فأس إبراهيم.

فأس إبراهيم.

الدّكتورة علياء الأنصاري

ديدن الثقافة الاستبداديّة، أو ما يسمَّى (الديكتاتوريات)، هو تكريس عبودية الأصنام، ليبتعد الإنسان عن توحيد الله، وبذلك توطّد الديكتاتورية دعائم حكمها.. فكلّما غاب الله من وجدان الإنسانيّة، أو دعني أقول، غاب الإحساس بوجود الله في دواخل البشر، استحكم حكم الديكتاتور، لأنه سيحلّ محل (الله)!!

وأعتقد أنّ البشرية منذ القدم، ما انفكّت تبحث لها عن أصنام لتعبدها، سواء كانت تلك الأصنام ظاهريّةً كاللات والعزى ونظيراتها، أو أصناماً باطنيّة!
فمثلاً، لم يكن مهمّاً سقوط صنم صدام حسين أو حسني مبارك أو غيره من الحكام العرب، بقدر ما كان مهمّاً سقوط ثقافة (الصنمية) في دواخل شعوبهم.
 فلو تجوّلنا سريعاً في الدول التي تسكن بقعة الأرض المسماة (الشرق الأوسط)، لوجدنا أنّ صور زعمائها ورؤسائها تغطّي مساحة كبرى من فضاءات المكان الممتدّ ما بين صورة وأخرى!
والأدهى من ذلك، أنّ هذه الظاهرة الكونية في وجودنا، قد امتدّت لتشمل الزعامات الدينية أيضاً، فيجد الشخص المتجوّل في أرضنا نفسه ما بين صورة لرئيس الدّولة، وأخرى لزعيم ديني، وثالثة لقائد ثوري، كما يجد صور نجوم الفنّ والرياضة أينما دارت عيناه.. فشوارعنا مزدحمة بتلك الصّور كما أفكارنا!

نحن نحبّ الصّور أكثر من أيّ شيء آخر في قاموس الحياة، ونفرد لها اهتماماً كبيراً، لعلّه جزء من محاولاتنا للخلود.
فمهمة الصّور تخليد حدثٍ ما أو شخصٍ ما في ذاكرة الزمن، ومهمّة الصّنم تخليد الخنوع في ذاكرة العبيد.
وربما تكون الصّور - في زمننا - مظهراً من مظاهر الصنمية بطريقة عصرية.

نحن نحبّ التصوير أكثر من أي شيء آخر في قاموسنا اليومي، ربما أُريد لنا ذلك، أن نكون كذلك كجزء من منظومة الاستبداد التي حكمتنا وساهمت في تشكيل شخصياتنا وعناصر جيناتنا!!
ولكن ما يهمّني من الأمر، ليس موضوعة التصوير، وليست تلك الأصنام الظاهريّة التي تفترش الفضاء من حولنا، بقدر ما يهمني تلك التي تفترش فضاء الرّوح في دواخلنا؛ إنها الأصنام الداخلية التي تفترش محراب وجودنا، فتحوّلنا إلى عبيد من دون أن نشعر! هي ما يهمّني، لأنها باعتقادي هي الأساس في تمكين الأصنام الظاهرية منّا.
يقلقني كثيراً وجودها في محراب الروح، وتهديدها للتوحيد في ذواتنا.. لذلك، بحثت كثيراً عن آليّة حيوية لتساعدنا في تحطيمها، كأجمل ما يكون التّحطيم، كتحطيم رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) لأصنام الكعبة عام الفتح.

وأثناء رحلتي الاستكشافية، أدركت أنّ هذه الآليّة موجودة.. لا نحتاج إلى ابتكارها أو تصنيعها من جديد.. هي موجودة، ولكن يعلوها الصّدأ..
هي: (فأس إبراهيم).
لنقرأ شيئاً مما جاء بحقّ تلك الفأس وصاحبها:
بسم الله الرّحمن الرحيم:
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ* قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ* قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ* قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ* قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ* وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ* فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ* قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ* قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ* قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ* قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ* قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ}.

كانت فكرة ذكيّة تلك التي اتّقدت في ذهن نبي الله إبراهيم(عليه السلام)، ذلك الموحّد الكبير الذي أعشقه!!
وكأني به، والقوم يترنحون سكارى ببهجة عيدهم وضجّة طربهم، يتخذ من ذلك السِّكر وذلك الترنح ستاراً لينفّذ ما أراد، فيتخذ من الليل جملاً يخفي تحت طياته فأساً شحذه بمبرد التوحيد ليحطّم أصناماً كانت آلهة.
كيف استطاع فعل ذلك؟! وهو الفتى الصّغير وهم الرّجال الأشدّاء؟! من أين جاء بتلك الشّجاعة، وهو اليتيم وسط عشيرة مقتدرة؟!!
في حقيقة الأمر، لم يتمكّن إبراهيم من تحطيم أصنام المعبد، إلّا بعد أن حطّم أصنام الخوف في داخله! حطّمها بفأس التوحيد.
فأسه لم تكن عبارة عن معدن مصقول حطّم حجارة.. فأسه كانت إرادة مصقولة بالتوحيد حطّمت آلهة، كانت تسكن في النفس قبل المعبد.
كانت فأسه (عليه السلام)، قوة خارقة بيد موحّد لم يسجد قلبه لأحد سوى الله، لذلك كافأه الله ربّه بـ {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}.

وهذا هو جزاء الموحِّدين!!
أن تكون النّار - بكلّ ما تحمل من مصاديق - دوماً برداً وسلاماً عليهم، على الإبراهيميّين.
هذا ما نحتاجه، أن نجلي الصّدأ من فأس إبراهيم المرمى في ركن قصي لزاوية معتمة في دهاليز القوى الكامنة في ذواتنا، والتي غالباً ما نضلّ الطريق إليها.
فكلّ واحد فينا، لديه هذه الفأس، ولكن علاها الصّدأ، لأن آلهة أخرى - غير الله - تسكن في محراب وجودنا! جعلتنا تلك الآلهة لا نستشعرها، ولا نتمكّن أيضاً من التفكير في استشعارها، لأنها فأس الموحّدين فقط.
واللطيف أن من سعة رحابة معبد الروح، أنّ الآلهة قد تزاحمت فيه!! ما بين آلهة سياسية وأخرى دينية وأخرى مذهبية وأخرى عشائرية وأخرى ذاتية (إله الأنا).. لذلك كانت للروح قابليّة التمدّد حتى تستوعب ما يمكن تفريخه من آلهة على مرِّ الأيام وتكاثر المصالح والمنافع.

فما أحوجنا اليوم إلى فأس إبراهيم (عليه السّلام).
لنحطّم أعظم الآلهة المتربعة في محراب وجودنا، ألا وهو إله الخوف!!
ذلك الإله الذي قدَّمنا له قرابين كثيرة، من أحلامنا، من أفكارنا، من قوانا التي وهبنا الله إيّاها.. قدَّمناها ملطّخة بخنوعنا واستسلامنا حتى يرضى!
ذلك الإله الذي ما انفكّ ينخر في وجودنا حتى أنهاه أو كاد أن يفعل!
نخاف الحاكم الظالم، فنقيم له نصباً للبقاء.
ونخاف الفقر، فنذبح كرامتنا وصدقنا، نريق ماء وجههنا.. قرباناً على مذبح النفاق.
نخاف الموت، فنبيع عزّتنا لنشتري رضا آلهة مزيفة سرعان ما تكسينا رداء المذلّة.

ونخاف أن نتحدّث، أن نعبّر عن ذواتنا، أن نعيش كما نريد.. أن نرسم معالم حياتنا كما نرغب.. نكبر مع الخوف ويكبر الخوف فينا، ليصبح هو إلهنا الأعظم الذي يستحقّ منا السجود.. فأين هو الله من كلّ هذا؟!
ألم يعلّمنا الإسلام، أن الموت والحياة والرزق والعزّة بيد الله.. فلماذا نتخد من دونه آلهةً أخرى؟!!

لماذا يفترش إله الخوف كلّ تلك المساحة التي تحتلّ وجودنا، فنصغر ليضيق العالم من حولنا، وتضيق فسحة الأمل.
ألم يقل الله المعبود الأوحد في قرآنه: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}. أليس هو الإله الوحيد الّذي يستحقّ منا العبوديّة والطاعة؟ فما بالنا؟!!
كيف يمكننا أن نركع ونسجد له خمس مرّات في اليوم، ظانّين أنّنا نعبده، وخارج هذه الأوقات، نركع ونسجد لآلهة غيره؟
ألا تعتقدون معي أنّنا بحاجة فعلاً إلى فأس إبراهيم (عليه السّلام)؟

ولكن يجب أن نكون أذكياء، كما كان هو عليه صلاة الله وسلامه، أن نختار الوقت المناسب - كما فعل هو - لأجل أن نحطّم الأصنام في دواخلنا أوّلاً، حتى نتمكّن من تحطيم الأصنام الخارجيّة بعد ذلك.
وأن نختار الطريقة المثلى في تحطيم تلك الأصنام، كما فعل هو.
أعتقد أننا نملك ذكاء إبراهيم (عليه السلام)، باعتبارنا من أتباعه الموحِّدين، أليس هو أبانا؟!!
ولكن ما يعوزنا، هو أن نجد الفأس، ونجلو عنها الصّدأ.

إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

الدّكتورة علياء الأنصاري

ديدن الثقافة الاستبداديّة، أو ما يسمَّى (الديكتاتوريات)، هو تكريس عبودية الأصنام، ليبتعد الإنسان عن توحيد الله، وبذلك توطّد الديكتاتورية دعائم حكمها.. فكلّما غاب الله من وجدان الإنسانيّة، أو دعني أقول، غاب الإحساس بوجود الله في دواخل البشر، استحكم حكم الديكتاتور، لأنه سيحلّ محل (الله)!!

وأعتقد أنّ البشرية منذ القدم، ما انفكّت تبحث لها عن أصنام لتعبدها، سواء كانت تلك الأصنام ظاهريّةً كاللات والعزى ونظيراتها، أو أصناماً باطنيّة!
فمثلاً، لم يكن مهمّاً سقوط صنم صدام حسين أو حسني مبارك أو غيره من الحكام العرب، بقدر ما كان مهمّاً سقوط ثقافة (الصنمية) في دواخل شعوبهم.
 فلو تجوّلنا سريعاً في الدول التي تسكن بقعة الأرض المسماة (الشرق الأوسط)، لوجدنا أنّ صور زعمائها ورؤسائها تغطّي مساحة كبرى من فضاءات المكان الممتدّ ما بين صورة وأخرى!
والأدهى من ذلك، أنّ هذه الظاهرة الكونية في وجودنا، قد امتدّت لتشمل الزعامات الدينية أيضاً، فيجد الشخص المتجوّل في أرضنا نفسه ما بين صورة لرئيس الدّولة، وأخرى لزعيم ديني، وثالثة لقائد ثوري، كما يجد صور نجوم الفنّ والرياضة أينما دارت عيناه.. فشوارعنا مزدحمة بتلك الصّور كما أفكارنا!

نحن نحبّ الصّور أكثر من أيّ شيء آخر في قاموس الحياة، ونفرد لها اهتماماً كبيراً، لعلّه جزء من محاولاتنا للخلود.
فمهمة الصّور تخليد حدثٍ ما أو شخصٍ ما في ذاكرة الزمن، ومهمّة الصّنم تخليد الخنوع في ذاكرة العبيد.
وربما تكون الصّور - في زمننا - مظهراً من مظاهر الصنمية بطريقة عصرية.

نحن نحبّ التصوير أكثر من أي شيء آخر في قاموسنا اليومي، ربما أُريد لنا ذلك، أن نكون كذلك كجزء من منظومة الاستبداد التي حكمتنا وساهمت في تشكيل شخصياتنا وعناصر جيناتنا!!
ولكن ما يهمّني من الأمر، ليس موضوعة التصوير، وليست تلك الأصنام الظاهريّة التي تفترش الفضاء من حولنا، بقدر ما يهمني تلك التي تفترش فضاء الرّوح في دواخلنا؛ إنها الأصنام الداخلية التي تفترش محراب وجودنا، فتحوّلنا إلى عبيد من دون أن نشعر! هي ما يهمّني، لأنها باعتقادي هي الأساس في تمكين الأصنام الظاهرية منّا.
يقلقني كثيراً وجودها في محراب الروح، وتهديدها للتوحيد في ذواتنا.. لذلك، بحثت كثيراً عن آليّة حيوية لتساعدنا في تحطيمها، كأجمل ما يكون التّحطيم، كتحطيم رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) لأصنام الكعبة عام الفتح.

وأثناء رحلتي الاستكشافية، أدركت أنّ هذه الآليّة موجودة.. لا نحتاج إلى ابتكارها أو تصنيعها من جديد.. هي موجودة، ولكن يعلوها الصّدأ..
هي: (فأس إبراهيم).
لنقرأ شيئاً مما جاء بحقّ تلك الفأس وصاحبها:
بسم الله الرّحمن الرحيم:
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ* قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ* قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ* قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ* قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ* وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ* فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ* قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ* قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ* قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ* قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ* قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ}.

كانت فكرة ذكيّة تلك التي اتّقدت في ذهن نبي الله إبراهيم(عليه السلام)، ذلك الموحّد الكبير الذي أعشقه!!
وكأني به، والقوم يترنحون سكارى ببهجة عيدهم وضجّة طربهم، يتخذ من ذلك السِّكر وذلك الترنح ستاراً لينفّذ ما أراد، فيتخذ من الليل جملاً يخفي تحت طياته فأساً شحذه بمبرد التوحيد ليحطّم أصناماً كانت آلهة.
كيف استطاع فعل ذلك؟! وهو الفتى الصّغير وهم الرّجال الأشدّاء؟! من أين جاء بتلك الشّجاعة، وهو اليتيم وسط عشيرة مقتدرة؟!!
في حقيقة الأمر، لم يتمكّن إبراهيم من تحطيم أصنام المعبد، إلّا بعد أن حطّم أصنام الخوف في داخله! حطّمها بفأس التوحيد.
فأسه لم تكن عبارة عن معدن مصقول حطّم حجارة.. فأسه كانت إرادة مصقولة بالتوحيد حطّمت آلهة، كانت تسكن في النفس قبل المعبد.
كانت فأسه (عليه السلام)، قوة خارقة بيد موحّد لم يسجد قلبه لأحد سوى الله، لذلك كافأه الله ربّه بـ {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}.

وهذا هو جزاء الموحِّدين!!
أن تكون النّار - بكلّ ما تحمل من مصاديق - دوماً برداً وسلاماً عليهم، على الإبراهيميّين.
هذا ما نحتاجه، أن نجلي الصّدأ من فأس إبراهيم المرمى في ركن قصي لزاوية معتمة في دهاليز القوى الكامنة في ذواتنا، والتي غالباً ما نضلّ الطريق إليها.
فكلّ واحد فينا، لديه هذه الفأس، ولكن علاها الصّدأ، لأن آلهة أخرى - غير الله - تسكن في محراب وجودنا! جعلتنا تلك الآلهة لا نستشعرها، ولا نتمكّن أيضاً من التفكير في استشعارها، لأنها فأس الموحّدين فقط.
واللطيف أن من سعة رحابة معبد الروح، أنّ الآلهة قد تزاحمت فيه!! ما بين آلهة سياسية وأخرى دينية وأخرى مذهبية وأخرى عشائرية وأخرى ذاتية (إله الأنا).. لذلك كانت للروح قابليّة التمدّد حتى تستوعب ما يمكن تفريخه من آلهة على مرِّ الأيام وتكاثر المصالح والمنافع.

فما أحوجنا اليوم إلى فأس إبراهيم (عليه السّلام).
لنحطّم أعظم الآلهة المتربعة في محراب وجودنا، ألا وهو إله الخوف!!
ذلك الإله الذي قدَّمنا له قرابين كثيرة، من أحلامنا، من أفكارنا، من قوانا التي وهبنا الله إيّاها.. قدَّمناها ملطّخة بخنوعنا واستسلامنا حتى يرضى!
ذلك الإله الذي ما انفكّ ينخر في وجودنا حتى أنهاه أو كاد أن يفعل!
نخاف الحاكم الظالم، فنقيم له نصباً للبقاء.
ونخاف الفقر، فنذبح كرامتنا وصدقنا، نريق ماء وجههنا.. قرباناً على مذبح النفاق.
نخاف الموت، فنبيع عزّتنا لنشتري رضا آلهة مزيفة سرعان ما تكسينا رداء المذلّة.

ونخاف أن نتحدّث، أن نعبّر عن ذواتنا، أن نعيش كما نريد.. أن نرسم معالم حياتنا كما نرغب.. نكبر مع الخوف ويكبر الخوف فينا، ليصبح هو إلهنا الأعظم الذي يستحقّ منا السجود.. فأين هو الله من كلّ هذا؟!
ألم يعلّمنا الإسلام، أن الموت والحياة والرزق والعزّة بيد الله.. فلماذا نتخد من دونه آلهةً أخرى؟!!

لماذا يفترش إله الخوف كلّ تلك المساحة التي تحتلّ وجودنا، فنصغر ليضيق العالم من حولنا، وتضيق فسحة الأمل.
ألم يقل الله المعبود الأوحد في قرآنه: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}. أليس هو الإله الوحيد الّذي يستحقّ منا العبوديّة والطاعة؟ فما بالنا؟!!
كيف يمكننا أن نركع ونسجد له خمس مرّات في اليوم، ظانّين أنّنا نعبده، وخارج هذه الأوقات، نركع ونسجد لآلهة غيره؟
ألا تعتقدون معي أنّنا بحاجة فعلاً إلى فأس إبراهيم (عليه السّلام)؟

ولكن يجب أن نكون أذكياء، كما كان هو عليه صلاة الله وسلامه، أن نختار الوقت المناسب - كما فعل هو - لأجل أن نحطّم الأصنام في دواخلنا أوّلاً، حتى نتمكّن من تحطيم الأصنام الخارجيّة بعد ذلك.
وأن نختار الطريقة المثلى في تحطيم تلك الأصنام، كما فعل هو.
أعتقد أننا نملك ذكاء إبراهيم (عليه السلام)، باعتبارنا من أتباعه الموحِّدين، أليس هو أبانا؟!!
ولكن ما يعوزنا، هو أن نجد الفأس، ونجلو عنها الصّدأ.

إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية