رقَّتْ فداعبَها خيالٌ أزهرُ وصبَتْ فسالَ بدمعتيْها الكوثرُ
وغفَتْ على نَغَمِ العواطفِ في الهوى فمضَتْ تبثُّ لها الغرامَ الأسطرُ
عـودٌ تخيَّرهـا الخيـالُ يراعةً للشِّعرِ يلهمُها البيانُ فتسطرُ
تتفـجَّرُ الأوزانُ من أعماقِها فيسيلُ من بينِ القوافي عبقرُ
ظمئَتْ فأرضَعَها الولاءَ (محمّدٌ) وجرَتْ فأرْشدَها الحقيقةَ (حيدرُ)
فتراقَصَتْ طرباً على لحنِ الولا ومضَتْ بآياتِ الغديرِ تبشّرُ
عيدُ الغديرِ وأنتَ فجرُ حقيقةٍ نُشِرَتْ فخلَّدَها الكتابُ الأطهرُ
تتمايلُ الأرواحُ في أقسامِهِ فتروحُ تَعبقُ بالشَّذى وتعطِّرُ
وترَفرِفُ الأطيارُ في أغصانِه طرباً وكلٌّ ضاحكٌ مستبشرُ
حتَّى الملائكُ أقبلَت في موكِبٍ للحقِّ ترتشفُ الولاءَ فتسكرُ
عيدُ الغديرِ وأنتَ سرٌّ خالدٌ يوحي لنا الحقَّ الصُّراحَ وينشرُ
نثرَتْ لكَ الأسْحارُ من نسماتِها درراً بآياتِ الصَّباحِ تنوَّرُ
وهفَتْ لكَ الأرواحُ حيثُ تطلَّعَتْ للحقِّ يملأُ جانبيْك ويغمُرُ
حدِّثْ فأنتَ منَ الزَّمانِ لِسَانُه وابِنْ لنا الأحداثَ كيفَ تُصَوَّرُ
وارسمْ لنا صورَ الغديرِ فطالما جهلتْ به فئةٌ وضلَّ مصوّر
فلَقَد طغَتْ فوقَ المشاعرِ موجةٌ للجهلِ تنذرُ بالفَسادِ فتهدرُ
غمرَتْ عقائدَنَا بسيل جارفٍ مما رآهُ وبثَّهُ المستعمِرُ
عيدُ الغديرِ وما تزالُ حثالةٌ في العصرِ تنهى ما تشاءُ وتأمرُ
نظرْتَ إلى التَّاريخِ في ظُلمَاتِه نَظَراً تكادُ به الحقيقةُ تسفرُ
فإذا الغديرُ يشعُّ فوقَ سمائِه
والقدسُ من أنوارِه يتفجَّرُ لكنَّها والجهلُ ملءُ إهابِها والحِقدُ يغلي في الصُّدورِ ويسعرُ
راحَتْ تبثُّ سمومَها ممزوجةً بالشَّهدِ في فكرِ الشَّبابِ وتنشرُ برَّاقةً بالمغرياتِ مليئةٌ
ومضَت تحرِّفُه على ةما تشتهي بالمخزياتِ وبالهدى تستهترُ
أحلامُهَا ممَّا تحسُّ وتبصِرُ فتولَّدَتْ من بينِ ذلكَ نزعةٌ أُمويَّةٌ فيما تراهُ وتنظرُ
عيدٌ يسيلُ القدسُ من جنباتِهِ أَلقَاً فيغمرُ صفحتيْه الكوثرُ
شمسُ الرِّسالةِ في سناها قطبُه وهُدَى الإمامةِ في سنَاها مِحوَرُ
جمحَتْ بيَ الأفكارُ في صحرائِهِ والنَّارُ في أحشائِها تتسعَّرُ
والشَّمسُ تسكبُ من سناها حُمرةً في مبسمِ الأفْقِ الجميلِ وتقطرُ
والأرضُ وهي مجامرُ مملوءةٌ حمماً تثورُ وبالصَّواعقِ تُنْذِرُ تبدو كأحداقِ الصَّباحِ توقَّدَتْ جمراً يموجُ كما تموجُ الأبحرُ
فرأيْتُ أحداجاً تصفِّف منبراً أسمَى من العرشِ الرَّفيعِ وأنظرُ
رفَّت عليه من القداسةِ هالةٌ للحقِّ يغشاها الجلالُ فتُزْهرُ
وإذا بأحمدَ يرتقي أعوادَه فيكادُ من طربٍ به يتكسَّرُ
(ولو أنَّ مشتاقاً تكلَّف فوقَ ما في وسعِه لسعى إليه المِنبَرُ)
والمسلمون وحسبُهُم إيماءةٌ من أحمدَ مما يقولُ ويُظهِرُ
يتهامسون وفي القلوبِ تساؤلٌ وعلى الوجوهِ تساؤلٌ وتَحيُّرُ
ماذا يريدُ بنَا النَبيُّ (محمّدٌ) والكونُ يلهبُ والعواصفُ تهدُرُ
والصَّمتُ ضاقَ بهم فأطلعَ صورةً للحقِّ يرسِمُها النبيُّ المنذِرُ
خفقَتْ لها الأرواحُ في أعماقِها وتلاقفَتْها للخلودِ الأعْصرُ
يبدو بها نصُّ الغديرِ مبيِّناً أنَّ الوصيَّ هو الزَّعيمُ الأكبرُ
وترى بها علمَ الولاءِ يهزُّهُ الهادي وينشرُهُ الكتابُ الأطْهَرُ
والمسلمونَ فمستَظِلٍّ تحتَهُ يجري وآخرُ في الضَّلالةِ يخطرُ
وهناك يظهرُ في الطَّليعةِ أحمدٌ ويعودُ حيثُ يُطلُّ منها حيدرُ
يا سيِّدي والحقُّ وهْوَ أشعّةٌ من لطفِ روحِكَ حرّةٌ يتفجَّرُ
تتموَّجُ الأفكارُ فيه فموجةٌ تطغَى عليهِ وموجةٌ تتأخَّرُ
وترفرِفُ الأرواحُ فوقَ سمائِهِ ظمأى فتنهلُ من رواه فتصدرُ والنَّاسُ والأوهامُ تلعبُ دورَها فيهم قطيعٌ في الفلا متحيِّرُ
جَحَدوا الحقيقةَ وهي في إشعاعِها أزهى من الفلكِ العظيمِ وأظهرُ وتجاهلوا نصَّ الغديرِ ففرقةٌ منهم تحرِّفُهُ وأخرى تُنكِرُ
لكنَّهم نظروا هناك فأبصرُوا نوراً يشعُّ من الغديرِ ويُزهرُ وتطلَّعوا للنّورِ وهْوَ ذبالةٌ شعَّتْ فسارَ على هُداها الأكثرُ
فإذا (عليٌّ) والهدى في موكبٍ للحقِّ يُنذِرُ بالهدى ويبشِّرُ
والوحيُ في طربٍ يوقِّعُ نغمةً عُلويّةً فيها النّفوسُ تموَّرُ
يبدو فيخرجُ للحقيقةِ صورةً تجْلىَ على لوحِ الخلودِ وتنْشُرُ
يتلو بها سورَ الكتابِ مليئةً بهُدى (عليٍّ) وهْوَ صبحٌ مُسفِرُ
اليومَ أكمَلْتُ الرِّسالةَ فيكُمُ لَوْلا الوصيُّ ففي هـداه تبصَّروا
يا سيـّدي شكـوًى إليكَ يبـثُّها حُطَّتْ قوادِمُه وضلَّ المنذرُ
ومضَتْ به الأطماعُ في شهواتِها
فالدِّينُ من شهواتِها يتأخَّرُ ومشَتْ به فئةٌ فذاكَ مداهنٌ فيه وهذا جاهلٌ ومقصِّرُ
وتلاقفَتْه يدُ النّفاقِ فتارةً تبني وطوراً بالفسادِ تدمِّرُ
وتبدَّلَتْ نظمٌ وجاءت أعصرٌ تزهُو فتدعو بالصَّلاحِ وتهدُرُ
فإذا بهذا الدِّينِ لعبةُ لاعبٍ والحقُّ مهزلةٌ به يُستَهتَرُ
والأجنبيُّ يدسُّ فيه مبادئاً منه تعيثُ كما يعيثُ المنكرُ
ويبثُّ فيه من التفرّقِ بذرةً تنمو على مرِّ الدّهورِ وتكبرُ
والمصلحونَ وهم نيامٌ لا تَرَى فيهِم فتى بشقا الشّعوبِ يفكِّرُ يتقلَّبونَ على الحريرِ وعندَهمْ شعبٌ يفيضُ البؤس منهُ ويزخُرُ
الخائنونَ وينكرونَ بلادهَمْ هذا يسلِّمها وذا يتسعَّرُ والبائعونَ ضميرَهم بدراهِمٍ
تغري النّفوسَ ضعيفةً وتغيِّرُ
والشَّاربونَ من المدامةِ خمرةً تُغلَى بأكبادِ الشُّعوبِ وتُعصَرُ
والمرتقون كراسياً منصوبةً باسمِ الرُّعاةِ وبالمظالمِ تُنجرُ
إيهاً أميرَ المؤمنين وشرعةً قد كنْتَ ترأبُ صدْعَها تتأمّرُ
جاءَ النبيُّ بها فوحَّد أمَّةً عمياءَ لا تُهدَى ولا تتبصَّرُ
فمضَتْ تزيِّنُها العقيدةُ مبدأً والحقُّ تاجٌ فوقَ رأسِك يظفَرُ
والدِّينُ قانونٌ تسيرُ بضوئِهِ قُدُماً فيهديها الطّريقَ فتبصرُ
حتّى إذا رجعَتْ بها أحلامُها للخلفِ عادَتْ في الضَّلالةِ تخطرُ
ومضَتْ يدُ التَّفريقِ تلعبُ دورَها فيها وتخلطُ صفْوَها فتكدَّرُ ومبادئ الإلحادِ وهي مليئةٌ بالمغرياتِ مضَتْ تعجُّ وتهدرُ والمسلمونَ ولا ترى من رايةٍ فيهم ترفرفُ بالإخا وتبشِّرُ
عبثَتْ بهم كفُّ العدوِّ فأصبحوا للفائزين غنيمةً تُستصغَرُ
وتطلَّعَتْ من بينِهم قوميّةٌ عصبيّةٌ تردي الإخا وتدمِّرُ
قوميّةٌ عصفَتْ بنا فتفرَّقَتْ منَّا الصُّفوفُ بها وضلَّ الأكثرُ
فكأنَّ في النَّسبِ المعقّدِ نسبةً أعلى من الدِّين الحنيفِ وأطهرُ
أو أنّ في الأمجادِ منها مفْخَراً أسمى من التَّقوى بها أو أفخرُ
كلا ففي الإسلامِ خيرُ موحَّدٍ فينا وفي التّقوى نعزُّ ونظهرُ
وبآلِ بيتِ الوحيِ خيرُ سفينةٍ تجري بنا نحوَ الرَّشادِ وتعبُرُ
فولاؤهُم فرضٌ وحبُّهُم نجىً للخائفين ونحنُ فيه نفخرُ
يا سيِّدي والشّعرُ وهو عواطفٌ تذكو فتُسبَكُ في الفؤادِ وتُصهرُ
وذبالةٌ من نورِ قلبٍ ذائبٍ فيكم ينوَّرُ بالولا ويُطهَّرُ لأقلُّ من أنْ يرتقي لفضيلةٍ فيجيدُ في تصويرِها أو ينشرُ
فلقد سما معناك عنه لأنّه عَرضٌ يُنَـزَّه عنه هذا الجَوهرُ
لكنَّما الأشعارُ قربانٌ به نحظى بلطفِكَ عندَهُ أو نظفَرُ فاقبلْ به لحنَ الوفاء فإنَّه ذوبُ القلوبِ ودمعُها المتفجِّرُ |