يقول بعض النّاس في يوم القيامة، كما ورد في القرآن الكريم: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ}[الأحزاب: 67]. ويُسألون: لماذا ضللتم؟ فيجيبون: لأنّنا عشنا في مجتمع يحكمه أناس يملكون جاهاً ويملكون مالاً ويملكون نسباً ويملكون موقعاً سياسياً واجتماعياً وما إلى ذلك، أطعناهم كما يطيع المستضعفون المستكبرين، أطعناهم كما يطيع الأغنياء الفقراء، وكما يطيع الناس الذين يعيشون بعض نقاط الضّعف في شخصيتهم الذين يعيشون نقاط القوّة {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ}.
وتقول لك هذه الآية: فكِّر فيما إذا كنت لا تريد أن تقف موقف هؤلاء، فكِّر في كلّ هؤلاء الذين يتحرّكون على مواقع المجتمع، أو على مواقع السياسة، أو على مواقع الأمن والاقتصاد وما إلى ذلك، فكِّر في هؤلاء كيف يفكِّرون؛ هل يفكِّرون تفكير الحقّ أو تفكير الباطل، فكِّر في هؤلاء كيف يخطِّطون؟ هل يخطّطون الخطط التي تؤدِّي إلى الله، أم يخطّطون الخطط التي تؤدِّي إلى الشيطان؟ ادرسهم جيِّداً: ما هي انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والثقافية وفي أيِّ محور يدورون، وفي أيّ ساحة يتحرّكون، ادرسهم جيداً، ادرسهم في فكرهم وفي عاطفتهم وفي نقاط ضعفهم وفي نقاط قوّتهم وفي انتماءاتهم وفي مواقعهم، ثم حدِّد موقعك منهم وموقفك منهم، فإذا عرفت أنّهم يسيرون بك إلى الحقّ فكن معهم، وإذا عرفت أنّهم يسيرون بك إلى الباطل، فوفّر على نفسك يوم القيامة أن تكون مع أهل الباطل {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ}[الانفطار: 19].
وهذه مسألة ـــ أيّها الأحبّة ـــ تعالج مشكلة ممتدَّة في كل واقع الناس الذين يخضعون لمظاهر القوّة، فيسقطون أمامها، وهي أن تعيش المسألة في عقولنا، من حيث إنّنا مسؤولون عن حركة هذه العقول فيما تتميَّز به من الحسن والقبح.
ونقرأ بعد ذلك فيما يقارب هذا الجوّ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ}، لا نملك مالاً يعطينا شيئاً من القوّة، ولا نملك جاهاً، ولا نملك عضلات أو أدوات القوّة، كنّا مستضعفين، وكان هناك المستكبرون الذين يملكون مالاً نحتاجه منهم، وكانوا يملكون قوَّة تضغط علينا من فوق، وكانوا يملكون كلّ الظروف الملائمة التي تحاصرنا في كلّ أوضاعنا، فلا تترك لنا مجالاً للحركة في الدَّاخل.
فهل قبل الملائكة منهم ذلك؟! هل تقبل الملائكة الذين يتحدّثون باسم الله لا باسمهم، جواباً كهذا؟ هل يقبلون منك أن تقول إنّي مستضعف {قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَ}، لو أنّكم كنتم لا تملكون حريّة الحركة في أرضكم، فهناك أكثر من أرض يمكن أن تمنحكم حرية الحركة، انطلقوا إليها وخذوا بأسباب القوَّة منها، وعودوا إلى أرضكم أقوياء، من أجل أن تسقطوا مواقع المستضعفين بالقوّة الجديدة.
إنَّ الضعف في الإسلام ليس مبرّراً لك أن تسقط إذا كنت تملك فرصة لأن تكون قوياً، لأنَّ الله يريدنا أن نكون أقوياء، وأن نتخلَّق بأخلاقه... {فَأُوْلَـئِكَ} الذين استضعفوا أنفسهم ولم يبحثوا عن فرص القوَّة {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيل}[النّساء: 97 - 98]. وترك الله المسألة في موقع الخوف والرَّجاء {فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُور}[النّساء: 99].
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.
يقول بعض النّاس في يوم القيامة، كما ورد في القرآن الكريم: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ}[الأحزاب: 67]. ويُسألون: لماذا ضللتم؟ فيجيبون: لأنّنا عشنا في مجتمع يحكمه أناس يملكون جاهاً ويملكون مالاً ويملكون نسباً ويملكون موقعاً سياسياً واجتماعياً وما إلى ذلك، أطعناهم كما يطيع المستضعفون المستكبرين، أطعناهم كما يطيع الأغنياء الفقراء، وكما يطيع الناس الذين يعيشون بعض نقاط الضّعف في شخصيتهم الذين يعيشون نقاط القوّة {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ}.
وتقول لك هذه الآية: فكِّر فيما إذا كنت لا تريد أن تقف موقف هؤلاء، فكِّر في كلّ هؤلاء الذين يتحرّكون على مواقع المجتمع، أو على مواقع السياسة، أو على مواقع الأمن والاقتصاد وما إلى ذلك، فكِّر في هؤلاء كيف يفكِّرون؛ هل يفكِّرون تفكير الحقّ أو تفكير الباطل، فكِّر في هؤلاء كيف يخطِّطون؟ هل يخطّطون الخطط التي تؤدِّي إلى الله، أم يخطّطون الخطط التي تؤدِّي إلى الشيطان؟ ادرسهم جيِّداً: ما هي انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والثقافية وفي أيِّ محور يدورون، وفي أيّ ساحة يتحرّكون، ادرسهم جيداً، ادرسهم في فكرهم وفي عاطفتهم وفي نقاط ضعفهم وفي نقاط قوّتهم وفي انتماءاتهم وفي مواقعهم، ثم حدِّد موقعك منهم وموقفك منهم، فإذا عرفت أنّهم يسيرون بك إلى الحقّ فكن معهم، وإذا عرفت أنّهم يسيرون بك إلى الباطل، فوفّر على نفسك يوم القيامة أن تكون مع أهل الباطل {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ}[الانفطار: 19].
وهذه مسألة ـــ أيّها الأحبّة ـــ تعالج مشكلة ممتدَّة في كل واقع الناس الذين يخضعون لمظاهر القوّة، فيسقطون أمامها، وهي أن تعيش المسألة في عقولنا، من حيث إنّنا مسؤولون عن حركة هذه العقول فيما تتميَّز به من الحسن والقبح.
ونقرأ بعد ذلك فيما يقارب هذا الجوّ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ}، لا نملك مالاً يعطينا شيئاً من القوّة، ولا نملك جاهاً، ولا نملك عضلات أو أدوات القوّة، كنّا مستضعفين، وكان هناك المستكبرون الذين يملكون مالاً نحتاجه منهم، وكانوا يملكون قوَّة تضغط علينا من فوق، وكانوا يملكون كلّ الظروف الملائمة التي تحاصرنا في كلّ أوضاعنا، فلا تترك لنا مجالاً للحركة في الدَّاخل.
فهل قبل الملائكة منهم ذلك؟! هل تقبل الملائكة الذين يتحدّثون باسم الله لا باسمهم، جواباً كهذا؟ هل يقبلون منك أن تقول إنّي مستضعف {قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَ}، لو أنّكم كنتم لا تملكون حريّة الحركة في أرضكم، فهناك أكثر من أرض يمكن أن تمنحكم حرية الحركة، انطلقوا إليها وخذوا بأسباب القوَّة منها، وعودوا إلى أرضكم أقوياء، من أجل أن تسقطوا مواقع المستضعفين بالقوّة الجديدة.
إنَّ الضعف في الإسلام ليس مبرّراً لك أن تسقط إذا كنت تملك فرصة لأن تكون قوياً، لأنَّ الله يريدنا أن نكون أقوياء، وأن نتخلَّق بأخلاقه... {فَأُوْلَـئِكَ} الذين استضعفوا أنفسهم ولم يبحثوا عن فرص القوَّة {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيل}[النّساء: 97 - 98]. وترك الله المسألة في موقع الخوف والرَّجاء {فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُور}[النّساء: 99].
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.