من دروس الحسين (ع): أن نفكّر في نتائج أعمالنا ومواقفنا

من دروس الحسين (ع): أن نفكّر في نتائج أعمالنا ومواقفنا

وانطلق الحسين (ع) في درب الشهادة، وأغفى إغفاءةً كان يقول بعدها إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ويسأله ولده الشابّ علي الأكبر: لِمَ استرجعت يا أبتاه؟ قال: عنَّ لي فارس وأنا في إغفاءتي يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير خلفهم، فعلمتُ أنّها نفوسنا نُعِيَتْ إلينا. فقال عليّ الأكبر (ع): يا أبتاه، وما همّ، أَلَسْنا على الحق؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده، إنّ طريقنا طريق حقّ لا مجال فيه للباطل، لسنا في شكٍّ من أمرنا، نحن متيقّنون بأنَّ الطريق هي طريق الله وطريق رسول الله وطريق الحقّ، قال: إذاً لا نُبالي أن نموت محقّين.

القصّة هي ليست أن تموت أو لا تموت، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}[الزمر: 30]، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ...}[الأنبياء: 35]، ليست المشكلة أن تفكِّر متى تموت، وبأيِّ أرضٍ تموت، ولكن فكِّر كيف تموت؛ هل تموت وأنتَ في طريق الله، أم تموت وأنتَ في طريق الشّيطان؟ هل تموت على الحقّ، حتّى إذا متَّ استقبلتك الملائكة كما تستقبل كلّ المؤمنين {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد: 24]، أم تموت على الباطل، فتسمع الكلمة: لهم اللّعنة ولهم سوءُ الدار؟ حدِّد لنفسك الخطّ الذي تتحرّك فيه وأنتَ تموت؛ هل تموت على أساس الباطل أم على أساس الحقّ؟ مع مَنْ تريد أن تحشر؟ هل تريد أن تُحْشَر مع أولياء الله أم مع أعداء الله، كما في دعاء كميل: "فلئن صَيَّرْتني للعقوبات مع أعدائك، وجمعت بيني وبين أهلِ بلائك، وفَرَّقْتَ بيني وبين أحِبَّائك وأوليائك"؟ فكِّر مع مَنْ كنتَ معه، لأنّك ستُحشر مع مَنْ كنت، إذا كنت مع الكافرين ومع الفاسقين ومع الظّالمين ومع الطاغين، فستُحشر معهم، وإذا كنتَ مع المؤمنين العادلين الطيّبين الصادقين، فإنَّك ستُحْشَر معهم.

دقّقوا في مواقفكم

هل تحبُّون عليّ الأكبر؟ تحبُّونه في قلوبكم، لكن وجِّهوا إلى أنفسكم سؤالاً: هل تحبُّونه في مواقفكم؟ عليّ الأكبر كان يؤكّد أنّه على الحقّ بعدما درس المسألة، ودقَّق، وعَرَفَ ماذا هناك، عرَفَ الباطل، وعَرَفَ الحقّ، فاستطاع أن يعرف الحقّ من الباطل، لا أن تستغرق في موقفك من دون بحث ولا تدقيق وتقول: أنا على حقّ، لأنَّ مسألة الحقّ مسألة مُشكِلة، لأنَّ كثيراً من الناس يمزجون الحقّ بالباطل.

طالب الحقّ لا يتعصّب

لهذا، فكِّروا في النتائج، ولنفكّر جميعاً مع رسول الله: "ما خير بخير بعده النّار، وما شرّ بشرّ بعده الجنّة".

وسار الحسين (ع)، ووصل كربلاء، وتجمَّعت الجيوش حوله ممَّن بعث إليه أنّك سترى منّا جنوداً مجنَّدة، وكان الحسين صاحب رسالة، لم يتعقَّد منهم، ولكنّه وقف معهم المرّة والمرّتين والثلاث والأكثر، وهو يخطب فيهم ويعظهم ويذكّرهم بعذاب الله، ولكنَّ القوم ككثير من القوم في زمانٍ آخر، أغلقت عقولهم عن التّفكير، لم يُسمَح لهم بأنْ يفكِّروا، لأنّهم وُضِعوا في دائرةٍ يُراد لهم أن لا يفكِّروا فيها، يعني لا تفكِّر، فقط امشِ على هذا الخطّ وممنوع أن تفكِّر، لو تكلَّم معك أحد وقال يا فلان، تعالَ نتفاهم، قل له: لا، ليس هناك تفاهم!

إنّك عندما تلتزم أيّ موقع من خلال قناعتك ومن خلال فكرك، فستستمع إلى الآخر الذي يلتزم موقفاً آخر من خلال قناعته ومن خلال فكره، لأنَّك أنتَ طالب حقّ، والتزمت بهذا الموقف على أساس أنّك تطلب الحقّ، وعندما يأتي أحدهم ويقول لك: يا صاحبي، هناك وجهة نظر أخرى يمكن أن يكون الحقّ فيها، اسمعني، عند ذلك تسمع بقلبٍ مفتوح وعقلٍ مفتوح وأُذن مفتوحة، وعند ذلك لا تتعصَّب، لأنَّك طالب حقّ. لكن إذا كنتَ شخصاً لا تعي شيئاً "سَكَّروا لك بالمفتاح باب عقلك"، قالوا لك فكِّر هكذا، والتزم هذا، ثمّ شحنوا قلبك بالبغض والعداوة، ثمّ وضعوك في ساحة محدودة، فإنَّ الجهل هو الذي يخلق العصبيّة. المتعصّبون جاهلون، أمّا العالمون، فهم ملتزمون لا يتعصّبون، وفرق بين الالتزام والعصبيّة، أنتَ متعصّب إذا كنت غير مستعدّ لأن تسمع وجهة النظر المخالفة، أمّا وأنتَ ملتزم، فإنّك تلتزم استماع وجهة النظر الأخرى، وتحدِّد بعدها إنْ كنت على قناعة بها أم لا.

الإمام الحسين (سلام الله عليه)، عندما واجَه هؤلاء القوم، واجَهَ قوماً أغلقت الأموال عقولهم وقلوبهم ومواقفهم، لهذا كان يحاورهم ويدعوهم إلى الحوار، وهم يقولون: لا نفهم ما تقول، انزِل على حكم من بني عمّك. لو تكلّمت صبحاً ومساءً لن تجد عندنا غير هذه الكلمة، فنحن غير مستعدّين للتفاهم وغير مستعدّين لأن نتحاور.

هذا موقف؛ وهناك مواقف مماثلة تحتاج أن تدرسوها، مشكلتكم أنّكم جمّدتم كربلاء، أصبحت مجرّد قارئ عزاء أُمّيٍّ أو شبه أُمّيٍّ، المهمّ أنّ عنده صوتاً جيّداً يُبكي الناس، ولكنّه لا يعرف أن يعطيك دروساً لتفهم واقعك من خلال ما كان يعيشه الحسين (ع)، ولكن عندما نفهم فلسفة موقف الحسين نعرف عظمة الحسين، وعندما نفهم عمق الثورة الحسينيّة، نفهم عظمة الحسين (ع). عند ذلك، قال لهم: "لا والله، لا أُعطيكم بيدي إعطاءَ الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد"(1). أنا الحسين الحرّ، سيّد الأحرار، لا يمكن أن أوَقِّع لكم على شيء لا أرتضيه، "ألاَ وإنَّ الدّعيّ ابن الدعيّ قد رَكَزَ بين اثنتين؛ بين السِلَّةِ والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابَت، وأرحام طَهُرَت من أن تؤْثَر طاعة اللّئام على مصارع الكِرام"(2).

*  من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

***


(1) بحار الأنوار، ج:45، ص:7، باب:37.

(2) البحار، ج:45، ص:9، باب:37.

وانطلق الحسين (ع) في درب الشهادة، وأغفى إغفاءةً كان يقول بعدها إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ويسأله ولده الشابّ علي الأكبر: لِمَ استرجعت يا أبتاه؟ قال: عنَّ لي فارس وأنا في إغفاءتي يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير خلفهم، فعلمتُ أنّها نفوسنا نُعِيَتْ إلينا. فقال عليّ الأكبر (ع): يا أبتاه، وما همّ، أَلَسْنا على الحق؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده، إنّ طريقنا طريق حقّ لا مجال فيه للباطل، لسنا في شكٍّ من أمرنا، نحن متيقّنون بأنَّ الطريق هي طريق الله وطريق رسول الله وطريق الحقّ، قال: إذاً لا نُبالي أن نموت محقّين.

القصّة هي ليست أن تموت أو لا تموت، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}[الزمر: 30]، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ...}[الأنبياء: 35]، ليست المشكلة أن تفكِّر متى تموت، وبأيِّ أرضٍ تموت، ولكن فكِّر كيف تموت؛ هل تموت وأنتَ في طريق الله، أم تموت وأنتَ في طريق الشّيطان؟ هل تموت على الحقّ، حتّى إذا متَّ استقبلتك الملائكة كما تستقبل كلّ المؤمنين {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد: 24]، أم تموت على الباطل، فتسمع الكلمة: لهم اللّعنة ولهم سوءُ الدار؟ حدِّد لنفسك الخطّ الذي تتحرّك فيه وأنتَ تموت؛ هل تموت على أساس الباطل أم على أساس الحقّ؟ مع مَنْ تريد أن تحشر؟ هل تريد أن تُحْشَر مع أولياء الله أم مع أعداء الله، كما في دعاء كميل: "فلئن صَيَّرْتني للعقوبات مع أعدائك، وجمعت بيني وبين أهلِ بلائك، وفَرَّقْتَ بيني وبين أحِبَّائك وأوليائك"؟ فكِّر مع مَنْ كنتَ معه، لأنّك ستُحشر مع مَنْ كنت، إذا كنت مع الكافرين ومع الفاسقين ومع الظّالمين ومع الطاغين، فستُحشر معهم، وإذا كنتَ مع المؤمنين العادلين الطيّبين الصادقين، فإنَّك ستُحْشَر معهم.

دقّقوا في مواقفكم

هل تحبُّون عليّ الأكبر؟ تحبُّونه في قلوبكم، لكن وجِّهوا إلى أنفسكم سؤالاً: هل تحبُّونه في مواقفكم؟ عليّ الأكبر كان يؤكّد أنّه على الحقّ بعدما درس المسألة، ودقَّق، وعَرَفَ ماذا هناك، عرَفَ الباطل، وعَرَفَ الحقّ، فاستطاع أن يعرف الحقّ من الباطل، لا أن تستغرق في موقفك من دون بحث ولا تدقيق وتقول: أنا على حقّ، لأنَّ مسألة الحقّ مسألة مُشكِلة، لأنَّ كثيراً من الناس يمزجون الحقّ بالباطل.

طالب الحقّ لا يتعصّب

لهذا، فكِّروا في النتائج، ولنفكّر جميعاً مع رسول الله: "ما خير بخير بعده النّار، وما شرّ بشرّ بعده الجنّة".

وسار الحسين (ع)، ووصل كربلاء، وتجمَّعت الجيوش حوله ممَّن بعث إليه أنّك سترى منّا جنوداً مجنَّدة، وكان الحسين صاحب رسالة، لم يتعقَّد منهم، ولكنّه وقف معهم المرّة والمرّتين والثلاث والأكثر، وهو يخطب فيهم ويعظهم ويذكّرهم بعذاب الله، ولكنَّ القوم ككثير من القوم في زمانٍ آخر، أغلقت عقولهم عن التّفكير، لم يُسمَح لهم بأنْ يفكِّروا، لأنّهم وُضِعوا في دائرةٍ يُراد لهم أن لا يفكِّروا فيها، يعني لا تفكِّر، فقط امشِ على هذا الخطّ وممنوع أن تفكِّر، لو تكلَّم معك أحد وقال يا فلان، تعالَ نتفاهم، قل له: لا، ليس هناك تفاهم!

إنّك عندما تلتزم أيّ موقع من خلال قناعتك ومن خلال فكرك، فستستمع إلى الآخر الذي يلتزم موقفاً آخر من خلال قناعته ومن خلال فكره، لأنَّك أنتَ طالب حقّ، والتزمت بهذا الموقف على أساس أنّك تطلب الحقّ، وعندما يأتي أحدهم ويقول لك: يا صاحبي، هناك وجهة نظر أخرى يمكن أن يكون الحقّ فيها، اسمعني، عند ذلك تسمع بقلبٍ مفتوح وعقلٍ مفتوح وأُذن مفتوحة، وعند ذلك لا تتعصَّب، لأنَّك طالب حقّ. لكن إذا كنتَ شخصاً لا تعي شيئاً "سَكَّروا لك بالمفتاح باب عقلك"، قالوا لك فكِّر هكذا، والتزم هذا، ثمّ شحنوا قلبك بالبغض والعداوة، ثمّ وضعوك في ساحة محدودة، فإنَّ الجهل هو الذي يخلق العصبيّة. المتعصّبون جاهلون، أمّا العالمون، فهم ملتزمون لا يتعصّبون، وفرق بين الالتزام والعصبيّة، أنتَ متعصّب إذا كنت غير مستعدّ لأن تسمع وجهة النظر المخالفة، أمّا وأنتَ ملتزم، فإنّك تلتزم استماع وجهة النظر الأخرى، وتحدِّد بعدها إنْ كنت على قناعة بها أم لا.

الإمام الحسين (سلام الله عليه)، عندما واجَه هؤلاء القوم، واجَهَ قوماً أغلقت الأموال عقولهم وقلوبهم ومواقفهم، لهذا كان يحاورهم ويدعوهم إلى الحوار، وهم يقولون: لا نفهم ما تقول، انزِل على حكم من بني عمّك. لو تكلّمت صبحاً ومساءً لن تجد عندنا غير هذه الكلمة، فنحن غير مستعدّين للتفاهم وغير مستعدّين لأن نتحاور.

هذا موقف؛ وهناك مواقف مماثلة تحتاج أن تدرسوها، مشكلتكم أنّكم جمّدتم كربلاء، أصبحت مجرّد قارئ عزاء أُمّيٍّ أو شبه أُمّيٍّ، المهمّ أنّ عنده صوتاً جيّداً يُبكي الناس، ولكنّه لا يعرف أن يعطيك دروساً لتفهم واقعك من خلال ما كان يعيشه الحسين (ع)، ولكن عندما نفهم فلسفة موقف الحسين نعرف عظمة الحسين، وعندما نفهم عمق الثورة الحسينيّة، نفهم عظمة الحسين (ع). عند ذلك، قال لهم: "لا والله، لا أُعطيكم بيدي إعطاءَ الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد"(1). أنا الحسين الحرّ، سيّد الأحرار، لا يمكن أن أوَقِّع لكم على شيء لا أرتضيه، "ألاَ وإنَّ الدّعيّ ابن الدعيّ قد رَكَزَ بين اثنتين؛ بين السِلَّةِ والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابَت، وأرحام طَهُرَت من أن تؤْثَر طاعة اللّئام على مصارع الكِرام"(2).

*  من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

***


(1) بحار الأنوار، ج:45، ص:7، باب:37.

(2) البحار، ج:45، ص:9، باب:37.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية