القرآنُ يشدِّدُ على رفضِ الخيانةِ والتَّعاطفِ مع الخائنين

القرآنُ يشدِّدُ على رفضِ الخيانةِ والتَّعاطفِ مع الخائنين

قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ الله}.

إنَّ الله أنزل الكتاب بالحقّ، ليكون القاعدة الفكريّة والعمليّة التي ينطلق منها المؤمنون في تسيير جميع شؤون حياتهم، فلا مجال لاتباع الآراء والأهواء الّتي تبتعد عنه، لأنَّ الله يريد للحياة أن تقوم على أساس الحقّ الذي يواجه القضايا من منطلق الواقع، بعيداً من أيّ علاقة أو انتماء أو مطمع. وفي هذا الجوّ، لا بدّ من أن يحكم الحاكم، في كلّ المسائل التي تثار أمامه، بما أراه الله من الحقّ، فلا يتطلع إلى أيِّ شيء آخر في ما يدخل في حيثيات حكمه، مهما كانت الظروف والاعتبارات والنتائج، لأنَّ ذلك يمثل انحرافاً عن الحقّ وابتعاداً عنه. وهذا هو الخطّ الذي نستهديه في كلّ مجالاتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية؛ فإذا كان الكتاب هو الذي أنزله الله بالحقّ، فإن علينا أن ننطلق من مفاهيمه وتعاليمه في كلّ شيء، وأن ننطلق من أجوائه في منهج التفكير وطريقته.

{وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً}[النساء: 105]... إنَّ الإسلام يرفض الخيانة من الإنسان بأيِّ شكل كانت، وفي أيّ موقع وجد؛ في الحقول العامة والخاصة من حياة الفرد والمجتمع؛ في قضايا المال والحكم والنفس والعرض والعلاقات... ويؤكِّد مسألة أن يتحرَّك رفض الإنسان لكلِّ القيم الشرّيرة، في فكره وشعوره وعمله؛ فلا يعيش فكر الخيانة في التَّخطيط ليتحرَّك من هذا الموقع، ولا يرضى له بأن يتعاطف مع الخائنين بالشّعور والكلمة والموقف، لأنَّ المؤمن لا يجتمع في قلبه حبّ الأمانة وكره الخيانة مع محبة الخائنين. وعلى هذا، لا بدّ من مواجهة الخونة بالموقف السلبي الحاسم، وترك الدّفاع عنهم ومناصرتهم بأيّ وسيلة كانت. وفي ضوء ذلك، لا يبيح الإسلام مهنة المحاماة إذا انطلقت في خطّ الدفاع عن المجرمين.

{وَاسْتَغْفِرِ الله إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}[النساء: 106]. والاستغفار هو من وسائل التربية الروحيَّة التي يريد الإسلام من الإنسان أن يمارسها بوعي المؤمن الَّذي قد يرتكب المعصية، أو قد يهمّ بها، أو قد تطوف في خاطره، أو قد يعيش في مناخها، وذلك من أجل تحقيق هدفين:

الأوّل: القرب من الله بعد أن أبعدته تلك الأجواء والمشاعر والأفكار عنه، لأنَّ الاستغفار يمثِّل الإحساس بالذنب في عملية اعتراف وندم وتراجع.

الثاني: الحصول على المناعة الداخليَّة من خلال الإيحاء بالتأنيب الداخلي للذّات، وهو في موقع الابتهال إلى الله.

وقد يلاحظ الإنسان ويتساءل: كيف يوجّه القرآن الخطاب إلى الرسول بالاستغفار، وهو المعصوم الذي لا تخطر في باله المعصية، فضلاً عن ارتكابها؟ وقد يجاب عن ذلك، بأنَّ القرآن يعتمد أسلوب مخاطبة الأمَّة من خلال مخاطبة النبيّ (ص)، إمعاناً في تأكيد أهميَّة الموضوع. وربما يخطر في البال، أنَّ الاستغفار لا يُراد منه معناه الحرفي الَّذي يدلّ على وقوع الإنسان في الذَّنب أو حضوره في أجوائه، بل يقصد منه الابتهال إليه تعالى ليسدِّد الإنسان بالابتعاد عن ذلك، من باب التعبير عن عصمة الله للإنسان بتوفيقه للبعد عن الذَّنب، بطريقة الطَّلب إلى الله أن يغفر له ذلك، كأسلوب من أساليب التَّعبير عن النتائج بالمقدِّمات.

وقد أكَّد القرآن هذا الخطّ في عدة أساليب، فبدأ بالنهي عن أن يكون المؤمن خصيماً، أي مدافعاً عن الخائنين {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ}، لأنَّ الكتاب يرفض الخيانة، فلا يجوز للمؤمن أن يدافع عنها من خلال الدفاع عن رموزها، وإلَّا كان ذلك انحرافاً عن الوقوف عند الحقّ، واعتبر الخائنين خائنين لأنفسهم، كما هم خائنون للنَّاس من حولهم، لأنهم أوقعوا أنفسهم في الهلكة بما مارسوه من أعمال تعرِّضهم لعذاب الله، فكيف يجادل الإنسان عن هؤلاء؟ وهل يكون ذلك إلَّا نوعاً من أنواع مساعدة الإنسان على خيانة نفسه، بالتمرُّد على إرادة الله، في الوقت الَّذي يريد الله للمؤمن أن يساعد العصاة على أنفسهم بهدايتهم إلى سبيله في السَّير على هدى أمره ونهيه؟!

ثم تتحدّث الآية عن طبيعة العلاقة بين الله وبين الخائنين، فهم من الأشخاص الَّذين لا يحبّهم الله {إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً}[النساء: 107]، فكيف يمكن للإنسان المسلم أن يحبَّ من لا يحبّه الله، مع أنَّ علامة إيمان المؤمن هي أن يحبَّ من يحبّه الله، ويبغض من يبغضه الله، بحيث يكون شعوره السلبي والإيجابي تبعاً لإيمانه، في ما يوحيه من مشاعر وعواطف؟!

* من كتاب "النَّدوة"، ج 16

قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ الله}.

إنَّ الله أنزل الكتاب بالحقّ، ليكون القاعدة الفكريّة والعمليّة التي ينطلق منها المؤمنون في تسيير جميع شؤون حياتهم، فلا مجال لاتباع الآراء والأهواء الّتي تبتعد عنه، لأنَّ الله يريد للحياة أن تقوم على أساس الحقّ الذي يواجه القضايا من منطلق الواقع، بعيداً من أيّ علاقة أو انتماء أو مطمع. وفي هذا الجوّ، لا بدّ من أن يحكم الحاكم، في كلّ المسائل التي تثار أمامه، بما أراه الله من الحقّ، فلا يتطلع إلى أيِّ شيء آخر في ما يدخل في حيثيات حكمه، مهما كانت الظروف والاعتبارات والنتائج، لأنَّ ذلك يمثل انحرافاً عن الحقّ وابتعاداً عنه. وهذا هو الخطّ الذي نستهديه في كلّ مجالاتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية؛ فإذا كان الكتاب هو الذي أنزله الله بالحقّ، فإن علينا أن ننطلق من مفاهيمه وتعاليمه في كلّ شيء، وأن ننطلق من أجوائه في منهج التفكير وطريقته.

{وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً}[النساء: 105]... إنَّ الإسلام يرفض الخيانة من الإنسان بأيِّ شكل كانت، وفي أيّ موقع وجد؛ في الحقول العامة والخاصة من حياة الفرد والمجتمع؛ في قضايا المال والحكم والنفس والعرض والعلاقات... ويؤكِّد مسألة أن يتحرَّك رفض الإنسان لكلِّ القيم الشرّيرة، في فكره وشعوره وعمله؛ فلا يعيش فكر الخيانة في التَّخطيط ليتحرَّك من هذا الموقع، ولا يرضى له بأن يتعاطف مع الخائنين بالشّعور والكلمة والموقف، لأنَّ المؤمن لا يجتمع في قلبه حبّ الأمانة وكره الخيانة مع محبة الخائنين. وعلى هذا، لا بدّ من مواجهة الخونة بالموقف السلبي الحاسم، وترك الدّفاع عنهم ومناصرتهم بأيّ وسيلة كانت. وفي ضوء ذلك، لا يبيح الإسلام مهنة المحاماة إذا انطلقت في خطّ الدفاع عن المجرمين.

{وَاسْتَغْفِرِ الله إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}[النساء: 106]. والاستغفار هو من وسائل التربية الروحيَّة التي يريد الإسلام من الإنسان أن يمارسها بوعي المؤمن الَّذي قد يرتكب المعصية، أو قد يهمّ بها، أو قد تطوف في خاطره، أو قد يعيش في مناخها، وذلك من أجل تحقيق هدفين:

الأوّل: القرب من الله بعد أن أبعدته تلك الأجواء والمشاعر والأفكار عنه، لأنَّ الاستغفار يمثِّل الإحساس بالذنب في عملية اعتراف وندم وتراجع.

الثاني: الحصول على المناعة الداخليَّة من خلال الإيحاء بالتأنيب الداخلي للذّات، وهو في موقع الابتهال إلى الله.

وقد يلاحظ الإنسان ويتساءل: كيف يوجّه القرآن الخطاب إلى الرسول بالاستغفار، وهو المعصوم الذي لا تخطر في باله المعصية، فضلاً عن ارتكابها؟ وقد يجاب عن ذلك، بأنَّ القرآن يعتمد أسلوب مخاطبة الأمَّة من خلال مخاطبة النبيّ (ص)، إمعاناً في تأكيد أهميَّة الموضوع. وربما يخطر في البال، أنَّ الاستغفار لا يُراد منه معناه الحرفي الَّذي يدلّ على وقوع الإنسان في الذَّنب أو حضوره في أجوائه، بل يقصد منه الابتهال إليه تعالى ليسدِّد الإنسان بالابتعاد عن ذلك، من باب التعبير عن عصمة الله للإنسان بتوفيقه للبعد عن الذَّنب، بطريقة الطَّلب إلى الله أن يغفر له ذلك، كأسلوب من أساليب التَّعبير عن النتائج بالمقدِّمات.

وقد أكَّد القرآن هذا الخطّ في عدة أساليب، فبدأ بالنهي عن أن يكون المؤمن خصيماً، أي مدافعاً عن الخائنين {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ}، لأنَّ الكتاب يرفض الخيانة، فلا يجوز للمؤمن أن يدافع عنها من خلال الدفاع عن رموزها، وإلَّا كان ذلك انحرافاً عن الوقوف عند الحقّ، واعتبر الخائنين خائنين لأنفسهم، كما هم خائنون للنَّاس من حولهم، لأنهم أوقعوا أنفسهم في الهلكة بما مارسوه من أعمال تعرِّضهم لعذاب الله، فكيف يجادل الإنسان عن هؤلاء؟ وهل يكون ذلك إلَّا نوعاً من أنواع مساعدة الإنسان على خيانة نفسه، بالتمرُّد على إرادة الله، في الوقت الَّذي يريد الله للمؤمن أن يساعد العصاة على أنفسهم بهدايتهم إلى سبيله في السَّير على هدى أمره ونهيه؟!

ثم تتحدّث الآية عن طبيعة العلاقة بين الله وبين الخائنين، فهم من الأشخاص الَّذين لا يحبّهم الله {إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً}[النساء: 107]، فكيف يمكن للإنسان المسلم أن يحبَّ من لا يحبّه الله، مع أنَّ علامة إيمان المؤمن هي أن يحبَّ من يحبّه الله، ويبغض من يبغضه الله، بحيث يكون شعوره السلبي والإيجابي تبعاً لإيمانه، في ما يوحيه من مشاعر وعواطف؟!

* من كتاب "النَّدوة"، ج 16

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية