نص المقابلة التي أجراها راديو أميركا مع سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، وتناول موضوع التفجيرات التي حصلت في أميركا، وموقف سماحته من ذلك، وجاء فيه:
س: لماذا أدنت الهجوم على أمريكا؟
ج: لأن الإسلام يحرّم قتل المدنيين من الشعب الأمريكي لمجرّد معارضة السياسة الأمريكية، لأنّنا نفرق بين الإدارة الأمريكية التي تؤيد إسرائيل بالمطلق وتقف ضدّ كثير من قضايانا في العالم وبين الشعب الأمريكي الذي نريد صداقته، ولذلك فإن هذه العملية التي استهدفت الشعب الأمريكي سواء الذي كان يركب الطائرات أو الذي كان يتواجد في مركز التجارة العالمي هي عمليّة لا يبررها شرعٌ إسلاميٌ ولا منطق إنساني.
ولذلك فإنّ الذين قاموا بهذه العلمية قد ارتكبوا جريمتين: الأولى في فرض الموت على ركّاب الطائرات الأربع، والثانية في فرض الموت على المتواجدين في مركز التجارة العالمي،ولا سيما أن هذا المركز يضم أناساً من سائر الجنسيات والأديان.
إننا نعتقد أنّ مثل هذه الأعمال لا يمكن أن تنفع القضايا السياسّية سواءً أكانت إسلامية أم عربيّة أم لأي شعب آخر.
إن معارضة السياسة الأمريكية لا تكون بهذه الطريقة، لأنّ هذه الأعمال أوجبت عطف العالم على الإدارة الأمريكية، وجمدت كل القضايا السياسة التي تتحرك في خط مواجهة السياسة الأمريكية، ولذلك فإننا نعتبر أنه عمل يضر بالقضايا التي يريدها القائمون على ذلك ولا ينفعها، فهو عملٌ إجرامي عبثي (أي دون فائدة).
س: هل أدنت الهجمات على السفارات الأميركية؟ وهل هي مختلفة؟
ج: لقد أدنت كل العمليات التي تطال المدنيين، فكما أدنّا العمليات التي جرت في نيروبي وتنزانيا كذلك أدّنا العملية التي جرت في أوكلاهوما، لأنّنا نعتقد أن هذه الأمور لا تصدر فقط من خارج أمريكا، بل قد تصدر من داخلها، وما يدرينا، فلعل القائمين بهذا العمل قد يكونوا أمريكيين ضدّ العولمة أو غيرها، في غياب نتائج التحقيق الدقيقة.
س: ما الفرق بين العمليات ضدّ أمريكا والعلميات التي تجري ضد إسرائيل؟
ج: إنني أسأل أولاً: لماذا نضع العمليات في سلة واحدة، ونحن نعلم أنّ العمليات التي قام بها اليابانيون سابقاً ضد الولايات المتحدة كانت تندرج في إطار الصراع والحربً بين هاتين الدولتين، أمّا العمليات الاستشهادية ـ وليس الانتحارية ـ والتي يقوم بها الفلسطينيون ضد الإسرائيليين.فهي جزء من الحرب التي تدور بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وللحرب قواعدها التي تختلف عن قواعد السلم، فالفلسطينيون شعب قد تعرض للاحتلال من قبل إسرائيل، ولا يملك الأسلحة التي يملكها الإسرائيليون فهم مضطرون لهذا العمل للدفاع عن أنفسهم، وهذا يختلف عن المسألة مع أمريكا.
إن الإسرائيليين يبررون قتل الأطفال والنساء والشيوخ من الفلسطينيين بأن هذا أمرٌ تفرضه الحرب، والفلسطينيون يقولون هذا أمر تفرضه وتوجبه الحرب، ولكننا لسنا في حرب حارة مع الأميركيين.
س: وهذا الشيء نفسه ينطلق على حالتكم؟
ج: وهكذا كانت المسألة في الجنوب، لأنّ الإسرائيليين كانوا محتلين وكان المجاهدون يعملون على أساس إزالة الاحتلال، وهم لا يمكلون الطائرات والصواريخ والدّبابات، فرأوا أن إزالته لا تكون إلاّ بهذه الطريقة، ولذلك لا يجوز أن نضع هذه القضايا في دائرة الإرهاب، بل نضعها في دائرة حرب التحرير.
س: هناك إذاً في الإسلام فرق بين الاستشهاد وبين الانتحار؟
ج: الانتحار حرام، والهجوم الانتحاري على المدنيين أمرٌ إجرامي محرّم شرعاً، وأذكّر من باب حبّ التأكيد أني أرسلت في وقت سابق شريطاً مسجّلاً إلى المسلمين في أمريكا وأوروبا، قلت لهم فيه إنّه لا يجوز المساس بأمن الناس في أي مكان يحترم إنسانيتكم، بل علينا أن نحفظ أمن الناس وأموالهم وأمورهم وهذا ما أدعو إليه دائماً، كفتوى ورأي، وأذكّر أني تحدثت أننا نشكر الأمريكيين عن استضافتهم للمسلمين والعرب الذين شردتهم أنظمة بلدانهم الظالمة والطاغية، ونطلب من المسلمين في أمريكا أن يكونوا ضيوفاً طيبين على بلاد العالم، لأنّ علياً(ع) يقول "ليس بلد أولى بك من بلد خير البلاد ما حملك".
س: لا نعرف المهاجمين أو ما هي أسماؤهم؟
ج: إننا حتى الآن لا نعرف شيئاً من ذلك.
س: ولكن الآن هناك أدلة نتتبعها للوصول إلى كشف الملابسات؟
ج: حتى الآن نحن لا نملك الأدلة، لأنّ أمريكا لم تتحدث عن التفاصيل حتى نحكم بأن هذا صحيح أم غير صحيح، لأنّ المسألة أثيرت منذ البداية في هذا الاتجاه إننا ندين هذا العمل أيا كان الذي قام به. ولكنني....
س: فهل أنت قلق من ردة فعل أميركا؟
ج: إن أمريكا تدرس الآن النتائج لا الأسباب، والسؤال هو: لماذا قام هؤلاء الناس سواء أكانوا عرباً أم مسلمين أم أمريكيين أو أي جماعة أخرى بهذا العمل؟ وهو سؤال لا بد أن توجهه الإدارة الأمريكية إلى نفسها. لماذا يقوم الإرهابيون كما يقال بعملهم الإرهابي؟ هل درست أمريكا سياستها الخارجية لا سيّما في دعمها المطلق لإٍسرائيل ضدّ الفلسطينيين أو في القضايا السياسية في العالم؟ هل درست أن هذه السياسة جعلت الكثير من الشعوب تقف ضدّ أمريكا... إن أمريكا تقف ضدّ الإرهاب، ولكنها لا تقف ضدّ إرهاب الدولة في إسرائيل، وهي تعرف أن إسرائيل دولة احتلال لفلسطين، ولكنها لا تأمرها بزوال احتلالها، بل تعطي إسرائيل الأسلحة المتقدّمة والشعب الفلسطيني يقتل بالأسلحة الأمريكية، ولذلك ندعو أمريكا لدراسة سياستها الخارجية وموقعها عند الشعوب لا الأنظمة، ولقد سمعنا بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية يقول: "إنّ الإسرائيليين يستعملون الأسلحة الأمريكية في الدفاع عن النفس"، مع أن الإسرائيليين يهاجمون المدن الفلسطينية كجنين، وطولكرم، وأريحا، ونابلس، ويقتلون الأبرياء ويشردون الفلسطينيين.
س: كيف تريد للإدارة الأمريكية أن تغير سياستها؟ وما هو التغيير؟
ج: إن الإدارة الأمريكية تعمل لمصلحة أمريكا، ولذلك حين تدرس موقف الشعوب المعادي للسياسة الأميركية تعرف أنّ ذلك سوف يؤدي في المستقبل للإساءة إلى المصالح الأمريكية، وأعتقد أن أمريكا قد تضرب هذا البلد أو ذاك البلد كما ضربت السودان سابقاً، ولكنّها لا تستطيع منع الإرهاب وهو ما لاحظناه ، لأن الإرهاب لا وطن له ولا مكانة ولا ضوابط، وإننا ضد الإرهاب المستهدف للمدنيين في أيّ مكان من العالم سواء أكان إرهاب دولة أم إرهاب أفراد، ولكن نقول عندما نريد معالجة المرض علينا معاجلة أسبابه.
س: كيف يمكن لأمريكا أن تزيل أسباب هذا الإرهاب؟
ج: أنا لا أعتقد بإمكانية ذلك، فلقد كانت أمريكا في زمن الاستعمار البريطاني للمنطقة محبوبة لدى شعوب المنطقة، فلماذا صارت شعوب المنطقة ضدّ أمريكا؟ إنّ المشكلة في الشرق الأوسط التي تعيشها شعوب الشرق الوسط وأنظمته هي في موقف أمريكا المطلق في دعم إسرائيل، فأمريكا لم تكن وسيطاً محايداً.
س: هل باعتقادك أن المسألة تتغير لو كانت أمريكا وسيطاً محايداً ؟
ج: أعتقد أنها لو كانت وسيطاً محايداً، وتسمح لأوروبا القيام بدور أساسي لا على هامش الدور الأمريكي لتبدلت نظرة الشرق الأوسط إليها.
س: ما الذي تظن أن على أمريكا أن تبدأ بتغييره؟
ج: عليها دراسة مأساة الشعب الفلسطيني جيداً، وأنّ الأراضي الفلسطينية محتلّة، وعلى الاحتلال أن يزول الإحتلال دون قيد أو شرط، وهذا ما تنص عليه شرعة حقوق الانسان، ونحن لسنا أعداء للشعب الأمريكي، ولكننا أعداء للسياسة الأمريكية الأمريكية المتبعة.
س: هل تعتقد أن هناك دروساً على أمريكا أن تتعلمها من الهجمات؟
ج: أتصور أنّ على أمريكا أن تلاحظ وتدرس هذه الظاهرة العنيفة والمأساوية بعقل بارد، وبأسلوب وتحليل موضوعي لا أن تدرسه بطريقة العنفوان والشعور بالقوة الأمريكية. إنّ القوي هو الذي يفكر بعقله لا بعضلاته، ومشكلة أمريكا أنّها أصبحت تفكّر بعضلاتها النوويّة لا عقلها السياسي.
س: هل تقف ضدّ استعمال العقل العسكري الآن؟
ج: عندما تقوم أمريكا بهذا الاستعراض للقوّة فإننا نتصَّور أنَّها تخطئ مرتين، وتقع في الخطأ من جديد. إن أمريكا لم تستطيع محاربة الإرهاب الفردي حتّى في داخل بلدها، فالأطفال يقتلون الأطفال في مدارسهم، وجرائم الاغتصاب والسرقة والقتل والجريمة المنظّمة فاقت الحدّ المعقول في أمريكا، فكيف يمكن أن تعالج الإرهاب في العالم؟!
س: إذاً أنت ترى أن أمريكا لن تحارب الإرهاب في حربها لأفغانستان مثلاً؟
ج: لا أعتقد أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى نتيجة حاسمة، فقد يخفف المسألة بعض الشيء ولكنه لا يمكنه أن يلغيها بالكامل.
س: ما يمنع الإرهاب إذاً هو إيجاد سياسة جديدة للشرق الأوسط؟
ج: إنّ هذا سوف يزيل الكثير من المشكلة، ولقد سمعنا بعض مسؤولي طالبان في أفغانستان يقولون: إنّهم عندما يقصفون مواقعنا فإنّ هذه المواقع لن يكون ثمنها صاروخ يطلق علينا، لقد احتل الإتحاد السوفياتي أفغانستان ودمّرها وبقي الشعب الأفغاني وتحوَّل إلى مشكلة لأكثر من دولة في العالم، ولو ضربت أفغانستان فلربما تنتج مشاكل أكثر.
س: أنت تخشى إذاً من وجود توترات جديدة، أو صدام آخر مع الأمريكيين؟
ج: إنني لا أملك معلومات في ما يمكن أن يحدث، ولكن طبيعة دراسة التأريخ تفرض علينا دراسة المستقبل من خلال دراسة الماضي.
س: هل هذا يعد محاولة لتلافي الموقف؟
ج: نحاول أن نضع الأمور في قاعدتها المعقولة الجامعة بين الشعوب لا المفرقة بينها.
إننا نقول للشعب الأمريكي نحن أصدقاؤك ونريد أن تكونوا أصدقاءنا، لنتعاون على تعميمم حقوق الإنسان في العالم كله، ألاّ نظلمكم ولا تظلموننا.
س: وأمريكا كانت غير عادلة؟
ج: هذا ما نراه.
س: هل تخشى أن يحصل هجمات على الجاليات الإسلامية والمسلمين في أمريكا؟
ج: لقد سمعنا أن هناك اعتداءات على المسلمين في أمريكا، ولقد تألمنا لذلك، ونقول إن الشعب الأمريكي الذي يفعل ذلك ليس حضارياً أو تحديداً بعض فئات الشعب الأمريكي.
س: لماذا تردد دائماً مسألة صداقة الشعب الأمريكي؟
ج: لأننا نريد صداقة الإنسان في العالم كله، وهناك آية قرآنية تحوي هذا المضمون{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عدواة كأنه ولي حميم}. فالقرآن يقول: كونوا أصدقاء العالم فأنا لا انطلق من حالة شخصية بل من منهج قرآني.
س: هل تعتقد أن الكثير من الأمريكيين لديهم فكرة خاطئة عن المسلمين؟
ج: أعتقد إن الدعاية والإعلام المضاد والذي تسيطر عليه الصهيونية هو المسؤول عن ذلك، ولهذا أقول للأمريكيين إن في أمريكا ما يقارب 10 ملايين مسلم من الذين يحملون الجنسية الأمريكية أو المقيمين هناك، وهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي كالأمريكيين الآخرين، فلماذا يحملون الفكرة عن الإسلام والمسلمين بهذه الطريقة؟ فإذا كان بعض المسلمين سيئين فالأمريكيون كذلك؟ فهل نقول: إن الشعب الأمريكي سيء كله! أو هل نقول إن الشعب الأمريكي قام بمجزرة أوكلاهوما كله، فلا يكون صيف وشتاء على سطح واحد.
س: ماذا تقول لمن ابتهجوا بما حدث؟
ج: أقول: إن الإنسان لا يمكن أن يفرح بآلام الناس، وهناك كلمة دينية تقول: "عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به" هل تحبون أن يفرح الناس بآلامكم، فعليكم ألاّ تفرحوا بآلام الناس، ولا سيّما إذا كانت نتيجة جريمة إنسانية.