تقوى الله.. سبيل التقرّب من الله والفوز بجنَّته

تقوى الله.. سبيل التقرّب من الله والفوز بجنَّته

لماذا نحن هنا؟

إنّنا هنا، أيها الأحبَّة، من أجل أن نقرب إلى الله أكثر، لأننا من خلال كلّ هذا الضجيج الذي نعيشه في داخل نفوسنا؛ ضجيج الشهوات، وضجيج الأطماع، وضجيج الوساوس والعصبيّات، ابتعدنا عن الله كثيراً، حتى إنّ أحدنا أصبح يذكر الله بلسانه، ولكنه لا يذكره بعقله وقلبه، فقلوبنا مشغولة عن الله سبحانه وتعالى، ولا بدّ لذكر الله من أن يعيش في قلوبنا قبل ألسنتنا. وهذا ما عبّر عنه الإمام زين العابدين (سلام الله عليه) في دعائه: "واشغل قلوبنا بذكرك عن كلّ ذكر"، أن يكون قلبك مشغولاً بذكر الله لا لسانك، وعندما تحدَّث عن اللّسان قال: "وألسنتنا بشكرك عن كلّ شكر". اللّسان يكون وسيلة من وسائل الشّكر لله سبحانه وتعالى.

لا بدّ لنا من أن نعيش تحت الهدف، بأن نكون القريبين من الله. لقد كانت عظمة الأنبياء والأئمّة والصالحين من عباد الله، أنهم كانوا القريبين إلى الله بعقولهم وقلوبهم وكلّ حركة حياتهم.

التقوى هدف المؤمن

هذه من الأمور التي يجب أن نعيشها، وأن تكون هدفنا من كلّ مناسبة نذكر فيها ولياً من أولياء الله. ومن خلال هذا الذكر لله، أو هدف القرب من الله، والحصول على نعيمه وعلى جنّته، لا بدّ من أن نحصل على التقوى، فالتقوى هي العنوان العام الذي يشمل حركتك في عقلك، وحركتك في قلبك، وحركتك في لسانك، وحركتك في كلّ جوارحك وأعضائك ومواقفك في الحياة... لأنَّ لكلِّ شيءٍ تقواه.

وقد أراد الله لنا في القرآن الكريم، أن نتذكَّر التقوى دائماً، وذلك في بعض الآيات التي توجَّه بها إلى الناس، لا إلى المؤمنين فقط، أراد أن يقول للناس إنَّ التقوى هي التي تنقذكم من عذاب الله، فإذا ابتعدتم عن تقوى الله، ابتعدتم عن الجنّة، واقتربتم من النار {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ} احسبوا حسابه في كلّ عمل تعملونه، وفي كلّ قول تقولونه، راقبوه، اخشوه {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}. والساعة هي القيامة {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}. ونحن نعرف كم هي العلاقة بين الوالدة المرضعة وبين رضيعها، فلا يشغلها عنه أيّ شيء، ولكنّها في ذلك اليوم، من خلال الزلزال النفسي الذي يعيشه الإنسان، تذهل فيه كلّ مرضعة عما أرضعت، وتضع كلّ ذات حمل حملها. نحن نعرف أنّ الرعب والخوف والفزع يؤدّي إلى إسقاط الحامل حملها، وترى الناس سكارى لا يعقلون شيئاً، وما هم بسكارى، لم يشربوا خمراً، ولكنّ عذاب الله شديد.

فالله يقول: {اتَّقُواْ رَبَّكُمُ}، حتى تكونوا الآمنين في ذلك الموقف، وحتى تكونوا المطمئنّين نفسيّاً أمام ذلك الزلزال، وحتى تكونوا الواعين أمام ذلك الذّهول، وحتى تكونوا المنفتحين أمام ذلك السِّكر؛ سكر الرّعب.

هذا أسلوب من أساليب تحذير الناس من الابتعاد عن التقوى، لأنهم سوف يواجهون هذا الموقف المرعب.

التّحذير من الغفلة

في آيةٍ أخرى، يتوجَّه الله إلى المؤمنين. ومن الطبيعي أنَّ المؤمن يؤمن بيوم القيامة، ويؤمن بالمسؤوليّة، ويعرف أنّه سيقف غداً أمام الله للحساب. كلّ هذه الأمور يعرفها. ولكنَّ المؤمن قد يغفل ويعيش الغفلة عن ذلك، كما نلاحظ أنفسنا، أنّنا من الصّباح إلى المساء نعيش أهواءنا وشهواتنا وأطماعنا وعصبيّاتنا، ولا نحسب حساب الله في ذلك كلّه، لأننا نسينا الله، ولأننا عشنا في الغفلة.

هنا، يقول الله للمؤمنين: {اتَّقُواْ رَبَّكُمُ}، يعني عليك أن تخاف مقام ربّك، وأن تحسب حسابه، وأن تهيِّئ نفسك للوقوف بين يديه، وأن ترتّب حساباتك أمامه. لذلك، حاول أن تعرف يوميّاً ما هو رصيدك عند الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}. ماذا قدَّمت ليوم القيامة؟ ما هو حساب طاعاتك؟ وما هو حساب عباداتك؟ ما هو حساب التزاماتك أمام الله؟...

احسب رصيدك عند الله أكثر مما تحسب رصيدك اليوميّ من المال، لأنَّ المال يذهب ويجيء، أمّا حساب الأعمال، فهو الذي يقرِّر مصيرك {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيب}[الإسراء: 14].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} يعني ليوم القيامة. فبعد أن تحسب حسابك، وتعرف رصيدك، لاحظ أنّه بقي لك مقدار من العمر، فاتَّق الله فيما تستقبل من عمر، ليكون عمرك عمر الطاعة لا عمر المعصية {وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

ثم يبيِّن الله سبحانه وتعالى ما السبب الّذي يجعل الإنسان يغفل عنه وعن طاعته وعن حساب أعماله {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ}، فتصرّفوا كما لو لم يكن الله موجوداً، لأنَّ الإنسان إذا أحسّ بوجود من ينظر إليه ممن يحسب حسابه، فلن يغفل عن العمل. تصوّر أنّك تعمل خطيئة من الخطايا، والتي يخجل منها الإنسان، أو خطيئة من الخطايا الّتي يخاف فيها من المسؤوليَّة، وكان ولد أمامك، فلن تقوم بها. لماذا؟ لأنك تخاف من عينيه اللّتين ينظر بهما إليك...

هناك بعض الحالات، مثلاً عندما تريد أن تسرق أو تزني، أو أن تقوم بأيّ عمل من الأعمال الخاطئة، ويكون هناك ولد صغير أمامك، فلن تقوم بالعمل، لكنَّ الله الذي يبصر من فوق عرشه ما تحت سبع أراضيه، نعمل كلّ شيء أمامه ولا نستحي منه، مع أنَّ الله هو الّذي ينبغي أن يُستحَى منه، ولماذا لا نستحي منه؟ لأنَّنا نسينا الله ولا نحسب له حساباً، وإذا نسينا الله، نسينا توازن مواقفنا في الحياة، وإذا نسينا الله، نسينا مصائرنا في الدّنيا والآخرة، ولذا يقول الله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[الحشر: 19].

سبيل الفوز بالجنّة

ثم يقول الله إنَّ المسألة ليست مسألة ربح يمكن أن يعود أو يزيد، أو خسارة يمكن أن تعوَّض، وإنّما المسألة فيها جنّة ونار، وعليك أن تدرس جيِّداً حسابات الجنّة وحسابات النّار؛ ماذا تمثّل الجنّة بالنسبة إليك؟ وماذا تمثّل النار بالنسبة إليك؟ {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}.

إذا أردت أن تفوز، فالفوز ينطلق من خطِّ التَّقوى، والله يركِّز على التقوى في هذا الجانب، أن دائماً فكِّر بالجنَّة وفكِّر بالنَّار. وقد ورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال له بعض الناس، إنّ الناس يقولون إنّهم يرجون الجنة ويخافون النار، قال: "كذبوا، ليسوا براجين، من رجا شيئاً طلبه".

فمن أراد الجنّة سعى نحوها، ومن خاف من شيء هرب منه. إذا خفت من نار جهنّم، فعليك أن تهرب من كلّ ما يدخلك فيها.

لاحظ ماذا يقول الله سبحانه وهو يحدِّثنا عن بعض القضايا التي نعيشها، والّتي ربما نواجه فيها مشاكل كثيرة، كما في مواجهتنا للكثير من الأعداء من الّذين يعادوننا في ديننا وفي عقيدتنا. يقول تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ – قد يأتيكم بلاء ومشاكل وتحدّيات - وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}. في هذه الحال، اصبر، لا تنفعل، ولا تسقط، ولا تندفع بشكلٍ سريع، جمِّد أعصابك، واتَّق الله في الخطَّة التي تريد أن ترسمها وتتحرَّك من خلالها في حلِّ المشكلة...

وهذا معناه أنَّ الله يقول إنَّه عند الصَّبر والتّقوى، وعندما تحسب حساباتك على أساس حسابات الله، وعندما يكون عليك أن تردَّ الاعتداء، وتواجه البلاء في المال، والبلاء في النَّفس، ماذا تكون نتيجة هذا الصَّبر على مستوى الدّنيا والآخرة؟ {فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}، وهذا يدلّ على أنَّك إنسان قويّ وصاحب عزيمة وصلابة، لأنَّ الصلابة ليست بالاندفاع، بل بالتفكير والتخطيط وحسابات المستقبل، كما قال الشّاعر:

ليس من يقطـع طرقـاً بطـلاً إنمـا مـن يتَّقـي الله البـطـل

بمقدار ما تتَّقي الله، تسيطر على غرائزك وشهواتك.

الجنّة للمتّقين

ثم نلاحظ في آيات أخرى، أيّها الأحبّة، أنّ الله يبيّن أن الجنة إنما أعدّت للمتقين، فالّذي لا يتقي الله، لا يستحقّ الجنّة.

قد يقول قائل: إنَّ من الممكن أن يعطي الله الجنَّة مجاناً، فالله يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء، وقد ورد في دعاء الافتتاح: "وأيقنت أنك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرّحمة، وأشدّ المعاقبين في موضع النّكال والنّقمة"، فالله غفور رحيم، فلنعمل كلّ شيء، والله يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء!!...

أنت رتِّب حساباتك للجنّة، وإذا أعطاك الله أكثر فهذا من كرمه.

أيّها الأحبّة، المهمّ أن نرتّب حساباتنا في الدنيا، حتى إذا وصلنا ليحاسبنا الله، كانت حساباتنا كلّها صحيحة، أمَّا أن نقول: "ليوم الله بهوّن الله"، من قال ذلك؟ وكيف تعرف؟ أو "إنَّ الله غفور رحيم"! صحيح، ولكن من قال إنَّ الله سيغفر لك؟! الإمام عليّ(ع) يقول: "أَفَبِهَذَا – بمثل هذه الأعمال؛ تؤذون وتستغيبون وتفتنون وتحقدون وتلعبون على الحبال، وتفعلون كلّ شيء، وتظلمون النّاس... - ¬ تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ؟! هَيْهَاتَ! لاَ يُخْدَعُ اَللهُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَلاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ". فالله لا يريد أن يخرِّب الجنّة. وإذا كنت في الدّنيا تلجأ إلى هذا الزّعيم أو ذاك الزّعيم ليؤمّن لك شقّةً للسّكن، فالأمور عند الله مختلفة.

أمّا أنّ هذا يغتاب وهذا يظلم وهذا يؤذي... ثمّ ندخل الجنة لأنّنا صلّينا كم صلاة، أو لأنّنا صمنا شهر رمضان، أو ذهبنا إلى الحجّ والعمرة، فعلى هذا، سنخرّب الجنّة!

ولترطيب الجوّ، أنقل لكم هذه القصّة.

يقال إنّه كان هناك مستضعف شيعي في منطقة من مناطق المسلمين، وذهب إلى المسجد والخطيب يخطب، فقام شخص وسأله: يا شيخنا، يزيد يدخل الجنّة أم النار؟

قال الخطيب: يدخل الجنَّة.

فاستغرب هذا الشّخص، أنّه كيف لمن قتل ابن بنت رسول الله، وقام بكلّ هذه الجرائم، وأباح المدينة ثلاثة أيّام، وقصف الكعبة بالمنجنيق، كيف يمكن له أن يدخل الجنّة؟

قال الخطيب: سأخبرك.

قال له: يوم القيامة، يأتي يزيد مساقاً إلى النّار، ولكن عندما يصل إلى النبيّ(ص)، يتسامح من النّبيّ(ص)، فيقول له النبيّ: إنّ أمرك ليس عندي، بل هو عند الإمام عليّ(ع). فيأتي يزيد إلى الإمام عليّ، فيقول له أمرك ليس عندي بل عند الزهراء(ع). يصل إلى الزهراء، تقول له: تسامح من الحسين. يصل إلى الحسين، ومن كرم الحسين ولطفه وأخلاقيّته، يقول له: عفوت عنك، فيأتي إلى الجنَّة يدقّ الباب. يسأله رضوان: من؟ يقول: يزيد. يقول له رضوان: يبدو أنّك تائه في الطّريق. طريقك ليس هنا.

يقول له يزيد: أنا ذهبت للحسين والحسين سامحني.

رضوان خازن الجنان مأمور، فيفتح له الطريق. أهل الجنّة يستقبلون كلّ من يدخل عليهم. يقومون لاستقبال الوافد الجديد، وإذا به يزيد! يسألون: من أتى به إلى هنا؟ يقول لهم القضيّة كذا وكذا، والحسين سامحه.

هنا قام صاحبنا الشّيعيّ وقال للخطيب: شيخنا، الحديث له تتمَّة، فلماذا لم تكمله؟

قال الخطيب: وما تكملته؟

قال الشيعيّ: يأتي يزيد يريد دخول الجنة، أهل الجنة يقولون لرضوان: قف، قبل أن تدخله، نحن عشنا في الدنيا وتعذّبنا وجاهدنا وقُتِلنا، حتى يحصل أحدنا على مكان له في الجنّة، وهذا قتل ابن بنت رسول الله، وأجرم الجرائم، وعاث في الأرض فساداً، تدخله إلى الجنّة يعيش معنا؟ اسمح لنا حتى نوضّب أغراضنا ونخرج من الجنّة ودع الجنة ليزيد.

وصار هناك مشكلة، فرفع رضوان الأمر إلى الله سبحانه وتعالى، فقال له الله: أخرجوا يزيد، لست مستعدّاً لأن أخرّب جنتي من أجله.

وهكذا، فالله لا يخرِّب جنّته لحساباتنا. يقول سبحانه عن أصحاب الجنّة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}.

من ميزة أهل الجنّة، أنهم لا يحقدون على الناس، ليس عندهم حقد ولا عداوة ولا عصبيَّة.

نحن يعشِّش الحقد فيما بيننا؛ أحقاد عائليّة وحزبيّة واجتماعيّة ومذهبيّة، كيف ندخل الجنّة؟ سوف نخرّب الجنّة، والله يقول عنها إنها دار سلام.

أخلاق أهل الجنَّة

لذلك، علينا أن نرتب أمورنا من الآن، وأن نستعدّ وندرّب أنفسنا على أخلاق أهل الجنّة. الإمام عليّ(ع) يقول: "احصد الشرّ من صدر غيرك بقلعه من صدرك". دع قلبك يتفايض بالمحبّة والخير. وإذا كان الآخر يحقد عليك، فهذه مشكلته، حتى يطّلع الله على قلبك، فلا يجد في قلبك إلا الخير.. وسارعوا أنتم في الدنيا إلى التّوبة. لا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد، لا تقل غداً أتوب، تب اليوم قبل الغد، والغد قبل الّذي بعده. فإذا كان هناك عمل خير، فأسرع في عمل الخير، وإذا كانت هناك توبة، فأسرع فيها: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ...}.

لمن هذه الجنّة؟ للزّعماء؟! للرؤساء؟! للمستكبرين؟! للمترفين؟! {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء}، هؤلاء الذين أعطاهم الله من فضله، ورأوا أنَّ هناك من يحتاج إلى ما رزقهم الله من رزق، فأنفقوا في السرّاء والضراء، في حالتي السعة والضّيق، ثم {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}. من صفات أهل الجنّة، كظم الغيظ، من زوجتك، من ابنك، من جارك... احبس غيظك {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، احبس غيظك، واعف عمن أغاظك {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

الإمام الحسين(ع) كان له غلام، وقد أذنب ذنباً يستحقّ تأديباً، فقال له الغلام: {والكاظمينَ الغيظَ}، قال: كظمت غيظي. قال: {والعافينَ عنِ الناسَ}، قال: عفوت عنك. قال: {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، قال: اذهب، فأنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك.

وهذه كلمة تبدو سهلة، ولكنّها في الحقيقة صعبة. نحن عندنا نساء ورجال، وحتى مشايخ وحجّاج، يقول لك: "أريد أن أنفّّس عن غضبي كيفما كان"...

غالباً، الذي يملك مسدّساً، رأساً يطلق الرصاص ولا يعرف العواقب، كلّ من جهته يفجّر غيظه.

الله يقول إنَّ أهل الجنّة هم الذين لا يعيشون في حياتهم فكرة أن تكون القوَّة في أن يفجّروا غيظهم، بل هم الذين يملكون الصّدر الواسع والأفق الواسع، بحيث يعفون عمن أساؤوا إليهم ويحسنون إليهم.

وهذه المسألة بحاجة إلى تدريب، حتى يتشجّع الإنسان على هذه الذهنيّة والروحيّة.

{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً - والفاحشة ليست كلّ الأعمال التي تتّصل بالمسائل الجنسيّة، بل إنّ كلّ معصية تجاوز بها الإنسان الحدّ تسمّى فاحشة – أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ - بخطيئة، بكلمة... بمجرّد أن يفعلوا ذلك - ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ - رأساً يستغفرون الله، ولا ينتظرون، ويقولون: اللّهمّ اغفر لنا ذنوبنا - وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ - ربّ إني عملت سوءاً، وظلمت نفسي، فاغفر لي ذنوبي كلّها، فإنّه لا يغفر الذنوب كلّها إلا أنت. هكذا نقول في الدّعاء.

- وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ - المهمّ عندما تخطئ، أن لا تصرَّ على الخطيئة، بل أن تستغفر الله منها فوراً.

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُو}، بمعنى تأتيهم غاشية على عيونهم، ولكن رأساً يرتفعون بالوعي وبذكر الله {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} الحقيقة في هذا المجال - وَهُمْ يَعْلَمُون - ما هو جزاؤهم.

- أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.

القضية تستأهل أن تضغط على أعصابك وتضحّي.

عليّ بن أبي طالب(ع)، عندما يذكر الشهوات يقول: "ما لعليّ ولنعيم يفنى ولذّة لا تبقى؟!". فهل أبيع الجنّة كلّها بلذّة لحظة؟! وأنا قلت لكم مراراً، إنّ كلّ الشهوات والمحرّمات؛ شهوة أكل حرام، شهوة شرب حرام، شهوة جنس حرام، شهوة حكاية حرام، شهوة ضربة حرام... هذه الشهوة بينكم وبين الله عمرها لحظة، لذّة الجنس لحظة، فشّة الخلق لحظة... أنت تبيع خلودك في الجنة بلحظة تورّطك بخلود في النار. إذا ذكرنا الله، نفهم هذه المسألة {أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}. فأيّ أجر أكبر وأعظم من أجر أولئك الذين يعملون في سبيل الله؟!

تقوى الفكر والعاطفة

التقوى، أيّها الأحبَّة، فيها تقوى الفكر، فإذا كان عندك عقل، وعندك علم، وعندك خبرة... يأتي الشيطان يطلب منك أن تسخّر علمك وعقلك وخبرتك في ما يضرّ الناس، وفيما يضرّ الحياة، وفيما يدمِّر الناس، ويعطيك أفكاراً في كيفيَّة إسقاط حريَّة المجتمع، أو في احتلال هذا البلد، أو في تدمير سمعة إنسان أو حرمة إنسان... هنا التقوى تقول لك وأنت تفكِّر، إنَّ الله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.

وإذا لم يكن هناك جهاز يستطيع أن يكشف ما تفكّر فيه، فإنَّ الله يتابعك من بداية تفكيرك في الشّرّ حتّى آخر الأمر: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

وهناك تقوى العاطفة، تقوى القلب، أي عندما ينبض قلبك بالحبّ وينبض بالبغض، فلا تجعل قلبك يحبّ أعداء الله ويبغض أولياء الله، لا تعط قلبك لأيٍّ كان، أعط قلبك لمن يتناسب مع خطِّ إيمانك، فكما أنَّ العقل ينبغي أن يتحرَّك في خطِّ الإيمان، كذلك القلب.

تقوى الجوارح والمواقف

كذلك هناك تقوى الأعضاء والجوارح. وتذكَّروا نقطةً هنا، فعندما يقول أحدكم إنّ يدي أضرب بها زوجتي في البيت، أضرب بها ابني، أضرب بها الضَّعيف عندي... وليس من يعرف أو يرى! وكذلك عندما تسير في خطّ التّآمر، تقول لا أحد يراني.. تذكّر ماذا يقول الله: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}. {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ}.

عندما تمسك يدك كأس الخمر، اعرف أنَّ يدك ستقول غداً أنا حملت الخمر، وستشهد شفتاك عليك بأنّهما تناولتا الخمر...

لهذا، ينبغي على الإنسان أن يبقي هذه الأفكار في ذهنه حتّى تقوده إلى التّقوى، ومنها تقوى المواقف، فلا يجوز لك أن تؤيِّد من لا يريد الله لك أن تؤيِّده، لأنّه ظالم، ولأنّه طاغية، ولأنّه مستكبر، وكذلك عليك أن لا تخذل المؤمنين والصالحين والعادلين والصّادقين.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}.. انظروا من هو الصّادق في كلامه وموقفه وروحه وعقله فكونوا معه، وهذا هو الّذي يفصل بين مجتمع الحسين(ع) ومجتمع يزيد. إنّ الذين كانوا مع يزيد لم يتّقوا الله وكانوا مع الكاذبين، أما الذين عاشوا مع الحسين(ع)، فكانوا الصادقين. ولذلك كان الحسين(ع) عندما يبرز أيّ واحد منهم، كان يتمثّل بهذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيل}.

علينا أن نتّقي الله، وأن نكون في خطّ الصدق كلّه، وفي خطّ الصّادقين في إيمانهم، والصّادقين في مواقفهم وفي مواقعهم وعهدهم لله، والحمد لله ربّ العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بتاريخ:7-1-1420هـ، الموافق: 23 -4-1999.

لماذا نحن هنا؟

إنّنا هنا، أيها الأحبَّة، من أجل أن نقرب إلى الله أكثر، لأننا من خلال كلّ هذا الضجيج الذي نعيشه في داخل نفوسنا؛ ضجيج الشهوات، وضجيج الأطماع، وضجيج الوساوس والعصبيّات، ابتعدنا عن الله كثيراً، حتى إنّ أحدنا أصبح يذكر الله بلسانه، ولكنه لا يذكره بعقله وقلبه، فقلوبنا مشغولة عن الله سبحانه وتعالى، ولا بدّ لذكر الله من أن يعيش في قلوبنا قبل ألسنتنا. وهذا ما عبّر عنه الإمام زين العابدين (سلام الله عليه) في دعائه: "واشغل قلوبنا بذكرك عن كلّ ذكر"، أن يكون قلبك مشغولاً بذكر الله لا لسانك، وعندما تحدَّث عن اللّسان قال: "وألسنتنا بشكرك عن كلّ شكر". اللّسان يكون وسيلة من وسائل الشّكر لله سبحانه وتعالى.

لا بدّ لنا من أن نعيش تحت الهدف، بأن نكون القريبين من الله. لقد كانت عظمة الأنبياء والأئمّة والصالحين من عباد الله، أنهم كانوا القريبين إلى الله بعقولهم وقلوبهم وكلّ حركة حياتهم.

التقوى هدف المؤمن

هذه من الأمور التي يجب أن نعيشها، وأن تكون هدفنا من كلّ مناسبة نذكر فيها ولياً من أولياء الله. ومن خلال هذا الذكر لله، أو هدف القرب من الله، والحصول على نعيمه وعلى جنّته، لا بدّ من أن نحصل على التقوى، فالتقوى هي العنوان العام الذي يشمل حركتك في عقلك، وحركتك في قلبك، وحركتك في لسانك، وحركتك في كلّ جوارحك وأعضائك ومواقفك في الحياة... لأنَّ لكلِّ شيءٍ تقواه.

وقد أراد الله لنا في القرآن الكريم، أن نتذكَّر التقوى دائماً، وذلك في بعض الآيات التي توجَّه بها إلى الناس، لا إلى المؤمنين فقط، أراد أن يقول للناس إنَّ التقوى هي التي تنقذكم من عذاب الله، فإذا ابتعدتم عن تقوى الله، ابتعدتم عن الجنّة، واقتربتم من النار {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ} احسبوا حسابه في كلّ عمل تعملونه، وفي كلّ قول تقولونه، راقبوه، اخشوه {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}. والساعة هي القيامة {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}. ونحن نعرف كم هي العلاقة بين الوالدة المرضعة وبين رضيعها، فلا يشغلها عنه أيّ شيء، ولكنّها في ذلك اليوم، من خلال الزلزال النفسي الذي يعيشه الإنسان، تذهل فيه كلّ مرضعة عما أرضعت، وتضع كلّ ذات حمل حملها. نحن نعرف أنّ الرعب والخوف والفزع يؤدّي إلى إسقاط الحامل حملها، وترى الناس سكارى لا يعقلون شيئاً، وما هم بسكارى، لم يشربوا خمراً، ولكنّ عذاب الله شديد.

فالله يقول: {اتَّقُواْ رَبَّكُمُ}، حتى تكونوا الآمنين في ذلك الموقف، وحتى تكونوا المطمئنّين نفسيّاً أمام ذلك الزلزال، وحتى تكونوا الواعين أمام ذلك الذّهول، وحتى تكونوا المنفتحين أمام ذلك السِّكر؛ سكر الرّعب.

هذا أسلوب من أساليب تحذير الناس من الابتعاد عن التقوى، لأنهم سوف يواجهون هذا الموقف المرعب.

التّحذير من الغفلة

في آيةٍ أخرى، يتوجَّه الله إلى المؤمنين. ومن الطبيعي أنَّ المؤمن يؤمن بيوم القيامة، ويؤمن بالمسؤوليّة، ويعرف أنّه سيقف غداً أمام الله للحساب. كلّ هذه الأمور يعرفها. ولكنَّ المؤمن قد يغفل ويعيش الغفلة عن ذلك، كما نلاحظ أنفسنا، أنّنا من الصّباح إلى المساء نعيش أهواءنا وشهواتنا وأطماعنا وعصبيّاتنا، ولا نحسب حساب الله في ذلك كلّه، لأننا نسينا الله، ولأننا عشنا في الغفلة.

هنا، يقول الله للمؤمنين: {اتَّقُواْ رَبَّكُمُ}، يعني عليك أن تخاف مقام ربّك، وأن تحسب حسابه، وأن تهيِّئ نفسك للوقوف بين يديه، وأن ترتّب حساباتك أمامه. لذلك، حاول أن تعرف يوميّاً ما هو رصيدك عند الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}. ماذا قدَّمت ليوم القيامة؟ ما هو حساب طاعاتك؟ وما هو حساب عباداتك؟ ما هو حساب التزاماتك أمام الله؟...

احسب رصيدك عند الله أكثر مما تحسب رصيدك اليوميّ من المال، لأنَّ المال يذهب ويجيء، أمّا حساب الأعمال، فهو الذي يقرِّر مصيرك {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيب}[الإسراء: 14].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} يعني ليوم القيامة. فبعد أن تحسب حسابك، وتعرف رصيدك، لاحظ أنّه بقي لك مقدار من العمر، فاتَّق الله فيما تستقبل من عمر، ليكون عمرك عمر الطاعة لا عمر المعصية {وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

ثم يبيِّن الله سبحانه وتعالى ما السبب الّذي يجعل الإنسان يغفل عنه وعن طاعته وعن حساب أعماله {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ}، فتصرّفوا كما لو لم يكن الله موجوداً، لأنَّ الإنسان إذا أحسّ بوجود من ينظر إليه ممن يحسب حسابه، فلن يغفل عن العمل. تصوّر أنّك تعمل خطيئة من الخطايا، والتي يخجل منها الإنسان، أو خطيئة من الخطايا الّتي يخاف فيها من المسؤوليَّة، وكان ولد أمامك، فلن تقوم بها. لماذا؟ لأنك تخاف من عينيه اللّتين ينظر بهما إليك...

هناك بعض الحالات، مثلاً عندما تريد أن تسرق أو تزني، أو أن تقوم بأيّ عمل من الأعمال الخاطئة، ويكون هناك ولد صغير أمامك، فلن تقوم بالعمل، لكنَّ الله الذي يبصر من فوق عرشه ما تحت سبع أراضيه، نعمل كلّ شيء أمامه ولا نستحي منه، مع أنَّ الله هو الّذي ينبغي أن يُستحَى منه، ولماذا لا نستحي منه؟ لأنَّنا نسينا الله ولا نحسب له حساباً، وإذا نسينا الله، نسينا توازن مواقفنا في الحياة، وإذا نسينا الله، نسينا مصائرنا في الدّنيا والآخرة، ولذا يقول الله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[الحشر: 19].

سبيل الفوز بالجنّة

ثم يقول الله إنَّ المسألة ليست مسألة ربح يمكن أن يعود أو يزيد، أو خسارة يمكن أن تعوَّض، وإنّما المسألة فيها جنّة ونار، وعليك أن تدرس جيِّداً حسابات الجنّة وحسابات النّار؛ ماذا تمثّل الجنّة بالنسبة إليك؟ وماذا تمثّل النار بالنسبة إليك؟ {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}.

إذا أردت أن تفوز، فالفوز ينطلق من خطِّ التَّقوى، والله يركِّز على التقوى في هذا الجانب، أن دائماً فكِّر بالجنَّة وفكِّر بالنَّار. وقد ورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال له بعض الناس، إنّ الناس يقولون إنّهم يرجون الجنة ويخافون النار، قال: "كذبوا، ليسوا براجين، من رجا شيئاً طلبه".

فمن أراد الجنّة سعى نحوها، ومن خاف من شيء هرب منه. إذا خفت من نار جهنّم، فعليك أن تهرب من كلّ ما يدخلك فيها.

لاحظ ماذا يقول الله سبحانه وهو يحدِّثنا عن بعض القضايا التي نعيشها، والّتي ربما نواجه فيها مشاكل كثيرة، كما في مواجهتنا للكثير من الأعداء من الّذين يعادوننا في ديننا وفي عقيدتنا. يقول تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ – قد يأتيكم بلاء ومشاكل وتحدّيات - وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}. في هذه الحال، اصبر، لا تنفعل، ولا تسقط، ولا تندفع بشكلٍ سريع، جمِّد أعصابك، واتَّق الله في الخطَّة التي تريد أن ترسمها وتتحرَّك من خلالها في حلِّ المشكلة...

وهذا معناه أنَّ الله يقول إنَّه عند الصَّبر والتّقوى، وعندما تحسب حساباتك على أساس حسابات الله، وعندما يكون عليك أن تردَّ الاعتداء، وتواجه البلاء في المال، والبلاء في النَّفس، ماذا تكون نتيجة هذا الصَّبر على مستوى الدّنيا والآخرة؟ {فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}، وهذا يدلّ على أنَّك إنسان قويّ وصاحب عزيمة وصلابة، لأنَّ الصلابة ليست بالاندفاع، بل بالتفكير والتخطيط وحسابات المستقبل، كما قال الشّاعر:

ليس من يقطـع طرقـاً بطـلاً إنمـا مـن يتَّقـي الله البـطـل

بمقدار ما تتَّقي الله، تسيطر على غرائزك وشهواتك.

الجنّة للمتّقين

ثم نلاحظ في آيات أخرى، أيّها الأحبّة، أنّ الله يبيّن أن الجنة إنما أعدّت للمتقين، فالّذي لا يتقي الله، لا يستحقّ الجنّة.

قد يقول قائل: إنَّ من الممكن أن يعطي الله الجنَّة مجاناً، فالله يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء، وقد ورد في دعاء الافتتاح: "وأيقنت أنك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرّحمة، وأشدّ المعاقبين في موضع النّكال والنّقمة"، فالله غفور رحيم، فلنعمل كلّ شيء، والله يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء!!...

أنت رتِّب حساباتك للجنّة، وإذا أعطاك الله أكثر فهذا من كرمه.

أيّها الأحبّة، المهمّ أن نرتّب حساباتنا في الدنيا، حتى إذا وصلنا ليحاسبنا الله، كانت حساباتنا كلّها صحيحة، أمَّا أن نقول: "ليوم الله بهوّن الله"، من قال ذلك؟ وكيف تعرف؟ أو "إنَّ الله غفور رحيم"! صحيح، ولكن من قال إنَّ الله سيغفر لك؟! الإمام عليّ(ع) يقول: "أَفَبِهَذَا – بمثل هذه الأعمال؛ تؤذون وتستغيبون وتفتنون وتحقدون وتلعبون على الحبال، وتفعلون كلّ شيء، وتظلمون النّاس... - ¬ تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ؟! هَيْهَاتَ! لاَ يُخْدَعُ اَللهُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَلاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ". فالله لا يريد أن يخرِّب الجنّة. وإذا كنت في الدّنيا تلجأ إلى هذا الزّعيم أو ذاك الزّعيم ليؤمّن لك شقّةً للسّكن، فالأمور عند الله مختلفة.

أمّا أنّ هذا يغتاب وهذا يظلم وهذا يؤذي... ثمّ ندخل الجنة لأنّنا صلّينا كم صلاة، أو لأنّنا صمنا شهر رمضان، أو ذهبنا إلى الحجّ والعمرة، فعلى هذا، سنخرّب الجنّة!

ولترطيب الجوّ، أنقل لكم هذه القصّة.

يقال إنّه كان هناك مستضعف شيعي في منطقة من مناطق المسلمين، وذهب إلى المسجد والخطيب يخطب، فقام شخص وسأله: يا شيخنا، يزيد يدخل الجنّة أم النار؟

قال الخطيب: يدخل الجنَّة.

فاستغرب هذا الشّخص، أنّه كيف لمن قتل ابن بنت رسول الله، وقام بكلّ هذه الجرائم، وأباح المدينة ثلاثة أيّام، وقصف الكعبة بالمنجنيق، كيف يمكن له أن يدخل الجنّة؟

قال الخطيب: سأخبرك.

قال له: يوم القيامة، يأتي يزيد مساقاً إلى النّار، ولكن عندما يصل إلى النبيّ(ص)، يتسامح من النّبيّ(ص)، فيقول له النبيّ: إنّ أمرك ليس عندي، بل هو عند الإمام عليّ(ع). فيأتي يزيد إلى الإمام عليّ، فيقول له أمرك ليس عندي بل عند الزهراء(ع). يصل إلى الزهراء، تقول له: تسامح من الحسين. يصل إلى الحسين، ومن كرم الحسين ولطفه وأخلاقيّته، يقول له: عفوت عنك، فيأتي إلى الجنَّة يدقّ الباب. يسأله رضوان: من؟ يقول: يزيد. يقول له رضوان: يبدو أنّك تائه في الطّريق. طريقك ليس هنا.

يقول له يزيد: أنا ذهبت للحسين والحسين سامحني.

رضوان خازن الجنان مأمور، فيفتح له الطريق. أهل الجنّة يستقبلون كلّ من يدخل عليهم. يقومون لاستقبال الوافد الجديد، وإذا به يزيد! يسألون: من أتى به إلى هنا؟ يقول لهم القضيّة كذا وكذا، والحسين سامحه.

هنا قام صاحبنا الشّيعيّ وقال للخطيب: شيخنا، الحديث له تتمَّة، فلماذا لم تكمله؟

قال الخطيب: وما تكملته؟

قال الشيعيّ: يأتي يزيد يريد دخول الجنة، أهل الجنة يقولون لرضوان: قف، قبل أن تدخله، نحن عشنا في الدنيا وتعذّبنا وجاهدنا وقُتِلنا، حتى يحصل أحدنا على مكان له في الجنّة، وهذا قتل ابن بنت رسول الله، وأجرم الجرائم، وعاث في الأرض فساداً، تدخله إلى الجنّة يعيش معنا؟ اسمح لنا حتى نوضّب أغراضنا ونخرج من الجنّة ودع الجنة ليزيد.

وصار هناك مشكلة، فرفع رضوان الأمر إلى الله سبحانه وتعالى، فقال له الله: أخرجوا يزيد، لست مستعدّاً لأن أخرّب جنتي من أجله.

وهكذا، فالله لا يخرِّب جنّته لحساباتنا. يقول سبحانه عن أصحاب الجنّة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}.

من ميزة أهل الجنّة، أنهم لا يحقدون على الناس، ليس عندهم حقد ولا عداوة ولا عصبيَّة.

نحن يعشِّش الحقد فيما بيننا؛ أحقاد عائليّة وحزبيّة واجتماعيّة ومذهبيّة، كيف ندخل الجنّة؟ سوف نخرّب الجنّة، والله يقول عنها إنها دار سلام.

أخلاق أهل الجنَّة

لذلك، علينا أن نرتب أمورنا من الآن، وأن نستعدّ وندرّب أنفسنا على أخلاق أهل الجنّة. الإمام عليّ(ع) يقول: "احصد الشرّ من صدر غيرك بقلعه من صدرك". دع قلبك يتفايض بالمحبّة والخير. وإذا كان الآخر يحقد عليك، فهذه مشكلته، حتى يطّلع الله على قلبك، فلا يجد في قلبك إلا الخير.. وسارعوا أنتم في الدنيا إلى التّوبة. لا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد، لا تقل غداً أتوب، تب اليوم قبل الغد، والغد قبل الّذي بعده. فإذا كان هناك عمل خير، فأسرع في عمل الخير، وإذا كانت هناك توبة، فأسرع فيها: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ...}.

لمن هذه الجنّة؟ للزّعماء؟! للرؤساء؟! للمستكبرين؟! للمترفين؟! {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء}، هؤلاء الذين أعطاهم الله من فضله، ورأوا أنَّ هناك من يحتاج إلى ما رزقهم الله من رزق، فأنفقوا في السرّاء والضراء، في حالتي السعة والضّيق، ثم {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}. من صفات أهل الجنّة، كظم الغيظ، من زوجتك، من ابنك، من جارك... احبس غيظك {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، احبس غيظك، واعف عمن أغاظك {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

الإمام الحسين(ع) كان له غلام، وقد أذنب ذنباً يستحقّ تأديباً، فقال له الغلام: {والكاظمينَ الغيظَ}، قال: كظمت غيظي. قال: {والعافينَ عنِ الناسَ}، قال: عفوت عنك. قال: {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، قال: اذهب، فأنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك.

وهذه كلمة تبدو سهلة، ولكنّها في الحقيقة صعبة. نحن عندنا نساء ورجال، وحتى مشايخ وحجّاج، يقول لك: "أريد أن أنفّّس عن غضبي كيفما كان"...

غالباً، الذي يملك مسدّساً، رأساً يطلق الرصاص ولا يعرف العواقب، كلّ من جهته يفجّر غيظه.

الله يقول إنَّ أهل الجنّة هم الذين لا يعيشون في حياتهم فكرة أن تكون القوَّة في أن يفجّروا غيظهم، بل هم الذين يملكون الصّدر الواسع والأفق الواسع، بحيث يعفون عمن أساؤوا إليهم ويحسنون إليهم.

وهذه المسألة بحاجة إلى تدريب، حتى يتشجّع الإنسان على هذه الذهنيّة والروحيّة.

{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً - والفاحشة ليست كلّ الأعمال التي تتّصل بالمسائل الجنسيّة، بل إنّ كلّ معصية تجاوز بها الإنسان الحدّ تسمّى فاحشة – أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ - بخطيئة، بكلمة... بمجرّد أن يفعلوا ذلك - ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ - رأساً يستغفرون الله، ولا ينتظرون، ويقولون: اللّهمّ اغفر لنا ذنوبنا - وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ - ربّ إني عملت سوءاً، وظلمت نفسي، فاغفر لي ذنوبي كلّها، فإنّه لا يغفر الذنوب كلّها إلا أنت. هكذا نقول في الدّعاء.

- وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ - المهمّ عندما تخطئ، أن لا تصرَّ على الخطيئة، بل أن تستغفر الله منها فوراً.

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُو}، بمعنى تأتيهم غاشية على عيونهم، ولكن رأساً يرتفعون بالوعي وبذكر الله {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} الحقيقة في هذا المجال - وَهُمْ يَعْلَمُون - ما هو جزاؤهم.

- أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.

القضية تستأهل أن تضغط على أعصابك وتضحّي.

عليّ بن أبي طالب(ع)، عندما يذكر الشهوات يقول: "ما لعليّ ولنعيم يفنى ولذّة لا تبقى؟!". فهل أبيع الجنّة كلّها بلذّة لحظة؟! وأنا قلت لكم مراراً، إنّ كلّ الشهوات والمحرّمات؛ شهوة أكل حرام، شهوة شرب حرام، شهوة جنس حرام، شهوة حكاية حرام، شهوة ضربة حرام... هذه الشهوة بينكم وبين الله عمرها لحظة، لذّة الجنس لحظة، فشّة الخلق لحظة... أنت تبيع خلودك في الجنة بلحظة تورّطك بخلود في النار. إذا ذكرنا الله، نفهم هذه المسألة {أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}. فأيّ أجر أكبر وأعظم من أجر أولئك الذين يعملون في سبيل الله؟!

تقوى الفكر والعاطفة

التقوى، أيّها الأحبَّة، فيها تقوى الفكر، فإذا كان عندك عقل، وعندك علم، وعندك خبرة... يأتي الشيطان يطلب منك أن تسخّر علمك وعقلك وخبرتك في ما يضرّ الناس، وفيما يضرّ الحياة، وفيما يدمِّر الناس، ويعطيك أفكاراً في كيفيَّة إسقاط حريَّة المجتمع، أو في احتلال هذا البلد، أو في تدمير سمعة إنسان أو حرمة إنسان... هنا التقوى تقول لك وأنت تفكِّر، إنَّ الله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.

وإذا لم يكن هناك جهاز يستطيع أن يكشف ما تفكّر فيه، فإنَّ الله يتابعك من بداية تفكيرك في الشّرّ حتّى آخر الأمر: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

وهناك تقوى العاطفة، تقوى القلب، أي عندما ينبض قلبك بالحبّ وينبض بالبغض، فلا تجعل قلبك يحبّ أعداء الله ويبغض أولياء الله، لا تعط قلبك لأيٍّ كان، أعط قلبك لمن يتناسب مع خطِّ إيمانك، فكما أنَّ العقل ينبغي أن يتحرَّك في خطِّ الإيمان، كذلك القلب.

تقوى الجوارح والمواقف

كذلك هناك تقوى الأعضاء والجوارح. وتذكَّروا نقطةً هنا، فعندما يقول أحدكم إنّ يدي أضرب بها زوجتي في البيت، أضرب بها ابني، أضرب بها الضَّعيف عندي... وليس من يعرف أو يرى! وكذلك عندما تسير في خطّ التّآمر، تقول لا أحد يراني.. تذكّر ماذا يقول الله: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}. {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ}.

عندما تمسك يدك كأس الخمر، اعرف أنَّ يدك ستقول غداً أنا حملت الخمر، وستشهد شفتاك عليك بأنّهما تناولتا الخمر...

لهذا، ينبغي على الإنسان أن يبقي هذه الأفكار في ذهنه حتّى تقوده إلى التّقوى، ومنها تقوى المواقف، فلا يجوز لك أن تؤيِّد من لا يريد الله لك أن تؤيِّده، لأنّه ظالم، ولأنّه طاغية، ولأنّه مستكبر، وكذلك عليك أن لا تخذل المؤمنين والصالحين والعادلين والصّادقين.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}.. انظروا من هو الصّادق في كلامه وموقفه وروحه وعقله فكونوا معه، وهذا هو الّذي يفصل بين مجتمع الحسين(ع) ومجتمع يزيد. إنّ الذين كانوا مع يزيد لم يتّقوا الله وكانوا مع الكاذبين، أما الذين عاشوا مع الحسين(ع)، فكانوا الصادقين. ولذلك كان الحسين(ع) عندما يبرز أيّ واحد منهم، كان يتمثّل بهذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيل}.

علينا أن نتّقي الله، وأن نكون في خطّ الصدق كلّه، وفي خطّ الصّادقين في إيمانهم، والصّادقين في مواقفهم وفي مواقعهم وعهدهم لله، والحمد لله ربّ العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بتاريخ:7-1-1420هـ، الموافق: 23 -4-1999.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية