كهف الفتية

كهف الفتية

ذلك الكهف النّابض بالحياة من أعماق التّأريخ، والذي يروي القرآن الكريم قصّته قائلاً: بسم الله الرّحمن الرّحيم: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً* إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً* فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً* ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى* وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَط}[الكهف/ من 9 إلى 14].

فتية، ويقال بأنهم كانوا وزراء البلاط الملكي، ومستشاريه الأفذاذ، هؤلاء الذين لا نعرف عددهم بالضّبط، ربما أربعة خامسهم كلبهم، وربما سبعة ثامنهم كلبهم، فالقرآن الكريم لم يهتمّ لذكر عددهم الدّقيق، لأن العدد لا أثر له في قيمة القصّة.

ما كان مهمّاً، هو أنّ هؤلاء اجتمعوا على شيء واحد، هو عبادة الله تعالى، في زمنٍ لا يُعبد الله، هم مجموعة آمنت بالله في زمن طاغية يقتل كلّ من يخالف دينه وعبادته.

كأني بهم، يتخذون قرارهم الصّعب في لحظة حاسمة من ذلك الزّمن القاسي، ويمتطون دوابهم ليفرّوا بدينهم إلى خارج المدينة.. هربوا من الطاغية ليحافظوا على الدّين، لا على أنفسهم.. وهناك فرق كبير بين الاثنين.

يطوفون الأرض من حولهم، وإذا به.. ذلك الكهف الحاني العتيد، يمدّ ذراعيه إليهم، يضمّهم إلى صدره الدّافئ.

يصف القرآن الكريم حالهم آنذاك: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً* وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْب}[الكهف/ 17 - 18].

عجيب أمر التوحيد.. يجعل من عصا موسى أفعى تلقف ما يأفكون، ويجعل من النّار برداً وسلاماً لإبراهيم، ويجعل من بيئة الكهف الموحشة، مكاناً صالحاً للحياة والبقاء.. فحركة الشمس داخل الكهف، وتقلّب أجسادهم حتى لا تتيبّس بمرور الزّمن والرّقاد، عوامل غيبيّة ساعدت على بقائهم كلّ ذلك الزمن العتيد، وكأنهم لم يلبثوا غير يوم أو بعض يوم!!

لا أريد الاسترسال في تفاصيل القصّة الـتأريخيّة، نعرفها جميعاً.. ما أريد الخوض فيه، هو طبيعة ذلك الكهف، المعنى الذي كان يكتنفه.. ذلك المعنى الذي نحتاجه الآن في زمننا، ويحتاجه الموحِّدون لله في كلّ زمان ومكان.

ما يهمني من القصّة، العبرة التي يمكن أن نستوحيها من الكهف.

فيا ترى، ما أهميّة ذلك الكهف بالنّسبة إلى أولئك الفتية؟

الفتية آنذاك لم يكونوا ينوون الفرار الأبديّ والخروج من المدينة بحيث لا عودة، أي أنهم لم يخطّطوا للهروب من ساحة المعركة، أو الفرار من مواجهة الكفر والباطل، بل أرادوا أن يختبئوا بعض الوقت، حتى يهيّئ الله لهم من أمرهم رشداً، يهيّئ لهم مخرجاً ويرشدهم إلى ماذا يفعلون فيما يخدم دينهم وقضيّتهم ومبادئهم. فالكهف بالنّسبة إليهم كان ملجأ وقتيّاً حتى يرتبوا أوراقهم ويستعدّوا للخطوة القادمة. ولكنّ إرادة الله شاءت أن يناموا ويستيقظوا بعد ثلاثمائة سنين، وازدادوا تسعاً ليتمّ الله أمراً كان مفعولاً، وليصبح أولئك الفتية، آيةً من آيات الله تعالى.

ونحن، في زمننا هذا، ماذا يعني لنا الكهف؟!

هل يا ترى نحتاجه؟! هل نحتاج إلى كهف نأوي إليه؟!

أعتقد أنّ الإنسان يحتاج في زحمة الأحداث وضغوطات الحياة.. تحدياتها وما يواجهه من عقبات خاصّة، أولئك الذين يتحركون في المجتمع، يحملون همّه، جراحه، يكرّسون وقتهم وجهدهم ومالهم لأجل تغيير مجتمعاتهم وإصلاحها، يفرشون الأرض خيراً وفضيلةً أينما ساروا.. يحتاجون إلى الكهف في بعض الأحيان.

يحتاج الإنسان إلى زمن مستقطع، إلى ظلّ كهف يستريح تحت فيئه، يرتّب أوراقه، يعيد حساباته، يراجع ما قدَّم، يخطّط لما يأتي، يحتاج إلى ذلك.

وهذا هو الكهف الإيجابي، الكهف الّذي يحتاجه الإنسان ليستريح بعض الوقت، يجدّد قواه، يراجع حساباته، يدرس نقاط قوّته وضعفه، ويخطّط للمستقبل.

دعوني أسميه: (كهف التّقييم)!!

هذا الكهف نحتاجه جميعاً.. نأوي إليه لنستعيد قوانا، ونجدّد حيويتنا، ونلملم ما تبعثر منّا، لنتمكّن من استكمال المشوار..

وهذا الكهف يختلف كثيراً عن الكهف السلبي؛ الكهف الذي يفرّ منه الإنسان هارباً من مشاكله، همومه، التحدّيات التي تواجهه، فينزوي في ركن قصيّ، يبتعد عن الناس، ويعتزل الحياة وصعابها. هذا كهف سلبي، مرفوض، يعرقل حركة الإنسان، ويشلّ قدراته، ويحوّله إلى كمّ مهمل لا فائدة منه ولا قيمة له.

لذلك، أعتقد أنّ هناك نوعين من الكهوف:

الأوّل: إيجابي وهو كهف التّقييم، والثاني: سلبي، ودعوني أسميه: كهف الفرار.

تبقى نقطة مهمّة في موضوعة الكهف الإيجابي، فما يساعد الإنسان عند اتخاذه قرار اللّجوء إلى الكهف الإيجابي، وجود عاملين مهمّين؛ الأول: الإيمان القويّ: {ورَبَطْنا على قلوبِهم}، فقد وصف الله تعالى إيمانهم كالرباط على القلب، أي الإيمان يربط القلب، فلا يدعه يسقط من الخوف أو القلق أو أيّ شيء آخر، الإيمان يجعل القلب محكماً، لا ينفذ إليه الخوف أو القلق أو الجزع، وهذا ما يحتاجه الإنسان عند لجوئه إلى الكهف الإيجابي، أن يكون قلبه مربوطاً بالإيمان، حيث إنّ الإيمان سيكون له نوراً، يضيء له حيرته، ويعينه على التّمييز بين الحقّ والباطل، ويساعده على اتخاذ القرار الصائب، والتخطيط السليم.

والعامل الثاني هو: الصحبة الصالحة: فتية آمنوا بربهم، فما جمع هؤلاء هو الإيمان بالله، التوحيد، الطريق هو الذي جمعهم، طريقٌ صالح!

فهؤلاء هم رفاق خير وأصحابٌ صالحون. رفاق الخير، هم الّذين يعينون الإنسان على مراجعة حساباته، تقييم نفسه، دراسة الواقع، والتخطيط الأفضل، فهم المرآة الصافية التي لا تكذب ولا تجامل ولا تنافق، ولا تبني العلاقات على أساس المصالح والمنافع.. فالمؤمن مرآة أخيه المؤمن.

إنّ لكلّ زمن صعابه وتحدّياته، لأنّ لكلّ زمن موحِّديه وفراعنته!!

وفي كلّ زمن - كما زماننا - هناك فتية يؤمنون بقضيّة ما، بمبادئ معيَّنة، يجمعهم التوحيد، تداهمهم حلكة الشّرك، ويحاصرهم النفاق من كلّ جانب.. يعتقدون أنهم سيخسرون، أو ربما يداهمهم اليأس والإحباط.. يسقطهم التعب، فيفكرون في العزلة.. في هذه اللّحظة، لا بدّ للكهف من أن يمدّ إليهم أذرعه الحانية.. أن يأويهم.

فإن وجد (رباط الإيمان والصّحبة الصالحة)، فعلينا أن نرشدهم إلى كهف التّقييم.. إلى كهفٍ يمنحهم الأمان في زمن الخوف، يمنحهم الحبَّ في زمن الجحود.

إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

ذلك الكهف النّابض بالحياة من أعماق التّأريخ، والذي يروي القرآن الكريم قصّته قائلاً: بسم الله الرّحمن الرّحيم: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً* إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً* فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً* ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى* وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَط}[الكهف/ من 9 إلى 14].

فتية، ويقال بأنهم كانوا وزراء البلاط الملكي، ومستشاريه الأفذاذ، هؤلاء الذين لا نعرف عددهم بالضّبط، ربما أربعة خامسهم كلبهم، وربما سبعة ثامنهم كلبهم، فالقرآن الكريم لم يهتمّ لذكر عددهم الدّقيق، لأن العدد لا أثر له في قيمة القصّة.

ما كان مهمّاً، هو أنّ هؤلاء اجتمعوا على شيء واحد، هو عبادة الله تعالى، في زمنٍ لا يُعبد الله، هم مجموعة آمنت بالله في زمن طاغية يقتل كلّ من يخالف دينه وعبادته.

كأني بهم، يتخذون قرارهم الصّعب في لحظة حاسمة من ذلك الزّمن القاسي، ويمتطون دوابهم ليفرّوا بدينهم إلى خارج المدينة.. هربوا من الطاغية ليحافظوا على الدّين، لا على أنفسهم.. وهناك فرق كبير بين الاثنين.

يطوفون الأرض من حولهم، وإذا به.. ذلك الكهف الحاني العتيد، يمدّ ذراعيه إليهم، يضمّهم إلى صدره الدّافئ.

يصف القرآن الكريم حالهم آنذاك: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً* وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْب}[الكهف/ 17 - 18].

عجيب أمر التوحيد.. يجعل من عصا موسى أفعى تلقف ما يأفكون، ويجعل من النّار برداً وسلاماً لإبراهيم، ويجعل من بيئة الكهف الموحشة، مكاناً صالحاً للحياة والبقاء.. فحركة الشمس داخل الكهف، وتقلّب أجسادهم حتى لا تتيبّس بمرور الزّمن والرّقاد، عوامل غيبيّة ساعدت على بقائهم كلّ ذلك الزمن العتيد، وكأنهم لم يلبثوا غير يوم أو بعض يوم!!

لا أريد الاسترسال في تفاصيل القصّة الـتأريخيّة، نعرفها جميعاً.. ما أريد الخوض فيه، هو طبيعة ذلك الكهف، المعنى الذي كان يكتنفه.. ذلك المعنى الذي نحتاجه الآن في زمننا، ويحتاجه الموحِّدون لله في كلّ زمان ومكان.

ما يهمني من القصّة، العبرة التي يمكن أن نستوحيها من الكهف.

فيا ترى، ما أهميّة ذلك الكهف بالنّسبة إلى أولئك الفتية؟

الفتية آنذاك لم يكونوا ينوون الفرار الأبديّ والخروج من المدينة بحيث لا عودة، أي أنهم لم يخطّطوا للهروب من ساحة المعركة، أو الفرار من مواجهة الكفر والباطل، بل أرادوا أن يختبئوا بعض الوقت، حتى يهيّئ الله لهم من أمرهم رشداً، يهيّئ لهم مخرجاً ويرشدهم إلى ماذا يفعلون فيما يخدم دينهم وقضيّتهم ومبادئهم. فالكهف بالنّسبة إليهم كان ملجأ وقتيّاً حتى يرتبوا أوراقهم ويستعدّوا للخطوة القادمة. ولكنّ إرادة الله شاءت أن يناموا ويستيقظوا بعد ثلاثمائة سنين، وازدادوا تسعاً ليتمّ الله أمراً كان مفعولاً، وليصبح أولئك الفتية، آيةً من آيات الله تعالى.

ونحن، في زمننا هذا، ماذا يعني لنا الكهف؟!

هل يا ترى نحتاجه؟! هل نحتاج إلى كهف نأوي إليه؟!

أعتقد أنّ الإنسان يحتاج في زحمة الأحداث وضغوطات الحياة.. تحدياتها وما يواجهه من عقبات خاصّة، أولئك الذين يتحركون في المجتمع، يحملون همّه، جراحه، يكرّسون وقتهم وجهدهم ومالهم لأجل تغيير مجتمعاتهم وإصلاحها، يفرشون الأرض خيراً وفضيلةً أينما ساروا.. يحتاجون إلى الكهف في بعض الأحيان.

يحتاج الإنسان إلى زمن مستقطع، إلى ظلّ كهف يستريح تحت فيئه، يرتّب أوراقه، يعيد حساباته، يراجع ما قدَّم، يخطّط لما يأتي، يحتاج إلى ذلك.

وهذا هو الكهف الإيجابي، الكهف الّذي يحتاجه الإنسان ليستريح بعض الوقت، يجدّد قواه، يراجع حساباته، يدرس نقاط قوّته وضعفه، ويخطّط للمستقبل.

دعوني أسميه: (كهف التّقييم)!!

هذا الكهف نحتاجه جميعاً.. نأوي إليه لنستعيد قوانا، ونجدّد حيويتنا، ونلملم ما تبعثر منّا، لنتمكّن من استكمال المشوار..

وهذا الكهف يختلف كثيراً عن الكهف السلبي؛ الكهف الذي يفرّ منه الإنسان هارباً من مشاكله، همومه، التحدّيات التي تواجهه، فينزوي في ركن قصيّ، يبتعد عن الناس، ويعتزل الحياة وصعابها. هذا كهف سلبي، مرفوض، يعرقل حركة الإنسان، ويشلّ قدراته، ويحوّله إلى كمّ مهمل لا فائدة منه ولا قيمة له.

لذلك، أعتقد أنّ هناك نوعين من الكهوف:

الأوّل: إيجابي وهو كهف التّقييم، والثاني: سلبي، ودعوني أسميه: كهف الفرار.

تبقى نقطة مهمّة في موضوعة الكهف الإيجابي، فما يساعد الإنسان عند اتخاذه قرار اللّجوء إلى الكهف الإيجابي، وجود عاملين مهمّين؛ الأول: الإيمان القويّ: {ورَبَطْنا على قلوبِهم}، فقد وصف الله تعالى إيمانهم كالرباط على القلب، أي الإيمان يربط القلب، فلا يدعه يسقط من الخوف أو القلق أو أيّ شيء آخر، الإيمان يجعل القلب محكماً، لا ينفذ إليه الخوف أو القلق أو الجزع، وهذا ما يحتاجه الإنسان عند لجوئه إلى الكهف الإيجابي، أن يكون قلبه مربوطاً بالإيمان، حيث إنّ الإيمان سيكون له نوراً، يضيء له حيرته، ويعينه على التّمييز بين الحقّ والباطل، ويساعده على اتخاذ القرار الصائب، والتخطيط السليم.

والعامل الثاني هو: الصحبة الصالحة: فتية آمنوا بربهم، فما جمع هؤلاء هو الإيمان بالله، التوحيد، الطريق هو الذي جمعهم، طريقٌ صالح!

فهؤلاء هم رفاق خير وأصحابٌ صالحون. رفاق الخير، هم الّذين يعينون الإنسان على مراجعة حساباته، تقييم نفسه، دراسة الواقع، والتخطيط الأفضل، فهم المرآة الصافية التي لا تكذب ولا تجامل ولا تنافق، ولا تبني العلاقات على أساس المصالح والمنافع.. فالمؤمن مرآة أخيه المؤمن.

إنّ لكلّ زمن صعابه وتحدّياته، لأنّ لكلّ زمن موحِّديه وفراعنته!!

وفي كلّ زمن - كما زماننا - هناك فتية يؤمنون بقضيّة ما، بمبادئ معيَّنة، يجمعهم التوحيد، تداهمهم حلكة الشّرك، ويحاصرهم النفاق من كلّ جانب.. يعتقدون أنهم سيخسرون، أو ربما يداهمهم اليأس والإحباط.. يسقطهم التعب، فيفكرون في العزلة.. في هذه اللّحظة، لا بدّ للكهف من أن يمدّ إليهم أذرعه الحانية.. أن يأويهم.

فإن وجد (رباط الإيمان والصّحبة الصالحة)، فعلينا أن نرشدهم إلى كهف التّقييم.. إلى كهفٍ يمنحهم الأمان في زمن الخوف، يمنحهم الحبَّ في زمن الجحود.

إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية