سؤال زكريّا لربّه؟

سؤال زكريّا لربّه؟
قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء* فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ* قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}[آل عمران: 38-40].

في هذه الآية المباركة، نرى طلب نبيّ الله زكريا (عليه السلام) من ربّه أن يهبه الذرية الطيّبة الصّالحة، ثم بعد بشارة الله له بتحقيق أمنيته وطلبه، نراه يسأل كيف وأنّى تتأتى له الذرية وامرأته عاقر.
البعض قد يستشكل ويشتبه عليه الأمر، باعتبار أنَّ استفهام زكريّا لا محلّ له، وأنّه يخالف تسليمه لأمر ربّه. إلّا أنَّ المفسّرين لفتوا إلى أنَّ دهشة زكريّا (عليه السّلام) طبيعيَّة، وتنطلق من حيرته لما سمعه من أمر البشارة، وقد استغاث بربِّه أن يبين له حقيقة البشارة. وهذا لا ينافي استعظامه لقدرة الله، فاستغرابه يستبطن الإقرار بقدرة الله، واستكثاره لخيره، وقد أبرز ذلك بصيغة الاستفهام، فهو نفسه لم يكن شقيّاً ومستنكفاً عن دعاء ربِّه في قضاء حوائجه، وقد ورد في سورة مريم عن لسانه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا* وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا}[مريم :2.
وبما يتعلق بسياق الآيات، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):

"{فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}. إنَّ البشارة تتحدّث عن الحلم المنتظر، كما تتحدّث عن الواقع الحيّ...
وسيّداً لنفسه كما هو شأن عباد الله الّذين يحكمون أنفسهم من خلال إيمانهم... (وَحَصُوراً} حصر شهواته، فلا يدعها تتحرّك في نطاق الإشباع والارتواء... {وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} الذين أراد الله لهم أن يتقبلوا وحيه بأرواحهم، ويحملوها إلى الناس رسالة وهدىً وإيماناً.

وقد أكّد الله له في هذه البشارة، أنّ ذلك قد كان بكلمةٍ منه، والكلمة تعني القدرة التي لا تحتاج في تعلّقها بالأشياء إلى أسبابٍ مألوفةٍ مما تعارف عند النّاس من أسباب.

ووقف زكريّا مدهوشاً مما يسمعه، وأخذته الحيرة من ذلك كلّه؛ هل هو في حلم أم في يقظة؟ هل هي كلمات الرّحمن أم هي شيء من التّخييل؟ ... تحدّث في ما يشبه الاستغاثة التي تريد أن تخرجه من الحيرة...
{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}. وجاء الجواب، إنك تتحدث مع الله الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، فهو الذي خلق الأشياء، وخلق معها القوانين والأسباب الطبيعيّة، وهو القادر على أن يغيّرها في أيّ وقت يريد في ظلّ قوانين جديدة. فما قيمة الحواجز الطبيعيّة أمام قدرة الله المطلقة حتى يفكّر فيها الإنسان المؤمن؟ {قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ}، {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[البقرة: 117]، وكأنّ زكريّا قد اقتنع بذلك، ورجع إلى ما يوحيه إيمانه من التّسليم لله في كلّ شيء، ولكنّه يريد آية.

واختلف المفسّرون في معنى هذه الآية، فقال بعضهم إنها العلامة التي يعرف من خلالها أنّ ما سمعه هو من وحي الله، وذلك بأن يجعل الله له ما يشبه المعجزة، وأوحى الله إليه بأنّ الآية هي أن يُعتقل لسانه، فلا يستطيع أن يتكلّم، ولا يملك أن يخاطب النّاس إلّا رمزاً مدّة ثلاثة أيام. وقال بعضهم: إنها علامة الشّكر على هذه النعمة غير المترقّبة، فأوحى الله إليه كما أوحى إلى مريم بصوم الصّمت الذي كان مشروعاً آنذاك، ولعلَّ هذا هو الأقرب، لأنّه لا معنى للارتياب بعد أن جاءه الجواب بالتّذكير بقدرة الله، ولأنّ الظّاهر أن الوحي كان بالامتناع الاختياري عن الكلام مع الناس، وبذكر الله كثيراً، وبالتّسبيح الدّائم بالعشيّ والإبكار". [تفسير من وحي القرآن، ج 5، ص 354-355].

ويشير العلّامة الشيخ محمد جواد مغنيّة(رض) إلى استفهام زكريّا الدالّ على تعظيمه لقدرة الله الخارقة للمألوف، بقوله:

"{قال رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ}: أي عظمت قدرتك الّتي تخطّت السّنن والعادات بالمعجزات. {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ}: قيل كانت له 99 سنة، وقيل 120 {وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}: لا تلد، قيل: لها 98 سنة {قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ}: ولا رادّ لمشيئته". [التّفسير المبين، 69].

في القرآن الكريم إشارات وتنبيهات يلتقطها أهل الباع الطّويل في اللّغة والتّفسير، بما يزيل كلّ إشكال أو شبهة، فلقد نزل كتاب الله بالعربيّة الّتي تحوي أسراراً وجماليّات بلاغيّة ولغويّة رائعة.
قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء* فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ* قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}[آل عمران: 38-40].

في هذه الآية المباركة، نرى طلب نبيّ الله زكريا (عليه السلام) من ربّه أن يهبه الذرية الطيّبة الصّالحة، ثم بعد بشارة الله له بتحقيق أمنيته وطلبه، نراه يسأل كيف وأنّى تتأتى له الذرية وامرأته عاقر.
البعض قد يستشكل ويشتبه عليه الأمر، باعتبار أنَّ استفهام زكريّا لا محلّ له، وأنّه يخالف تسليمه لأمر ربّه. إلّا أنَّ المفسّرين لفتوا إلى أنَّ دهشة زكريّا (عليه السّلام) طبيعيَّة، وتنطلق من حيرته لما سمعه من أمر البشارة، وقد استغاث بربِّه أن يبين له حقيقة البشارة. وهذا لا ينافي استعظامه لقدرة الله، فاستغرابه يستبطن الإقرار بقدرة الله، واستكثاره لخيره، وقد أبرز ذلك بصيغة الاستفهام، فهو نفسه لم يكن شقيّاً ومستنكفاً عن دعاء ربِّه في قضاء حوائجه، وقد ورد في سورة مريم عن لسانه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا* وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا}[مريم :2.
وبما يتعلق بسياق الآيات، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):

"{فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}. إنَّ البشارة تتحدّث عن الحلم المنتظر، كما تتحدّث عن الواقع الحيّ...
وسيّداً لنفسه كما هو شأن عباد الله الّذين يحكمون أنفسهم من خلال إيمانهم... (وَحَصُوراً} حصر شهواته، فلا يدعها تتحرّك في نطاق الإشباع والارتواء... {وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} الذين أراد الله لهم أن يتقبلوا وحيه بأرواحهم، ويحملوها إلى الناس رسالة وهدىً وإيماناً.

وقد أكّد الله له في هذه البشارة، أنّ ذلك قد كان بكلمةٍ منه، والكلمة تعني القدرة التي لا تحتاج في تعلّقها بالأشياء إلى أسبابٍ مألوفةٍ مما تعارف عند النّاس من أسباب.

ووقف زكريّا مدهوشاً مما يسمعه، وأخذته الحيرة من ذلك كلّه؛ هل هو في حلم أم في يقظة؟ هل هي كلمات الرّحمن أم هي شيء من التّخييل؟ ... تحدّث في ما يشبه الاستغاثة التي تريد أن تخرجه من الحيرة...
{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}. وجاء الجواب، إنك تتحدث مع الله الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، فهو الذي خلق الأشياء، وخلق معها القوانين والأسباب الطبيعيّة، وهو القادر على أن يغيّرها في أيّ وقت يريد في ظلّ قوانين جديدة. فما قيمة الحواجز الطبيعيّة أمام قدرة الله المطلقة حتى يفكّر فيها الإنسان المؤمن؟ {قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ}، {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[البقرة: 117]، وكأنّ زكريّا قد اقتنع بذلك، ورجع إلى ما يوحيه إيمانه من التّسليم لله في كلّ شيء، ولكنّه يريد آية.

واختلف المفسّرون في معنى هذه الآية، فقال بعضهم إنها العلامة التي يعرف من خلالها أنّ ما سمعه هو من وحي الله، وذلك بأن يجعل الله له ما يشبه المعجزة، وأوحى الله إليه بأنّ الآية هي أن يُعتقل لسانه، فلا يستطيع أن يتكلّم، ولا يملك أن يخاطب النّاس إلّا رمزاً مدّة ثلاثة أيام. وقال بعضهم: إنها علامة الشّكر على هذه النعمة غير المترقّبة، فأوحى الله إليه كما أوحى إلى مريم بصوم الصّمت الذي كان مشروعاً آنذاك، ولعلَّ هذا هو الأقرب، لأنّه لا معنى للارتياب بعد أن جاءه الجواب بالتّذكير بقدرة الله، ولأنّ الظّاهر أن الوحي كان بالامتناع الاختياري عن الكلام مع الناس، وبذكر الله كثيراً، وبالتّسبيح الدّائم بالعشيّ والإبكار". [تفسير من وحي القرآن، ج 5، ص 354-355].

ويشير العلّامة الشيخ محمد جواد مغنيّة(رض) إلى استفهام زكريّا الدالّ على تعظيمه لقدرة الله الخارقة للمألوف، بقوله:

"{قال رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ}: أي عظمت قدرتك الّتي تخطّت السّنن والعادات بالمعجزات. {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ}: قيل كانت له 99 سنة، وقيل 120 {وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}: لا تلد، قيل: لها 98 سنة {قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ}: ولا رادّ لمشيئته". [التّفسير المبين، 69].

في القرآن الكريم إشارات وتنبيهات يلتقطها أهل الباع الطّويل في اللّغة والتّفسير، بما يزيل كلّ إشكال أو شبهة، فلقد نزل كتاب الله بالعربيّة الّتي تحوي أسراراً وجماليّات بلاغيّة ولغويّة رائعة.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية