مبيت الإمام عليّ (ع) على فراش النبيّ (ص)

مبيت الإمام عليّ (ع) على فراش النبيّ (ص)

السيد محمد كاظم القزويني

لقد حاول المشركون وكفار مكة خنق الإسلام والقضاء على حياة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بشتى الطرق والأساليب، فكانت حركاتهم فاشلة، وجاؤوا إلى أبي طالب وسألوه أن يمنع الرسول عن سبّ الآلهة!! وإفساد الشبان!! وتسفيه الأحلام! فلم يجدوا التجاوب من أبي طالب (عليه السلام).

فجعلوا يحاربون النبيّ حرب الأعصاب، وجاؤوا عن طريق التهديد والوعيد وإسناد السحر والجنون إليه، وقذفه بالحجارة وتلويث ثيابه بالدم والأقذار.
وكتبوا الصحيفة القاطعة، وقاطعوا بني هاشم أقسى مقاطعة، كلّ ذلك لا يزيد النبي إلا ثباتاً واستقامة، وخصوصاً لما نزلت عليه الآية: {فاستقِمْ كما أُمِرْت}. واستمرّ الحال على هذا المنوال حتى توفيت السيدة خديجة الكبرى، وبعد مدة يسيرة توفي سيدنا أبو طالب، وكانا بمنزلة جناحين لرسول الله، وخيمت الأحزان على قلب الرسول، حتى سميت تلك السنة (عام الحزن).

وعند ذلك، خلا الجوّ للمشركين، واستضعفوا النبيّ لفقدان الناصر، وعزموا على اغتيال النبي وقتله. وإليكم التفصيل:
اجتمع المشركون في دار الندوة، وتذاكروا حول قتل النبي (صلّى الله عليه وآله)، وتقرّر أخيراً أن يجتمع من كلّ قبيلة رجل واحد ويهجموا على النبي (صلّى الله عليه وآله)، ويقتلوه في بيته، واجتمع أربعون رجلاً من أربعين قبيلة، واجتمعوا على باب دار النبي (صلّى الله عليه وآله)، ونزل جبرائيل على النبي وأخبره بمكيدة القوم، وأمره بالهجرة من مكّة إلى المدينة، فأرسل النبيّ إلى عليّ وقال له: يا عليّ، إن الروح هبط علي يخبرني أن قريشاً اجتمعت على المكر بي وقتلي، وأنه أوحى إلي عن ربي أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلى غار ثور، تحت ليلتي، وأنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي لتخفي بمبيتك عليه أثري، فما أنت قائل وصانع؟
 فقال عليّ (عليه السلام): أوَ تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبيّ الله؟ قال: نعم. فتبسّم علي (عليه السلام) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لما أنبأه به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من سلامته، فكان عليّ (عليه السلام) أوّل من سجد لله شكراً، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فلما رفع رأسه، قال له: امضِ لما أُمرت، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أكون فيه كمسرتك وأقع منه بحيث مرادك، وإن توفيقي إلا بالله. وقال النبي (صلّى الله عليه وآله): أو أن ألقي عليك شبهة مني، أو قال: شبهي، قال: أن يمنعوني نعم، قال: فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي، ثم إني أخبرك يا عليّ أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه، فأشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، وقد امتحنك يا بن أم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم (عليه السلام) والذبيح إسماعيل (عليه السلام)، فصبراً صبراً، فإنّ رحمة الله قريب من المحسنين. ثم ضمّه النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى صدره وبكى إليه وجداً به، وبكى علي (عليه السلام) جزعاً على فراق رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وفي رواية: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ لعليّ (عليه السلام) ـ : أرضيت أن أُطلب فلا أُوجد وتوجد؟ فلعله أن يبادر إليك الجهال فيقتلوك؟ قال: بلى يا رسول الله، رضيت أن يكون روحي لروحك وقاءً، ونفسي لنفسك فداء، بل رضيت أن يكون روحي ونفسي فداء أخ لك أو قريب... وهل أحبّ الحياة إلا لخدمتك، والتصرّف بين أمرك ونهيك، ولمحبّة أوليائك ونصرة أصفيائك ومجاهدة أعدائك؟
لولا ذلك، لما أحببت أن أعيش في هذه الدّنيا ساعة واحدة .وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): فإذا قضيت ما أمرتك من أمر، فكن على أهبّة الهجرة إلى الله ورسوله، وسر إليّ لقدوم كتابي عليك، ولا تلبث بعده.

فانطلق النبيّ إلى الغار، ونام عليّ في مكانه ولبس برده، فجاء قريش يريدون أن يقتلوا النبي (صلّى الله عليه وآله)، فجعلوا يرمون عليّاً وهم يرون أنه النبي، وكان علي (عليه السلام) يتضوّر (يتلوى) من الألم، ولا يتكلّم لئلا يعرفوه، وكان القوم يريدون الهجوم على البيت ليلاً، فيمنعهم أبو لهب ويقول لهم: يا قوم، إن في هذه الدار نساء بني هاشم وبناتهم، ولا نأمن أن تقع يد خاطئة إذا وقعت الصيحة عليهن، فيبقى ذلك علينا مسبة وعاراً إلى آخر الدّهر في العرب.
فجلسوا على الباب حتى طلع الفجر، فتواثبوا إلى الدار شاهرين سيوفهم، وقصدوا نحو مضجع النبي ومعهم خالد بن الوليد، فقال لهم أبو جهل: لا تقعوا به وهو نائم لا يشعر، ولكن ارموه بالأحجار لينتبه بها ثم اقتلوه، أيقظوه ليجد ألم القتل، ويرى السيوف تأخذه!! فرموه بأحجار ثقال صائبة، فكشف عن رأسه، وقال: ما شأنكم؟ فعرفوه، فإذا هو عليّ (عليه السلام)، فقال أبو جهل: أما ترون محمداً كيف أبات هذا ونجا بنفسه لتشتغلوا به، وينجو محمد؟ لا تشتغلوا بعليّ المخدوع لينجو بهلاكه محمد، وإلا فما منعه أن يبيت في موضعه إن كان ربّه يمنع عنه كما يزعم؟!

ثم قالوا: أين محمد؟ قال: أجعلتموني عليه رقيباً؟ ألستم قلتم: نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم.
فأرادوا أن يضربوه، فمنعهم أبو لهب، وقالوا لعليّ: أنت كنت تخدعنا منذ الليلة (أي بنومك على فراش النبيّ خدعتنا وظنّنا أنّك محمد)، وبقي النبي (صلّى الله عليه وآله) في الغار ثلاثة أيّام، وكان عليّ يأتيه بالطعام والشراب. وفي رواية: استأجر ثلاث رواحل للنبيّ ولأبي بكر ولدليلهم.

وخرج النبيّ بعد ذلك من الغار وتوجّه نحو المدينة.
*كتاب "الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد".

السيد محمد كاظم القزويني

لقد حاول المشركون وكفار مكة خنق الإسلام والقضاء على حياة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بشتى الطرق والأساليب، فكانت حركاتهم فاشلة، وجاؤوا إلى أبي طالب وسألوه أن يمنع الرسول عن سبّ الآلهة!! وإفساد الشبان!! وتسفيه الأحلام! فلم يجدوا التجاوب من أبي طالب (عليه السلام).

فجعلوا يحاربون النبيّ حرب الأعصاب، وجاؤوا عن طريق التهديد والوعيد وإسناد السحر والجنون إليه، وقذفه بالحجارة وتلويث ثيابه بالدم والأقذار.
وكتبوا الصحيفة القاطعة، وقاطعوا بني هاشم أقسى مقاطعة، كلّ ذلك لا يزيد النبي إلا ثباتاً واستقامة، وخصوصاً لما نزلت عليه الآية: {فاستقِمْ كما أُمِرْت}. واستمرّ الحال على هذا المنوال حتى توفيت السيدة خديجة الكبرى، وبعد مدة يسيرة توفي سيدنا أبو طالب، وكانا بمنزلة جناحين لرسول الله، وخيمت الأحزان على قلب الرسول، حتى سميت تلك السنة (عام الحزن).

وعند ذلك، خلا الجوّ للمشركين، واستضعفوا النبيّ لفقدان الناصر، وعزموا على اغتيال النبي وقتله. وإليكم التفصيل:
اجتمع المشركون في دار الندوة، وتذاكروا حول قتل النبي (صلّى الله عليه وآله)، وتقرّر أخيراً أن يجتمع من كلّ قبيلة رجل واحد ويهجموا على النبي (صلّى الله عليه وآله)، ويقتلوه في بيته، واجتمع أربعون رجلاً من أربعين قبيلة، واجتمعوا على باب دار النبي (صلّى الله عليه وآله)، ونزل جبرائيل على النبي وأخبره بمكيدة القوم، وأمره بالهجرة من مكّة إلى المدينة، فأرسل النبيّ إلى عليّ وقال له: يا عليّ، إن الروح هبط علي يخبرني أن قريشاً اجتمعت على المكر بي وقتلي، وأنه أوحى إلي عن ربي أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلى غار ثور، تحت ليلتي، وأنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي لتخفي بمبيتك عليه أثري، فما أنت قائل وصانع؟
 فقال عليّ (عليه السلام): أوَ تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبيّ الله؟ قال: نعم. فتبسّم علي (عليه السلام) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً لما أنبأه به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من سلامته، فكان عليّ (عليه السلام) أوّل من سجد لله شكراً، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فلما رفع رأسه، قال له: امضِ لما أُمرت، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أكون فيه كمسرتك وأقع منه بحيث مرادك، وإن توفيقي إلا بالله. وقال النبي (صلّى الله عليه وآله): أو أن ألقي عليك شبهة مني، أو قال: شبهي، قال: أن يمنعوني نعم، قال: فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي، ثم إني أخبرك يا عليّ أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه، فأشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، وقد امتحنك يا بن أم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم (عليه السلام) والذبيح إسماعيل (عليه السلام)، فصبراً صبراً، فإنّ رحمة الله قريب من المحسنين. ثم ضمّه النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى صدره وبكى إليه وجداً به، وبكى علي (عليه السلام) جزعاً على فراق رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وفي رواية: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ لعليّ (عليه السلام) ـ : أرضيت أن أُطلب فلا أُوجد وتوجد؟ فلعله أن يبادر إليك الجهال فيقتلوك؟ قال: بلى يا رسول الله، رضيت أن يكون روحي لروحك وقاءً، ونفسي لنفسك فداء، بل رضيت أن يكون روحي ونفسي فداء أخ لك أو قريب... وهل أحبّ الحياة إلا لخدمتك، والتصرّف بين أمرك ونهيك، ولمحبّة أوليائك ونصرة أصفيائك ومجاهدة أعدائك؟
لولا ذلك، لما أحببت أن أعيش في هذه الدّنيا ساعة واحدة .وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): فإذا قضيت ما أمرتك من أمر، فكن على أهبّة الهجرة إلى الله ورسوله، وسر إليّ لقدوم كتابي عليك، ولا تلبث بعده.

فانطلق النبيّ إلى الغار، ونام عليّ في مكانه ولبس برده، فجاء قريش يريدون أن يقتلوا النبي (صلّى الله عليه وآله)، فجعلوا يرمون عليّاً وهم يرون أنه النبي، وكان علي (عليه السلام) يتضوّر (يتلوى) من الألم، ولا يتكلّم لئلا يعرفوه، وكان القوم يريدون الهجوم على البيت ليلاً، فيمنعهم أبو لهب ويقول لهم: يا قوم، إن في هذه الدار نساء بني هاشم وبناتهم، ولا نأمن أن تقع يد خاطئة إذا وقعت الصيحة عليهن، فيبقى ذلك علينا مسبة وعاراً إلى آخر الدّهر في العرب.
فجلسوا على الباب حتى طلع الفجر، فتواثبوا إلى الدار شاهرين سيوفهم، وقصدوا نحو مضجع النبي ومعهم خالد بن الوليد، فقال لهم أبو جهل: لا تقعوا به وهو نائم لا يشعر، ولكن ارموه بالأحجار لينتبه بها ثم اقتلوه، أيقظوه ليجد ألم القتل، ويرى السيوف تأخذه!! فرموه بأحجار ثقال صائبة، فكشف عن رأسه، وقال: ما شأنكم؟ فعرفوه، فإذا هو عليّ (عليه السلام)، فقال أبو جهل: أما ترون محمداً كيف أبات هذا ونجا بنفسه لتشتغلوا به، وينجو محمد؟ لا تشتغلوا بعليّ المخدوع لينجو بهلاكه محمد، وإلا فما منعه أن يبيت في موضعه إن كان ربّه يمنع عنه كما يزعم؟!

ثم قالوا: أين محمد؟ قال: أجعلتموني عليه رقيباً؟ ألستم قلتم: نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم.
فأرادوا أن يضربوه، فمنعهم أبو لهب، وقالوا لعليّ: أنت كنت تخدعنا منذ الليلة (أي بنومك على فراش النبيّ خدعتنا وظنّنا أنّك محمد)، وبقي النبي (صلّى الله عليه وآله) في الغار ثلاثة أيّام، وكان عليّ يأتيه بالطعام والشراب. وفي رواية: استأجر ثلاث رواحل للنبيّ ولأبي بكر ولدليلهم.

وخرج النبيّ بعد ذلك من الغار وتوجّه نحو المدينة.
*كتاب "الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد".
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية