كانت معركة بدر أوَّل معركة بين المسلمين والمشركين، بعد أن عانى المسلمون، وفي مقدَّمهم رسول الله (ص) كلّ أنواع الاضطهاد والتعذيب والتشريد، ما اضطرَّهم إلى أن يهاجروا من مكَّة إلى المدينة، وكانت هذه المعركة هي المعركة الّتي انتصر فيها المسلمون بالرّغم من قلَّة عددهم وعدَّتهم، وانهزم فيها المشركون بالرّغم من كثرة عددهم وعدّتهم.
وأفاض الله على المسلمين فيها الكثير من النَّصر، بالرّعب الّذي ألقاه في قلوب المشركين، وبالغيب الَّذي فتح فيه على المسلمين الجوَّ الملائكيّ الّذي أرسله الله ليعيش في أجواء المعركة.
وفي هذه الواقعة الَّتي تحدَّث عنها القرآن في أكثر من آية، درسٌ يركّزُ فيه على نقاط الضَّعف الّتي كان يعيشها بعض المسلمين، كما يعيشها الكثير من المسلمين على مدى التَّاريخ في ساحات الصِّراع، فيريد الله أن يبيِّن لنا أنَّ الضّعف الّذي يعيشه بعض النّاس في ساحة التحدّي ليس غريباً، ولكن على الأمَّة أن تحوّل نقاط ضعفها إلى نقاط قوَّة في اتجاه المواجهة.
فقد جمع المشركون لواقعة بدر بعد أن تعرَّض المسلمون لقافلة تجاريَّة لقريش كانت تمرّ بالقرب من المدينة في الطريق بين الشام ومكَّة، وذلك للتأكيد أنَّ الإسلام بدأ في موقع القوَّة، وأنَّه أصبح يسيطر على الطريق الاستراتيجي الذي تتحرَّك فيه تجارة قريش، ولذلك لا بدَّ لها أن تحسب حسابه.
وقد استطاعت القافلة أن تفرَّ إلى طريق آخر، وعندما سمع المشركون بذلك، استعدّوا للهجوم على المسلمين قاصدين المدينة، حتى وصل بهم الأمر إلى بدر، واستنهض رسول الله (ص) المسلمين للخروج إلى قتال قريش، وكانت لقريش رهبة في نفوس المسلمين، ولذلك تقاعس البعض منهم وتحمَّس آخرون، وكان من عادة رسول الله (ص) أن يستشير أصحابه في كلِّ حرب يخوضها، وعندما استشارهم، ضعف البعض عندما قالوا: "يا رسول الله، إنَّها قريش، ما ذُلَّتْ منذ عزَّت" ، وكأنَّه يقول إنَّه ليس لدينا القدرة على مواجهة قريش. ولكنَّ بعض أصحابه من الأنصار قالوا له: "يا رسول الله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربّك فقاتلا إنَّا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون، لو سرت بنا إلى برك الغماد، لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه" .
وانطلق رسول الله (ص) في جماعة قليلة من أصحابه، وفي عدَّة قليلة لا تذكر، سواء في الرواحل التي يركبونها، أو في السّلاح الّذي يحملونه، ولكنَّ الله نصرهم.
ولعلّ أصدق صورة تصوّر معركة بدر، هي [ما ورد في القرآن الكريم حول طبيعة الجوّ الَّذي كان يعيشه المسلمون في تلك المعركة. يقول تعالى]:
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ *وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ * إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ *إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ}[الأنفال: 5- 14]...
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: شهر رمضان 1422 هـ/الموافق: ٣٠/١١/٢٠٠١.
***
بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج19، ض 217.
بحار الأنوار، ج28، ص 260.
كانت معركة بدر أوَّل معركة بين المسلمين والمشركين، بعد أن عانى المسلمون، وفي مقدَّمهم رسول الله (ص) كلّ أنواع الاضطهاد والتعذيب والتشريد، ما اضطرَّهم إلى أن يهاجروا من مكَّة إلى المدينة، وكانت هذه المعركة هي المعركة الّتي انتصر فيها المسلمون بالرّغم من قلَّة عددهم وعدَّتهم، وانهزم فيها المشركون بالرّغم من كثرة عددهم وعدّتهم.
وأفاض الله على المسلمين فيها الكثير من النَّصر، بالرّعب الّذي ألقاه في قلوب المشركين، وبالغيب الَّذي فتح فيه على المسلمين الجوَّ الملائكيّ الّذي أرسله الله ليعيش في أجواء المعركة.
وفي هذه الواقعة الَّتي تحدَّث عنها القرآن في أكثر من آية، درسٌ يركّزُ فيه على نقاط الضَّعف الّتي كان يعيشها بعض المسلمين، كما يعيشها الكثير من المسلمين على مدى التَّاريخ في ساحات الصِّراع، فيريد الله أن يبيِّن لنا أنَّ الضّعف الّذي يعيشه بعض النّاس في ساحة التحدّي ليس غريباً، ولكن على الأمَّة أن تحوّل نقاط ضعفها إلى نقاط قوَّة في اتجاه المواجهة.
فقد جمع المشركون لواقعة بدر بعد أن تعرَّض المسلمون لقافلة تجاريَّة لقريش كانت تمرّ بالقرب من المدينة في الطريق بين الشام ومكَّة، وذلك للتأكيد أنَّ الإسلام بدأ في موقع القوَّة، وأنَّه أصبح يسيطر على الطريق الاستراتيجي الذي تتحرَّك فيه تجارة قريش، ولذلك لا بدَّ لها أن تحسب حسابه.
وقد استطاعت القافلة أن تفرَّ إلى طريق آخر، وعندما سمع المشركون بذلك، استعدّوا للهجوم على المسلمين قاصدين المدينة، حتى وصل بهم الأمر إلى بدر، واستنهض رسول الله (ص) المسلمين للخروج إلى قتال قريش، وكانت لقريش رهبة في نفوس المسلمين، ولذلك تقاعس البعض منهم وتحمَّس آخرون، وكان من عادة رسول الله (ص) أن يستشير أصحابه في كلِّ حرب يخوضها، وعندما استشارهم، ضعف البعض عندما قالوا: "يا رسول الله، إنَّها قريش، ما ذُلَّتْ منذ عزَّت" ، وكأنَّه يقول إنَّه ليس لدينا القدرة على مواجهة قريش. ولكنَّ بعض أصحابه من الأنصار قالوا له: "يا رسول الله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربّك فقاتلا إنَّا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون، لو سرت بنا إلى برك الغماد، لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه" .
وانطلق رسول الله (ص) في جماعة قليلة من أصحابه، وفي عدَّة قليلة لا تذكر، سواء في الرواحل التي يركبونها، أو في السّلاح الّذي يحملونه، ولكنَّ الله نصرهم.
ولعلّ أصدق صورة تصوّر معركة بدر، هي [ما ورد في القرآن الكريم حول طبيعة الجوّ الَّذي كان يعيشه المسلمون في تلك المعركة. يقول تعالى]:
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ *وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ * إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ *إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ}[الأنفال: 5- 14]...
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: شهر رمضان 1422 هـ/الموافق: ٣٠/١١/٢٠٠١.
***
بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج19، ض 217.
بحار الأنوار، ج28، ص 260.