قال رسول الله (ص): "حسين منى وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً". وقال (ص):
"من أحب أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء، فلينظر إلى الحسين (ع)" وقال
(ص) في الحسن والحسين (ع): "هما ريحانتاي من الدنيا". وقال (ص): "الحسن والحسين
سيّدا شباب أهل الجنّة". وقال (ص) فيهما: "هذان ابناي، فمن أحبّهما فقد أحبني، ومن
أبغضهما فقد أبغضني". وقال (ص) فيهما: "اللهم إني أحبهما فأحبهما". وكان النبي (ص)
يصلي، فإذا سجد وثب الحسنان (ع) على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما، أشار إليهم أن
دعوهما. فلما قضى الصلاة، وضعهما في حجره وقال: "من أحبني، فليحبّ هذين". وكان (ص)
يصلي، فكان إذا سجد، جاء الحسين (ع) فركب ظهره، فإذا رفع النبي (ص) رأسه، اخذه
فوضعه إلى جانبه، فإذا سجد، عاد على ظهره، فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي (ص) من
صلاته. وكان (ص) يجثو للحسنين (ع)، فيركبان على ظهره ويقول: "نعم الجمل جملكما،
ونعم العدلان أنتما". وحملهما (ص) مرة على عاتقة، فقال رجل: نعم الفرس لكما. فقال
(ص): "ونعم الفارسان هما". وسمع (ص) بكاءهما وهو على المنبر، فقام فزعاً، ثم كان
قال: "أيها الناس، ما الولد الا فتنة، لقد قمت إليهما وما معي عقلي". وكان (ص) يخطب
على المنبر، فجاء الحسنان (ع) وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل (ص) من
المنبر، فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة". وكان (ص)
يخطب على المنبر، إذ خرج الحسين (ع)، فوطأ في ثوبه، فسقط، فبكى، فنزل النبي (ص) عن
المنبر، فضمه إليه وقال: "قاتل الله الشيطان، إن الولد لفتنة. والذي نفسي بيده، ما
دريت أني نزلت عن منبري". ومرّ (ص) على بيت فاطمة (ع)، فسمع الحسين (ع) يبكي، فقال:
"ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني؟". وقال (ص): "إن الله تعالى جعل ذرية كلّ نبي من صلبه
خاصّة، وجعل ذريتي من صلب عليّ بن أبي طالب". وكانت الزهراء (ع) ترقص الحسن (ع)
وتقول:
أشبه أباك يا حسن واخلع عن الحقّ الرسن
واعبد إلهاً ذا منن ولا توال ذا الإحن
وقالت للحسين (ع):
أنت شبيه بأبي لست شبيهاً بعلي
وحج الحسنان (ع) ماشيين، فلما يمرا برجل راكب إلا نزل يمشي، فقال بعضهم لسعد: قد
ثقل علينا المشي، ولا نستحسن أن نركب، وهذان السيدان يمشيان. فرغب إليهما سعد في أن
يركبا، فقال الحسن (ع): "لا نركب، قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت الله الحرام
على أقدامنا، ولكننا نتنكّب عن الطريق"، فأخذا جانباً من الناس. وحجّ الحسين (ع)
خمساً وعشرين حجّة ماشياً، وإن النجائب لتقاد معه، وأقام بعد وفاة أخيه الحسن (ع)
يحجّ في كل عام من المدينة إلى مكّة ماشياً.
وأجلس النبي (ص) الحسن (ع) على فخذه اليمنى، والحسين على فخذه اليسرى، وأجلس علياً
وفاطمة (ع) بين يديه، ثم لفّ عليهما كساءه أو ثوبه، ثم قرأ {إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. ثم قال: "هؤلاء أهل بيتي حقاً". وكان ابن
عباس مع علمه وجلالة قدره، يمسك بركاب الحسنين (ع) حتى يركبا، ويقول: "هما ابنا
رسول الله (ص)". وقال النبي (ص) لعليّ وفاطمة والحسن والحسين (ع): "أنا سلم لمن
سالمتم، وحرب لمن حاربتم". ونظر (ص) إلى الحسن والحسين (ع)، فقال: "من أحب هذين
وأباهما وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة".
وعن تاريخ البلاذري عن محمد بن يزيد المبرد النحوي، في إسناد ذكره، قال: انصرف
النبي (ص) إلى منزل فاطمة (ع)، فرآها قائمة خلف بابها، فقال: "ما بال حبيبتي ههنا"،
فقالت: "ابناك خرجا غدوةً، وقد غبي عليّ خبرهما". فمضى رسول الله (ص) يقفو آثارهما،
حتى صار إلى كهف جبل، فوجدهما نائمين، وحية مطوّقة عند رأسيهما، فأخذ حجراً وأهوى
إليها، فقالت: السلام عليك يا رسول الله، ما نمت عند رأسيهما إلا حراسة لهما، فدعا
لها بخير. ثم حمل الحسن على كتفه اليمنى، والحسين على كتفه اليسرى، فنزل جبرئيل،
فأخذ الحسين وحمله، فكانا بعد ذلك يفتخران، فيقول الحسن: "حملني خير أهل الأرض"،
ويقول الحسين: "حملني خير أهل السماء". وفي ذلك يقول حسان بن ثابت
فجاء وقد ركبا عاتقيه فنعم المطيّة والراكبان
وما عسى أن يقول القائل فيمن جدّه محمد المصطفى، وأبوه عليّ المرتضى، وأمّه فاطمة
الزهرا، وجدتّه خديجة الكبرى، وأخوه الحسن المجتبى، وعمه جعفر الطيّار مع ملائكة
السّما، والبيت من هاشم أهل المكارم والعلى، مع ما له في نفسه من الفضائل التي لا
تحصى (شعر):
أتاه المجد من هنا وهنا وكان له بمجتمع السيول
(فصل) دخل الحسين (ع) على أسامة بن يزيد وهو مريض، وهو يقول: وا غمّاه، فقال له
الحسين (ع): وما غمك يا أخي؟ قال: ديني، وهو ستون ألف درهم، فقال الحسين (ع): "هو
عليّ"، قال: إني أخشى أن أموت. فقال الحسين (ع): "لن تموت حتى أقضيها عنك". فقضاها
قبل موته. وكان (ع) يقول: "شرّ خصال الملوك الجبن عن الأعداء، والقسوة على الضعفاء،
والبخل عن الإعطاء".
ولما أخرج مروان الفرزدق من المدينة، أتى الفرزدق الحسين (ع)، فأعطاه الحسين (ع)
أربعمائة دينار، فقيل له إنه شاعر فاسق، فقال (ع): "إنّ خير مالك ما وقيت به عرضك".
وقد أثاب رسول الله (ص) كعب بن زهير، وقال في العباس بن مرداس: "اقطعوا لسانه عني".
ووفد أعرابي إلى المدينة، فسأل عن أكرم الناس بها، فدلّ على الحسين (ع)، فدخل
المسجد، فوجده مصلياً، فوقف بإزائه وأنشأ يقول
لم يخب الآن من رجاك ومن حرّك من دون بابك الحلقة
أنت جواد وأنت معتمد أبوك قد كان قاتل الفسقة
لولا الذي كان من أوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة
فسلّم الحسين (ع)، وقال: "يا قنبر، هل بقي من مال الحجاز شيء؟"، قال: نعم، أربعة
آلاف دينار. فقال: "هاتها، قد جاء من هو أحقّ بها منا". ثم نزع بردته، ولفّ
الدنانير فيها، وأخرج يده من شقّ الباب حياءً من الأعرابي، وأنشأ:
خذها فإني إليك معتذر واعلم بأني عليك ذو شفقة
لوكان في سيرنا الغداة عصا أمست سمانا عليك مندفقة
لكنّ ريب الزمان ذو غير والكفّ مني قليلة النفقة
فأخذها الاعرابي وبكى. فقال له: "لعلك استقللت ما أعطيناك"، قال: "لا، ولكن كيف
يأكل التراب جودك". وبعضهم يروي ذلك عن الحسن (ع).
ووجد على ظهر الحسين (ع) يوم الطفّ أثر، فسألوا زين العابدين (ع) عن ذلك، فقال: "هذا
مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين". وعلّم عبد
الرحمن السلمي ولداً للحسين (ع) الحمد، فلما قرأها على أبيه، أعطاه ألف دينار وألف
حلّة، وحشا فاه دراً. فقيل له في ذلك، فقال: "وأين يقع هذا من عطائه؟"، يعني تعليمه،
وأنشد الحسين (ع):
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها على الناس طراً قبل أن تتفلت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ولا البخل يبقيها إذا ما تولّت
ومرّ (ع) بمساكين وهم يأكلون كسراً على كساء، فسلّم عليهم، فدعوه إلى طعامهم، فجلس
معهم وقال: "لولا أنه صدقة، لأكلت معكم". ثم قال: "قوموا إلى منزلي"، فأطعمهم
وكساهم، وأمر لهم بدارهم. ودخلت على الحسين (ع) جارية، فحيته بطاقة ريحان، فقال لها:
"أنت حرة لوجه الله تعالى". فقيل له: تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها. قال: "كذا
أدّبنا الله قال الله تعالى: {وإذا حيِّيتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها}،
وكان أحسن منها عتقها". وقال (ع): "صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك، فأكرم وجهك
عن ردّه". وجاء أعرابي إلى الحسين بن علي (ع)، فقال: يابن رسول الله، قد ضمنت دية
كاملة وعجزت عن أدائها، فقلت في نفسي: أسأل أكرم الناس، وما رأيت أكرم من أهل بيت
رسول الله (ص). فقال الحسين (ع): "يا أخا العرب، أسألك عن ثلاث مسائل، فإن أجبت عن
واحدة، أعطيتك ثلث المال، وإن أجبت عن اثنتين، أعطيتك ثلثي المال، وإن أجبت عن الكلّ،
أعطيتك الكل". فقال الأعرابي: يابن رسول الله، أمثلك يسأل مثلي، وأنت من أهل العلم
والشرف؟ فقال الحسين (ع): "بلى، سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: المعروف بقدر المعرفة".
فقال الأعرابي: سل عمّا بذلك. فإن أجبت، وإلا تعلمت منك، ولا قوّة إلا بالله. فقال
الحسين (ع): "أي الأعمال أفضل؟"، فقال الأعرابي: الإيمان بالله. فقال الحسين (ع): "فما
النجاة من المهلكة؟"، فقال الأعرابي: الثقة بالله. فقال الحسين (ع): "فما يزيّن
الرجل؟"، فقال الأعرابي: "علم معه حلم". فقال: "فإن أخطأه ذلك؟"، فقال: مال معه
مروءة. فقال: "فإن أخطأه ذلك؟"، فقال: "فقر معه صبر"، فقال الحسين (ع): "فإن أخطأه
ذلك؟"، فقال الأعرابي: فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه، فإنه أهل لذلك. فضحك الحسين
(ع)، ورمى إليه بصرّة فيها ألف دينار، وأعطاه خاتمه، وفيه فصّ قيمته مئتا درهم،
وقال: "يا أعرابي، أعط الذهب إلى غرمائك، واصرف الخاتم في نفقتك". فأخذ الأعرابي
ذلك وقال: {الله أعلم حيث يجعل رسالته}. وقيل للحسين (ع): ما أعظم خوفك من ربّك!
فقال: "لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا". وجنى غلام له جنايةً توجب
العقاب، فأمر بضربه، فقال: يا مولاي، {والكاظمين الغيظ}. قال: "خلّوا عنه"، فقال:
يا مولاي، {والعافين عن الناس}، قال: "قد عفوت عنك". قال: يا مولاي، {والله يحبّ
المحسنين}، قال: "أنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك". وقيل لعليّ بن الحسين
(ع): ما أقلّ ولد أبيك! فقال: "العجب كيف ولدت! كان يصلّي في اليوم واللّيلة ألف
ركعة". ذكره صاحب العقد الفريد.
*من كتاب "لواعج الأشجان في مقتل الحسين(ع).