ينبغي أن ننفتح في محرَّم على الشِّعارات التي أطلقها الإمام الحسين (ع)، فقد أطلق (ع) عدّة شعارات تتَّصل بالواقع السياسي وبالواقع الإسلامي الحركي وبواقع القِيَم الإنسانيَّة التي هي قِيَم إيمانيَّة، فنحن نقرأ في سيرة الإمام الحسين (ع)، أنَّ أوّل خطبة قالها، وهو يريد للنَّاس أن يعرفوا الأساس الشَّرعي على مستوى الخطّ وعلى مستوى الواقع لحركته أو لثورته أو لنهضته ـــ ما شئت فعبّر ـــ عندما قال: "أيّها الناس، إنّ رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغيِّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله" . هذا هو الخطّ البياني العام الَّذي رسمه رسول الله لحركة التَّغيير في مواجهة الانحراف المتمثِّل بالقيادة.
ثمّ قال، عندما أراد أن يلفت النظر إلى الواقع المرير: "إنّ هؤلاء القوم قد لزِموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرَّحمن، وأظهروا الفساد، وعطَّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وإنّي أحقّ بهذا الأمر" .
إنّ هذه الكلمة تدلّ على أنَّ الحسين (ع) تحرّك في الخطّ العام الذي رسمه رسول الله (ص)، لأنّه الأمين على الرسالة في الخطوط العامَّة، والأمين على الرِّسالة في الجانب الحركي للرّسالة. لذلك عندما التقى أمير المدينة، وعرض عليه البيعة ليزيد، قال: "إنَّا أهل بيت النبوَّة، وموضع الرسالة، ومختلَفِ الملائكة، بنا فتَحَ الله وبنا خَتَم، ويزيد رجلٌ فاسق شاربٌ للخمر، قاتلٌ للنَّفس المحرَّمة، ومثلي لا يبايع مثله" .
من هنا، نستوحي أنّ الحسين (ع) كان ينطلق من أجل إقامة الحكم لله تعالى، لا كما يقول البعض بأنّ الحركة إصلاحيَّة يراد منها تخفيف الواقع الفاسد لا تغييره، فالحسين (ع) يطرح مسألة التَّغيير، وهذا هو الذي يفسّر كلمته الأخرى، وهي: "ما خرجتُ أشِراً ولا بطراً، ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمَّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"، باعتبار أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر يختصر كلَّ حركة الإنسان الواقعيَّة في مواجهة الانحراف عن الخطِّ كلِّه، لأنَّ المعروف والمنكر يختصران كلَّ الجوانب الإيجابيَّة والسلبيَّة... وهكذا نستوحي أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر لا ينحصر بالكلمة، ولكنه قد يصل إلى حدّ الثورة.
وهكذا عندما نلتقي بالإمام الحسين (ع) عندما يطرح عليه الخضوع لحكم يزيد وابن زياد، عندما قال: "لا والله لا أُعطيكم بيدي إعطاءَ الذَّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد، ألا وإنّ الدَّعيّ ابن الدَّعيّ قد رَكَزَ بين اثنتين؛ بين السلَّة والذلَّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله" .
من هذا نفهم أنَّ علينا أن نأخذ شعار الحسين (ع) في كلّ التحدّيات التي يراد لنا فيها أن نخضع لحكم الاستكبار كلّه، ولا سيّما الاستكبار العالمي، ولحكم الاستكبار الصهيوني، لأنّ القضيَّة المطروحة الآن في كلِّ هذا الصِّراع بين العرب واليهود، وبين المسلمين واليهود، هو أن ننزل على حكم اليهود، بحيث نخضع لكلِّ شروطهم وكلِّ خططهم، وأن نخضع أيضاً للاستكبار العالمي في كلِّ خططه الَّذي يحاول أن يدعم فيها إسرائيل، لذلك عندما تدخلون عاشوراء، أطلّوا على التاريخ الذي لا يحصر الحسين في دائرته، ولكنه يطلق الإمام الحسين كرمز لتغيير الواقع الفاسد والمطالبة بحرية الإنسان كلّه.
لذلك ـــ أيّها الأحبّة ـــ لن تكونوا حسينيّين إذا أعطيتم بأيديكم إعطاء الذَّليل، وأقررتم إقرار العبيد، ولن تكونوا حسينيّين إذا وقفتم موقف اللامبالاة أمام كلّ معروف يترك، وكلّ منكر يفعل، سواء كان المعروف عبادياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو أيّ شيء، وسواءً كان المنكر كذلك، ولن تكونوا حسينيّين إذا لم تتحمَّلوا مسؤوليَّة التَّغيير، كلٌّ بحسب إمكاناته، وكلٌّ بحسب ظروفه...
أيّها الأحبّة: إنَّ قيمة كربلاء في كلِّ معانيها، أنّها تصنع من كلِّ واحد منّا حسيناً ولو بنسبة الواحد بالألف، بمعنى أن نأخذ من أخلاق الحسين بعضاً من أخلاقنا، ومن موقف الحسين بعضاً من مواقفنا، ومن روحانيّة الحسين التي نعيشها في دعائه يوم عرفة لنعيش روحانيَّتنا. وإنَّ كربلاء هي مدرستنا، وإذا كنّا نبكي الحسين (ع)، فإنّنا نعرف أنَّ الحسين وهو في قمَّة المأساة، كان يفرح الفرح الروحي بالله، لأنَّ الله ينظر إليه، وعلينا أن نتعلَّم درس الحسين (ع)، نحن الذين قد نشرَّد عن أوطاننا، نحن الَّذين قد نضطهد، وقد نعيش كلّ الجراحات والمشاكل، إذ علينا أن لا نجزع، وأن لا نسقط لأنّنا عشنا المأساة، بل أن نكون حسينيّين، وأن يقول كلّ واحد منّا: "هوّن ما نزل بي أنَّه بعين الله"، وتلك هي أمثولة كربلاء الَّتي تنتج في كلِّ سنة جيلاً جديداً لمن عاش في عمق كربلاء، لا الَّذي يتحرّك على سطوحها.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.
ينبغي أن ننفتح في محرَّم على الشِّعارات التي أطلقها الإمام الحسين (ع)، فقد أطلق (ع) عدّة شعارات تتَّصل بالواقع السياسي وبالواقع الإسلامي الحركي وبواقع القِيَم الإنسانيَّة التي هي قِيَم إيمانيَّة، فنحن نقرأ في سيرة الإمام الحسين (ع)، أنَّ أوّل خطبة قالها، وهو يريد للنَّاس أن يعرفوا الأساس الشَّرعي على مستوى الخطّ وعلى مستوى الواقع لحركته أو لثورته أو لنهضته ـــ ما شئت فعبّر ـــ عندما قال: "أيّها الناس، إنّ رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغيِّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله" . هذا هو الخطّ البياني العام الَّذي رسمه رسول الله لحركة التَّغيير في مواجهة الانحراف المتمثِّل بالقيادة.
ثمّ قال، عندما أراد أن يلفت النظر إلى الواقع المرير: "إنّ هؤلاء القوم قد لزِموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرَّحمن، وأظهروا الفساد، وعطَّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وإنّي أحقّ بهذا الأمر" .
إنّ هذه الكلمة تدلّ على أنَّ الحسين (ع) تحرّك في الخطّ العام الذي رسمه رسول الله (ص)، لأنّه الأمين على الرسالة في الخطوط العامَّة، والأمين على الرِّسالة في الجانب الحركي للرّسالة. لذلك عندما التقى أمير المدينة، وعرض عليه البيعة ليزيد، قال: "إنَّا أهل بيت النبوَّة، وموضع الرسالة، ومختلَفِ الملائكة، بنا فتَحَ الله وبنا خَتَم، ويزيد رجلٌ فاسق شاربٌ للخمر، قاتلٌ للنَّفس المحرَّمة، ومثلي لا يبايع مثله" .
من هنا، نستوحي أنّ الحسين (ع) كان ينطلق من أجل إقامة الحكم لله تعالى، لا كما يقول البعض بأنّ الحركة إصلاحيَّة يراد منها تخفيف الواقع الفاسد لا تغييره، فالحسين (ع) يطرح مسألة التَّغيير، وهذا هو الذي يفسّر كلمته الأخرى، وهي: "ما خرجتُ أشِراً ولا بطراً، ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمَّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"، باعتبار أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر يختصر كلَّ حركة الإنسان الواقعيَّة في مواجهة الانحراف عن الخطِّ كلِّه، لأنَّ المعروف والمنكر يختصران كلَّ الجوانب الإيجابيَّة والسلبيَّة... وهكذا نستوحي أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر لا ينحصر بالكلمة، ولكنه قد يصل إلى حدّ الثورة.
وهكذا عندما نلتقي بالإمام الحسين (ع) عندما يطرح عليه الخضوع لحكم يزيد وابن زياد، عندما قال: "لا والله لا أُعطيكم بيدي إعطاءَ الذَّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد، ألا وإنّ الدَّعيّ ابن الدَّعيّ قد رَكَزَ بين اثنتين؛ بين السلَّة والذلَّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله" .
من هذا نفهم أنَّ علينا أن نأخذ شعار الحسين (ع) في كلّ التحدّيات التي يراد لنا فيها أن نخضع لحكم الاستكبار كلّه، ولا سيّما الاستكبار العالمي، ولحكم الاستكبار الصهيوني، لأنّ القضيَّة المطروحة الآن في كلِّ هذا الصِّراع بين العرب واليهود، وبين المسلمين واليهود، هو أن ننزل على حكم اليهود، بحيث نخضع لكلِّ شروطهم وكلِّ خططهم، وأن نخضع أيضاً للاستكبار العالمي في كلِّ خططه الَّذي يحاول أن يدعم فيها إسرائيل، لذلك عندما تدخلون عاشوراء، أطلّوا على التاريخ الذي لا يحصر الحسين في دائرته، ولكنه يطلق الإمام الحسين كرمز لتغيير الواقع الفاسد والمطالبة بحرية الإنسان كلّه.
لذلك ـــ أيّها الأحبّة ـــ لن تكونوا حسينيّين إذا أعطيتم بأيديكم إعطاء الذَّليل، وأقررتم إقرار العبيد، ولن تكونوا حسينيّين إذا وقفتم موقف اللامبالاة أمام كلّ معروف يترك، وكلّ منكر يفعل، سواء كان المعروف عبادياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو أيّ شيء، وسواءً كان المنكر كذلك، ولن تكونوا حسينيّين إذا لم تتحمَّلوا مسؤوليَّة التَّغيير، كلٌّ بحسب إمكاناته، وكلٌّ بحسب ظروفه...
أيّها الأحبّة: إنَّ قيمة كربلاء في كلِّ معانيها، أنّها تصنع من كلِّ واحد منّا حسيناً ولو بنسبة الواحد بالألف، بمعنى أن نأخذ من أخلاق الحسين بعضاً من أخلاقنا، ومن موقف الحسين بعضاً من مواقفنا، ومن روحانيّة الحسين التي نعيشها في دعائه يوم عرفة لنعيش روحانيَّتنا. وإنَّ كربلاء هي مدرستنا، وإذا كنّا نبكي الحسين (ع)، فإنّنا نعرف أنَّ الحسين وهو في قمَّة المأساة، كان يفرح الفرح الروحي بالله، لأنَّ الله ينظر إليه، وعلينا أن نتعلَّم درس الحسين (ع)، نحن الذين قد نشرَّد عن أوطاننا، نحن الَّذين قد نضطهد، وقد نعيش كلّ الجراحات والمشاكل، إذ علينا أن لا نجزع، وأن لا نسقط لأنّنا عشنا المأساة، بل أن نكون حسينيّين، وأن يقول كلّ واحد منّا: "هوّن ما نزل بي أنَّه بعين الله"، وتلك هي أمثولة كربلاء الَّتي تنتج في كلِّ سنة جيلاً جديداً لمن عاش في عمق كربلاء، لا الَّذي يتحرّك على سطوحها.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.