نشرت صحيفة الخليج بتاريخ 17 شوال 1423هـ الموافق 21-12-2002م مقابلة هامة مع سماحة العلامة المرجع محمد حسين فضل الله، تناول احتمالات الحرب الأمريكية على العراق، وتفاعلاتها على المستويات العراقية والفلسطينية واللبنانية، ومما جاء في التقديم:
في زحمة التطورات التي تعصف بالمنطقة، وفي الوقت الذي يترقب فيه الكثيرون شتاء ساخناً في العراق وما حوله، قصدت «الخليج» سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله الذي يطل من موقعه الإسلامي المرجعي على الساحتين اللبنانية والعراقية بشكل خاص، فهو الذي ولد في العراق من أبوين لبنانيين، وهو الذي يلعب دوراً مهماً في هذه الساحة من خلال امتداد مرجعيته إليها، بالإضافة إلى تأثيره السياسي البالغ في أطراف المعارضة الإسلامية العراقية وأطيافها الوطنية أيضاً.
قصدنا منزله في حارة حريك بضاحية بيروت الجنوبية والذي كان مليئاً بالزائرين من طالبي الأجوبة على استفتاءاتهم الشرعية، ومن المراجعين في شؤون اجتماعية وحياتية، ومن شخصيات سياسية وخلف مساحة المنزل الفسيحة وسط زحمة الزائرين وعلى وقع الضجيج الذي يملأ آفاق المنطقة، وبعد ترحيب سماحته بشعاره المعهود: «العقل مفتوح والقلب مفتوح والبيت مفتوح». انطلق هذا «الحوار الهادىء» على الشكل التالي:
الحرب بين شد وجذب
*سماحة السيد: لنبدأ من الساحة الساخنة في المنطقة، هل أوشكت الحرب أن تقع على العراق أم ماذا؟
- لعلّ المسألة أكبر من التنبؤ بالمستقبل القريب أو البعيد لأنها تخضع للاتصالات الدولية في عملية الصراع، صراع المصالح أو تبادلها على أساس التسويات بين أمريكا من جهة والدول الأخرى من جهة أخرى، بالإضافة إلى أن أمريكا لا تزال تتابع الثغرات التي يمكن أن تبرز من خلال طريقة تعاطي النظام العراقي مع حركة المفتشين الباحثة عن أسلحة الدمار الشامل، والمفترض حين تجدها أن تقدم إلى مجلس الأمن دليلاً على ذلك، حتى يحصد العراق العواقب الوخيمة التي توعده بها قرار المجلس.
لذلك فإن العملية في هذه الدائرة تتحرك بين شد وجذب في المعركة الإعلامية والدبلوماسية بين النظام العراقي وأمريكا. على أن أمريكا القادرة على أن تتجاوز كل المبررات في حربها ضد العراق، تحاول إجادة تمثيل الدور الذي لن يخرجها عن الشرعية الدولية.
إن المسألة لا تخضع لحسابات دقيقة يمكن بواسطتها التنبؤ بأن الحرب وشيكة الوقوع وأنها أصبحت قراراً لا رجعة فيه وخصوصاً، أمام هذه التجاذبات الموجودة في العلاقات الدولية.
أسباب عجز الأمة
* بناء على ذلك هل لا تملك الأمة قدرة على منع الحرب؟
- إن الأمة وبحسب الواقع الذي تعيش فيه مغيبة تماماً عن مسألة الحرب والسلم بقدر ما تملك من وسائل وآليات لمنع هذا الأمر وتأكيد ذاك، حتى أن الجهة المعنية بالمسألة العراقية بشكل مباشر، وهي المعارضة العراقية، تعترف بأنها غير قادرة على تغيير النظام في العراق بوسائلها وإمكاناتها الخاصة، وبأنها لا تملك أية فرصة لمنع أمريكا من الحرب إذا قررت الحرب. ما يعني بأن المنطقة بأنظمتها وشعوبها، التي لا تملك إلا الاحتجاج، ترى في الحركة الأمريكية اتجاه الحرب ما يشبه القضاء والقدر، الذي لا راد له.
إننا نتصور أن المسؤول عن هذا المسار هو النظام العراقي الذي لم يترك له أي صديق يحترم استمراره وبقاءه، لأنه في كل تاريخه عمل على إرباك المنطقة العربية وعلى إدخالها في حروب عبثية لا جدوى منها، وعلى إفقارها بفعل تكاليف الحرب من جهة أخرى، الأمر الذي جعل كل المخلصين في الأمة حائرين بين الواقع المتمثل ببقاء النظام والواقع الذي يسقطه بفعل التدخل الأمريكي، المرفوض أصلاً من كل شعوب المنطقة. لهذا فإن المنطقة لا تختزن الحماس لمعارضة السياسية الأمريكية بقدر ما يتصل الأمر بالنظام العراقي، ولذلك فالقضية تأخذ صفة المأزق: إن الإنسان يريد هذا الهدف ولا يريده في الوقت نفسه! هذا أولاً، أما ثانياً فإن الأنظمة الحاكمة حاصرت الأمة، و أغلبها لا يسمح لها أن تتظاهر ولو بشكل عفوي، حيث تفرض عليها مراعاة قوانين الطوارىء من جهة أو قوانين المخابرات من جهة أخرى، أو ظروف هذا النظام وذاك النظام، ما يعني أن العالم العربي لا يملك حريته على مستوى الشعوب في التعبير عن رفضه لأية تطورات سلبية تتصل بقضايا الحرب والسلم. حتى أن القضية الفلسطينية التي هي أم القضايا في كل تاريخ الأمة المعاصر لا يسمح للشعوب أن تتظاهر لدعمها بالشكل الفاعل، في حين تتحرك الشعوب الأوروبية والأمريكية وغيرها، حيث نجد عشرات الألوف ممن يخرجون بشكل عفوي دون تدخل الأنظمة هنا في قمع هذه التظاهرة أو تلك.
إننا نعتقد أن الشارع العربي ومعه بعض الشارع الإسلامي يمتلك نبضاً قوياً، ولكنه مسجون ويتحرك في سجن مخابراتي يمسك عليه أنفاسه ويضيق الخناق عليه، وهذا يعني أن الأمة قد صودرت من خلال بعض الأنظمة التي تحكمها وتشرف عليها، بالإضافة إلى أن السياسية الاقتصادية قد حاصرت الأمة في ضرورات حياتها المعيشية، بحيث أشغلتها بهموم ضاغطة وملحة. وإلى ذلك فإن الوسائل الخفية المخابراتية التي تتحرك دولياً وإقليمياً ومحلياً دفعت بالأمة إلى إنتاج خلافاتها المذهبية والعرقية والحزبية بالطريقة التي شغلتها عن القضايا الكبرى التي ترتبط بالقضايا المصيرية.
* أحد المسؤولين البريطانيين توقع أن يحدث الهجوم على العراق انفجاراً في المنطقة العربية والإسلامية، ما رؤيتكم لذلك؟
- إنني أتصور أن هذا الانفجار العسكري، قد يثير في تداعياته الشارع العربي لا سيما إذا رافقه الواقع الحالي، واقع المجازر الصهيونية في فلسطين، ما يجعل هذا الشارع يشعر بأن هناك جرحاً عميقاً تاريخياً هنا وجرحاً جديداً هناك، بحيث أنه بات يتحرك في ما بين كل هذه الجراح التي تصيب الأمة في مصيرها، وتجعلها تقبل على متاهات سياسية وأمنية واقتصادية لا تعرف كيف تخرج منها.
وفي رأيي فإن هناك أكثر من ظرف داخلي وخارجي قد يمنع هذا الاندفاع الصارخ، الذي يمكن أن يصل إلى حالة اهتزاز عام يربك خطط السائرين في حالة الحرب، وهذا ربما لاحظناه عند اشتعال حرب الكويت أو الحرب العراقية الإيرانية.
إن المشكلة في المنطقة تعود إلى عدم امتلاك الشعوب العربية حياة سياسية حقيقية، تمنهج لها خطواتها من أجل تحقيق أهدافها، فتؤسس لحرية التعبير من خلال تحديد الأساليب الخاصة بالتظاهر والاحتجاج، ورفع الشعارات والهتافات، والتأكيد على مواصلة التحرك في الحالات القصوى التي تفرض إسقاط هذا الموقع السياسي أو ذاك، كما نلاحظ في فنزويلا وغيرها من البلدان التي يتابع فيها الشعب تحركه، بقطع النظر عن الصواب والخطأ في هذا التحرك، إلى أن يحقق أهدافه أو الكثير منها. إن حركة الوعي التي تحرك الجماهير بحاجة إلى قدر هام من الحرية السياسية التي تفسح المجال لحياة سياسية طبيعية، تخطط وتنفتح على ضوء الحسابات الواقعية ومن خلال الظروف الموضوعية المحيطة بالأرض في الحاضر والمستقبل.
لا حرب مع إيران
* ليس بعيداً عن العراق.. إذا قدر للأمريكيين النجاح وبالسرعة التي خُطط لها للسيطرة على العراق، كيف ترى الأسلوب الذي سيتعاملون به مع النظام الإيراني. هل يلوحون بالخيار العسكري أم يعملون على محاكاة بعض العناصر الداخلية لإحداث تغيير ما في النظام الإسلامي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟
- انني أتصور أن الخيار العسكري في حركة أمريكا ضد إيران ليس له أي حساب في المستقبل المنظور، ولكن المسألة تتعلق بالتحرك الأمني والسياسي، واستكمال الطوق الذي يحاصر إيران بالدول التابعة للسياسة الأمريكية في المنطقة، ما يساعد مساعي أمريكا للعبث بالداخل الإيراني، من خلال اللعبة الأمنية والسياسية. وبالاستناد إلى المشاكل الصعبة الموجودة في إيران، على المستويات الاقتصادية، أو على المستوى الصراع بين التيارات أو ما أشبه ذلك، ربما تأمل أمريكا استثمار ذلك لتأكل إيران من الداخل، ولتسقطها كثمرة ناضجة من الناحية السياسية التي تنفتح على المسألة الاقتصادية والأمنية.
إن مسألة إيران تختلف عن مسألة العراق، وأن ما تملكه إيران من القوة والوحدة الوطنية أمام أي خطر خارجي يمثل خطراً على أية دولة تحاول الاعتداء على إيران من الخارج، كما أن إيران المنفتحة على الخليج، كأكبر دولة مطلة على مياهه ودوله، تستطيع أن تربك الوضع في هذه المنطقة الحساسة، بطريقة قد تدمر المصالح الأمريكية في هذه المنطقة، لا سيما إذا عرفنا أن الأرض الخليجية الشعبية تعيش احتقاناً قوياً ضد السياسة الأمريكية، بحيث أن أي تحرك مضاد قد يحرك هذه الجماهير بطريقة وبأخرى.
لذلك فإن التعقيدات التي تحيط المسألة الإيرانية تمنع أمريكا أو أية دولة أخرى من العبث بالجانب العسكري في إيران، لا سيما أن إيران استطاعت من خلال صناعتها العسكرية ووسائل القوة التي استعدت فيها لأي حدث أمني طارىء، قد بلغت مستوى لا يجعل الهجوم على إيران ممكناً ونزهة لأية دولة مهما كانت عظمتها.
* ولكنكم تتوقعون ضغطاً من نوع آخر. وربما بدأ ذلك مع سحب الروس بعض المواد «النووية» من إيران؟
ـ إنني لا أتصور أن هذه المسألة تمثل خطراً على إيران، لأنها خاضعة حسب طبيعتها للضغوط الأمريكية على روسيا، وخصوصاً أن هذه الضغوط تهدف إلى منع إيران من امتلاك الخبرة النووية التي تتيح لها التوصل إلى صنع السلاح النووي، علماً أن إيران تصرح دائماً أنها لا تخطط لصنع سلاح نووي، ولذلك فقد جعلت كل مصانعها النووية تحت رقابة اللجنة الدولة أو لجنة الطاقة الذرية لمراقبة الأسلحة النووية. إن هذا الأمر لن يضر إيران بطريقة وبأخرى. ولكن ربما تكون إيران قد حققت الاكتفاء الذاتي في ما استوردته من روسيا بحيث أن ما ترجعه إلى روسيا لن يكون ذا بال.
الحوار الأمريكي - الإيراني
* في المقابل هل ترون أن الظروف القادمة قد تسمح لحوار أمريكي - إيراني بشكل أوسع؟
- أتصور أن إيران لم تمانع في أي حوار مع أمريكا بشروطها الخاصة التي تتصل بتوقف أمريكا عن السياسة العدوانية تجاه إيران، والإعلان عن استعدادها لإرجاع الأرصدة الإيرانية الموجودة في أمريكا، ويبدو أن أمريكا لا تمانع في ذلك، لكن الظروف الحالية ليست مهيأة لوجود حوار واقعي بهذا الحجم في العلاقات الأمريكية - الإيرانية، بالرغم من أننا نعرف جميعاً أن الحوار لم ينقطع بين إيران وأمريكا في بعض القضايا التفصيلية هنا وهناك، ما يوحي أن هذا الحوار في التفاصيل قد يجعل فكرة الحوار في المبادىء أكثر واقعية.
مؤتمر المعارضة العراقية
* بالعودة إلى الملف العراقي، كيف تقرؤون مؤتمر المعارضة العراقية في لندن، وحديث البعض عن أن الشيعة ارتكبوا خطأ تاريخياً باستبعادهم للسنّة عن مؤتمر لندن؟
- انني أرى أن ما أضعف هذا المؤتمر، على الرغم من أنه يشتمل على بعض القوى التي قد تملك موقعاً شعبياً، هو أن أغلب فصائله لا تملك امتداداً شعبياً حقيقياً، لكن هذا الأمر لن يترك تأثيره كثيراً، باعتبار أن هذه المرحلة تقتضي أن تحصل المعارضة على تعاطف شعبي، لأن الشعب العراقي المحاصر من خلال نظامه في الداخل والأمم المتحدة في الخارج، يريد الخلاص كيفما كان، ولهذا فهو يتعاطف مع الشيطان للخلاص من الواقع الذي يعيش فيه الآن. من جهة ثانية فإن هذا المؤتمر عقد بإشراف أمريكي مباشر من خلال المندوب الأمريكي الذي كان يتدخل في التفاصيل، بحيث يحاول ترتيب عملية المحاصصة لهذا الفريق وذاك، والاتصال بهذه الجهة أو تلك وإطلاق التهديدات بين وقت وآخر عند بروز الخلافات التي تربك المؤتمر.. ما يعني أن المؤتمر انطلق على أساس الخلفيات الأمريكية التي تبحث عن شرعية عراقية لسياستها الضاغطة على النظام العراقي.
إننا نتصور أن الحديث عن خروج المؤتمر بموقف موحد قد لا يكون دقيقاَ أمام، ما لاحظناه من بروز الخلافات التي رافقت حركة المؤتمر في مسألة الحصص.
وفي اعتقادي، فإن المؤتمر يمكن أن يكون البديل عن النظام، والذي يمكن أن يحقق للبلد نظاماً جديداً منفتحاً على القضايا المستقبلية التي تحمي اقتصاد العراق وسياسته وأمنه، فهذا الارتباط العضوي بأمريكا يعني أن المعارضة لا تملك تحريك أي شيء أمام الخطة الأمريكية التي نعرف أن الحرب على العراق تمثل بداية لتطورها على مستوى المنطقة كلها من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية.
أما حديث بعض المؤتمرين عن أنهم يعارضون السياسة الأمريكية، أو أنهم ضد الحرب الأمريكية، أو أنهم لا يملكون أن يحركوا شيئاً في الجانب السلبي والإيجابي، فإنني أعتقد بأنها كلمات للاستهلاك ولا ترتبط بالواقع من قريب أو بعيد. هذا مع كل احترامنا لكل الذين شاركوا من أصدقائنا، ولكننا نعتقد بأنهم كانوا محاصرين بظروف القلق التي أحاطت بالمؤتمر، وبما لا يمنع إخلاصهم لبلدهم ورغبتهم في الخروج بنتائج كبرى إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
أما مسألة استبعاد الإخوة السنة، فهذا ليس واقعياً كما أعتقد، لأن المؤتمرين طرحوا المسألة على كل الفصائل حتى الفصائل المعارضة السنية. ربما كان هناك من يقول أن أكثرية العراقيين من المسلمين السنة مرتاحون للنظام أو أن ضغوط النظام لم تمكنهم من المشاركة الفعالة، ما يعني أن الموضوع لا يتصل بغلبة شيعية على أقلية سنية، ولكن المسألة كانت على أساس الظروف التي أحاطت بالواقع السني مقارناً بتطورات موجودة حكمت المؤتمر.
* هل تتخوفون من حرب أهلية داخل العراق، بعد الحرب الأمريكية أو عقب الهجوم، وما هو موقفكم؟ هل تخشون على وحدة العراق؟
- انني لا أخاف على وحدة العراق، فليس هناك في العراق ما عدا الموقع الكردي من يفكر بتقسيم للعراق، إذن لا على مستوى ما يثيره الإعلام من دولة شيعية أو سنية. بل إن الوحدة العراقية متجذرة في ما بين السنة والشيعة، كما أن الحديث عن حرب أهلية سنية شيعية ليس واقعياً، فلم تحدث في العراق على مستوى التاريخ العراقي أي حرب بين السنة والشيعة، على الرغم من وجود بعض الحساسيات التي قد تثيرها التعددية أو التمايز في مسألة حصص الحكم وما إلى ذلك. ولكني أخشى أن تنطلق الخطط الخارجية ومنها الأمريكية لإيجاد نوع من الفوضى التي قد تتحرك فيها بعض الأحزاب لارتكاب مجازر وأعمال تدمير، كما حدث أثناء انقلاب عبد الكريم قاسم على الحكم الملكي، حيث حدثت مجازر ارتكبتها بعض الأحزاب في العراق، ما أوجد نوعاً من أنواع الفتن على المستوى السياسي والمستوى الطائفي المذهبي في هذا المجال. وأخشى أن أمريكا قد تخطط لبعض المجازر الداخلية أو لبعض الحروب الأهلية المصبوغة بصبغة سياسية، أو التي يراد لها أن تأخذ صبغة مذهبية من أجل أن تبرر لأمريكا الإمساك بالعراق بشكل مباشر على أساس أن المعارضة لم تستطع أن تمسك بالعراق لتحقق الاستقرار للشعب العراقي والحل لمشاكله.
موقع الانتفاضة من حرب العراق
* بالعودة إلى فلسطين، سبق للانتفاضة الفلسطينية أن دفعت الثمن في عقاب 11 سبتمبر/أيلول، فهل تتوقعون أنها ستدفع الثمن الأول في حال الهجوم على العراق؟
- إن الهجوم على العراق لن يؤثر تأثيراً كبيراً على حركة الحرب القائمة، ولكنه قد يزيد في حركة العدوان اليهودي المستمر على الشعب الفلسطيني، لكني أخاف على القضية الفلسطينية بعد انتهاء الحرب وبسط أمريكا سيطرتها على المنطقة، ويستحضرني هنا ما حدث بعد حرب عاصفة الصحراء التي أطلت على مؤتمر مدريد الذي أدخل القضية الفلسطينية في متاهات، لا نزال نعاني من كل آثارها السلبية التي تعيشها القضية الفلسطينية في الدوائر الإقليمية والدولية.
إنني أخشى من مؤتمر مدريد جديد يدفع بالقضية الفلسطينية إلى خمسين سنة جديدة في المفاوضات والتسويات والموفدين هنا وهناك، لأني أتصور أن أمريكا تعمل بالتنسيق الاستراتيجي مع «إسرائيل» إلى أن تستكمل «إسرائيل» كل استراتيجيتها في السيطرة على أكثر من فلسطين، حيث لا يبقى للفلسطيني إلا شبح الدولة التي قد تقل عن الحكم الذاتي، لأن «إسرائيل» لا تطيق شعباً آخر يعيش معها في الأرض التي تعتبرها أرضها، كما تزعم تاريخياً ودينياً.
لهذا، فإني قلت عقب 11 أيلول / سبتمبر أن الخاسر هو الشعب الفلسطيني في هذه الأحداث، ولكنني أرى أن الشعب الذي أثبت قدرته على الصمود وعلى الاستمرار في الانتفاضة، قد يستطيع توسيع المأزق للسياسة «الإسرائيلية» والأمريكية، وربما يقلب الأمور رأساً على عقب، لأن الشعب عندما يريد فإن الآخرين لن يستطيعوا أن يصادروه.
* أنتم لا ترون النور في خريطة الطريق الأمريكية الجديدة؟
- إني أرى أن «خريطة الطريق»، التي أعلن بوش في حديثه مع اللجنة الرباعية بأنها لم تستكمل حتى الآن، إن هذه الخريطة محكومة بالموافقة «الإسرائيلية»، وإذا عرفنا أن «إسرائيل» أجلت البحث في خريطة الطريق لما بعد انتخابات «إسرائيل» وتشكيل الحكومة، مع ملاحظة التعقيدات التي قد تحصل في سيطرة اليمين بشكل أكثر قوة، فمعنى ذلك أن «خريطة الطريق» ستضاف إلى كثير من المشاريع الأمريكية التي توضع في الأدراج، لأننا نعرف أن هذا الرئيس الأمريكي لا يحترم كلمته، وقد رأيناه كيف يتحدث عن انسحاب «إسرائيل»، ثم بدأ يبرر بعد ذلك الاحتلال بحاجة «إسرائيل» للدفاع عن النفس، وكيف أنه كان يتحدث بطريقة، ليخضع بعدها لـ «إسرائيل» بالتنازل عن كل ما قاله.
* في ظل هذه الضغوط المتواصلة، هل تفضلون للانتفاضة أن تخلق استراتيجية جديدة؟
- أعتقد بأننا بحاجة إلى انتفاضة سياسية على مستوى الوحدة الوطنية التي تخطط بشكل جماعي لمستقبل القضية الفلسطينية في حركة الواقع السياسي، جنباً إلى جنب مع حركة الواقع الدولي والإقليمي، ومع الانتفاضة العسكرية الجهادية.
الحوار الفلسطيني وجبهة الجنوب
* كيف تنظرون إلى الحوار الفلسطيني - الفلسطيني الذي بدأ بين حماس وفتح؟
- إننا نشجع هذا الحوار ونحن على ثقة بأن المتحاورين ولا سيما حماس لن يدخلوا الحوار في مغارة التنازل عن العمليات الجهادية ولا سيما الاستشهادية.
إن المطلوب الآن هو أن تعطى «إسرائيل» ومعها أمريكا ورقة رابحة تضغط بها على الانتفاضة، ونحن نعتقد أن مجاهدي الانتفاضة لن يعطوا هذه الورقة.
* يتحدث المسؤولون الصهاينة عن تخوفهم من فتح جبهة عسكرية جديدة في الجنوب إذا بدأ الهجوم على العراق؟ فهل هذا ممكن؟
- لا أعتقد ولا أريد أن أبعث اطمئناناً لـ «إسرائيل» بأن الظروف ليست ملائمة لفتح جبهة جديدة في لبنان، ولكن عندما تقوم «إسرائيل» بالعدوان تحت تأثير أية أحداث طارئة، فإن المجاهدين في الجنوب ومعهم كل الشعب اللبناني، جاهزون للرد بكل قوة، ذلك أن استعدادات المجاهدين النفسية والروحية والعسكرية خلقت نوعاً من توازن الرعب.
* ـ والحديث «الإسرائيلي» عن أن سوريا قامت بتهريب أسلحة الدمار العراقية؟
- إن هذه مجرد خبطة إعلامية أمنية يراد بها إيجاد نوع من التشويش الإعلامي من خلال ابتزاز سوريا بطريقة وبأخرى. إننا عندما ندرس السياسة السورية نعتبر أن هذه مجرد نكتة إعلامية ولكنها نكتة «بايخة» كما يقولون.