تطوير أساليب إحياء ذكرى عاشوراء

تطوير أساليب إحياء ذكرى عاشوراء

إذا كان المطلوب من العاطفة هو ضمان استمراريَّة عاشوراء، وإبقاء حرارتها مع تقادم الزمن، وتعميقها على مستوى الشعور الإنساني، فإنّ من الضروري أن نبقى في دراسة دائمة لأساليب إحياء الذكرى، لأن الإنسان يتنوّع في مؤثراته تبعاً لتطوّر ثقافته وذهنيّته..

وبتعبير آخر، إنَّ الذهنية لغة، فإذا كانت الذهنيات تختلف وتتطوّر، فهذا يعني أنَّ المؤثرات لا بد من أن تتناسب مع الذهنية المخاطَبة، فربما كانت بعض الإثارات خاضعة لمرحلة معينة، فلا تصلح لتحريكها في الواقع في مرحلة أخرى، وربما كانت المسألة متصلة بمستوى ثقافي متدنٍ في تأثّره بأسلوب معيّن، فلا يكون عنصراً للإثارة في مستوى ثقافي متقدّم، وربما نلاحظ هذه المسألة في بعض مفردات الشعر الحسيني، العاميّ الفصيح، التي انطلقت من العادات العشائرية في حثّ النساء للرجال على تحريك حماستهم ونخوتهم وحركتهم، فإننا لو طرحنا مثل هذه المفردات في مجتمع ثقافي آخر، فإننا لا نجده يتأثّر بذلك، لأن الحالة الثقافية قد طوّرت حركة العاطفة كما طوّرت حركة الفكر عنده.

وفي ضوء ذلك، لا بد لنا من الوقوف على عدة نقاط أساسية:

أولاً:لا بدَّ من المحافظة على إحياء ذكرى عاشوراء في نمطها الشَّعبي التقليدي المعروف، لأنَّ بساطة هذه الأنماط تؤمّن امتداداً أكبر للقضيَّة الحسينيَّة في الحاضر والمستقبل، وتجسّد حالاً تعبوية شعبية تحقّق نتائج كبيرة إيجابية على مستوى إنتاج جمهور عاشوراء في كل زمان ومكان، ولعلَّه هو الذي ضمن استمرارها في مدى ما يقارب الأربعة عشر قرناً من الزمن، وإنَّ المساس بهذا الأمر من شأنه أن يعرّض القضية للضّمور والاضمحلال في الوجدان العام للأمة شيئاً فشيئاً.

ثانياً: إنَّ المحافظة على البعد التقليدي من أجل العمل على صيانته من الشوائب التي لا تنسجم مع المفاهيم الإسلامية الأصيلة على المستوى الفكري والأخلاقي والشرعي، هو من ضرورة المزاوجة بين الجانب الفكريّ والعاطفيّ.

ثالثاً: لا بدَّ من دراسة كلّ الوسائل الشعبية المتّبعة في ذكرى عاشوراء على المستوى الشرعي، لأنّ بعض وسائل الإحياء ـ كالتطبير ـ محرمة شرعاً، سواء بالعنوان الأولي أو من خلال العناوين الثانوية الطارئة، وفي هذا السياق نثير المسألة من عدّة جوانب:

1 ـ إنّ هذه الأمور ليست من الشعائر الدينية التي يحاول البعض أن يطبّق عليها قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: 32]، لأنَّ كون أمر شعيرة من شعائر الله، هو أمر توقيفي، بمعنى أنه لا بدّ من أن يصدر بيان من الشريعة أنه شعيرة، فما لم يرد من النبي أو الإمام لا يكون ثمة دليل على كونه من الشعائر، وقد ذكر السيد الخوئي(ره) ذلك بقوله في ردّ على سؤال حول إدماء الرأس وما شاكله بقوله: "لم يرد نصّ بشعاريّته، فلا طريق إلى الحكم باستحبابه".

2 ـ إن التطبير وضرب الظهور بالسلاسل وما شاكلهما، من الأمور المضرّة بالنفس، وهناك قسم من الفقهاء ـ ونحن منهم ـ يقولون بحرمة الإضرار بالنفس مطلقاً، سواء أدّى إلى التهلكة أو لم يؤدّ إليها، ولذلك فهو حرام بالعنوان الأولي، باعتباره مصداقاً للإضرار بالنفس.

3 ـ إنّ عدم القول بحرمة الإضرار بالنفس إذا لم يؤدّ إلى التهلكة، لا يعني جواز مثل هذه الأمور شرعاً، فإنّ بعض العناوين الثانوية قد تطرأ على الفعل المباح تجعل منه أمراً محرماً نتيجة لحرمة تلك العناوين الثانوية، ولذلك نجد السيد الخوئي(ره) يقول رداً على سؤال بهذا الصدد: "لا يجوز فيما إذا أوجب ضرراً معتداً به، أو استلزم الهتك والتوهين والله العالم"، ثمّ يوضّح ـ في جواب آخر ـ أنّ المراد من الهتك والتوهين هو "ما يستلزم الذلّ والهوان للمذهب في نظر العرف السائد".

وإذا كان بعض الناس قد يعترض على ذلك بأنّ الكافرين والمنافقين قد يسخرون من بعض الواجبات العبادية أو غير العبادية مما لا يمكن الالتزام بحرمتها بلحاظ ذلك، فإنّ الجواب عنه بأنّ هناك فرقاً بين السخرية من الإسلام ذاته والأحكام الإلزامية الواجبة أو المحرّمة، والأفعال الواجبة أو المحرمة، وبين السخرية من المباحات أو المستحبات التي ينطبق عليها عنوان ثانوي محرم يجعل المباح والمستحب حراماً أيضاً، إذ إنه لما كانت الإباحة والاستحباب يشتركان في عدم الإلزام بالنسبة إلى المكلف، فإن انطباق الحرمة على الفعل المباح أو المستحب يجعل الإباحة والاستحباب يجمدان لصالح مفسدة الحرام في هذا المجال.

ولذلك، فإن المشكلة تكمن في حديث الكثيرين عن الحكم الشرعي في مثل هذه الأمور من زاوية العناوين الذاتية الأولي التي يختلف الموقف الفقهي تجاهها، في الوقت الذي لا بد من نقاشه من جوانب أخرى تتصل بالعناوين العامة للخط الإسلامي في نطاق مسألة المصلحة والمفسدة في هذا الموقف أو ذاك، مما يندرج تحت العناوين الثانوية.

4 ـ إذا أردنا أن نحلّل مسألة هذه العادات في عناصرها الفكرية بعيداً عن الجانب الشرعي، فإن الذين يمارسونها يقولون: نحن نواسي الحسين(ع) عندما نضرب رؤوسنا بالسيف، لأنه ضُرب على رأسه بالسيف، ونواسي السيدة زينب(ع) عندما نجلد ظهورنا بالسلاسل، لأنها جلدت بالسياط، ولكن ذلك ليس من المواساة في شيء، لأن الحسين(ع) جُرح وهو يقاتل من أجل العدل والحقّ، ولم يضرب رأسه بالسيف، ومواساته تعني أن يُجرح الإنسان في الموقع الجهادي نفسه، وإن زينب(ع) جُلدت بالسياط وهي في خط القضية، ولم تجلد نفسها بعقل بارد.

إن هذه العادات هي عادات متخلّفة في التعبير عن الحزن، فللحزن تعابير حضارية إنسانية، وليس الحزن حركة تعذيب للذات، وإنما هو حركة إنتاج لإنسانية الذات.

رابعاً: في موازاة الإحياء الشعبي التقليدي، لا بد من العمل على الاستفادة من وسائل التعبير التي استحدثها العصر، كالمسرح والسينما وغيرهما، فإن ذلك يؤمّن لعاشوراء أن تنفتح على الإنسان المعاصر من موقع تجسيدها للقيم التي انطلقت منها، وتعميقها للمأساة التي تحركت فيها، وإطلالتها على الأجواء التي تنتجها، ما يعطي لعاشوراء بُعداً إنسانياً عالمياً إلى جانب بعدها الإسلامي الخاص.

وهذا أمرٌ طبيعي جداً، لأن أي فكرة لا بد لها من أن تدخل في الوجدان الإنساني بالوسائل التي يمكن أن ينفتح عليها هذا الوجدان، حيث إن الإنسان يتربى من خلال وسائل التواصل التي يعيشها في عصره، ما يجعل تلك الوسائل ذات قدرة على التأثير تفوق كثيراً قدرة تأثير الوسائل التقليدية الجامدة.

وهذا الأمر يتطلّب قدرات فنية إبداعية على المستوى السينمائي أو التلفزيوني أو المسرحي، سواء في التأليف أو الإخراج أو في طبيعة الممثلين، بشكل يحافظ فيه على الجوّ الإسلامي لعاشوراء، سواء في خطوطها الحركية أو في طبيعتها الدينية.

وفي رأينا أنه ليس ثمّة مانع شرعي من تمثيل شخصيات كربلاء، في عمل مسرحي أو سينمائي أو غيرهما، بالنحو الذي يحافظ على حرمة الشخصية ومكانتها وقدسيّتها...

كما أنه من الممكن التصرف بالنص التمثيلي بما لا يتنافى مع مضمونه وروحيته، وبما يؤدي إلى إعطاء الفكرة حيويتها الواقعية في شخصية صاحب النص، لأن طبيعة الإنتاج المسرحي أو السينمائي ـ إذا ما أريد له أن يؤدي دوره في هذا المجال ـ تفترض آلية أخرى لعرض الفكرة أو القضية، بما لا يمكن معه الجمود عندما ينقله التاريخ وحسب.

ونحن عندما نتحدّث عن هذا الأمر بهذه الكيفية، فإنما نتحدث عنه من ناحية المبدأ، في الوقت الذي يجب أن تتمّ دراسة التطبيق بالنحو الذي يضمن كل العناصر التي يمكن أن تحقِّق للحدث التاريخي كل حيويته وصدقيته وكل ردود الفعل الإيجابية من خلاله.. وفي ضوء هذا، لا بد من أن تكون هناك دراسة دقيقة لاختيار الممثلين، ورقابة مشددة على طبيعة الأداء.

وفي هذا الإطار، ندعو الكتّاب والمؤلّفين، كما نشدّد على الدعاة إلى الإسلام، أن لا ينطلقوا في عملية تجزيئية لشخصية الحسين(ع)، لأنّ الحسين(ع) كان إماماً للإسلام، وإمامته ـ فيما نعتقد ـ هي امتداد حركي للنبوّة، وقد عاشها(ع) دعوةً للإسلام، وتأصيلاً لمفاهيمه بالكلمة والموقف، وعاشها حركةً في تقويم الانحراف الداخلي والخارجي، ومن الضروري أن تبرز كلّ ملامح الإمامة في شخصيّته في كل موقف وقفه، وكل حركة تحركها.

وعلى هذا الأساس، رفضنا كل موقف نقله التاريخ لا ينسجم مع خط الإسلام الأصيل، ولا مع الموقع القيادي للإمامة، بقطع النظر عن تناقضه مع ما ينقله المؤرخون أنفسهم من مواقف الإمام(ع) الرائعة.. وسنقف على هذا الأمر في حديثنا عن المضمون العاشورائي.

المصدر: "نظرة إسلامية حول عاشوراء".

إذا كان المطلوب من العاطفة هو ضمان استمراريَّة عاشوراء، وإبقاء حرارتها مع تقادم الزمن، وتعميقها على مستوى الشعور الإنساني، فإنّ من الضروري أن نبقى في دراسة دائمة لأساليب إحياء الذكرى، لأن الإنسان يتنوّع في مؤثراته تبعاً لتطوّر ثقافته وذهنيّته..

وبتعبير آخر، إنَّ الذهنية لغة، فإذا كانت الذهنيات تختلف وتتطوّر، فهذا يعني أنَّ المؤثرات لا بد من أن تتناسب مع الذهنية المخاطَبة، فربما كانت بعض الإثارات خاضعة لمرحلة معينة، فلا تصلح لتحريكها في الواقع في مرحلة أخرى، وربما كانت المسألة متصلة بمستوى ثقافي متدنٍ في تأثّره بأسلوب معيّن، فلا يكون عنصراً للإثارة في مستوى ثقافي متقدّم، وربما نلاحظ هذه المسألة في بعض مفردات الشعر الحسيني، العاميّ الفصيح، التي انطلقت من العادات العشائرية في حثّ النساء للرجال على تحريك حماستهم ونخوتهم وحركتهم، فإننا لو طرحنا مثل هذه المفردات في مجتمع ثقافي آخر، فإننا لا نجده يتأثّر بذلك، لأن الحالة الثقافية قد طوّرت حركة العاطفة كما طوّرت حركة الفكر عنده.

وفي ضوء ذلك، لا بد لنا من الوقوف على عدة نقاط أساسية:

أولاً:لا بدَّ من المحافظة على إحياء ذكرى عاشوراء في نمطها الشَّعبي التقليدي المعروف، لأنَّ بساطة هذه الأنماط تؤمّن امتداداً أكبر للقضيَّة الحسينيَّة في الحاضر والمستقبل، وتجسّد حالاً تعبوية شعبية تحقّق نتائج كبيرة إيجابية على مستوى إنتاج جمهور عاشوراء في كل زمان ومكان، ولعلَّه هو الذي ضمن استمرارها في مدى ما يقارب الأربعة عشر قرناً من الزمن، وإنَّ المساس بهذا الأمر من شأنه أن يعرّض القضية للضّمور والاضمحلال في الوجدان العام للأمة شيئاً فشيئاً.

ثانياً: إنَّ المحافظة على البعد التقليدي من أجل العمل على صيانته من الشوائب التي لا تنسجم مع المفاهيم الإسلامية الأصيلة على المستوى الفكري والأخلاقي والشرعي، هو من ضرورة المزاوجة بين الجانب الفكريّ والعاطفيّ.

ثالثاً: لا بدَّ من دراسة كلّ الوسائل الشعبية المتّبعة في ذكرى عاشوراء على المستوى الشرعي، لأنّ بعض وسائل الإحياء ـ كالتطبير ـ محرمة شرعاً، سواء بالعنوان الأولي أو من خلال العناوين الثانوية الطارئة، وفي هذا السياق نثير المسألة من عدّة جوانب:

1 ـ إنّ هذه الأمور ليست من الشعائر الدينية التي يحاول البعض أن يطبّق عليها قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: 32]، لأنَّ كون أمر شعيرة من شعائر الله، هو أمر توقيفي، بمعنى أنه لا بدّ من أن يصدر بيان من الشريعة أنه شعيرة، فما لم يرد من النبي أو الإمام لا يكون ثمة دليل على كونه من الشعائر، وقد ذكر السيد الخوئي(ره) ذلك بقوله في ردّ على سؤال حول إدماء الرأس وما شاكله بقوله: "لم يرد نصّ بشعاريّته، فلا طريق إلى الحكم باستحبابه".

2 ـ إن التطبير وضرب الظهور بالسلاسل وما شاكلهما، من الأمور المضرّة بالنفس، وهناك قسم من الفقهاء ـ ونحن منهم ـ يقولون بحرمة الإضرار بالنفس مطلقاً، سواء أدّى إلى التهلكة أو لم يؤدّ إليها، ولذلك فهو حرام بالعنوان الأولي، باعتباره مصداقاً للإضرار بالنفس.

3 ـ إنّ عدم القول بحرمة الإضرار بالنفس إذا لم يؤدّ إلى التهلكة، لا يعني جواز مثل هذه الأمور شرعاً، فإنّ بعض العناوين الثانوية قد تطرأ على الفعل المباح تجعل منه أمراً محرماً نتيجة لحرمة تلك العناوين الثانوية، ولذلك نجد السيد الخوئي(ره) يقول رداً على سؤال بهذا الصدد: "لا يجوز فيما إذا أوجب ضرراً معتداً به، أو استلزم الهتك والتوهين والله العالم"، ثمّ يوضّح ـ في جواب آخر ـ أنّ المراد من الهتك والتوهين هو "ما يستلزم الذلّ والهوان للمذهب في نظر العرف السائد".

وإذا كان بعض الناس قد يعترض على ذلك بأنّ الكافرين والمنافقين قد يسخرون من بعض الواجبات العبادية أو غير العبادية مما لا يمكن الالتزام بحرمتها بلحاظ ذلك، فإنّ الجواب عنه بأنّ هناك فرقاً بين السخرية من الإسلام ذاته والأحكام الإلزامية الواجبة أو المحرّمة، والأفعال الواجبة أو المحرمة، وبين السخرية من المباحات أو المستحبات التي ينطبق عليها عنوان ثانوي محرم يجعل المباح والمستحب حراماً أيضاً، إذ إنه لما كانت الإباحة والاستحباب يشتركان في عدم الإلزام بالنسبة إلى المكلف، فإن انطباق الحرمة على الفعل المباح أو المستحب يجعل الإباحة والاستحباب يجمدان لصالح مفسدة الحرام في هذا المجال.

ولذلك، فإن المشكلة تكمن في حديث الكثيرين عن الحكم الشرعي في مثل هذه الأمور من زاوية العناوين الذاتية الأولي التي يختلف الموقف الفقهي تجاهها، في الوقت الذي لا بد من نقاشه من جوانب أخرى تتصل بالعناوين العامة للخط الإسلامي في نطاق مسألة المصلحة والمفسدة في هذا الموقف أو ذاك، مما يندرج تحت العناوين الثانوية.

4 ـ إذا أردنا أن نحلّل مسألة هذه العادات في عناصرها الفكرية بعيداً عن الجانب الشرعي، فإن الذين يمارسونها يقولون: نحن نواسي الحسين(ع) عندما نضرب رؤوسنا بالسيف، لأنه ضُرب على رأسه بالسيف، ونواسي السيدة زينب(ع) عندما نجلد ظهورنا بالسلاسل، لأنها جلدت بالسياط، ولكن ذلك ليس من المواساة في شيء، لأن الحسين(ع) جُرح وهو يقاتل من أجل العدل والحقّ، ولم يضرب رأسه بالسيف، ومواساته تعني أن يُجرح الإنسان في الموقع الجهادي نفسه، وإن زينب(ع) جُلدت بالسياط وهي في خط القضية، ولم تجلد نفسها بعقل بارد.

إن هذه العادات هي عادات متخلّفة في التعبير عن الحزن، فللحزن تعابير حضارية إنسانية، وليس الحزن حركة تعذيب للذات، وإنما هو حركة إنتاج لإنسانية الذات.

رابعاً: في موازاة الإحياء الشعبي التقليدي، لا بد من العمل على الاستفادة من وسائل التعبير التي استحدثها العصر، كالمسرح والسينما وغيرهما، فإن ذلك يؤمّن لعاشوراء أن تنفتح على الإنسان المعاصر من موقع تجسيدها للقيم التي انطلقت منها، وتعميقها للمأساة التي تحركت فيها، وإطلالتها على الأجواء التي تنتجها، ما يعطي لعاشوراء بُعداً إنسانياً عالمياً إلى جانب بعدها الإسلامي الخاص.

وهذا أمرٌ طبيعي جداً، لأن أي فكرة لا بد لها من أن تدخل في الوجدان الإنساني بالوسائل التي يمكن أن ينفتح عليها هذا الوجدان، حيث إن الإنسان يتربى من خلال وسائل التواصل التي يعيشها في عصره، ما يجعل تلك الوسائل ذات قدرة على التأثير تفوق كثيراً قدرة تأثير الوسائل التقليدية الجامدة.

وهذا الأمر يتطلّب قدرات فنية إبداعية على المستوى السينمائي أو التلفزيوني أو المسرحي، سواء في التأليف أو الإخراج أو في طبيعة الممثلين، بشكل يحافظ فيه على الجوّ الإسلامي لعاشوراء، سواء في خطوطها الحركية أو في طبيعتها الدينية.

وفي رأينا أنه ليس ثمّة مانع شرعي من تمثيل شخصيات كربلاء، في عمل مسرحي أو سينمائي أو غيرهما، بالنحو الذي يحافظ على حرمة الشخصية ومكانتها وقدسيّتها...

كما أنه من الممكن التصرف بالنص التمثيلي بما لا يتنافى مع مضمونه وروحيته، وبما يؤدي إلى إعطاء الفكرة حيويتها الواقعية في شخصية صاحب النص، لأن طبيعة الإنتاج المسرحي أو السينمائي ـ إذا ما أريد له أن يؤدي دوره في هذا المجال ـ تفترض آلية أخرى لعرض الفكرة أو القضية، بما لا يمكن معه الجمود عندما ينقله التاريخ وحسب.

ونحن عندما نتحدّث عن هذا الأمر بهذه الكيفية، فإنما نتحدث عنه من ناحية المبدأ، في الوقت الذي يجب أن تتمّ دراسة التطبيق بالنحو الذي يضمن كل العناصر التي يمكن أن تحقِّق للحدث التاريخي كل حيويته وصدقيته وكل ردود الفعل الإيجابية من خلاله.. وفي ضوء هذا، لا بد من أن تكون هناك دراسة دقيقة لاختيار الممثلين، ورقابة مشددة على طبيعة الأداء.

وفي هذا الإطار، ندعو الكتّاب والمؤلّفين، كما نشدّد على الدعاة إلى الإسلام، أن لا ينطلقوا في عملية تجزيئية لشخصية الحسين(ع)، لأنّ الحسين(ع) كان إماماً للإسلام، وإمامته ـ فيما نعتقد ـ هي امتداد حركي للنبوّة، وقد عاشها(ع) دعوةً للإسلام، وتأصيلاً لمفاهيمه بالكلمة والموقف، وعاشها حركةً في تقويم الانحراف الداخلي والخارجي، ومن الضروري أن تبرز كلّ ملامح الإمامة في شخصيّته في كل موقف وقفه، وكل حركة تحركها.

وعلى هذا الأساس، رفضنا كل موقف نقله التاريخ لا ينسجم مع خط الإسلام الأصيل، ولا مع الموقع القيادي للإمامة، بقطع النظر عن تناقضه مع ما ينقله المؤرخون أنفسهم من مواقف الإمام(ع) الرائعة.. وسنقف على هذا الأمر في حديثنا عن المضمون العاشورائي.

المصدر: "نظرة إسلامية حول عاشوراء".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية