الدكتور إبراهيم بيضون
مات معاوية في العام الستين للهجرة، وفي نفسه شيء من الملك، بعد أن تربّع على رأس السلطة أربعين عاماً كاملةً، نصفها كأمير، والآخر كخليفة.
ولعلّه شعر بالاطمئنان في قرارة نفسه إلى دوام الملك واستمرارية الخلافة في أسرته، بانتقال الأمر من بعده إلى يزيد. ولكنّ هذا الاطمئنان كان مشوباً بالقلق على مصير البنيان الذي شيّده بالقوة وبنفاد الصبر، فلم يكن هناك أيّ مجال للمقارنة بين الأب، السياسي الذكي، وبين الابن، الأرعن الغارق في العبث واللّهو والمجون.
وشاء معاوية أن يغيّر هذه الصورة التي التصقت بابنه، فأقحمه في غمار مسؤوليات أثبتت الأيام أنه عاجز كل العجز عن تحملها، فقد أرسله حاجاً إلى مكّة، ووضعه على رأس حملة القسطنطينية الضخمة، ولكن لا فريضة الحجّ صبغته بالوقار، ولا قيادة الحملة جعلت منه قائداً عسكرياً لامعاً، فالصورة التي في أذهان الناس ظلّت كما هي تأبى أن تتغير.
تسلّم يزيد الخلافة إذاً، وتسلّم معها ميراثاً ثقيلاً من المشاكل، كان معاوية قد نجح في تجميدها أو تأخير انفجارها. ومن أبرز هذه المشاكل، مشكلة الخلافة نفسها ، فهناك أكثر من طامح يتحين الفرصة المناسبة للوثوب في سبيلها.
ففي مكّة، اعتكف عدد من زعماء العرب من أبناء الخلفاء السابقين وغيرهم، احتجاجاً على خلافة يزيد، وتكريساً لعدم اعترافهم بها، وفي الكوفة، مركز الحزب الشيعي الذي سار شوطاً مهمّاً في عملية البناء التنظيمي، اتخذت الأمور بعداً آخر، تعدّى الاحتجاج والرفض إلى الثورة الشعبية.
والواقع، أن ملامح التحرك في الكوفة بدأت في وقت سابق أيام معاوية، فقد ذهب أكثر من وفد من الحزب إلى المدينة، وبحث مع الحسن في شأن الثورة.
وها هو سليمان بن صرد الخزاعي يخاطبه باسم أحد الوفود: فإن شئت، فأعد الحرب جذعة، وأْذن لي في تقدمك إلى الكوفة، فأخرج عنها عاملها، وأظهر خلعه، وتنبذ إليهم على سواء، إنّ الله يحبّ الخائنين. ولكن الحسن كان يرى حينئذٍ أنّ الأسباب التي دفعته إلى التنازل لازالت قائمة، والظروف نفسها لازالت مهيمنة، وسط جوّ من الارهاب أكثر ما يصيب العراق، الخزان البشري الأوّل لأيّة ثورة شيعية مرتقبة.
ولنستمع إلى قول الحسن أمام ممثلي الحزب: "ما أردت بمصالحتي معاوية إلا أن أدفع عنكم القتل، عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب"، أو قوله: "... فصالحت بقياً على شيعتنا خاصّة من القتل، ورأيت دفع هذه الحرب إلى يوم ما". كان الحسن صادقاً في تصوير الموقف إلى حدّ كبير، فهو كزعيمٍ لهذا الحزب، يتحمّل مسؤوليّة أي تحرك قبل غيره، وأي فشل في ظلّ هذه الظروف، قد يؤدّي إلى تدمير الحزب والقضاء عليه نهائيّاً.
وكان هذا رأي الحسين أيضاً، حين تسلّم زعامة الحزب، فآثر عدم الثورة في عهد معاوية، والانصراف إلى تنظيم الحزب، وإعداد عناصره إعداداً جيداً، بحيث يصبحون على قدر من النضج والوعي قبل القيام بأيّ نشاط علني. ولا بدّ من الاعتراف بأن مهمة الحسين لم تكن سهلة أبداً، لأن أجهزة معاوية كانت على جانب كبير من الخبرة والحذر، الأمر الذي كان يجعل من اتصالات الحسين أمراً عسيراً للغاية، خاصة في الفترة التي خضعت فيها الكوفة لزياد بن أبيه.
وكان العامل الجغرافي يزيد الأمور تعقيداً، بابتعاد قواعد الحزب عن قياداته، بحيث سيكون لهذا العامل الأثر الأكثر أهمية في إخفاق ثورة الحسين وغيرها من الثورات الشيعية فيما بعد.
بعد تسلّم يزيد زمام الحكم، أحسّ الجميع بأن ثوب الخلافة فضفاض عليه، حيث كان ينقصه الكثير من ذكاء أبيه وحساباته الدقيقة للأمور، وكان ذلك فرصة مناسبة للحزب الشيعي في الكوفة بأن يتحرك.
فجرت اتصالات مع زعيم الحزب في الحجاز، وكان حينئذٍ يتعرّض لمجابهة من قبل ممثل السلطة الأموية في المدينة الوليد بن عتبة، الذي تلقّى أوامر الخلافة بالسعي إلى انتزاع الحسين ورفاقة الرافضين بأيّ ثمن.
ولا يتخلى الحسين عن فطنته وبعد نظره، وهو ذاهب لمقابلة الوليد على رأس مجموعة مسلّحة من أتباعه تحسّباً لأيّ طارئ.
وبجرأة متناهية، ردّ على الوالي بحضور شيخ بني أمية مروان بن الحكم: إن مثلي لا يعطي بيعته سرّاً، ولا أراك تجتزئ بها مني سراً دون أن تظهرها على رؤوس الناس علانية.
أدرك الوليد ما وراء كلمات الحسين من إصرار على الرفض، ولم يشأ أن يتمادى في الحوار معه أكثر من ذلك، متجاهلاً نصيحة مروان الذي أشار عليه: احبس الرّجل، ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه... وفي صباح اليوم التالي، كان الحسين قد رحل إلى مكّة، وهناك شعر بوطأة السلطة تخفّ عن كاهله قليلاً، ولكن رحلته لم تقف عند هذا الحدّ.. فلم تكن هرباً من البيعة، وإنما مواجهة مصيرية لمسؤولياته، ولقاءً حاسماً مع دوره التاريخي الذي كان في انتظاره.
في مكّة، عاش الحسين مستغرقاً في أفكاره وتأملاته، لتكوين صورة واضحة للموقف النهائي. وفي الكوفة، كان أركان الحزب الشيعي يجتمعون في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، حينما تناهى إليهم خروج زعيم الحزب إلى مكّة، فقرروا أن الظروف مؤاتية للتحرك، فكتبوا إلى الحسين يطلبون منه القدوم وتسلم قيادة الثورة.
أخذت الرسائل تتوالى على الحسين - وأكثرها من زعماء اليمانية البارزين - وفيها إلحاح بعدم التأخر. وانتظر الحسين وقتاً ريثما يستكمل دراسته للموقف، ولم يكن ذلك تردّداً، وإنما تحسّباً لا بدّ منه، فخروجه على النظام الأموي بات أمراً لا جدال فيه، لأن يزيد لن يدعه إلا إذا بايع له، وقراره بشأن البيعة لا عدول عنه، فالمصادمة بينهما إذاً واقعة وحتمية.
وانطلاقاً من هذا الشعور، قرّر الحسين إرسال أحد معاونيه وثقاته، وهو مسلم بن عقيل، إلى الكوفة، ليطلع عن كثب على الموقف ويمهّد له الطريق، وأرسل أيضاً مندوباً آخر إلى البصرة، حمّله صورة عن البرنامج السياسي للثّورة، ورسائل إلى زعمائها، أمثال الأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، بهدف توسيع رقعة الثّورة، وفتح أكثر من جبهة ضدّ الأمويّين. ولكن الأمور لم تسر في البصرة كما في الكوفة، فقد وصل مسلم هذه الأخيرة، وحلّ في منزل المختار بن أبي عبيد الثقفي، وهو أحد زعماء الحزب الشيعي.
ومن هناك، أخذ يجري اتصالاته مع بقية الزعماء بسرية تامّة، حتى إذا استكمل هذه الاتصالات، وضمن التأييد الكافي للتحرّك، كتب إلى الحسين يطلب منه القدوم، غير أنّ استخبارات السلطة وقفت على نشاط مسلم، ورفعت تقريراً عنه إلى أمير الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري، وكان معروفاً باعتداله، فرفض أن ينساق مع زبانية النظام باتخاذ أيّ إجراء ضدّ مسلم.
فرفع هؤلاء تقريرهم مباشرةً إلى يزيد، وفيه تحذير من نشاط مسلم، ورغبة باستبدال واليهم الضعيف، بآخر قويّ قادر على العنف، ولا يرتبك من سفك الدّماء، وكان ذلك أوّل امتحان لخلافة يزيد، أثبت صحّة ما قيل في شخصيّته الانفعالية، وفي كفاءته المحدودة في عالم السياسة.
فقد سارع إلى عزل النعمان بن بشير فوراً، وتسمية واليه على البصرة عبيد الله بن زياد والياً على الكوفة، إضافةً إلى منصبه، وكان هذا ما تمنّاه زبانية النظام والمستفيدون من خيراته، فهذا الرجل خريج بارز من مدرسة العنف التي كان أبوه زياد أول مؤسّسيها في العراق، ولعله كان أكثر تطرّفاً وأشدّ عنفاً من أبيه، أثبت عبيد الله أنه على استعداد دائم لأية مهمّة يكلّفه بها الخليفة، وكان هو على علم بتحركات الحزب الشيعي عن طريق أحد الذين راسلهم الحسين.
وكان هذا كافياً لإجهاض أية مبادرة من البصرة للمشاركة في التحرك. وبعد أن غادر هذه الأخيرة إلى الكوفة، عيّن عليها نائباً عنه، هو أخوه عثمان بن زياد، وأوصاه باستعمال الشدّة والحزم. وفي الكوفة، حيث انتقل إليها عبيد الله ملثّماً، وعلى رأسه عمامة سوداء، أخذت الأمور تنعقد على جبهة الحزب الشيعي، وتلاحقت الأحداث فيها بسرعة مذهلة، فقد كان الناس حينئذٍ يترقّبون وصول الحسين بين لحظة وأخرى، حتى إنهم اعتقدوه ذلك الملثَّم الذي ظهر في الكوفة. وبعد وصوله إلى قصر الإمارة، أحاط ابن زيادة نفسه بالشّرطة، ومن هناك، أخذ يخطّط لانقلابه، مستفيداً من البلبلة التي خلقها ظهوره في الكوفة. بدأ أولاً بنشر جواسيسه في المدينة لمعرفة مكان مسلم بن عقيل، حتى علم أخيراً أنه في منزل هاني بن عروة، أحد الزعماء الشيعيّين، فاستدعى هذا الأخير وسأله عن مسلم، فأنكر وجوده في بيته.
غير أنّ ابن زياد فاجأه بالجاسوس الذي شاهده في داره، فاعترف هاني حينئذٍ، ولكنه رفض تسليمه، وأصرّ على ذلك رغم السجن والتعذيب: "والله لو لم أكن إلا واحداً، ليس لي ناصر، لم أدفعه حتى أموت دونه". وفي تلك الأثناء، كان ابن زياد يقوم بحملة إعلامية واسعة لاستعادة زمام الموقف الذي أفلت، وفق مخطّط ذكيّ وتكتيك بارع.
فأوهم رؤساء القبائل بأنّ جيوشاً عظيمة من الشام تشقّ طريقها إلى العراق، ونثر رجاله في شوارع الكوفة لتخذيل الناس عن مسلم، ومحاولة التأثير فيهم نفسياً، بإشاعة جوّ من الذعر والخوف. وقد أعطت هذه الحملة نتائجها الإيجابيّة، ووجد رسول الحسين نفسه أخيراً في قلة قليلة جداً من الأنصار، وفوجئ بشرطة ابن زياد يقودها محمد بن الأشعث تلقي عليه الحصار، فقاوم ببطولة، ولكن دول جدوى، وسيق أخيراً إلى قصر الإمارة ليواجه مصيره بنفس الشجاعة البطولية، ثم جيء برفيقه هاني بن عروة من سجنه، وقد أنهكوه تعذيباً، وحمل إلى السوق، حيث أعدم أمام جمهور من الناس. وقبل أن ينبلج صباح اليوم التالي، كان رأسا مسلم وهاني أول شهيدين في ثورة الحسين، مغروسين على أسنة الرّماح في طريقهما إلى دمشق.
سارع ابن زياد إلى تطويق ذيول ما يمكن أن يحدثه مصرع الزعيمين الشيعيّين من ردّ فعل في الكوفة، فأبعد عنها عدداً من المتعاونين مع مسلم، وقبض على أشدهم خطورةً، وزجّ بهم في السجن، من أمثال المختار بن أبي عبيد الثقفي، وسليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبه الفزاري، وغيرهم. واختفت فئة من هؤلاء، فلم تتمكّن منها شرطة ابن زياد وجواسيسه.. وأمّا الذين استهوتهم إغراءات أمير الكوفة، فقد انضمّوا إلى جانب السلطة، وأصبحوا جزءاً من النظام الحاكم، وصاروا يشكّلون طبقةً لها امتيازاتها الخاصّة، عرفت بطبقة الأشراف. والواقع أن الانقلاب الذي قاده ابن زياد ضدّ مسلم في الكوفة، لم يكن يخلو من مغامرة، وقد ساعدته عدّة عوامل على نجاح انقلابه وإفشال حركة مسلم، أهمها شخصيّته السياسيّة الصارمة التي شابهت إلى حدّ كبير شخصية أبيه، ثم التركيب القبلي في الكوفة، ونجاح أميرها في شقّ الوحدة السياسيّة لأكثر من قبيلة، واستقطابه عدداً غير قليل من رؤساء القبائل.
وأخيراً، فإن التزام مسلم بخطّ أخلاقيّ واضح، هو خطّ الثورة التي كان يبشّر بها، جاء في مصلحة ابن زياد، الذي استغلّ الظروف بأسلوب مناقض تماماً، في وقتٍ كانت المبادرة في يد مسلم، وكان بإمكانه أن يبطش بعدوّه. ولكن أخلاقيّته واطمئنانه إلى موقف الكوفة، دفعاه إلى إضاعة هذه الفرصة المهمّة من يده، وبذلك انطوت الصفحة الأولى من المأساة التي توّجها الحسين بسقوطه في كربلاء دون أن تتمّ فصولاً. وفي تلك الأثناء، كان الحسين قد غادر الحجاز (في الثامن من ذي الحجّة سنة 60 هجري)، متجهاً إلى الكوفة، ومعه نفر قليل من أهله الأقربين، وهو لا يعلم من تفاصيل ما جرى في المدينة سوى أخبار الثمانية عشر ألفاً الذين بايعوا مسلماً على الموت.
وقد يقول قائل إن خروجه تمّ قبل جلاء الصورة تماماً في الكوفة، ولكن ألم تكن تكفي الاحتياطات التي اتخدها والضمانات التي حصل عليها؟ وهل كان بإمكانه أن يسلك طريقاً آخر حينئذٍ طالما أصرّ على عدم الاعتراف بخلافة يزيد؟ ثم هل كان خروجه مجرّد حدث طارئ أو انفعال عفويّ دون برنامج سياسي محدَّد وأهداف اجتماعية واضحة؟
ألم يأت ذلك كلّه في وصيته إلى أخيه محمد بن الحنفية؟ حين قال له:
"إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردَّ عليّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين". وفي الطريق، كان أول تقرير عن الكوفة قد وصله من الفرزدق، حيث وضع أمامه الحقائق بكلّ مرارتها، ثم انجلت الصورة أكثر بلقاء عبد الله بن مطيع، وكان قادماً من العراق، حيث تشبث به وناشده العودة.
ولكنّ جواب الحسين لم يتعدّ الآية الكريمة:
{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا}. وتابعت قافلة الشهادة الصغيرة طريقها عبر الصحراء دون تردّد، حتى أصبحت على بعد نحو عشرين ميلاً من الكوفة، وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد، فأخذ كافّة احتياطاته للحؤول بين الحسين والكوفيّين، بفرضه حصاراً محكماً على المدينة لمنع خروج أحد منها، وبإرساله حملة استطلاعيّة من ألف رجل بقيادة الحرّ بن يزيد، لقطع الطريق على الحسين، والتضييق عليه، ومنعه من الاقتراب من الكوفة. وفي الوقت نفسه، كان يعدّ للحملة الأساسية التي عهد إليها بتصفية الأمر ..وكانت معدّة بذكاء ومكر، وفوجئ القائد الذي وقع عليه الاختيار لقيادة الحملة، وهو عمر بن سعد القرشي، وابن الصحابي الشهير سعد بن أبي وقاص، وحاول أن يتخلص من المهمّة الثقيلة، ولكن عبثاً، فقد أصرّ الأمير على رأيه لأسباب لم تغب عن بال القائد المعيّن.
ولم يكن بإمكان ابن سعد الذي ذاق طعم السلطة، وانغمس في بؤرة السياسة، أن يصمد في موقفه، وقبل المهمّة خوفاً من ضياع الولاية التي وعد بها. وفي اليوم الثاني من محرّم سنة 61 هجري، وصل ابن سعد إلى كربلاء على رأس أربعة آلاف فارس، ومعه تعليمات مشدّدة من سيده بدعوة الحسين إلى الاستسلام والبيعة ليزيد، وإلا فالحرب. وفي خلال أسبوع من الحوار، لم يطرأ على الموقف أيّ تغيير، فقد أصرّ الحسين على رفضه لشروط القائد الأموي، وإن كان قد طلب بأن تتاح له فرصة العودة إلى الحجاز، ولكن طلبه لم يجب. وكان ابن سعد في وضعٍ لا يخلو من الحرج، فإذا ما تودّد في حواره مع الحسين، كانت نظرات خبيثة تحدّق فيه من شمر بن ذي الجوشن، الرجل الثاني في الحملة، فيتذكّر المهمّة والولاية التي تنتظره.
وفي العاشر من محرّم، حدث ما كان متوقّعاً دون أية مفاجآت، سوى انضمام الحرّ بن يزيد إلى جبهة الحسين الّتي لم تتجاوز السبعين بين فارس وراجل... وكانت تلك النهاية المأساوية لثورة الحسين التي لم يقدَّر لها الوصول إلى قاعدتها في الكوفة، فأجهضت في كربلاء، وكان ذلك المصرع البطولي الذي سجّله الحسين ورفاقه، الذي هزّ ضمائر الناس ولازال..
وابتدأ تاريخ جديد في حركة النضال الشيعيّ، سيستمرّ لآماد طويلة يُكتَب بالتضحيات ويُسطَر بالفداء.
*من كتاب "التوّابون".