المجيب عن الاستشارة: الباحث التربوي والنفسي، الأستاذ هشام شحرور
استشارة..
أنا امرأة متزوّجة ولديّ ابن أنجبته بعد ثماني سنوات من العلاج. توفّيت والدتي قبل ولادة ابني بعدّة أشهر، وأنا وحيدة وسط خمسة أخوة، وزوجي يعمل ساعات طويلة، إذ يخرج باكراً ويعود متأخراً، وأشعر بأنَّ كلّ ما أحصل عليه يأتي بصعوبة وبجهد كبير.
كما أنَّني أعاني وضعاً نفسياً صعباً، وأشعر بالفراغ، فلا يوجد أمّ تهتم بي أو أخت، ولا أخوة يزورونني إلا في المناسبات، وأشعر بأنّ كلّ الأيام متساوية، ولا يوجد ما يفرح في هذه الحياة. أحبّ ابني كثيراً، ولكنَّني أخاف أن يعيش وحيداً في حياته، وهناك محاولات لإنجاب طفل آخر، بيد أنَّ الأمر يحتاج إلى عدة محاولات، بسبب الحاجة إلى إجراء عمليَّة طفل الأنبوب.
أنا حزينة جداً ووحيدة، ورغم أنّ لديّ بعض الصَّديقات المقرَّبات، ولكنَّني أشعر بالغربة في هذه الحياة، فزوجي كثير الاهتمام بعمله، ولا يعطينا الكثير من وقته بسبب ضغوطات العمل. ماذا يمكنني أن أفعل في ظلّ شعور الوحدة الَّذي يقتلني، والخوف من أن يعيش ابني التّجربة نفسها؟
وجواب..
في هذه الحالة، إنَّ المخاوف الَّتي تعيشينها قد يكون بعضها مبرّرة.. ولكنَّ مسألة وجود ولد أنعم الله عليك به، هو نعمة كبيرة أساساً يجب أن تستشعريها وتدركيها، لأنَّ من شأن معرفتنا بحجم ما وفَّقنا الله له، رغم حرمان آخرين كثر منه، لهو أمر مساعد لنا على تقبّل صعاب الحياة.
هذا أولاً، وثانياً، عليك أن تعملي على ملء فراغك الحياتي بأنشطة، وأن تتعلَّمي كيف تتركين انعكاسات إيجابيَّة على أسرتك، سواء عبر اكتساب مهارة عمليَّة فنيّة، من خلال معهد أو مؤسَّسة، أو من خلال إكمال رحلة التَّعليم بأكبر قدر ممكن، فضلاً عن الاستفادة من الدَّورات التي تقيمها العديد من الجمعيّات النسائيّة في مجتمعنا.
ثالثاً، ننصح بتعزيز الرّوابط الاجتماعيَّة مع الصَّديقات، لأنَّ الفراغ صديق الأمراض النفسيَّة الحميم.. ويمكنك أن تحاولي المساهمة في جمعية خيريّة، وأن تلعبي دوراً فيها، لأنَّ ذلك يملأ الوقت، ويؤنس الروح، ويشعر الإنسان بالإنجاز، ويعرض لك معاناة الآخرين، فتعرفين أكثر وأكثر كم أنت موفَّقة.
رابعاً، بالنّسبة إلى ولدك، وكونه وحيداً حتى السّاعة، فالرسول الكريم(ص) ولد وعاش وحيداً، بل ويتيماً، وقدَّم للكون أعظم رسالة سماويَّة، أي أنَّ الوحدة في المولد لا تعكس التعاسة حكماً.. كما أنّ هذا العصر بالتحديد، وقادم الأيّام، يفتحان هوامش تواصل استثنائيَّة، بحيث لا يعيش الإنسان وحيداً حتى لو رغب في ذلك، مع دعائنا لك بأن يرزقك الله أخاً أو أختاً لولدك..
بالخلاصة، إنّ وضعك ليس خطيراً، إنما أنت تحملين بعض الهواجس المشروعة، والتي نأمل أن نكون قد وُفِّقنا لتوضيح بعضها..