في أجواء سورة الماعون

في أجواء سورة الماعون

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}[سورة الماعون].

بدايةً، وحول مكان نزول هذه الآية، يوضح سماحة المفسّر المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) هذه النّقطة بقوله: "تضاربت الرّوايات حول مكان نزول هذه السّورة؛ هل هي مكيّة بتمامها أم مدنيّة، أم أنّ بعض آياتها مكّيّ والآخر مدنيّ؟ قيل: إنها مكيّة في آياتها الثّلاث الأولى، ومدنيّة في آياتها الأربع الباقية، واحتمل البعض أنها مدنيّة بجميع آياتها، لأنها تعالج موضوع المنافقين الّذين كانت نماذجهم هي العنصر القلق المزعج في المدينة، وفي روايات أنّها نزلت في أبي جهل وكفّار قريش، ما يعني أنها مكيّة بتمامها.

وفي تفسيره لها يقول سماحته: "{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} من هؤلاء المنافقين الّذين لا يؤمنون بالجزاء في يوم القيامة، أو لا يؤمنون بالدّين كلّه في عقيدته وشريعته الّتي تدعو إلى أن يحمل الإنسان مسؤوليّة الفئات المحرومة في الأمّة، لمنحهم من جهده، ومن ماله، ومن جاهه، الإمكانات الماديّة والمعنويّة الّتي يستطيعون من خلالها الحصول على العيش الكريم، فلا يستجيبون لهذه الدّعوة، بل يتمرّدون عليها فيما يأخذون به من أسباب النّفاق الّتي ترتكز على الارتباط بالشّكليّات الدّينيّة، الّتي لا تكلّفهم الكثير من جهدهم الماليّ أو المعنويّ الّذي قد يثقل عليهم بنتائجه، ولو كانوا استجابوا لتلك الدَّعوة، لابتعدوا عن النّفاق. أرأيت يا محمّد، ويا كلّ من يتحرَّك في الحياة على خطّ محمّد(ص)، كيف يتحرّك هذا الإنسان في المجتمع، وكيف يعبّر عن واقعه الدّاخليّ، وكيف يكذّب عمله ما يدّعيه من الإيمان في الصّورة الخارجيّة من حياته؟".[من وحي القرآن، ج24، ص440].

إنّ تكذيب الدّين، والابتعاد عن التزام خطوطه وروحه، هو في التملّص من تقديم العطاء بكل وجوهه للحياة وللمجتمع وحرمانهما من عناصر القوّة  الماديّة والمعنويّة، فهذا الحرمان هو من يجلب الأذى والضّرر لهما، فيتطرف في سلوكيّاته، وينغمس في غيّه وعدوانه على الأفراد والجماعات.

"{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}: فلا يخاف الله ولا يتّقيه في أمره، فتراه يدفعه بعنف، ويردّه بقسوة، ويجفوه بشدّة، من دون خوفٍ من عذاب الله.

{وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}، فلا يتحسَّس حرمان المحرومين، ولا فقر الفقراء، ولا شقاء المساكين، بل يعيش القسوة الّتي لا تتأثَّر بأيّ مظهر من مظاهر البؤس.

{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، أي غافلون، في ما تمثّله الغفلة من حالة اللامبالاة المنطلقة من فقدان الشّعور بأهميّتها في مضمونها العباديّ المنفتح على الله، لأنّ المسألة عندهم، هي في قيمة الشّكل لا قيمة المضمون، لأنها لا تمثّل بالنّسبة إليهم عبادة نابعة من الإحساس بالعبوديّة في شخصيّتهم، بل هي مظهر للانتماء الشّكليّ إلى الإسلام في مواقعهم ومواقفهم.

{الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} فيصلّون أو يعملون الخير، أو يتحرّكون في اتجاه الأعمال العامّة، ليراهم النّاس وهم يفعلون ذلك، لا ليرضى الله عنهم.

{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، وهو المعونة الّتي يقدّمها النّاس إلى بعضهم البعض، مما يحتاجون إليه في حياتهم، كالقرض يقرضه الإنسان، والمعروف يصنعه، والمتاع يعيره، ونحو ذلك ]تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 440 وما بعدها[.

هذا حال من لا يعيش المسؤوليّة العامّة، ولا يمارس الدّور الإنسانيّ المطلوب منه لحماية المجتمع ، فيعمد إلى حرمانه من عناصر القوّة التي لديه، سواء مادية أو معنوية. ومن آثار هذا العمل عدم شعور المحروم من القوّة بالأمان والسّلام، وبالتكافل الاجتماعي.

أمّا القرطبي، فيرى أنّ السورة مكيّة في قول عطاء وجابر، وأحد قوليْ ابن عباس وغيره، ومدنيّة في قول قتادة، وفي تفسيرها يقول:

"{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}، أي بالجزاء والحساب في الآخرة، واختلف فيمن نزل هذا فيه: فذكر أبو صالح عن ابن عبّاس قال: نزلت في العاص بن وائل السّهمي، وقاله الكلبي ومقاتل، وقال السدّي: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقال ابن جريح: نزلت في أبي سفيان، وكان ينحر كلّ أسبوع جزوراً، فطلب منه يتيم شيئاً، فقرعه بعصاه. فأنزل الله هذه السورة.

{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}، أي يدفعه عن حقّه، كما قال تعالى: {يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً}[الطّور : 13].

{وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}، لا يأمر به، من أجل بخله وتكذيبه بالجزاء.

{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} أي عذاب لهم.

{الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} روى الضحّاك عن ابن عباس قال: هو المصلّي الّذي إن صلّى لم يرج لها ثواباً، وإن تركها لم يخش عليها عقاباً.

{الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ}: أي يرى النّاس أنه يصلّي طاعة، وهو يصلّي تقية، كالفاسق، يرى أنه يصلّي عبادة وهو يصلّي ليقال إنّه يصلّي. وحقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله طلب المنزلة في قلوب النّاس.

{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، وفيه اثنا عشر قولاً، ومن ذلك أنّ الماعون زكاة الأموال، أو المال بلسان قريش، أو أنّ الماعون في الجاهليّة كلّ ما فيه منفعة من قليل وكثير...]القرطبي الجامع لأحكام القرآن[.

فالصَّلاة، كما العبادات الأخرى، أفعال إلهيّة، تهدف فيما تهدف إليه إلى تكريس مفهوم الرّحمة على مستوى ذات الفرد وذات الجماعة، من خلال الانفتاح الحيّ والعميق على معاني هذه العبادات ومفاهيمها الحركيّة الّتي تؤسّس للشخصيّة الرساليّة الأصيلة، وللمجتمع القائم على أساس التّكافل والتّعاون والمحبّة والصّدق والإخلاص الحقيقي، بغية إقامة علاقات إنسانيّة سليمة مع بعضها البعض، في تواصل وانفتاح دائمين على الله تعالى.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}[سورة الماعون].

بدايةً، وحول مكان نزول هذه الآية، يوضح سماحة المفسّر المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) هذه النّقطة بقوله: "تضاربت الرّوايات حول مكان نزول هذه السّورة؛ هل هي مكيّة بتمامها أم مدنيّة، أم أنّ بعض آياتها مكّيّ والآخر مدنيّ؟ قيل: إنها مكيّة في آياتها الثّلاث الأولى، ومدنيّة في آياتها الأربع الباقية، واحتمل البعض أنها مدنيّة بجميع آياتها، لأنها تعالج موضوع المنافقين الّذين كانت نماذجهم هي العنصر القلق المزعج في المدينة، وفي روايات أنّها نزلت في أبي جهل وكفّار قريش، ما يعني أنها مكيّة بتمامها.

وفي تفسيره لها يقول سماحته: "{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} من هؤلاء المنافقين الّذين لا يؤمنون بالجزاء في يوم القيامة، أو لا يؤمنون بالدّين كلّه في عقيدته وشريعته الّتي تدعو إلى أن يحمل الإنسان مسؤوليّة الفئات المحرومة في الأمّة، لمنحهم من جهده، ومن ماله، ومن جاهه، الإمكانات الماديّة والمعنويّة الّتي يستطيعون من خلالها الحصول على العيش الكريم، فلا يستجيبون لهذه الدّعوة، بل يتمرّدون عليها فيما يأخذون به من أسباب النّفاق الّتي ترتكز على الارتباط بالشّكليّات الدّينيّة، الّتي لا تكلّفهم الكثير من جهدهم الماليّ أو المعنويّ الّذي قد يثقل عليهم بنتائجه، ولو كانوا استجابوا لتلك الدَّعوة، لابتعدوا عن النّفاق. أرأيت يا محمّد، ويا كلّ من يتحرَّك في الحياة على خطّ محمّد(ص)، كيف يتحرّك هذا الإنسان في المجتمع، وكيف يعبّر عن واقعه الدّاخليّ، وكيف يكذّب عمله ما يدّعيه من الإيمان في الصّورة الخارجيّة من حياته؟".[من وحي القرآن، ج24، ص440].

إنّ تكذيب الدّين، والابتعاد عن التزام خطوطه وروحه، هو في التملّص من تقديم العطاء بكل وجوهه للحياة وللمجتمع وحرمانهما من عناصر القوّة  الماديّة والمعنويّة، فهذا الحرمان هو من يجلب الأذى والضّرر لهما، فيتطرف في سلوكيّاته، وينغمس في غيّه وعدوانه على الأفراد والجماعات.

"{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}: فلا يخاف الله ولا يتّقيه في أمره، فتراه يدفعه بعنف، ويردّه بقسوة، ويجفوه بشدّة، من دون خوفٍ من عذاب الله.

{وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}، فلا يتحسَّس حرمان المحرومين، ولا فقر الفقراء، ولا شقاء المساكين، بل يعيش القسوة الّتي لا تتأثَّر بأيّ مظهر من مظاهر البؤس.

{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، أي غافلون، في ما تمثّله الغفلة من حالة اللامبالاة المنطلقة من فقدان الشّعور بأهميّتها في مضمونها العباديّ المنفتح على الله، لأنّ المسألة عندهم، هي في قيمة الشّكل لا قيمة المضمون، لأنها لا تمثّل بالنّسبة إليهم عبادة نابعة من الإحساس بالعبوديّة في شخصيّتهم، بل هي مظهر للانتماء الشّكليّ إلى الإسلام في مواقعهم ومواقفهم.

{الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} فيصلّون أو يعملون الخير، أو يتحرّكون في اتجاه الأعمال العامّة، ليراهم النّاس وهم يفعلون ذلك، لا ليرضى الله عنهم.

{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، وهو المعونة الّتي يقدّمها النّاس إلى بعضهم البعض، مما يحتاجون إليه في حياتهم، كالقرض يقرضه الإنسان، والمعروف يصنعه، والمتاع يعيره، ونحو ذلك ]تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 440 وما بعدها[.

هذا حال من لا يعيش المسؤوليّة العامّة، ولا يمارس الدّور الإنسانيّ المطلوب منه لحماية المجتمع ، فيعمد إلى حرمانه من عناصر القوّة التي لديه، سواء مادية أو معنوية. ومن آثار هذا العمل عدم شعور المحروم من القوّة بالأمان والسّلام، وبالتكافل الاجتماعي.

أمّا القرطبي، فيرى أنّ السورة مكيّة في قول عطاء وجابر، وأحد قوليْ ابن عباس وغيره، ومدنيّة في قول قتادة، وفي تفسيرها يقول:

"{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}، أي بالجزاء والحساب في الآخرة، واختلف فيمن نزل هذا فيه: فذكر أبو صالح عن ابن عبّاس قال: نزلت في العاص بن وائل السّهمي، وقاله الكلبي ومقاتل، وقال السدّي: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقال ابن جريح: نزلت في أبي سفيان، وكان ينحر كلّ أسبوع جزوراً، فطلب منه يتيم شيئاً، فقرعه بعصاه. فأنزل الله هذه السورة.

{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}، أي يدفعه عن حقّه، كما قال تعالى: {يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً}[الطّور : 13].

{وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}، لا يأمر به، من أجل بخله وتكذيبه بالجزاء.

{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} أي عذاب لهم.

{الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} روى الضحّاك عن ابن عباس قال: هو المصلّي الّذي إن صلّى لم يرج لها ثواباً، وإن تركها لم يخش عليها عقاباً.

{الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ}: أي يرى النّاس أنه يصلّي طاعة، وهو يصلّي تقية، كالفاسق، يرى أنه يصلّي عبادة وهو يصلّي ليقال إنّه يصلّي. وحقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله طلب المنزلة في قلوب النّاس.

{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، وفيه اثنا عشر قولاً، ومن ذلك أنّ الماعون زكاة الأموال، أو المال بلسان قريش، أو أنّ الماعون في الجاهليّة كلّ ما فيه منفعة من قليل وكثير...]القرطبي الجامع لأحكام القرآن[.

فالصَّلاة، كما العبادات الأخرى، أفعال إلهيّة، تهدف فيما تهدف إليه إلى تكريس مفهوم الرّحمة على مستوى ذات الفرد وذات الجماعة، من خلال الانفتاح الحيّ والعميق على معاني هذه العبادات ومفاهيمها الحركيّة الّتي تؤسّس للشخصيّة الرساليّة الأصيلة، وللمجتمع القائم على أساس التّكافل والتّعاون والمحبّة والصّدق والإخلاص الحقيقي، بغية إقامة علاقات إنسانيّة سليمة مع بعضها البعض، في تواصل وانفتاح دائمين على الله تعالى.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية