـ كما قلنا ـ نؤيد أولاً المنهج الجديد في إيجاد مواقع حوارية في داخل المملكة، سواء على المستوى المذهبي أو السياسي، ونشجع استمرار هذا الحوار بشكل أو بآخر، لأنه سوف يمنع الكثيرين من الذين يصطادون في الماء العكِر من الداخل أو الخارج، ونحن نؤيِّد أي مؤتمر للحوار يدرس المسألة ميدانياً بحسب الواقع الذي يعيشه المسلمون أو الناس، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، لمواجهة التحديات الكبرى التي يثيرها الآخرون من أجل إسقاط الواقع الإسلامي والسيطرة عليه، ما يجعل المسلمين في حالة طوارىء للحفاظ على وحدتهم الثقافية والسياسية والأمنية والاقتصاية، لأن المرحلة التالية هي من أخطر المراحل التي تمر في تاريخنا الإسلامي، ولذا نؤيد كل حركة للحوار في أي بلد وبأي وسيلة.
جريدة الرياض(السعودية):28 ذو الحجة 1425هـ الموافق 8 شباط 2005م